بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك هذا العيد الكبير و هو عيد لكل البشرية و ليس للأمة الإسلامية فقط، و أتمنى أن يبارك الله هذا العيد عليكم أيها الحضور المحترمون و الضيوف الأعزاء و الشعب الإيراني العزيز و جميع الشعوب المسلمة و البشرية بأسرها.
قضية بعثة النبي المكرم التي قالت ألسنتنا و أذهاننا القاصرة حولها الكثير - و قال الجميع حولها ما قالوا - هي في الحقيقة ميدان عظيم لن يمكن بيان أبعاده في القريب العاجل. كلما تقدم الزمن إلى الإمام و أدركت البشرية بتجاربها المختلفة نواقص حياتها و الآفات التي تهددها كلما تجلت لها الأبعاد المختلفة لبعثة النبي الكريم (ص). هذه البعثة في واقع الأمر هي دعوة الناس لميدان التربية العقلانية و التربية الأخلاقية و التربية القانونية. هذه هي الأمور التي تحتاجها الحياة البشرية الهادئة و المتجهة نحو الكمال.
التربية العقلانية بالدرجة الأولى. بمعنى استخراج قوى العقل الإنساني و تسويدها على أفكار الإنسان و أعماله، و رفع الإنسان لمشعل العقل البشري كي يمكنه بهذا المشعل تشخيص الطريق و السير فيه. هذه هي المسألة الأولى و هي المسألة الأهم. بالإضافة إلى أن قضية العقل مطروحة بالدرجة الأولى في بعثة الرسول، فإن قضية العلم مطروحة أيضاً. و في كل القرآن الكريم و التعاليم النبوية غير القرآنية كلما نظرتم وجدتم التشديد على العقل و التأمل و التدبر و التفكّر و ما شابه. و حتى في يوم القيامة يقول القرآن عن لسان المجرمين: »لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير«.(1) السبب في إلقائنا في نار الجحيم هو أننا لم نراجع عقولنا و لم نسمع و لم نوجِّه قلوبنا، لذلك ابتلينا اليوم - يوم القيامة - بمصير مرير أبدي.
الدعوة إلى العقل مشهودة بالدرجة الأولى في سير جميع الأنبياء و في حيوات كل الرسل، فهي ليست شيئاً يختص بالرسول الخاتم. و هي طبعاً دعوة برزت بصورة أقوى و أوضح في الإسلام. من هنا يقول الإمام علي (عليه الصلاة و السلام) في تعليله بعثة الأنبياء: »ليستأدوهم ميثاق فطرته«.. إلى أن يقول: »و يثيروا لهم دفائن العقول«.(2) يستخرجوا كنوز العقل. كنوز العقل هذه موجودة في دواخلنا أنا و أنتم. مشكلتنا هي أننا كذلك الشخص النائم على كنـز و هو لا يدري به و لا ينتفع منه فيموت من الجوع. هكذا هو حالنا. حينما لا نرجع إلى العقل و لا نحكّمه و لا نربيه و ننضجه و لا نسلِّمه زمام النفس سيكون هذا هو حالنا.
إنه كنـز موجود لدينا لكننا لا ننتفع منه. و عندما نعاني من كثير من المشكلات في حياتنا الدنيا و في حياتنا الآخرة نتيجة لا عقلانيتنا و نتيجة جهلنا و تبعاته العديدة. لهذا يقول نبي الإسلام الكريم (صلى الله عليه و آله و سلم) في حديث له: »إن العقل عقال من الجهل«.. العقل عقال الجهل. العقال هو الحبل الذي يشدونه على أرجل الحيوانات - من إبل أو غيرها - لكي لا تتحرك و يمكن السيطرة عليها. يقول: العقل عقال الجهل. ثم يقول: «و النفس كمثل أخبث الدواب».. نفس الإنسان كأسوء الحيوانات و أخطرها.. هكذا هي النفس.. »فإن لم تعقل حارت«،(3) حينما لا تعقلون النفس و لا تمسكون زمامها بأيديكم للسيطرة عليها ستحتار و تضيع كالحيوان الوحشي الذي لا يدري أين يذهب. وهذا الضياع هو الذي يفرز المشكلات في حياته الشخصية و حياته الاجتماعية و في المجتمع البشري. هذا هو العقل أول مهام الرسول الكريم هو إثارة العقل.. تحفيز القدرة على التفكير و تعزيزها في المجتمع. هذا هو حلال المشكلات. العقل هو الذي يهدي الإنسان إلى الدين و يدفعه نحو الدين. العقل هو الذي يحضّ الإنسان على عبودية الله. العقل هو الذي يصدّ الإنسان عن الأعمال السفيهة و الجاهلية و التكالب على الدنيا. هذا هو العقل. لذلك كانت المهمة الأولى هي تعزيز و تكريس قوة العقل في المجتمع، و هذا هو واجبنا.
نحن أيضاً في المجتمع الإسلامي اليوم حيث أردنا أن يكون مجتمعنا نموذجاً مقتبساً للمجتمع الإسلامي الذي أطلقه الرسول الأكرم، بكل ما نعانيه من نقاط ضعف و هوان و صغار حيال تلك العظمة الفذة للرسول.. سرنا بهذه الصورة و أردنا أن نصنع نموذجاً لذلك المجتمع. في هذا المجتمع أيضاً يجب أن يكون العقل هو المعيار و الملاك.
التربية الثانية هي التربية الأخلاقية حيث يقول (ص): »بعثت لأتمم مكارم الأخلاق«.(4) الأخلاق هي الهواء اللطيف الذي إن توفر في المجتمع البشري سيستطيع الناس أن يعيشوا حياة سليمة بتنفسه. إذا لم تكن هنالك أخلاق و إذا ساد انعدام الخلق، و الحرص، و أهواء النفس، و الجهل، و طلب الدنيا، و الضغائن الشخصية، و الحسد، و البخل، و سوء الظن.. حينما تتفشى هذه الرذائل الأخلاقية ستعود الحياة صعبة و ستضيق الأجواء و ستسلب من الإنسان القدرة على التنفس السليم. من هنا يقول القرآن الكريم في عدة مواطن »يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة«(5) و التزكية هي الرشد الأخلاقي و هي مقدمة على التعليم. و في نفس الرواية التي ذكرناها عن الرسول الأكرم بخصوص العقل - بعد أن يذكر العقل - يقول إن العقل ينتج عنه الحلم، و ينتج عن الحلم العلم. ليتنبه الإنسان إلى ترتيب هذه الأمور: العقل ينتج الحلم أولاً، و الحلم يعني الصبر و التحمل. و إذا توفر الحلم توفرت الأرضية لاكتساب العلم و مضاعفة المعلومات عند الشخص و المجتمع. أي إن العلم يأتي في مرتبة بعد الحلم. الحلم هو الأخلاق. و في الآية القرآنية: »يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة«. يقدم التزكية. هذه هي التربية الأخلاقية. نحن اليوم بأمس الحاجة لهذه التربية الأخلاقية. سواء نحن شعب ايران.. المجتمع الإسلامي الموجود في هذه المنطقة الجغرافية، أو كافة العالم الإسلامي و الأمة الإسلامية الكبرى و جميع المجتمعات المسلمة. هذه هي حاجياتنا الأولى.
ثم تأتي بعد ذلك التربية القانونية و الانضباط القانوني. أول عامل بجميع أحكام الإسلام هو شخص نبي الإسلام المكرم (ص). يروی عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت حين سألوها عن الرسول و أخلاقه و سلوكه: »كان خلقه القرآن«،(6) أخلاقه و سلوكه و حياته كانت تجسيداً للقرآن. بمعنى أنه لم يؤمر بشيء و يغفل عنه. هذه كلها دروس لنا. لا أننا نروم مقارنة تلك العظمة بصغارنا.. تلك قمة و نحن نسير على السفوح، لكننا نسير نحو القمة، هذا هو المؤشر و المعيار.
و ساحة الحياة ساحة اختبار. لقد اجتاز الشعب الإيراني هذه الامتحانات بنجاح و وصل إلى هذه العزة. حينما اكتفينا باسم »لا إله إلا الله« و لفظ »لا إله إلا الله« و ربما بذهنية »لا إله إلا الله« بقينا أسرى في قبضة الطاغوت. و حينما خضنا في ساحة العمل و عرفنا الساحة العملية لكلمة »لا إله إلا الله« و دخلنا فيها منحنا الله تعالى و الشعب المسلم هذه العزة و القدرة و الهوية المميزة المتألقة. إذا وضعنا أقدامنا في الطريق و سرنا فإن الله تعالى سيستجيب.. إنه سريع الإجابة.
خرج شعبنا مرفوع الرأس طوال ثلاثين عاماً من الامتحانات التي واجهته في الثورة و الدفاع المقدس و سائر الامتحانات. لقد منَّ الله تعالى بتوفيقه و نجاحه بمقدار ما عملنا و بمقدار ما تحركنا. و قد كان التوفيق كبيراً جداً بالطبع: »من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها«.(7) منحنا الله تعالى عشرة أضعاف سعينا و جهدنا. أين كنّا بين الأمة الإسلامية و أمم العالم خلال عهد الطاغوت؟ كنا معزولين، و مغمورين، و منسيين، منكفئين على أنفسنا دون مشاعر و تحفّز و شجاعة و همم ترفع الأمم و تحضّها على السمو. هكذا كنا. و اليوم يحمل شبابنا و علماؤنا و عمالنا و مزارعونا و كل واحد من أبناء شعبنا آمالاً كبيرة في نفوسهم و يسيرون في طريق تحقيق هذه الآمال و تلاحظون نتائج ذلك. أكبر القوى في العالم جعلت شعارها مواجهة الجمهورية الإسلامية! يتوهمون أنهم يرعبون الشعب الإيراني و يهددونه بأفعالهم هذه. لا يدرون أن شعب إيران يشعر بالهوية حينما يرى أن أخبث القوى المادية في العالم وأكثرها ماديةً ترى الشعب الإيراني عقبتها التي تحول دون وصولها إلى أهدافها المشؤومة. هذا ليس بالشيء القليل. يقولون نريد أن نفعل كذا و كذا في الشرق الأوسط و يخفون عشرة اضعاف أهدافهم المشؤومة هذه، و الشعب الإيراني يحول دون ذلك و شعب الجمهورية الإسلامية يحول دون ذلك. هذا دليل عظمة هذا الشعب و عظمة هذا النظام و عظمة هذه الحكومة حيث استطاعت أن تمنع مستكبري العالم من أن يتمكنوا - في منطقة معينة من جغرافيا العالم على الأقل - من بلوغ أهدافهم. هذا ما أحرزه شعب ايران بالسير في ساحة الأحكام الدينية.
كان الرسول نفسه عاملاً: »آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه«(8) و المؤمنون كانوا يسيرون خلف الرسول. هو عامل و الناس ينظرون إلى عمله و يشخّصون الطريق، و هذا هو دور كبراء المجتمع و قادته و النخبة فيه. علينا عدم الاكتفاء بالكلام. ثمة بينكم الكثير من مسؤولي البلاد. كل واحد منكم بوسعه أن يكون أسوة لمن ينظرون إليه من الناحية العملية و النموذجية. شعبنا شعب صالح و كبير و وفيّ و متسامح. و قد شاهدنا نماذج ذلك في غضون الأعوام الثلاثين المنصرمة. في هذه القضية الأخيرة شاهدتم دور الشعب في الانتخابات و الأحداث التي اوجدوها بعد الانتخابات. ثمة أذواق مختلفة بين الشعب في ميدان الحياة الاجتماعية. أبناء الشعب يقولون كلمتهم و يبدي كلٌّ منهم وجهة نظره، و لكن حينما يشعرون أن القضية قضية معاداة للنظام و حيثما يشعرون أن هناك يداً تتحرك لتوجيه ضربة للنظام فسوف ينسحب الشعب عن هؤلاء، حتى لو كانوا يرفعون شعاراً يؤمن به جميع أبناء الشعب.. يرون أنه سيئ النية فيسحبون أنفسهم. هذه قضية مهمة.
تعلمنا الكثير من أحداث الأيام الأخيرة و لم يمر بنا يوم طوال هذه الأعوام الثلاثين لم ندخر فيه تجربة و لم نتعلم شيئاً.. أدركنا الكثير من الأمور فكانت تجارب لشعبنا. أدرك الجميع أنه حينما يقوم الشعب بتحرك كبير باستقرار و هدوء و ثبات فعليه أن لا يغفل عن عداء الأعداء الذين يخططون له. قال الجميع أن انتخابات يشارك فيها أربعون مليوناً تمثل عظمة نادرة منذ بدء الثورة و إلى اليوم، و تواجد الجماهير في الساحة بعد ثلاثين سنة و القدرة على استقطاب الجماهير و تعبئتهم في الساحة لصالح النظام كانت عظمةً.. يجب أن لا يغفلوا.. أدرك الجميع أنهم يجب أن لا يغفلوا في مثل هذه الظروف عن العدو الذي اتخذ كمائنه و راح يراقب. و ما إن يقال: العدو الخارجي حتى يتخذ الأجانب موقف المظلومين ليقولوا: كلا، كلا، ليس لنا دخل في الموضوع و لم نفعل شيئاً. هذا عدم خجل.. الكل يرون. دعك من الأعمال التي تكتشفها الأجهزة الاستخبارية و غيرها، فالشيء الذي يراه الجميع هو دور وسائل الإعلام حيث كان لوسائل الإعلام الدور الأهم في تطورات الشعوب خلال العقود الأخيرة.
قلت ذات مرة هنا و كان ذلك قبل سنوات و حذّرت إن وسائل الإعلام و الأجهزة الإعلامية و الاستخبارية التابعة للاستكبار هي الأدوات الأهم بيد أعداء استقلال الشعوب من أجل بث التوتر و الاضطراب في الشعوب و بهدف صرفها عن الطريق الذي تسير فيه. و ضربت أمثلةً من عدة بلدان. و اليوم تطورت وسائل الاتصال و اتسعت و تنوعت و ازدادت شمولاً بكثير عما كانت عليه يوم أطلقنا تحذيرنا ذاك. الأعداء يعملون ثم يقولون إننا لم نفعل شيئاً! أوامرهم و توجيهاتهم تبث علناً للجماعات الغافلة و الجاهلة و المخربة عبر وسائل إعلامهم.. اصطدموا بالشرطة بهذا الشكل، و تكلموا ضد التعبئة بهذا الشكل.. و مارسوا التخريب في الشوارع بهذا الشكل.. اشعلوا النيران هكذا.. أليس هذا تدخل؟ هل هناك تدخل أوضح و أكثر علانية من هذا؟ هذا ما شاهده شعبنا بعينه. إنها تجارب لشعبنا. من الخطأ أن يتصور أحد أن جماعة معدودة في طهران يحرقون عبوات الأزبال - التي تطالها قواهم - أو يخربون ممتلكات الناس من قبيل درجاتهم النارية و سياراتهم و بنوكهم و دكاكينهم، من الخطأ التصور أن هؤلاء هم الشعب، كلا، هؤلاء ليسوا شعباً. أجل، أبواق الاستكبار حين تريد دعمهم تقول إنهم الشعب. هؤلاء هم الشعب؟! الشعب هم أولئك الملايين الذين ما إن شاهدوا هؤلاء المخربين المفسدين في الساحة حتى سحبوا أنفسهم و راحوا يرمقونهم بنفور.. راحوا ينظرون بغضب و انزعاج لمخربي الأمن العام و الاستقرار الاجتماعي.
كل من يدفع المجتمع اليوم نحو التوتر و انعدام الأمن هو من وجهة نظر عموم الشعب الإيراني إنسان مبغوض كائناً من كان. أي هدف يروم هذا الشعب بلوغه إنما يبلغه في ظل الهدوء و الأمن. إذا كان الأمن كان هناك التحصيل الدراسي، و العلم، و التقدم و الصناعة، و الثروة، و الاستقرار على شتى الصعد، و العبادة؛ الدنيا و الآخرة تتحققان في ظل الأمن. حينما ينعدم الأمن تضطرب كل هذه الأمور. زعزعة أمن شعب أكبر خطيئة يمكن أن يرتكبها إنسان. نحن طبعاً لا نخاطب الشخص المدسوس و المرتزق فهو لا يصغي لهذا الكلام. إنما نخاطب النخبة. أبناء شعبنا واعون و على نخبتنا أن تتحلى بالوعي أيضاً.
ليعلم النخبة أن أي كلام أو خطوة أو تحليل يساعد أولئك فهو تحرك في الاتجاه المضاد للشعب. علينا جميعاً التحلي بالدقة.. يجب أن نكون دقيقين جداً: دقيقين في كلامنا، دقيقين في مواقفنا، دقيقين فيما نقوله و فيما لا نقوله. ثمة أشياء يجب أن تقال و إن لم نقلها نكون قد تقاعسنا عن أداء واجبنا. و هناك أشياء يجب أن لا تذكر و لا تقال و إذا قلناها نكون قد عملنا خلافاً لواجباتنا. النخبة الآن في جلسة امتحان... امتحان عظيم.. الرسوب في هذا الامتحان لا يعني التأخر لسنة واحدة فقط في الدراسة، بل يعني السقوط. و إذا أردنا أن لا نُبتلى بهذا المعنى فالسبيل هو أن نجعل العقل الذي يدعو الإنسان إلى العبودية معياراً و ملاكاً و مؤشراً.
ليس العقل هذه الألاعيب و الحيل السياسية الدارجة، فهذه بخلاف العقل. »العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان«(9) العقل هو ما يهدي الإنسان إلى سواء السبيل. يخطئ أولئك الذين يتصورون أنهم يتصرفون بطريقة عقلائية إذا مارسوا الألاعيب السياسية. كلا، العقل هو الشيء الذي يمهد الطريق لعبادة الله. و مؤشر ذلك أن ننظر بيننا و بين الله هل نحن مخلصون في أقوالنا هذه أم لا؟ هل نفكر بالله أم لا؟ هل أتكلم أنا لله و من أجل رضا الله أم من أجل استرعاء انتباهكم؟ من أجل الله أم من أجل المستمعين و غير المستمعين؟ هذا هو المعيار. لنراجع أنفسنا. أقضى القضاة تجاه الإنسان هو الإنسان نفسه. لا نخدع أنفسنا. لنفهم ما نفعله، و لنفهم ما نقوله، و ما الذي نقوم به.
لقد فتحوا لنا الطريق و يجب النظر للمبعث من هذه الزاوية. ليس المبعث مجرد حفل نحتفل فيه و نصفق و نأكل الحلويات و نوزعها و نفرح. ليس هذا. المبعث منعطف و عيد. العيد معناه تلك المناسبة التي تلفت انتباه الإنسان إلى حقيقة معينة. إنه عيد.. ننظر للمبعث، و ننظر للرسول، و ننظر لذلك الجهاد العظيم، ثم ننظر لذلك التأثير العميق على مدى عشر سنوات - عشر سنوات في عمر الشعب كلحظة واحدة - ما الذي فعله ذلك الرجل العظيم و عظيم العظماء في تلك الأعوام العشرة؟! أين يمكن أن نجد عشر سنوات نقارنها بهذه السنوات العشر المباركة التي حكم فيها الرسول الأكرم (ص)؟! أية حركة أطلقها في تاريخ البشرية و أي طوفان أوجده، و أي ساحل آمن دلَّ عليه البشرية وراء ذلك الطوفان و كيف أشار إلى الطريق! و قد عمَّر ثلاثاً و ستين سنة. و نريد الآن بأعمار طويلة و بهذه التصرفات الطفولية - أينما كان - السير في ذلك الطريق. حينما يحصل مثل ذلك التحرك بتلك الدرجة من الإخلاص و الجهاد و الهداية الربانية فستكون النتيجة نفس ذلك الشيء الذي ترتّب على الأعوام العشرة لحكومة الرسول و أفرز كل تلك العظمة.
ربنا أيقظنا من غفوتنا. عرِّف قلوبنا حقائق الإسلام أكثر فأكثر. اللهم أعن الشعب الإيراني في طريق الرشاد و الثبات الذي اختاره. اللهم أرضِ القلب المقدس للإمام المهدي المنتظر عنا.
و السلام عليكم و رحمة الله.

الهوامش:
1- سورة الملك، الآية 10.
2- نهج البلاغة، الخطبة الأولى.
3- تحف العقول، ص 15.
4- مجمع البيان، ج 10، ص 500.
5- سورة آل عمران، الآية 164، سورة الجمعة، الآية 2.
6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 6، ص 340.
7- سورة الأنعام، الآية 160.
8- سورة البقرة، الآية 285.
9- الكافي، ج 1، ص 11.