بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. نحمده و نستعينه. و نستغفره و نؤمن به. و نتوكّل عليه و نصلّي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه. حافظ سرّه و مبلّغ رسالاته. بشير رحمته و نذير نقمته. سيّدنا و نبيّنا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين و صحبه المخلصين المجاهدين. و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين. و صلّ على بقية الله في الأرضين. أوصيكم عباد الله بتقوى الله.
( يا أيها الذين آمنوا اتّقوا الله و قولوا قولاً سديداً). (1)
أوصيكم أيها الإخوة و الأخوات جميعاً و نفسي بتقوى الله و مراعاة أعمالكم و أقوالكم و نياتكم و الاستعانة بالله في السير على طريقه.
مع أن اليوم هو يوم ذكرى ميلاد الإمام موسى بن جعفر عليه الصلاة و السلام و كان من المناسب في الخطبة الأولى أن نعبر عن حبنا و إخلاصنا لذلك الكريم، إلّا إنني وجدت أن ذكر الاسم المقدس للنبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلّم و شرح جوانب من حياة ذلك الإنسان العظيم قليل في خطبنا و أحاديثنا و أن الوجه المشرق لدرة تاج الخلقة و جوهر وحدانية عالم الوجود لم يتضح للكثيرين كما ينبغي له - سواء سيرة ذلك الكريم، أو أخلاقه أو سلوكه الفردي أو السياسي - لذلك كنت أريد أن أذكر في إحدى الخطب في الأيام الأخيرة من شهر صفر مواضيع و نقاطاً حول ذلك العظيم بقدر ما یتاح لنا من الوقت و ما یعیننا به الله؛ لكنني خشيت من أن تؤدي كثرة المواضيع و تراكمها مرة أخرى إلى ضياع التعبير عن الإخلاص و هو أمر لازم و ضروري؛ لهذا أريد اليوم أن أتحدث في هذه الخطبة حول ذلك الوجود المقدس.
إن نبي الإسلام الأكرم إضافة إلى ميزاته المعنوية و نورانيته و اتصاله بالغيب و درجاته التي يعجز أمثالي عن إدراكها، فإنه من ناحية الشخصية الإنسانية، يعتبر من الطراز الأول و لا نظير له. لقد سمعتم أموراً كثيرة عن الإمام علي. و يكفي القول بأن ميزة أمير المؤمنين هو أنه كان تلميذاً و تابعاً للرسول. فشخصيته العظيمة جعلته سيد الرسل و الأولياء و ذلک بفضل استيعابه اللامتناهي و سلوكه الفريد مما يوجب علينا أن نقتدي بذلك الكريم؛ حيث يقول: ( و لكم في رسول الله أسوة حسنة ). (2) علينا الاقتداء بالنبي. و هذا الاقتداء لا يتمثل في عدة ركعات من الصلاة بل يجب علينا أن نقتدي به في سلوكنا و أقوالنا و معاشرتنا و تصرفاتنا أيضاً. لذلك ينبغي علينا التعرف عليه.
لقد ربى الله تعالى شخصيته الروحية و الأخلاقية في وعاء خاص بحيث جعله قادراً على حمل تلك الأمانة العظيمة على عاتقه. لننظر نظرة عابرة إلى حياة النبي الأكرم في مرحلة طفولته. لقد مات أبوه قبل ولادته علی أساس إحدى الروايات أو بعد ميلاده ببضعة أشهر علی أساس رواية أخرى. و كان من عادات و تقالید العوائل النبيلة العريقة في الحجاز آنذاك أن تتخير لأبنائها من السيدات العفيفات و الأصيلات و الشريفات من يقمن بتربيتهم في البادية و بين القبائل العربية، لقد اختير لهذا الفتی العزيز سيدة أصيلة عريقة شريفة تسمى حليمة السعدية من قبيلة بني سعد. فأخذته إلى قبيلتها و أرضعته و تکفلت برعایته نحو ستة أعوام. و هکذا نشأ النبي في البادية. و كانت حليمة في بعض الأحيان تأخذ الصبي إلى أمه - السيدة آمنة - و بعد أن تراه أمه کانت تعود به. و بعد ستة أعوام و حينما تمتع هذا الصبي بحالة ممتازة جداً من ناحية النمو الجسمي و الروحي - أصبح قوياً و جميلاً و نشطاً و كفوءاً من الناحية الجسمية؛ برزت فيه صفات الصبر و حسن الأخلاق و السلوك و الأفق الواسع، و التي هي متطلبات الحیاة في تلك الظروف - قد أعيد إلى أمه و أسرته. و عندئذ أخذته أمه و ذهبت به إلى يثرب؛ لتزور قبر أبيه عبد الله - حيث مات و دفن هناك. و عندما مرّ النبي علی ذلک المکان و هو في طریقه قال، هنا قبر والدي و أنا أتذكر أنني كنت قد جئت مع أمي إلى هنا لزيارة قبر أبي. توفيت أمه في طريق العودة في منطقة كانت تسمى الأبواء و أصبح هذا الصبي يتيم الأبوین. و بهذا الشكل ازداد استيعاب هذا الصبي الروحي الذي يجب عليه في المستقبل أن يربّي عالماً في استيعابه الوجودي و الأخلاقي و أن یعمل علی تقدمه. و في تلك الأثناء عادت به أم أيمن إلى المدينة و أودعته عند عبد المطلب. كان عبد المطلب يرعی هذا الصبي واعتنى به کعنایته بنفسه العزيزة حتى آخر حیاته . يقول عبد المطلب في شعر له ما یدل علی أنه کان بمثابة الأم له. فهذا الشیخ البالغ من العمر نحو مائة عام - و كان رئيساً لقريش مع ما له من شرف و عزة - عطف على هذا الصبي بكل ما لديه من محبة، حيث شب هذا الصبي دون أن يعاني فقدان المحبة أبداً. و الغریب في الأمر هو أن هذا الصبي، تحمل صعوبة البعد عن والديه، لكي يزداد فيه هذا الاستيعاب و الاستعداد و الموهبة؛ لكنه لم يشعر بأدنى قدر من الذل الذي يمكن أن يعاني منه بعض الأطفال من هذا القبيل. لقد كان عبد المطلب شديد الحب له مما أثار دهشة الجميع. لقد جاء في كتب الحديث و التاريخ أنه كان يبسط له فراش و توضع له وسادة بجوار الكعبة و إنه كان يجلس على الفراش و كان يجتمع حوله أبناء بني هاشم و شبابهم بكل عزة و احترام. و عندما لم يكن عبد المطلب هناك أو كان داخل الكعبة، كان يجلس هذا الصبي على فراش جده. حينما كان يأتي عبد المطلب، کان شباب بني هاشم يقولون لهذا الصبي: انهض، هذا مكان أبينا. لكن عبد المطلب كان يقول لهم لا، هذا المكان له و يجب أن يجلس هنا. ثم كان يجلس إلی جواره دون أن يبعده عن ذلك المكان. مات عبد المطلب لما كان الصبي في الثامنة من عمره. و جاء في الروايات أن عبد المطلب أخذ البيعة من أبي طالب - و هو من أعز أبنائه و أرفعهم درجة عنده - و قال استودعك هذا الصبي؛ عليك أن تحميه كما أحميه. فقبل أبوطالب ذلك و ذهب به إلى بيته و احتضنه كنفسه العزيزة. و ظل أبو طالب و زوجته - إمرأة العرب الباسلة؛ أعني فاطمة بنت أسد؛ أم أمير المؤمنين - يحميان هذا الإنسان السامي نحو أربعين سنة كوالديه. في مثل هذه الظروف قضی النبي الأكرم طفولته و شبابه.
فالميزات الأخلاقية السامية، و الشخصية الإنسانية الكريمة، و الصبر و التحمل الشديد، و معرفة الآلام و المحن التي يمكن أن تحدث للإنسان في مرحلة الطفولة، مهدت لتشكيل شخصية عظيمة ذا صلابة و قوة في هذا الطفل. و اختار بنفسه أن یکون راعیاًً لماشیة عمه أبی طالب أیام صباه. و کانت هذه من العوامل التي ساعدت علی استكمال شخصيته. كما اختار هو بنفسه في تلك المرحلة أن يسافر مع أبي طالب للتجارة. و قد تكررت رحلاته التجاریة شيئاً فشيئاً، إلى أن وصل إلى مرحلة الشباب و الزواج مع السيدة خديجة و وصل إلى سن الأربعين و هي مرحلة النبوة.
لقد اجتمعت فيه كافة ميزات الإنسان الراقي؛ و سأتحدث باختصار حول جانب من مميزاته الأخلاقية. لكن في الحقيقة يحتاج المرء إلى ساعات كثيرة لكي يتحدث حول ميزات النبي الأخلاقية. اقتصر في الدقائق التالية على الحديث حول هذه المواضيع بغية التعبير عن حبي و حتى أكون قد عرضت على الخطباء و الكتاب بشكل عملي ضرورة بذل المزيد من الجهود لتبيين أبعاد شخصية النبي التي تمثل بحراً عميقاً. إن العديد من الكتب تحتوي على القدر الوافر من المواضيع حول أخلاق النبي الأكرم. و الذي أذكره هنا، اقتباس من بحث لأحد العلماء المعاصرين - المرحوم آية الله الحاج السيد أبوالفضل الموسوي الزنجاني - الذي كتب بحثاًً حول هذا الموضوع و أنا استفدت من بحثه المختصر المفيد.
نقسّم أخلاق النبي باختصار إلى الأخلاق الشخصية و الأخلاق الحكومية . أي أخلاقه كإنسان و أخلاقه و ميزاته و سلوكه كحاكم. و هذا بالطبع جزء من الأمور التي كانت في وجود ذلك الإنسان العظيم. و هناک الأضعاف المضاعفة لهذه الأخلاق السامیة التي برزت في شخصيته و سأذكر لکم مقتطفات منها. إن هذا الإنسان العظيم كان إنساناً أميناً و صادقاً و صبوراً و حليماً. كما كان شجاعاً؛ و كان يدافع عن المظلومين في كافة الظروف. كان صادقاً؛ و كان سلوكه مع الناس قائماً على أساس الصدق و الإخلاص. كما كان طيّب القول؛ ما كان لسانه لاذعاً. و كان عفيفاً؛ و کان هذا العظیم في أیام شبابه معروفاً لدى الجميع بالعفة و الحياء و النجابة في تلك الأجواء المنحطة أخلاقياً و المسیطرة على الحجاز قبل الإسلام، و قد أقرّ الجميع بنجابته و بعده عن الخبائث. و كان يهتم بنظافة ظاهره، فكان نظيف الملبس؛ و الرأس و الوجه، و كان مميزاً بحسن السلوك. و كان شجاعاً لا تهزه العواصف و لا يخشی كثرة الأعداء. و كان صريح القول؛ و يتحدث بكل صراحة و صدق. و كان زاهداً و حكيماً في حياته. كان رجلاً رؤوفاً متسامحاً، ينفق ماله و يتجنب الثأر، و من صفاته العفو و التجاوز. كما كان مؤدباًً جداً؛ لم يمد رجله أبداً أمام الآخرين؛ و لم يهن أحداً أبداً. كما كان ذا حياء شديد. و كان عندما يعاتبه أحد على ما یراه هو مناسباً - و هناك نماذج كثيرة من هذه المواقف في التاريخ - فإنه كان يستحي و يطرق برأسه خجلاً و حياءاً. و کان رحيماً متسامحاً للغاية و كان رجل عبادة. كل هذه الميزات تمثلت في شخصية الرسول الأكرم (ص) و في جميع مراحل حياة ذلك الإنسان العظيم، منذ صباه و حتى وفاته في الثالثة و الستين من العمر.
و سأختصر الحديث عن بعض هذه الخصال:
لقد كان يهتم بالأمانة إلى درجة لقبه الناس معها في الجاهلية بلقب الأمين فكان الناس يودعون لديه أماناتهم المهمة للغاية، و كانوا يثقون برد هذه الأمانات سالمة إلیهم. حتى بعد بداية دعوة الإسلام و إشعال نار العداء و البغضاء مع قريش، حينما كان الأعداء يريدون أن يودعوا أماناتهم، فإنهم كانوا يحفظونها عند الرسول! لذا فقد سمعتم ربما بأن الرسول حينما هاجر إلى المدينة، ترك أمير المؤمنين في مكة لكي يؤدي للناس أماناتهم. و هنا يتضح أن هناك أموالاً كان ذلک العظيم قد أؤتمن علیها؛ و لم تکن من جانب المسلمين، بل كانت من جانب الكفار و الذين نصبوا له العداء!
لقد كان الرسول شديد الصبر لدرجة لا يغضب عند سماعه شيئاًً مثیراً للغضب. و أحياناً كان الأعداء يؤذونه في مكة لدرجة أن أبي طالب حينما سمع ببعض ذلك جرد سيفه غضباً و ذهب إليهم مع خادمه و فعل بهم ما فعلوه بالرسول و قال: إذا اعترض أيّ واحد منكم، فسأقطع عنقه؛ في حين تحمل النبي كل ذلك بحلم. ذات يوم وجه إليه أبوجهل إهانة شديدة إثر نقاش بينهما؛ لكن الرسول (ص) قابله بالصمت و الصبر. و عندما أخبر أحد الأشخاص حمزة عن إساءة أبي جهل لابن أخيه؛ غضب حمزة و ذهب إلى أبي جهل و ضربه بالقوس على رأسه حتى جری دمه. ثم جاء و أسلم إثر هذه الحادثة. و أما بعد الإسلام فإن بعض المسلمين كانوا يوجهون للنبي أحياناً كلمات تؤذيه غفلة أو جهلاً عن بعض الأمور؛ حتى إن إحدى زوجاته - و هي زينب بنت جحش التي كانت من أمهات المؤمنين - قالت للرسول (ص) أنت نبي و لكنك لا تعدل! فابتسم الرسول و سكت. كانت تتوقع منه أمراً في الحياة الزوجية و لم یستجب إلیها، و ربما أشرت إليه لاحقاً. كان البعض يأتون أحياناً إلى المسجد فيمدّون أرجلهم و قالوا للرسول (ص): قلّم لنا أظفارنا! - حيث جاء الحث على تقليم الأظافر - و كان الرسول (ص) يتحمل كل هذه الإهانات و سوء الأدب بصبر شديد.
و قد بلغت به شهامته إلی العفو عن أعدائه. كما كان يسرع إلى مساعدة المظلوم أينما وجد.
و قد اشترک النبی أیام الجاهلیة بمعاهدة تسمى حلف الفضول و هي لیست تلک التي کانت بين أهل مكة. جاء رجل غريب إلى مكه و باع بضاعته. و الذي اشترى منه بضاعته كان يسمى العاص بن وائل الذي كان من أشراف مكة المتغطرسين فلم يعطه ثمن ما اشتراه. و كلما قصد الرجل واحداً من أهل مكة، لم يتمكن من أن يأخذ حقه منه. فوقف على جبل قبيس و صاح: يا أبناء فهر! لقد ظلمت. فسمع الرسول و عمه الزبير بن عبد المطلب تلك الاستغاثة؛ فاجتمعا معاً و قررا الدفاع عن حقه. فذهبوا إلى العاص بن وائل و قالوا عليك أن تدفع ماله؛ فخاف العاص بن وائل و أجبر أن يعطي مال الرجل. و ظل هذا الحلف قائماً بينهم و قرروا الدفاع عن كل غريب يدخل مكة و يظلم حيث کان الغریب يظلم و کذلک أهل مكة في أكثر الأوقات. بعد مضي أعوام من مجيء الإسلام كان الرسول يقول: إنني مازلت اعتبر نفسي ملتزماً بذلك الحلف. و كم كان يعامل أعداءه المقهورين بسلوك لم يكونوا قادرين على فهمه. في السنة الثامنة للهجرة، و عند فتح النبي مکة بكل عظمة و اقتدار: قال اليوم يوم المرحمة لذا لم يثأر. هذه هي شهامة ذلك الإنسان العظيم.
و كان رجلاً صالحاً. سبق أن قلنا إنه كان يعمل بالتجارة أیام الجاهلية؛ و كان يسافر إلى الشام و اليمن، و یرافق القوافل التجارية و كان له شركاء. يقول أحد شركائه في الجاهلية إنه كان أفضل شريك لي؛ فلم يكن يعاند و لا يجادل و لا يلقي بأعبائه على عاتق شريكه، و لا يتعامل مع الزبائن بسوء، و لا يبيع لهم بثمن باهظ، و لا يكذب عليهم، كان صادقاً. و لهذا الصدق أعجبت به خديجة. كانت خديجة سیدة النساء في مكة و كانت شخصية بارزة في الحسب و النسب و الثراء.
و کان الرسول إنساناً نظیفاًً منظماً في طفولته على عكس أطفال مكة و القبائل العربية. كان يسرّح شعره أیام صباه؛ و كان يمشط رأسه و لحيته في شبابه؛ و حتى بعد مجيء الإسلام و بعد أن ودّع مرحلة الشباب و بلغ مرحلة الشيخوخة - كان عمره حوالي خمسين أو ستين سنة - كان مستمراً على التزام بالنظافة. شعره المبارک الذي كان يغطی أذنيه، كان نظيفاً و لحيته الجميلة أيضاً نظيفة و معطّرة. قرأت في إحدى الروايات إنه كان له إناء ماء في بيته حيث كان ينظر فيه إلى وجهه المبارك فلم تكن المرآة متوفرة آنذاک. و كان يسوّي عمامته و لحيته إذا أراد أن يخرج إلى أصحابه (3) أي إنه كان يرتب و ينظف عمامته و لحيته عندما كان يريد أن يخرج إلى المسلمين و أصدقائه. و كان يعطر نفسه دوماً. في أسفاره و مع إنه كان زاهداً في حياته كان يحمل معه العطر و المشط، و سأبيّن لاحقاً إنه كان شديد الزهد في حياته. كما كان يحمل الكحل، حتى يكحّل عينيه؛ و كان هذا متعارفاًً بين الرجال في ذلك العهد. كان ينظف أسنانه مرات عديدة كل يوم. و كان يوصي الآخرين بهذه النظافة و حسن الظاهر و تنظيف الأسنان. البعض يخطئون حينما يتصورون أن حسن الظاهر يجب أن يكون مقترناً بالإسراف و الارستقراطية؛ كلا. يمكن أن يلبس الإنسان لباساً بالياً مرقعاً مع الحفاظ على النظم و النظافة. كان لباس الرسول لباساً مرقعاً بالياً؛ لكن لباسه و وجهه كان نظيفاً. لمثل هذه الأمور تأثير كبير في المعاشرة و السلوك و الشكل الظاهري و الحالة الصحية. هذه الأمور الصغيرة في الظاهر لها تأثير كبير في الباطن.
كان يعامل الناس بحسن سلوك. كان طلق الوجه دائماً بين الناس. حينما كان يخلو مع نفسه، فإن همومه و أحزانه كانت تظهر في ذلك المكان. لم يكن يبدي للناس ما يعانيه من حزن و أشجان و محن. كان طلق الوجه. كان يسلم على الجميع. و عندما كان يؤذيه أحد، كانت آثار تلک المأساة تظهر في وجه؛ لكنه لم يكن يشتكي بلسانه. لم يكن يسمح لأحد أن يسب الآخرين أو يتحدث بما يسيء للآخرين في مجلسه. و لم يكن هو نفسه يسب الآخرين أو يتحدث بما يسيئهم. كان يعطف على الأطفال و النساء؛ و كان يعامل الضعفاء معاملة حسنة؛ و كان يلاطف أصحابه و یسابقهم في رکوب الخيل. و كان فراشه و وسادته جلداً من ألياف النخيل. و كان أغلب طعامه خبز الشعير أو التمر. و لقد كتبوا بأنه لم يشبع بطنه أبداً من خبز القمح - و لا من الأطعمة المنوعة - لثلاثة أيام متوالية. تقول عائشة أم المؤمنين ربما كان يمر شهر و لا يرتفع الدخان من المطبخ. و كان الرسول يركب الدابة بلا سرج و بلا ركاب. في حین كانوا يركبون الخيول المسرجة و باهضة الثمن و يتفاخرون بها فإنه كان يمتطي الحمار. و كان متواضعاً. كان يرقع نعله بيده.(4) و هذا ما كان يفعله دائماًًً تلميذه المشهور في هذه المدرسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كما نقل عنه في الروايات كثيراً. و مع أنه كان لا يرى عيباً في كسب المال عن طريق الحلال و كان يقول: نعم العون على تقوى الله الغنى (5) و عليكم كسب المال عن طريق الحلال لا عن طريق الحرام و الزيف و الكذب، إلا أنه كان يتصدق على الفقراء بكل ما يكسبه من المال. عبادته كانت لدرجة أن قدميه كانت تتورمان من طول الوقوف في محراب العبادة. كان يقضي القسم الأعظم من الليالي في العبادة و التهجد و التضرع و البكاء و العبادة و الاستغفار و الدعاء. كان يناجي ربه و يستغفره. و كان يصوم شهري رجب و شعبان إضافة إلى الكثير من أيام السنة - كما سمعت - و في ذلك الجو الحار. و عندما قال له أصحابه: يا رسول الله! ليس لك ذنب؛ غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر - حيث جاء في سورة فتح ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر )(6)، فلماذا كل هذا الدعاء و العبادة و الاستغفار؟! كان يقول: ( أفلا أكون عبداً شكوراً )،(7) أفلا أكون عبداً شکوراً لله الذي أعطاني كل هذه النعم؟!
كانت استقامته إلى درجة لا يمكن أن يتصور لها نظير في تاريخ البشرية. استقام إلى أن تمكن من ترسيخ هذا الكيان الإلهي الخالد و المتين. هل يمكن ذلك دون استقامة؟ و بفضل استقامته هذه رفع عماد خيمة البشرية الخالدة وسط صحراء الحجاز المقفرة؛ ( فلذلك فادع و استقم كما أمرت ). (8) هذه هي أخلاق الرسول الشخصية.
و لنقف الآن علی أخلاق الرسول الحكومية. كان صلوات الله عليه و آله عادلاً و مدبراً. من يقرأ تاريخ هجرة النبي إلى المدينة - و تلك الحروب بين القبائل، تلك الهجمات، و إخراج العدو من مكة إلى وسط الصحارى، و تلك الضربات المتوالية، و ذلك الصراع مع العدو المعاند - فإنه سيلاحظ تدبيراً قوياً و حكيماً و شاملاً جداً خلال هذا التاريخ الذي يدهش العقول و لا مجال لدي الآن لإيضاحه.
كان يحافظ على القانون و النظام و ما كان يسمح لأحد - سواء نفسه أو الآخرين - أن ينقض القوانين. کان هو نفسه خاضعاً للقوانين أيضاً. و هذا ما تؤكد عليه آيات القرآن. كان يعمل بشكل دقيق جداً وفقاً للقوانين التي كان يجب على الناس أن يعملوا علی أساسها و لم يكن يسمح بأدنى حدٍ من حدود تجاوز القانون. عند ما غزا المسلمون بني قريضة و أسروا رجالهم و قاتلوا خائنيهم و غنموا أموالهم و ثروتهم، فإن بعض أمهات المؤمنين و منهن زينب بنت جحش، و عائشة، و حفصة، قلن للنبي: يا رسول الله! لقد غنمنا كل هذه المجوهرات و الثروات من اليهود، فاجعل لنا نصيباً منها. لكن الرسول لم يخضع لطلباتهن مع أنه كان يحب هؤلاء النساء، و كان يعاملهن معاملة حسنة. لو كان يريد الرسول أن يجعل من هذه الثروات نصيباً لزوجاته، فإن المسلمين لم يكونوا ليعترضوا إليه؛ لكنه لم يخضع لذلك. فلما زاد إلحاحهن، اعتزلهن الرسول شهراً كاملاً بسبب توقعاتهن. ثم نزلت آيات سورة الأحزاب الشريفة (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء)(9)، و (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها فتعالين امتعكنّ و اسّرحكن سراحاً جميلاً).(10) و ( إن كنتن تردن الله و رسوله و الدار الآخرة فإن الله أعدّ للمحسنات منكنّ أجراً عظيماً) (11). قال لهن الرسول: إن كنتن تردن العيش معي، فإن حیاتي حیاة الزاهدين و لا يمكن تعدي القانون.
و من سجایاه الحكومية أيضاً مراعاته للعهود. لم ينقض عهداً له على الإطلاق. و عندما نقضت قريش عهده، وفّى هو بعهده. و كذلك نقض اليهود عهده، ظل هو وفياً لعهده.
كما كان النبي حافظاً للسر. عندما خرج لفتح مكة، لم يعلم أحد إلى أين يريد أن يذهب. عبأ الجيش برمته و أمرهم بالخروج. قالوا: إلى أين، قال: سيتضح ذلك فيما بعد. لم يسمح لأحد أن يعلم بأنه قصد الذهاب إلى مكة. تصرف بطريقة لم تعلم معها قريش بقدومه حتى اقترابه منها.
و لم يساو بين الأعداء. و هذه من الميزات المهمة في حياة النبي. فبعض الأعداء كانوا أعداء ألدّاء؛ لكنه لم يتعرض لهم ما لم يلمس خطرهم و كان متسامحاً معهم. و كان هناك بعض الأعداء الذين كان النبي يشعر بخطرهم، و كان يراقبهم و يقف تجاههم بکل حذر؛ كعبد الله بن أبي. لقد كان عبد الله بن أبي - منافقاً من الدرجة الأولی - يتآمر على الرسول؛ لكن الرسول كان يراقبه فقط، و لم يكن يهتم به حتى آخر حياته. و قد مات عبد الله بن أبي قبيل رحيل الرسول، لكن الرسول كان يتحمله. لقد كان أولئك من الأعداء الذين لا يشكلون خطراً شديداً على الحكومة و النظام الإسلامي و المجتمع الإسلامي. و لكنه كان شديداً على أولئک الذین يشكلون خطراً. ذلك الرجل الرحيم و المتسامح الكبير، أمر بقتل خائني بني قريظة - و كانوا عدة مئات - في يوم واحد، و أخرج بني النضير و بني قينقاع. و فتح خيبر؛ لأنه کان یعتبر سكان خبير عدواً خطراً. لقد عاملهم الرسول برفق عند قدومه إلى مكة؛ لكنهم خانوه و طعنوه بظهره و تآمروا علیه و هددوه. إن الرسول كان يتحمل عبد الله بن أبي؛ و يهود المدينة؛ أو من استجار به و من لم يؤذه من قريش. عندما فتح مكة، عفا عن أمثال أبي سفيان و عدد من الكبار الآخرين؛ لأنهم لا يمثلون خطراً، لكنه قام بالقضاء على هذا العدو اللدود الخطر الذي لا يمكن الثقة به. تعتبر هذه الأمور من سجایا ذلك الإنسان العظيم الحكومية. كان واعياً لوساوس العدو؛ و كان متواضعاً أمام المؤمنين، و كان مطيعاً لأمر الله و كان عبداً له بالمعنى الحقيقي للكلمة، كان حريصاً على توفير مصالح المسلمين. و هذه هي نبذة مختصرة من أوصاف شخصية ذلك العظيم.
اللهم! نسألك أن تجعلنا من أمة محمد. أنت تعلم بأن قلوبنا ناضحة بحب النبي؛ فأحينا بهذه المحبة النورانية و السماوية و أمتنا علی هذا الحب اللامتناهي. اللهم! و ارزقنا زيارة وجه النبي يوم القيامة. و ارزقنا العمل بأحكام النبي و التشبه بخلقه. و اجعله أسوة حقيقة لنا و اجعل المسلمين عارفين حقيقيين لشأن ذلك العظيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً أحد. (12)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين. سيّما على أمير المؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين. و الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة، و علي بن الحسين زين العابدين، و محمّد بن علي الباقر، و جعفر بن محمد الصادق، و موسى بن جعفر الكاظم، و علي بن موسى الرضا، و محمد بن علي الجواد، و علي بن محمّد الهادي، و الحسن بن علي الزكي العسكري، و الحجة الخلف القائم المهدي. حججك على عبادك و أمنائك في بلادك و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين.
في الخطبة الثانية أريد أن أتحدث عن الوحدة الوطنية التي هي شعارنا في هذا العام و التي تواجه تهديداً خطيراً من جانب الأعداء و المغرضين، فكيف تتحقق الوحدة الوطنية؟ إنني أرجو كل من يعتقد من أعماقه بالنظام الإسلامي و بالدستور أن يستمع إلى حديثنا. و أما الذين لا يعتقدون بذلك - و هم قليلون في بلادنا لحسن الحظ - إذا انتبهوا لما أقول، فقد یکون ذلك وسيلة لهم لیکتسبوا الهداية الإلهية لأنفسهم. طبعاً اجتماع اليوم اجتماع عظيم. و هناك فضلاً عن أهالي طهران الأعزاء الذين يشاركون في صلاة الجمعة، جمع من شباب قم المؤمنين الصالحين و جمع من علماء و أئمة الجماعة المحترمين في مدينة طهران.
إن الثورة عبارة عن تحول أساسي قائم على سلسلة من القيم، و تعتبر حركة تقدمية. و ما حدث في بلدنا هو ثورة إسلامية، حيث كان تحولاً أساسياً في الأركان السياسية و الاقتصادية و الثقافية للمجتمع و حركة إلى الأمام و خطوة نحو تقدم البلد و الشعب. طبعاً نحن لم نحذ حذو الشرق و الغرب في هذا النظام المنبثق عن الثورة. و هذه نقطة مهمة للغاية. لم يكن بإمكاننا أن نحذو حذو هؤلاء الذين كنا نعد أنظمتهم خاطئة و معاكسة للمصالح البشرية. و لم يكن الأمر متعلقاً بتعصب مذهبي أو ديني أو جغرافي؛ بل كان الموضوع هو أن الأسس التي تقوم عليها الأنظمة الشرقية الشيوعية - و لم تعد في العالم اليوم مثل هذه الهوية - و كذلك الأنظمة الغربية، هي أسس خاطئة؛ و لهذا فلم نستطع و لم نرغب بأن نحذو حذوهم. و أسوتنا في ذلک هي القيم الأخرى التي أشرت إلى بعضها.
أما السبب في عدم اقتدائنا بهذين النظامين العالميين - الشرقي الشيوعي و الغربي الرأسمالي - فهو لأنهما نظامان باطلان. لقد كانت الأنظمة الشيوعية أنظمة مستبدة ترفع شعار الحكومات الشعبية؛ و في الوقت ذاته كانت ارستقراطية. و مع أنها كانت تدعي معارضة الارستقراطية، فإنها كانت ارستقراطية و طبقية على الصعيد العملي. فلقد كانت في غاية الاستبداد، و كانت الحكومة تهيمن تماماً على الاقتصاد و الثقافة و السياسة و سائر النشاطات الاجتماعية المنوعة و ما سوى ذلك! و ما كان للشعوب دور في الحكومات الشرقية. و قد شاهدت ذلك عن کثب عند زيارتي لتلك البلدان التي كانت على وشك الاضمحلال. و مع أنه كانت توجد على رأس بعض البلدان المتخلفة و الفقيرة حكومة عمّالية في الظاهر حسب ظنهم؛ إلّا أنها كانت تكرر نفس ما كانت تقوم به البلاطات الملكية البائدة من أخطاء! فلم تكن هناك انتخابات في تلك البلدان، و لم يكن هناك صوت للشعب، لكنهم كانوا يسمون أنفسهم ديمقراطيين و كانوا يدعون الديمقراطية! و لم يکن للجماهير أدنى دور: كان الشعب تابعاً للحكومة مائة بالمائة من الناحية الاقتصادية، و من ناحية النشاطات الاقتصادية! و من الواضح أن مثل هذه الحكومات مهددة بالزوال. لكنها استطاعت أن تجذب إليها جموعاً من الشباب في كل أنحاء العالم و أن تقيم بعض الحكومات بسبب ما كانت ترفعه من شعارات برّاقة و جذّابة؛ إلّا أنها لم تتمكن أن تستمر. حيث شاهدتم مصيرها؛ و زالت تماماً بعد عدة عقود. و كان من الطبيعي بالنسبة لنا ألّا نحذو حذو تلك الحكومات. في اليوم الذي انتصرت فيه ثورتنا - يعني منذ واحد و عشرين عاماً - لم تكن هناك ثورة في العالم لا تنتمي إلى هذه المدرسة الشرقية - سواء ما تسمى بالماركسية أو بالاشتراكية في أحسن أحوالها - لكن الإسلام و الشعب الإيراني و قائده رفض ذلك و لم يقبله و لم يبالوا به.
لم نرغب و لم يكن بإمكاننا أن نرى في الغرب أسوة لنا؛ فقد كان الغرب يتمتع بأشياء، و لكنها كانت على حساب أشياء أخرى تفوقها من حيث الأهمية. فالغرب کان یملک العلم، و لم يكن يملک الأخلاق؛ كان يملک الثروة، و لم یحقق العدالة؛ و كان يملک التقنية المتقدمة، و لكنه كان يسير باتجاه دمار الطبيعة و أسر الإنسان؛ كان الغرب يدعي الديمقراطية و الحكومة الشعبية، لكنه كان في الحقیقة رأسمالياً و لیس شعبياًً، هذا هو الوضع اليوم. و إنني لا أزعم هذا من عند نفسي، و لا أقوله نقلاً عن كاتب مسلم متعصب فلاني، بل أقوله نقلاً عن الغربيين أنفسهم. و ما يوجد الآن في البلدان الغربية و في أمريكا ممّا يسمى بالديمقراطية و الانتخابات هو أمر ظاهري، و ليس في الباطن سوى حكم الرأسمالية. إنني لا أرغب في التصريح بأسماء كتابهم أو كتبهم، و لكن الكتاب الأمريكيين يوضحون و يكتبون حول كيفية إقامة انتخابات البلديات و مجلس النواب و رئاسة الجمهورية. إن من يلقي نظرة على ذلك فإنه سيجد أن صوت الشعب ليس له أدنى دور تقريباً، و من يتخذ القرار النهائي ما هو إلا المال و رؤوس الأموال و وسائل الدعاية الحديثة إلى جانب الخداع و استقطاب مشاعر البسطاء من جماهير الشعب! فهناك اسم الديمقراطية فقط، لكنها ليست من الديمقراطية بشيء أبداًً. لقد حدثت حالات التقدم العلمية في الغرب، لكنها أصبحت وسيلة لاستثمار الشعوب الأخرى. فبمجرد أن يحقق الغربيون أي تقدم علمي، فإنهم لا يلبثون أن يحولوه إلى سيطرة سياسية و اقتصادية، فذهبوا إلى شرق العالم و غربه بحثاً عن البلدان التي يمكن لهم استثمارها، و لقد فعلوا ذلك بلا هوادة. باستثناء ما لم يمكنهم استثماره! كانت هناک حرية في الغرب، لكنها كانت مصحوبة بالظلم و الفساد و الانحلال. الصحف في الغرب تتمتع بالحرية و تكتب حول كل شيء، لكن إلى من تنتمي؟ هل تنتمي إلى الشعب؟ هذا أمر واضح عندهم فليذهبوا و ليشاهدوا الحقيقة. هل يمكنكم أن تذكروا اسم صحيفة واحدة في كل أوربا و أمريكا ليست ملكاً للرأسماليين! إن حرية الصحافة لديهم تعني حرية أصحاب رؤوس الأموال ليقولوا ما يريدون، و تخريب ما يرغبون في تخريبه و تكبير من يريدون؛ و توجيه الرأي العام حسب ما يرغبون فيه! و هذه ليست من الحرية في شيء. و لو برز فيهم من يتحدث ضد الصهيونية - كالكاتب الفرنسي (13) الذي ألّف عدة كتب ضد الصهيونية و قال: إن ما زعموه من إحراق اليهود في أفران إحراق البشر، ليس حقیقياً - فسيعاملونه بشكل آخر! و لو كان هناك من لا ينتمي لأصحاب رؤوس الأموال و مراكز السلطة الرأسمالية، لما وجد فرصة للإفصاح عما یرید قوله، و لن يصل ما يقوله إلى الأسماع و لن يتمتع بحرية التعبير! أجل؛ إن أصحاب رؤوس الأموال يتمتعون بالحرية في قول ما يريدون عن طريق ما يمتلكونه من صحف و إذاعات و تلفزة! هذه الحرية لا قيمة لها؛ إنها ضد القيم. فالحرية لديهم تعني جر الجماهير نحو الانحراف و عدم الإيمان؛ و إشعال الحروب أينما شاءوا، و فرض السلام أينما يريدون، و تسويق الأسلحة أينما يرغبون. و هل هذه من الحرية في شيء؟
و كان من الطبيعي بأن لا يمكن للأنظمة الغربية أن تكون قدوة لشعب ضحّى بنفسه و أعزائه من أجل الثورة و كان بقیادة عالم رباني ينوب عن الأنبياء. فإذن نحن لم نخط خطی الأنظمة الغربية و لا الشرقية؛ بل اقتدينا بالإسلام و جماهيرنا اختاروا النظام الإسلامي علی أساس معرفتهم للإسلام. كان شعبنا قد قرأ كتباً إسلامية و كان على علم بالروايات و القرآن، و كان قد جلس تحت المنابر. إن المثقفين المتدينين - سواء العلماء أو الحوزويون أو العلماء أو الجامعيون - قد حققوا أموراًً كبيرة في العقود الأخيرة. و كان الشعب قد اعتاد على عددٍ من هذه القيم التي يتبعها. و مهما بحثعن هذه القيم في النظام البائد فلن یجد لها أثراًً. كانت الثور ة هي الوسیلة للحصول على تلك القيم. و لكن ما هي هذه القيم؟ إنني أذكر هنا بعضاً من هذه القيم. طبعاً لو أردنا التعبير عن هذه القيم في كلمة واحدة، فإنني سأقول: الإسلام، لكن هذا الإسلام مجمل، و له تفاصيل متنوعة. كان يتطلع شعبنا إلى قيم جمعها الإسلام و أنا أشير إلى بعض منها: القيمة الأولى هو الإيمان. فقد كان الناس غير راضين عمّا جرى من مظاهر الانحطاط الأخلاقي و التسيّب و ضعف الإيمان و كانوا يرغبون في تقوية قلوبهم بالإيمان. و القيمة الأخرى هي العدالة. كان الناس يلاحظون بأن المجتمع، يعاني من فقدان العدالة. و كان الظلم يستغرقهم من أم رأسهم إلی أخمص قدمیهم؛ حتى إن بعضهم يظلم البعض الآخر. و كذلك داخل النظام الطاغوتي كان الظلم سائداً بين عناصره، و كانوا يمارسون الظلم ضد الجماهير. كذلك كان الظلم سائداً في القضاء، و في تقسيم الثروات و في مجال العمل، و كانوا يمارسون الظلم على المدن النائية و على الضعفاء. فكان الظلم شائعاً في كل مكان و كان ممکناً للمرء أن يلمس هذا الظلم و يشعر به. كان الناس يتطلعون إلى العدالة و إزالة الفوارق الطبقية و کانوا يتطلعون إلی القضاء على الفقر. و هذه قيمة أخرى كان الناس يتطلعون إليها. و هذا موضوع آخر غير العدالة. يكون بعض الأفراد في المجتمع في ذروة الثراء و الترف، لكن البعض الآخر يكون محروماً حتى من ضروريات الحياة. و هذا ما يشمئز منه الجميع و لا يقبله أحد. كان الناس يتطلعون إلى إزالة الفوارق الطبقية أو تقريب المسافة بين هذه الطبقات. إننا لم نكن ندعي كالشيوعيين بأن على الحكومة منح لقمة العيش للجميع أو أن تمنحهم رواتب مساوية. كلا. لكن الفوارق الطبقية كانت مذهلة بحيث لا يرضى بها الشعب و لا الثوار المسلمون و لا قائدهم.
إن النظام الطاغوتي و الأنظمة التي تولت الحكومة في إيران لم تكن أنظمة شعبية. و لم يكن للشعب أدنى دور في الحكومة. جاء شخص بمساعدة البريطانيين و قام بانقلاب في طهران ثم سمى نفسه ملكاً. و عندما أراد مغادرة إيران - أعني عندما أرادوا منه مغادرة إيران بسبب كهولته و عدم جدارته - نصب ابنه ملكاً من بعده! فمن كان هذا الابن و ما شأنه؟ و ما هو دور الشعب و ما هو رأيهم؟! هذا ما لم يطرح على الإطلاق. و كان القاجاريون قبلهم. فكان يموت حاكم فاسد ليحل مكانه فاسد آخر. لم يكن للجماهير أدنى دور في إدارة الحكومة و انتخابها. هذا ما يرفضه الشعب. كان الناس يريدون أن تكون الحكومة جزءاً منهم، و منبثقة عنهم، و أن تترک آراؤهم أثراًً علی الحكومة.
و القيمة الأخرى هو الالتزام بالدین. كان الناس يريدون أن يكونوا متدينين. ذلك النظام البائد كان يحاول في کل مکان - سواء في المجتمع أو في المعسكر أو في الجامعة أو في المدرسة - أن يجرّ الجماهير نحو اللادينية، لكن الناس رفضوا ذلك. كان الناس متدينين. لقد أثبت الناس أن الإيمان و الاعتقاد بالإسلام، متغلغل في أعماق نفوسهم.
القيمة الأخرى، هي الابتعاد عن الإسراف و الكماليات بين رجال الدولة. طبعاً الإسراف و الكماليات أمر سيئ في کل مکان، و لكن الذي كان يجبر الناس أن يثیروا حساسية تجاه هذه القضية، هو ظاهرة الإسراف و الاهتمام بالكماليات و تبذير أموال الناس من قبل الطبقة الحاكمة. كانت هذه من الأمور التي لم يقبلها الناس. و جاء النظام الإسلامي على أساس هذه القيم لكي لا تكون هناك مثل هذه الظاهرة.
القيمة الأخرى هي أن يتصف رجال الحكومة بسلامة الدين و الأخلاق. كان الناس يريدون أن يكون رجال الحكومة متدينين، و لا يكونوا فاسدين، و لا تكون أخلاقهم و معاملتهم فاسدة، و لا يكونوا هم و من حولهم فاسدين، كما كانوا هكذا في ذلك العهد!
من القيم الأخرى أيضاً انتشار الأخلاق الفاضلة. كان الناس يرغبون في أن تسود بينهم الأخلاق الحسنة و الإسلامية و روح الأخوة و المحبة و التعاون، و الصبر، و التسامح و الغفران، و مد يد العون للضعفاء و قول الحق.
و حرية الفكر و التعبير أيضاً كانت من قيم الثورة. كان الناس يريدون أن يفكروا بحرية. لم تکن هناک حرية تعبير و لا حرية اتخاذ القرارات. لم يكن الناس يقبلون هذا الأمر و كانوا يتطلعون إلى تحقق هذه الحريات.
و الاستقلال السياسي و الاقتصادي و الثقافي هو أيضاً من قيم الثورة. كان الناس يتطلعون إلى ألّا تكون بلادهم خاضعة للهيمنة السياسية لنظام أوروبي أو أمريكي، أو خاضعة للهيمنة الاقتصادية للشركات العالمية التي تتعامل مع هذا البلد كما تشاء. و من الناحية الثقافية، و لتمتع الشعب بثقافة عميقة و غنية ينبغي ألاّ تكون الحكومة تابعة للثقافات الأجنبية و تمشي على خطاها معصوبة العينين.
القيم التي نذكرها، هي الدين، و الإيمان، و الاستقلال السياسي، و الاستقلال الاقتصادي، و الاستقلال الثقافي، و حرية الفكر و إشاعة الأخلاق الفاضلة، و الحكومة الشعبية الصالحة، و الأشخاص الذين يتمتعون بالدين و التقوى على رأس کل هذه الأمور؟ فهي روح الإيمان و الجهاد و التضحية و الإيثار لهؤلاء الناس المؤمنين. فما هو الشيء الذي تمكن من تأسيس هذا الصرح العظيم و البناء الإسلامي في هذا البلد بعد قرون طويلة؟ إنه عبارة عن أن تكون تلك القيم التي سبقت الإشارة إليها أساس صرح هذا النظام الجديد و إيجاد حياة جديدة في هذه المنطقة من العالم على أساس تلك القيم. فهذه هي القیم التي ضحى الناس بأنفسهم من أجلها و عرضوا أنفسهم و أولادهم للشهادة من أجلها في سبيل الله. إن الشعب كان يعرف ماذا يريد؛ كان الناس يتطلعون إلى هذه القيم. إنني سوف أبين فيما بعد أن كل تلك القيم يمكن تحقيقها في المجتمع و ما حققه النظام الإسلامي، هو ما لم يكن يحلم به و لا يتصوره أحد.
لكننا اليوم نبدوا متخلفين جداً لأننا نقارن بين وضعنا الحالي و الوضع النموذجي؛ و لكن إذا قارنا بين حالنا الآن و بين ما کنا علیه في الزمن الماضي أو بينه و بين الأوضاع الراهنة في البلدان الأخرى، لوجدنا أن هذا النظام الناجح جداً استطاع أن يتحرك في هذا المضمار و أن هذه الثورة تمكنت من إثبات كفاءتها و هذا ما كان الناس يتطلعون إلیه. و مع ذلك ليجلس البعض و يقولوا بأن الشعب لم يكن يدري ماذا يريد! كلّا؛ لقد كان الشعب يدري ماذا يريد. كان الشعب يريد الإسلام. إن الإسلام ليس مجرد الصلاة و السجود - فهذا أيضاً جزء من الإسلام - الإسلام يعني إقامة نظام اجتماعي و حياة عامة للشعب قائمة على أسس راسخة فيکون قادراًً علی توفير سعادة الدنيا و الآخرة. و بإمكانه توفير العلم و التقدم و الصناعة و الثراء و الرفاهية و العزة الوطنية. هذا ما كان يتطلع إليه الشعب.
إن الذين لم يعرفوا الإسلام و لم يرغبوا في قرارة نفوسهم بمثل ذلك الإسلام؛ أقل شيء عندهم هو أنهم لم يكونوا يتجرأون على الإعراض عن الأنظمة الغربية أو أن يتجاهلوها؛ و لكنهم يجلسون اليوم و يشيعون الإثارات هنا و هناك قائلين بأن الشعب لم يكن يدري ماذا يريد لدى استفتائه حول الجمهورية الإسلامية! كيف لم يكن الشعب يعلم ما يريد؟! إن کان جاهلاًً بما يريده فكيف استطاع أن يدير الحرب المفروضة و ينتصر بفضل تلک التضحيات؟! و إذا لم يكن يدري ما يريد فكيف بذل كل هذه التضحيات؟! لقد كان الشعب و مازال يدري ماذا يريد.
هذه القيم السائدة في المجتمع و التي تعتبر القاعدة للنظام الإسلامي، يجب أن تقبل جميعاً. لو قبلنا بعض هذه القيم و لم نقبل بعضها الآخر، لكان الأمر ناقصاً. و لو أعطينا لبعضها الأهمية و لم نهتم للبعض الآخر، لما تحقق الهدف. ثانياً: الثورة نفسها، حركة و تحول و تقدم إلى الأمام. و المجتمع يجب أن يتحرك و يتحول و يتقدم إلى الأمام على أساس هذه القيم. فيجب عليه إصلاح الأساليب الخاطئة يوماً بعد آخر و اتخاذ خطوة جديدة حتی يصل غايته المنشودة.
أعزائي! إن الثورة ليست أمراً دفعياً، بل أمر تدريجي. هناك مرحلة واحدة في الثورة دفعية و هي مرحلة تغيير النظام السياسي؛ لكن الثورة تتحقق بمرور الزمن. و كيف يتحقق هذا؟ إن هذا التحقق يعني أن المجالات التي تخلفت و لم تتحول بعد، تتحول و تشكل في المجتمع طرقاً جديدة و أعمالاً جديدة و أفكاراً جديدة و أساليب جديدة في إطار تلك القيم و تتقدم إلى الأمام، لكي يستطيع الشعب بذلك أن يتحرك نحو هدفه بكل نشاط و قوة. إن التراجع خطأ و التخلف خسارة؛ کما أن التوقف خطأ أيضاً؛ فلا بد من الحركة و التقدم إلى الأمام.
فأين يكون هذا التقدم؟ و أين ينبغي أن يكون هذا التحول الذي نتحدث عنه و أين يجب أن يكون هذا التقدم إلى الأمام؟ إنه في كافة مجالات الحياة في المجتمع. إن القوانين تتحول و يجب أن تتحرك نحو الأكمل و الأفضل يوماً بعد يوم. و في مجال الثقافة و أخلاق الشعب العامة يجب العمل على تقدمها و تطويرها يوماً بعد آخر. و في نظام البلد العلمي و التعليمي و في النشاطات الاقتصادية و في الفنون و في أمور الحكومة و إدارة البلد، و حتى في الحوزات العلمية، ينبغي على الطاقات الفكرية و الشجاعة و المستنیرة أن تتابع الأساليب و الأعمال و الأفكار و المبادئ الجديدة يوماً بعد آخر. إن الأساس هو تلك القيم. و يجب عليهم التحرك في نطاق تلک القيم و أن يحققوا ذلك التحول. عندها تتكامل الثورة يوماً بعد يوم و تصبح أمراً لا نهاية له، أعني إذا ألقى الإنسان النظرة على البلد كل عشر سنوات أو عشرين سنة فسيلاحظ كل هذا التقدم و الرقي في المجالات المختلفة.
إذن هناک حاجة إلى توفير ثلاثة عناصر. و إنني أحب أن يهتم الشباب بهذه النقاط بشكل جيد و لا سيما تلك العناصر المؤثرة في الأنشطة السياسية. هناك عناصر ثلاثة أساسية: أولها الاهتمام بالقيم التي قامت الثورة على أساسها و الحفاظ عليها. و ثانيها أن ينظروا إلى هذه القيم کوحدة متکاملة و غیر قابلة للتجزئة. فيجب أن لا يهتم أحد بالاستقلال السياسي و الثقافي و الاقتصادي من دون أن يهتم بالتدين، أو أن يهتم بالتدين دون أن يهتم بحرية الأفكار، أو أن يهتم بحرية الأفكار و التعبير عن الرأي، دون أن يهتم بالحفاظ على الدين و الإيمان لدى الجماهير. إذا كان الأمر هكذا، فسيكون عملاً ناقصاً. ينبغي الاهتمام بالقيم جميعها. فوق هذا كله، هناك الأجهزة الحكومية حيث يجب عليها الاهتمام بكل هذه القيم و الحفاظ عليها. و العنصر الثالث، هو الحركة إلى الأمام. إن الركود و السكون و الصمت يؤدي إلى الجمود و التحجر و الركون إلى القديم، و ستفقد القيم فاعليتها. و الإبقاء على القديم يؤدي إلى الدمار. و لو أردنا أن لا يظهر هذا الركون إلى القديم فلا سبيل لذلك إلا التقدم و الحركة إلى الأمام. هذه الحركة إلى الأمام، هي ما عبّرت عنه يوم تاسوعاء بالإصلاحات الثورية . فالإصلاحات و التقدم و الإبداع إذا لم تقم على أساس قيم الثورة، فسيصاب المجتمع بالفشل. هذه هي الأصول الأساسية. أعني أن نهتم بالقيم، و أن لا نفرق بين القيم، و أن نواصل التحول و الحركة إلى الأمام بكل جد في إطار القيم.
طبعاً من الطبيعي أن يكون هناك بعض الأشخاص في المجتمع يهتمون ببعض هذه الأركان دون بعضها الآخر. و هناك بعض الأشخاص يهتمون بالقيم و لكنهم لا يهتمون بالتقدم و التطور. و بالعكس فثمة من يهتمون بالتحول و التقدم و يتحدثون عن التغيير و الإبداع دون أن يعيروا الاهتمام اللازم للحفاظ على القيم. و لا يعني هذا أنه يرفضها، بل يقبلها، لكن همه الأول هو قضية التقدم و التغيير و التحول و ليس القيم. و بالعكس هناك البعض، همهم الأول هو قضية الحفاظ على القيم و هذا لا يعني أنهم لا يؤمنون بالتحول. أما فيما يتعلق بالقيم، فهناك من يهتم أكثر بتدين و إيمان الجماهير، و من يهتم أكثر باستقلال البلد من هيمنة القوى الكبرى، و من يهتم أكثر بقضية الحرية، و من يهتم أكثر بقضية الأخلاق. طبعاً هذا أمر طبيعي و لا ريب فیه. و لكن من الأفضل أن يهتم الجميع بجميع الأجزاء، لكن إذا اهتم البعض بجزء واحد، و البعض الآخر بجزء آخر، فهذا أمر جيد جداً، حيث يمكن لأحدهما أن يكمل الآخر. و الذين يهتمون بالقيم في المجتمع يكملون سواهم ممن يهتمون بالتحول و التقدم. و الذين يهتمون بالتحول و التقدم، يكملون أولئك الذين يهتمون بالقيم.
و من الممكن طبعاً أن ينشأ خلاف، و هذا غیر مهم. من الممكن أن يتهم الذين يهتمون بالقيم أكثر أولئك الذين يهتمون بالتحول أكثر و يقولون لهم لماذا لا تهتمون بالقيم؟ أو الذين يهتمون بالتحول أكثر، يقولوا للذين لا يهتمون بالتحول كثيراً لكن يهتمون بالقيم أكثر، يقولون لهم أنتم لا تعتقدون بالتقدم و الرقي و الحركة إلى الأمام و تدعون إلی الجمود و المراوحة. فهذه ظاهرة توجد في المجتمع أو يمكن أن تحدث، لكن لا ضیر في ذلك و لا أهمية له. عليهم أن يتحملوا و يقبلوا بعضهم البعض. و عندما يقبل الجميع بالقاعدة الأساسية - أعني القيم و الحركة في إطارها - بشكل عام، فلا أهمية حينئذ لأن يولي البعض أهمية ضئيلة لقسم و أهمية كبيرة لقسم آخر. يجب عدم النزاع؟
الحد الفاصل بينهم ليس حداً واقعياً أو مصيرياً. يمكن لهم أن يحققوا وحدة عامة فيما بينهم، و أن يجسدوا الهوية العامة للمجتمع الإسلامي و الثوري و أن يعملوا كجناحين في الحقيقة. أي جناحين لطائر واحد. فلو تحرك جناحا الطائر بشكل جيد، لحلّق الطائر و تقدم إلى الأمام. إن الذين يلتزمون بالقيم، لو حافظوا عليها جيداً - طبعاً عليهم أن يهتموا بالتحول أيضاً - و الذين يلتزمون بالتحول و التقدم و الحركة إلى الأمام و التغيير و الإبداع، لو حافظوا على هذا - طبعاً عليهم أن يهتموا بالقيم أيضاً - فإن المجتمع سيستفيد من كل واحد منهما و كل واحد من الجناحين[التیارین] سيعود بالنفع على المجتمع و سيكملون الثورة في الحقيقة و سيحققوا التقدم في ظل القيم و يمكن أن يكون الوضع على ما يرام.
و الشيء الذي يمكن أن يأخذ كل هذه القيم بنظر الاعتبار و يحقق لهم التطور في جميع المجالات، وهو ما جاء في دستورنا و فقهنا، هو وجود الفقيه العادل العارف بأمور زمانه في المجتمع ليتمكن من هدايته و إرشاده ومن تقدم الأمور.
لماذا يجب أن يكون فقيهاً؟ حتى يعرف القيم الدينية و الإسلامية. فمن الممكن أن يكون البعض صالحين، لكنهم لا يعرفون الدين و لا يدركون بشكل جيد مضامين القرآن و السنة و الحديث و المفاهيم الدينية. و يمكن أن يخطئوا علی غیر علم. فإذن يجب أن يكون فقيهاً.
لماذا يجب أن يكون عادلاً؟ لأنه لو تخلف عن واجبه، فلن يكون هناك ضمان للتنفيذ. و لو كان لا يفكّر إلا في نفسه و دنياه و سعادته و حب السلطة، و الحفاظ على منصبه، فلن يبقى الضمان الضروري لسلامة هذا النظام. فإذن، لو فقد العدالة، لكان معزولاً بذاته دون أن يعزله أحد آخر.
لماذا يجب أن يكون عارفاً بزمانه. لأنه لو لم يكون عارفاً بزمانه، لصار ضحية للخداع. يجب أن يكون عارفاً بزمانه، حتى يعرف العدو و الحيل و المؤامرات، و يتخذ بشأنها الإجراءات اللازمة حسبما يقتضيه واجبه. و هذا ما قد تم أخذه بنظر الاعتبار في الدستور. و هذا هو المطلوب.
و لكن هذه الأجنحة التي تحدثت عنها و الموجودة في نظامنا الاجتماعي اليوم - أي من يهتمون بالقيم أكثر من غيرها، و من يهتمون بالتحول و التقدم أكثر - لا يتحمل اليوم أحدهما الآخر كما ينبغي! فلو تحمل أحدهما الآخر أكثر مما هو عليه الآن، لكان وجود هذين الجناحين مفيداً فضلاً عن كونه ليس ضاراً. يمكن لكل منهما أن يمد للآخر يد العون و أن يكمل الآخر. و المطلوب هو أن يهتم الجميع بكافة الأجزاء الضرورية و يعمل على تحقيقها. و حتى إذا لم يحدث ذلك و اهتم البعض بهذا الجزء و البعض الآخر بجزء آخر، يجب عليهم آنذاک إلّاّ يعادي أحدهما الآخر.
و ثمة مخاطر تكمن هنا. المهم هو أن نأخذ هذه المخاطر بعین الاعتبار. هناك أخطار تهدد كلا الطرفين بهذه القضية. الذين يهتمون بالقيم و ينسون التحول و التغيير و التقدم يهددهم خطر التحجر، لذلك عليهم أن يراقبوا أنفسهم. و الذين يهتمون بالتحول و التغيير و لا يهتمون بالقيم في الدرجة الأولى، يهددهم خطر الانحراف، فليكونوا هم أيضاً على حذر. على كلا الطرفين الحذر. يجب أن لا يصاب الجناح الأول بالجمود و التحجر، و لا يصاب الجناح الثاني بالإنحراف و التمهيد للأعداء و المعارضين للقيم. كل واحد من هذين الجناحين إذا أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، و بذلك سيستطيع المجتمع أن يشق سبيله نحو التكامل و الرفعة في ظل الوحدة التي أرادها الإسلام له.
فإذن الخطر الأول هو غفلة الجناحين [ التیارین ] و تعرضهما للخطر. لكن هناك خطر أكبر من هذا. فما هو ذلك الخطر؟ إنه خطر الندساس. يمكن أن يندس بعض الأشخاص في كلا التيارين. أحياناً يندس العدو ينبثق في كلا التيارين: فهو يأتي من ذلك التيار للدفاع عن القيم و يعارض أي تحول، و يکون معارضاً حتى للطرق المسلوكة و يريد أن يرجع بالحركة الثورية إلى الوراء و أخطر من هذا هو الجانب الآخر من القضية، يعني أن يأتي بعض الأشخاص باسم التغيير و التحول و التقدم و يعارضوا أصول القيم و أصل الإسلام و تدين الجماهير و العدالة الاجتماعية، إنهم يعانون من الرأسمالية الغربية، و هدفهم هو جمع الأموال، فهم يعارضون مبدأ رفع الفوارق الطبقية، و يعارضون حتى اسم الدين، حتى لو لم يصرحوا بذلك! يعني أن يصل هؤلاء إلى الحكم و يخوضوا غمار الساحة باسم التحول و التغيير و التقدم و الإصلاح. و من الممكن أن يتغلغل هؤلاء في الهيكل الاقتصادي في المجتمع. لو تغلغل هؤلاء الأجانب في الهيكل الاقتصادي للمجتمع، فإنهم سيشكلون خطراً عظيماً، لأن الاقتصاد و الأموال و الثروة من الأمور المهمة في المجتمع و يجب أن تكون في أيد أمينة. لكن الأخطر من ذلك هو أن يهيمنوا على المراكز الثقافية، و يسلبوا أذهان الناس و إيمانهم و اعتقاداتهم و مسيرتهم الصحيحة. و يحدث ما هو واقع الآن في ساحة الصحافة و الإذاعة و التلفزيون في العالم الغربي، أعني سيادة الرأسمالية. كما أن الإذاعات و التلفزة الدولية و الامبراطورية الخبرية للعالم يهيمن عليها أصحاب رؤوس الأموال، كذلك يريد أن يأتي هؤلاء إلى بلادنا و يهيمنوا على مراكزنا الثقافية و يطمعوا في التأثير على حياتنا عن طريق الثقافة. و هذا ما شاهدنا بوادره منذ عدة أعوام هنا و هناك و أطلقت عليه عنوان الغزو الثقافي . فوافق البعض ذلک و رفضه البعض الآخر قائلين لا وجود للغزو الثقافي في الأصل!
و أن يأتي البعض و يدعي التحول دون الاعتقاد بأصل القيم فواضح أي تحول يريدونه! التحول في نظرهم يعني تحول النظام الإسلامي إلى نظام غير إسلامي! و التطور في نظرهم يعني إزالة اسم الإسلام، و إلغاء حقيقة الإسلام و الفقه الإسلامي! و بالطبع فإننا نعرف بعض هؤلاء. فبعضهم من بقایا النظام البائد و مخلفاته الذين أكلوا و علفوا و اتخموا على حساب ذلك النظام، ثم استطاعوا أن يجدوا لهم مكانة بين الناس لكي يستعيدوا أنفاسهم الآن و يشمخوا برؤوسهم و يدعوا الحرية و الديمقراطية، و هم الذين كانوا عملاء ظلم و جور البلاط الذي كان يتحكم في هذا البلاد أكثر من خمسين سنة دون وجود أدنى حالة من الديمقراطية خلال تلك المدة، ثم ليأتي هؤلاء الذين كانوا يعملون بكل كيانهم في خدمة ذلك النظام و يطلقوا شعار الإصلاحات! ما معنى هذه الإصلاحات؟! هذه الإصلاحات تعني إصلاحات أميركية! أي إنكم أيها الشعب الإيراني الذين قطعتم يد أمريكا، عليكم أن تعودوا لإصلاح أسلوبكم هذا، و تأذنوا للسادة الأمريكيين بالتفضل لدخول بلدكم و ليأخذوا من جديد بزمام الاقتصاد و الثقافة و إدارة شؤون البلاد!
و هناك البعض الآخر ممن لا ينتمون لذلك النظام، لكنهم منذ بداية الثورة و حتى قبل الثورة بالنسبة للبعض، أظهروا أنهم لا يرغبون في قرارة أنفسهم في إدارة البلد علی أساس الأحكام الإسلامية. إنهم يريدون اسم الإسلام و يحبون هذا الاسم. فهم ليسوا أعداء للإسلام بالمعنى الحقيقي للكلمة، لكنهم لا يعتقدون بالفقه الإسلامي و الأحكام الإسلامية و الحاكمية الإسلامية. إنهم يعتقدون بنفس الأساليب الفردية. و قد استطاع بعض هؤلاء في بداية الثورة أن يهيمنوا على الأمور و يأخذوا بزمامها. و لولا مساندة الإمام و دعمه لهذه الثورة، لأعاد هؤلاء الرجال هذه الثورة و البلاد إلی الهيمنة الأمريكية من جديد بسهولة! هؤلاء أيضاً يدّعون الإصلاحات، و يدعون الإسلام أحياناً، لكنهم ينضمون للذين يطلقون بكل صراحة شعارات ضد النظام و يعربون عن تضامنهم معهم! فإنهم أحياناً يدعون الإسلام و ينضمون للذين يطلقون شعار معارضة الحكومة الإسلامية و شعار العلمانية و شعار الفصل بين الدين و الحكومة و شعار الحكومة اللادينية و الحكومة المضادة للدين و شعار المادية! و من الواضح أن هؤلاء هم انتهازيون. و ليس هؤلاء ممن يقبلون بالقيم و يؤمنون بالتحول، كلا. هؤلاء هم انتهازيون و غرباء. و قد طرحت قبل عدة شهور من علی منبر صلاة يوم الجمعة موضوع الأصدقاء و غير الأصدقاء ، و لكن ارتفعت أصوات البعض بالاعتراض لماذا تقولون أصدقاء و غير أصدقاء ! نعم هؤلاء ليسوا منا، و إنهم لا يقبلون الثورة و الإسلام و القيم، فعلى التيارات الداخلية أن يكونوا على حذر من هؤلاء.
إنني أريد أن أتحدث هنا حول ثلاث نقاط أخرى: النقطة الأولى هو أن يعلم هؤلاء الغرباء و من يساندونهم من خارج البلد، و وكالات التجسس و الذين يدعمونهم دعائياً في الإذاعات، و الذين يدعمونهم على الأرجح دعماً مالياً في السر و العلن، أن يعلموا أن هذه الثورة لن تسمح لهم و أنا لن أسمح لهم أن يتلاعبوا بمصالح هذه البلاد ما دمت مسؤولاً و مادام فيّ عرق ينبض. و ليعلموا أنه لست أنا فحسب، و إن لم أكن أنا فإن كل شخص آخر يتولى هذه المسؤولية، سيكون هكذا. و لا يمكن غير ذلک. إن اليد الملكوتية و الإلهية التي وضعت أصل ولاية الفقية في الدستور كانت على علم بما تصنع. و من يتولى هذه المسؤولية، ستسلب منه صلاحياته إذا لم يقم بالدفاع عن مصالح الثورة و مصالح البلد و مصالح الإسلام السامية و مصالح الشعب، و إذا لم يمتلك هذه الروح المعنوية. لذلك أنتم تلاحظون إنهم يعارضون هذا الأصل، لأنهم يعلمون أن القضية ليست قضية أشخاص. إن شخصاً بهذا الاسم تولى هذه المسؤولية، طبعاً هم من أعداء هذا الشخص، لكنهم يعلمون أن القضية لا تنتهي به، لأنه لو لم يكن هذا الشخص و كان هناك شخص آخر، فإن القضية لا تتغير، لذلك يعارضون هذا المبدأ. فعليهم أن يعلموا أن مؤامراتهم يمكن أن تخلق مشاكل للناس و لكن لن تستطيع أن تزعزع هذا الصرح الشامخ ما دام هناک هذا المبدأ النوراني الموجود في الدستور.
و كلمتي الموجهة إلى هذه الأجنحة و التيارات هي أيها الإخوة الأعزاء! و يا أيها الأقارب! تعالوا لنضع و نرسم حدوداً جديدة. إن النظام الإسلامي قائم على إيمان هذه الجماهير العظيمة. يمكن أن يعتقد بعض الناس من الناحية السياسية بتيار واحد و البعض الآخر بتيار آخر - فليعتقدوا - لكنهم يؤمنون بالإسلام. عليهم أن لا يتصوروا أن الظروف ستتغير إذا ما فاز هذا التيار في الانتخابات أو ذاك، كلّا. فإنها ليست سوى أذواق و مسالك و رؤیً سياسية. إن الاعتقاد بالإسلام أمر يخص بهذا الشعب. إن الشعب يدلي بصوته، أو يعطي السلطة - سواء السلطة التشريعية أو رئاسة الجمهورية، أو غيرها - للشخص الذي يعتقدون بأنه يريد أن ينقذ البلد من الفقر و التمييز و فقدان العدالة و غيرها من حالات الضعف و ذلك وفقاً للقيم الإسلامية. على هذين التيارين داخل البلد أن يرسموا حدوداً جديدة. و عليهم أولاً أن يزيحوا قليلاً هذا الحاجز القائم فيما بينهما و ليقترب أحدهما من الآخر، و ثانياً لا بد لكل منهما أن يرسم حدوده جيداً مع الغرباء و غير الأصدقاء.
موقف الحكومة و الدولة من معارضي النظام و كيف ستتصرف معهم موضوع، و أن يحدد التيار السياسي الفلاني داخل النظام مواقفه من المعارضين موضوع آخر. نحن كحكومة، نعتبر كل معارض داخل المجتمع - حتى و إن كان معارضاً للنظام - فإن حياته و ماله و عرضه و شرفه أمانة في أيدينا فينبغي أن ندافع عنه ما دام لم يقم بمؤامرة أو معارضة و سندافع عنه. فلو ارتكب شخص جريمة السرقة في الشارع، فإننا لا نسأل هل إنه سرق من بيت مؤيد النظام أو معارض له، سنعاقبه دون النظر في الشخص الذي سرق منه. و لو ارتكب شخص جريمة قتل بصورة غير قانونية، نحن لا نسأل عن الشخص الذي قتل، لو قتل بشكل غير قانوني، فعليه أن يلقى الجزاء، بلا أي فرق. و لو جنّدنا الشرطة لاستتباب الأمن لا نخص تلك المنطقة و البيت و المدينة التي يکون أهلها أکثر اعتقاداً بالنظام، فالحكومة عليها واجب تقوم به إزاء كل أبناء الشعب، سواء المسلمين منهم أو غير المسلمين، مؤيدين للنظام أو معارضين و ما لم يصبح أحدهم معارضاً أو متآمراً أو مثيراً للشغب أو عميلاً للأعداء، فإن الحكومة ستتعامل معه كما تتعامل مع المؤمنين و سائر الشعب دون فرق. هذا موضوع، لكن تصرف التيارات السياسية يختلف عن الحكومة. فعلى التيارات السياسية إيضاح مواقفها. عليها أن توضح موقفها و حدودها بصراحة من المعارضين للإسلام و الثورة و خط الإمام أو المعارضين لكون الإسلام أساساً لهذا النظام. كما عليها أن توضح حدودها تجاه أولئک المتظاهرين بالتدين، دون أن يكون لهم أدنى إيمان بالتحول الثوري و بمبدأ الثورة و هم المتحجرون و الجامدون. نحن لا نحثهم على الصراع و النزاع و الحرب، لكن عليهم إيضاح مواقفهم. هذه هي كلمتنا للتيارات السياسية.
طبعاً الشعب موقفه واضح. و إنني لا أخاطب الجماهير، فهم على علم بما أقول. و لقد قلت سابقاً أيضاً بأنني لا أشكو مطلقاً من هذا الشعب العظيم و الشجاع و المؤمن و البطل و الثوري و الوفي و المخلص و المتسامح. و ما هو متوقع، هو أن لا یسمح ذوو النفوذ السياسي، من الكتاب و الخطباء، أن لا يسمحوا للعدو أن بتحقيق أهدافه.
إن أساس حركة العدو ضد النظام اليوم، لا تزال حركة ثقافية و نفسية. يريدون أن يجعلوا أبناء الشعب يائسين و متشائمين إزاء مستقبل هذا البلد. يريدون أن يسيء الناس ظنهم بالثورة و رجال الدولة. يريدون أن يسيء الناس ظنهم بالمسؤولين المتدينين في المجالات المختلفة سواء السلطة التنفيذية، أو السلطة القضائية أو السلطة التشريعية. إنهم يريدون أن يفصلوا بين المسؤولين و يثيروا النزاع بينهم و يرسموا صورة مظلمة للمستقبل. و هذا هو الذي جعلني أشكو من الصحافة و ألقي عليها اللوم. تلك الصحافة الفاسدة كانت تقوم بهذه الأمور بدقة، فتعطي صورة منحرفة و معوّجة عن المستقبل، صورة باعثة على اليأس. و تصوير الواقع على غير ما هو عليه، بث الاضطراب في المجتمع و جعل الشرائح تسيء إحداها الظن بالأخرى. لدرجة أن البعض كان يسعى لنشر فكرة عدم كفاءة المسؤولين! هذا أيضاً خطأ من الأخطاء. كلّا. فالحكومة تتمتع بالخبرة و الإمكانيات و ستستطيع أن تحقق إنجازات و هي عاكفة على العمل و تقوم بواجباتها بفضل الله. و هدف العدو هو ما تحدثت عنه. و يجب ألاّ يساعده أحد على ذلک.
على جميع المتواجدين في ساحة البلد السياسية، أن يعتمدوا على قيم هذه الثورة و دعائمها الرئيسية. و عليكم أن تعلموا أن ما يتمكن من إنقاذ هذا البلد، هو الإسلام بما فيه من مضامين. و لحسن الحظ فإن مسؤولي البلد اليوم يتمتعون بالكفاءة و الإيمان. و إنني أقول من جديد إن مسؤولي البلد، رؤساء السلطات، رئيس الجمهورية، و الكثير من مؤسسات الحكومة - وأنا غیر راضٍٍ عن بعضهم طبعاً و أعتقد أنهم لا يعرفون واجباتهم جيداً أو لا يلتزمون بها كما ينبغي - و أعضاء مجلس الشورى و المجلس القادم إن شاء الله، هؤلاء هم الذين بإمكانهم بث الأمل في نفوس الشعب بأن هناك مستقبلاً جيداً في انتظار البلد و أن قوى هذا الشعب ستنهض إن شاء الله في خدمة الإعمار و البناء المادي و المعنوي لهذا البلد، و بعون الله فإن العدو سوف لا يستطيع أن يمنع الشعب من مواصلة هذا الطريق و إن الشعب لن يسمح بعودة الهيمنة الشيطانية و الجهنمية للأجانب المعتدين و الطامعین بهذه البلاد.
بسم الله الرحمن الرحيم
و العصر. إن الإنسان لفي خسر. إلّا الذين آمنوا و عملوا الصالحات. و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر. (14)
أرى من الضروري أن أرفع یدي بالدعاء ببعض العبارات : نسألك اللهم و ندعوك. باسمك العظيم الأعظم و بالقرآن المستحكم و بالنبي الأعظم يا الله، يا الله، يا الله.
اللهم! انصر الإسلام و المسلمين و هذا الشعب المؤمن الشجاع. اللهم اقطع أيدي الأعداء عن هذا الشعب. اللهم و احلل العقد الصغيرة و الكبيرة في أمور هذا الشعب بيد قدرتك و حكمتك. اللهم ألّف بين القلوب. اللهم انزل بركاتك و غيث رحمتك على هذا الشعب. تحدثنا اليوم عن الرسول الأكرم و خصصنا وقتاً لتبجيل شخصيته النورانية و الملكوتية. يقول أبوطالب في شعر له في مناقب النبي:
و ابيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل(15)
لقد تذكرنا اليوم اسم تلك الشخصية العظيمة، اللهم! نسألك بحق النبي، أن تنزل غیث رحمتك و بركتك على مناطق من هذه البلاد التي تعاني من الجفاف بل و على كافة مناطق البلاد و ذلك ببركة ذلك الوجود المقدس. اللهم ندعوك بحق محمد و آل محمد أن تشملنا برحمتک و بركاتک.
الهوامش:
1) الأحزاب:70
2) الأحزاب: 21
3) و جاء نظير هذا الموضوع في بحار الأنوار، ج8،ص307، فوقف يسوي لحيته و ينظر إليها.
4) نهج البلاغة، 76
5) الكافي: ج5، 71
6) الفتح: 2
7) بحار الأنوار، ج 10، 40
8) الشورى: 15
9) الأحزاب: 32
10) الأحزاب: 28
11) الأحزاب 29
12)التوحيد: 1-4
13) رجاء جارودي ( كاتب فرنسي مسلم)
14) العصر: 3
15) بحار الأنوار، ج 20، ص 300