بسم الله الرحمن الرحيم

نتمنى ببركة هذه الساعات العطرة النيرة أن ينور الله تعالى قلوبكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء بنور اليقين و الإيمان و الإخلاص، و أن يمنحنا جميعاً من شهر رمضان و من هذه الأيام و الساعات رشحةً من رحمته و بركاته و نظرات لطفه إن شاء الله، فإذا كان هذا تحققت بسهولة كافة المطاليب و الآمال و التمنيات التي نحملها في قلوبنا و الأهداف التي نرسمها لأنفسنا.
اجتماعنا هذا هو في الحقيقة اجتماع ثنائي الجانب. لدينا في شهر رمضان من كل عام لقاؤنا بالمسؤولين المحترمين في الحكومة. هذا جانب من الاجتماع. و الجانب الآخر هو قضاء لقائنا في أسبوع الحكومة. إذ أن لدينا عادةً لقاؤنا في أسبوع الوحدة و لم يتحقق هذا اللقاء أداءً لذلك نحققه الآن قضاءً - كان السادة المسؤولون في الحكومة و السيد رئيس الجمهورية مشغولين بقضايا المجلس و ما يتعلق بها - لذلك نحيي ذكرى الشهيدين العزيزين الشهيد رجائي و الشهيد باهنر، و نسأل لهما علو الدرجات، و نغتنم أن يُطلق اسم هذين الشهيدين الكريمين الكيّسين المخلصين على الحكومات في إيران بمناسبة أسبوع الحكومة و أن تبدأ الحكومة أعمالها كل سنة بذكرهما. الحمد لله تم تثبيت الحكومة و استقرارها. هذه فرصة و موقع مهم و كبير جداً. إنه لطف عظيم منَّ الله تعالى به على شعبنا و بلادنا. أولاً ثبُت بتلك الانتخابات الحماسية الخالدة أن الشعب الإيراني يشعر بالمسؤولية إزاء إدارة البلاد، و يدخل إلى الساحة بإرادته و اختياره ليعيّن مسؤولي البلاد، و هذه فرصة مهمة جداً للنظام و الثورة. الواقع أن شعبنا بمشاركته في الساحة و التي بلغت نسبتها 85 % جدّد البيعة مع الثورة، ثم إنه انتخب رئيس الجمهورية بنحو خمسة و عشرين مليون نسمة، و هذا بدوره نصاب جديد للحكومة و لرؤساء الجمهورية في إيران. و قد كان لهذه المشاركة الواسعة رسائلها. المشاركة التي بلغت نسبتها 85 بالمائة و بأربعين مليون صوت كان لها رسائلها، و كذلك هذا الانتخاب الذي بلغ نحو خمسة و عشرين مليون صوت كان له رسائله. و يجب فهم هذه الرسائل. و إذا أدركت الحكومة و المسؤولون هذه الرسائل بشكل صحيح، و تأمل فيها النخبة و الزبدة السياسية من المجتمع فسوف تعالج العديد من مشكلاتهم و تحل الكثير من عقدهم.
من أهم الأشياء التي قالها الشعب في هذه الانتخابات - و الواقع هو أنه يجب القول إن ثورتنا قالت هذا الشيء - هو أن الجمهورية أثبتت نفسها بأعلى الأصوات. الحقيقة أن هذه المشاركة التي بلغت 85 بالمائة كانت هجوم الجمهورية المضاد على الأعداء الذين ما انفكوا يتشدقون ضد الثورة و ضد الإسلام، و ينالون حسب تصورهم من أركان جمهورية النظام. تلك المشاركة الهائلة دليل على هذا المعنى. ثم إنكم لاحظتم في تصريحات المرشحين المحترمين الذين خاضوا ساحة الانتخابات أنهم غالباً ما نادوا في كلماتهم و خطاباتهم باتباعهم لخط الإمام و الميل للقيم و حب القيم. مع أنه كانت هناك في بعض الأحيان كلمات لا تتطابق مع هذه الحالة العامة، لكنهم كانوا يرومون من كل ما يقولونه و يطرحونه إثبات وجود الانشداد لطريق الإمام و لخطه، و للثورة ، و لأسس الثورة. هذه قضية على جانب كبير من الأهمية. هذا دليل على أن الجميع شعروا بأن الشعب الإيراني يميل لهذا الاتجاه. هذا مؤشر على الاتجاه العام لمسيرة الشعب الإيراني.. ألا و هو اتجاه الإسلام؛ اتجاه الطاعة و الخضوع أمام الأمر الإلهي الذي كان إمامنا الجليل مظهره. إذن، تم في هذه الانتخابات تثبيت و تكريس جمهورية النظام و إسلاميته كلاهما. و تم كذلك تأييدهما. هذه رسائل مهمة. ينبغي وعي هذه الأمور و فهم هذه الرسائل.
لقد فتح هذا الأمر و الحمد لله صفحةً جديدة في ثورتنا و نظامنا. لكن ردود أفعال البعض على خطوة الشعب العظيمة هذه لم تكن للحق و الإنصاف ردود أفعال أخلاقية و نجيبة و ذات مروءة. لكن هؤلاء كما في الآية: »فأما الزبد فيذهب جفاءً و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض«.(1) خطوة الشعب الأصيلة، و تيار الثورة الهائل هي الأشياء التي ستبقى لهذا البلد و لهذا الشعب و لهذا التاريخ. يجب أن نكون شاكرين دوماً. كل من يعشق إمامنا الجليل يجب أن يكون شاكراً لهذه النعمة الكبيرة التي مَنَّ الله تعالى بها علينا. أنتم طبعاً يجب أن تكونوا شاكرين أكثر لأن المسؤوليات على عواتقكم. خصوصاً السيد رئيس الجمهورية يجب أن يكون شاكراً أكثر من الآخرين. ينبغي أن تشكروا الله و تغتنموا الفرصة و يجب أيضاً أن يزداد تواضعكم نتيجة هذا الشكر. افخروا بأصوات الناس و اعتمدوا عليها و لكن لا يصيبنكم الغرور، فلو أصابنا الغرور لا سمح الله عندئذ سنجد الكثير من الانحرافات و حالات الانحطاط أمامنا. كونوا حذرين. هذه من الفخاخ الشيطانية الكبيرة. عادةً ما تكون هناك بعد الانتصارات الكبرى أخطار كبرى. لاحظوا أنه حينما تحررت خرمشهر، و كان ذلك انتصاراً كبيراً - في سنة 61 إذا كان البعض يتذكرون بدقة - و عملاً جباراً جداً. كان إنجازاً على جانب كبير من الأهمية من الناحية السياسية، وكان عملاً جد معقد و مهم من الناحية العسكرية، كما كان إنجازاً مهماً و مؤثراً جداً من الناحية الاجتماعية و النظرة العامة و التأثير في قلوب الجماهير. كان عملاً عظيماً على كافة الأصعدة. جاء الجميع من شتى الأماكن. كنتُ حينها رئيساً للجمهورية. حضر رؤساء جمهورية عدة بلدان - خمسة بلدان أو ستة أو سبعة بلدان - إلى هنا و التقوا بنا و قالوا لنا صراحةً إن وضعكم الآن يختلف عن السابق.. بعد هذا الفتح الكبير الذي حصل. كانت الأبعاد الداخلية و الخارجية لهذا الحدث عظيمة و واسعة إلى هذا الحد. كان الإمام معلماً حقيقياً. كان الإمام معلم أخلاق. ما إن وقع هذا الحدث العظيم بهذه الضخامة و الحجم حتى اتضحت تأثيراته على معنويات الشعب في الشوارع منذ الساعات الأولى. و شعر الإمام بالوجع على الفور و وصف الدواء دون تأخير: »الله هو الذي حرّر خرمشهر«. هذا معناه أن قادة القوات المسلحة الذين تحملوا كل تلك الجهود و الآلام و الصعاب و المرارات، و كم قدمنا من شهدائنا الصالحين الكبار في فتح »بيت المقدس« هذا، و قد تم إنجاز هذا العمل الكبير نتيجة كل ذلك الجهاد، هؤلاء القادة يجب أن لا يصابوا بالغرور و الزهو نتيجة هذا النصر الكبير على الساحة السياسية، و الذي تأتّى بفضل هذه الحادثة: »و ما رميت إذا رميت و لكن الله رمى«. (2) لسنا بشيء أنا و أنتم.. إنها يد القدرة الإلهية. أنا و أنتم وسائل إذا أعملنا عقولنا و حريتنا و اختيارنا و خضنا الساحة، فسوف يُستفاد منا لحصول هذا الهدف، و يبقى لنا فخره و شرفه. و لكن حتى لو لم نكن نحن موجودين: »فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه«. (3) المهمات الإلهية لن تبقى بلا حملة، بل سوف تحمل و تتقدم إلى الأمام. إنها حركة طبيعية و هي ناموس الطبيعة و ناموس التاريخ. »سنة الله التي قد خلت من قبل«. (4) ورد هذا المعنى بتعابير مختلفة في مواضع مختلفة من القرآن: »و لن تجد لسنة الله تبديلاً«. (5) إنها سنة إلهية. »و لو قاتلكم الذين كفروا لولّوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً و لا نصيراً سنة الله التي قد خلت من قبل«. (6) هذا مصداق من مصاديقها.. »و لن تجد لسنة الله تبديلاً«.. أي إنكم إذا نزلتم إلى الساحة فسوف تنتصرون على عدوكم.. أي إن هذه سنة إلهية. قد لا يكون هذا النصر في يوم واحد أو سنة واحدة، لكنه نصر في نهاية المطاف. إنه نصر سوف يحصل بكل تأكيد. لا معنى للهزيمة و الخسارة في جبهة الحق. إلا إذا لم يتواجد أهل الحق في الساحة، و لم ينهضوا بالأعمال الواجبة. إذن، الأمر يعود لله وهو من الله: » وما رميت إذ رميت«. الحال هكذا هنا أيضاً. أنتم المسؤولين، و السيد رئيس الجمهورية المحترم، و كل المحبين لهذه الحركة، يجب أن يزداد يوماً بعد يوم شكركم و تقديركم للطف الإلهي و ليد القدرة التي هدت قلوب الناس إلى هذا الاتجاه. هكذا هي القضية إذن.
و الحمد لله الحكومة التاسعة كانت حكومة جد دؤوبة و مثابرة. كما أوضح السيد رئيس الجمهورية، أجد - و الحق يقال - لزاماً عليَّ أن أتقدم بالشكر لأعضاء الحكومة التاسعة فرداً فرداً. بذلوا للحق و الإنصاف الكثير من الجهود و المساعي في شتى القطاعات و المجالات. و أرحب بالأعزاء الذين شكلوا الحكومة العاشرة. نتمنى لكم التوفيق إن شاء الله و سيكون الله في عونكم ليوفّقكم. الزمن على كل حال زمن حساس يتطلب جهوداً حثيثة. العمل اليوم دقيق، و بنوعية عالية، و بحجم و كمية كبيرة. إنه عمل هائل الحجم و النوعية. إذا كان عملكم قليلاً تأخرتم. و إذا غضضتم الطرف عن دقائق العمل و ظرافته تأخرتم كذلك. الكمية و النوعية يجب أن تترافقان. يجب أن تلاحظوا هذه النقطة بكل تأكيد. نتمنى أن يمدّ الله يد معونته إن شاء الله.
و السيد رئيس الجمهورية و الحمد لله ملئ بالطاقة و لا يعرف التعب. و الركض بمستواه عملية صعبة. ساعدكم الله لتستطيعوا الركض معه و بمستواه و تصلوا إلى مقاصدكم.. إنها عملية صعبة حقاً. إنه يبذل الكثير من الجهد و السعي، و هو زاخر بالطاقة و الحمد لله.. الشكر لله. و قد لا يبدو هذا على ظاهره كثيراً.. الحمد لله.. عسى أن يمدَّ الله يد عونه أكثر و يمنح طاقةً أكثر، و مقدرةً أكثر. نحن ندعو دائماً. لا يمرُّ يوم أو ليلة دون أن أدعو فيه للسيد رئيس الجمهورية و البعض من المسؤولين.
أذكر توصياتي باختصار. إحدى التوصيات مسألة التوكل و التوجه إلى الله تعالى، و ذلك من أجل أن تستطيعوا تعزيز باطنكم و قلوبكم و تقويتها. هذا هو الشرط الأول. إذا كان بناؤنا الداخلي بناءً متيناً حقاً فلن تستطيع أية مشكلة خارجية الانتصار علينا. ينبغي تعزيز الباطن و القلب بحيث يتغلب على كافة النواقص و الثغرات الظاهرية و الجسمية و البيئية. و اعلموا أن هذا ما يحصل بالتوكل على الله تعالى و بالتوجه إليه عزّ و جلّ. أذكر نقطتين فيما يتصل بالتوكل على الله و الأمل بالمستقبل:
النقطة الأولى هي اعلموا أنه ستواجهكم في الطريق مشكلات كثيرة جداً و سوف تحاك مؤامرات كثيرة ضدكم و ضد هذه الحكومة، و ضد النظام في الباطن. هناك الكثير من الأفكار و الجهود و المؤامرات، فاستعدوا لمواجهة شتى صنوف الإساءات و النوايا السيئة و النظرات السلبية التي ستظهر آثارها في الخارج. هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية هي أن عليكم أن تعلموا أن فرصنا و آمالنا أكبر من هذه المشكلات. فالحق هو أن القدرات و الفرص و الأبواب المفتوحة و الفتوحات الإلهية القادمة أكبر بكثير من هذه المشكلات التي ذكرتها. حجم هذه الفرص كبير جداً. إذن، سهّلوا هذه المشكلات على أنفسكم بالتوكل على الله تعالى. هذه هي التوصية الأولى.
التوصية الثانية هي مواصلة التوجهات الأساسية السابقة في هذه الحكومة. فهذه الحكومة تتمة للحكومة السابقة بالطبع. كان توجهكم منصباً على العدالة. لا تتخلوا عن مسألة العدالة.. تابعوا قضية العدالة هذه.. و كذلك قضية مكافحة الفساد، و حماية الطبقات الضعيفة، و التبسّط في العيش، و النظر للمناطق البعيدة و النائية، و الاهتمام بمشكلات الناس المختلفة. هذه أصول إذا روعيت و جرى الإصرار عليها فسوف ترضي الله و ترضي الشعب أيضاً عن أي مسؤول و أي نظام.. واصلوا هذه الأمور.
طبعاً بشأن العدالة - و العدالة قضية على جانب كبير جداً من الأهمية - قلنا الكثير من الكلام و يوجد الكثير من الكلام في الذهن. أقول هنا هذه النقطة. أولاً يجب عليكم تعريف العدالة - و أخال أني كتبت هذه النقطة هنا بشكل مستقل - و أن تحددوا ما هي هذه العدالة التي نروم الوصول إليها. أولاً العدالة ليست في الشؤون الاقتصادية فقط. جانب مهم منها هو الشؤون الاقتصادية. في إصدار الأحكام، في الآراء، في وجهات النظر، في التصريحات، في اتخاذ المواقف، يجب علينا دوماً أخذ جانب العدالة بنظر الاعتبار. و القضية الأكثر إلحاحاً هي قضية العدالة الاقتصادية و عدم توزيع الثروة العامة و الدخل الوطني العام توزيعاً عادلاً بين أبناء المجتمع. و لهذا الكثير من النماذج و منها الدعم الذي نقدمه فنعطي الفقير دعماً أقل و نعطي الغني دعماً أكبر! هكذا هو الوضع الآن على كل حال. الدعم الذي تقدمه الحكومة الآن و يخرج من بيت المال نعطي منه الفقراء مقداراً أقل و نعطي الأغنياء مقداراً أكثر. قضية توجيه الدعم التي طرحت قضية مهمة حقاً. منذ سنوات و هذه المسألة من الآمال و الأعمال المنشودة. في الحكومات السابقة كتبت و قلت شفهياً مرتين أو ثلاثة لمتابعة هذه المسألة، لكنهم لم يتابعوها، و هي عملية صعبة و كثيرة المتاعب. كانوا يفضلون أن يبقى الوضع كما هو. و الحكومة الآن تتوخى العمل في هذا المضمار. عليكم بالتالي متابعة هذه المسألة و هي عملية دقيقة. لدينا توصياتنا في هذا الحيز و سنذكرها لاحقاً إذا وجدنا متسعاً من الوقت.
في خصوص العدالة ينبغي أولاً مراعاة هذه المسألة، و ثانياً يجب مراعاة العقلانية عند العمل من أجل العدالة. كما ينبغي في الوقت ذاته مراعاة المعنوية. و قد سبق أن ذكرنا هذه المسألة. إذا لم ترافق المعنويةُ العدالةَ ستعود العدالةُ شعاراً أجوف. الكثيرون يتحدثون عن العدالة و لكن بسبب غياب المعنوية و النظرة المعنوية، يكتسب الأمر في غالبه طابعاً سياسياً و شكلياً. إذن، الأمر الثاني هو العقلانية. إذا غابت العقلانية في العدالة، تنقلب العدالة أحياناً إلى ضدها.. إذا لم تجر الحسابات بصورة دقيقة فيما يخص العدالة. بعض هذه الجماعات المتطرفة قامت بالكثير من الأعمال باسم العدالة و انقلب الأمر إلى الضد من العدالة. و الغريب أن نفس أولئك المتطرفين تغيِّرت توجهاتهم الآن مائة و ثمانين درجة! و انتهى الأمر إلى أن يتحدثوا اليوم و يفكروا و يعملوا بطريقة مختلفة. إذن، العقلانية هي الشرط الأول في العدالة.. هذه هي التوصية الثانية.
التوصية الثالثة: قارنوا اتجاهات برامج الحكومة و أدائها وفق مؤشر ميثاق الأفق العشريني. ميثاق الأفق العشريني شيء مهم، و يجب عدم الاستهانة به. ربما أتيح القول إننا لا نمتلك من بعد دستور البلاد أي وثيقة بهذه الأهمية. إنه نظرة شاملة طويلة الأمد. ميثاق الأفق العشريني شيء مهم. لاحظوا أنه قد مضى على ميثاق الأفق العشريني أربعة أعوام. بمعنى أنه يوجد أمامنا ست عشرة سنة حتى نهاية هذا الميثاق. فكم تقدمنا خلال هذه المدة؟ ثمة ادعاء يقول إننا تقدمنا أكثر من ما يجب أن نتقدم خلال أربعة أعوام. و هناك ادعاء يقول: لا، تقدمنا أقل مما يجب. تقدمنا بمقدار نصف ما ينبغي أن نتقدم في غضون أربع سنوات. يجب قياس هذه الأمور بدقة و ملاحظتها بشكل صحيح. لوحظ في هذا الأفق العشريني مستقبل يعد ضرورياً و لائقاً بالنسبة للشعب الإيراني. إذا لم نصل لهذا المستقبل نكون قد تأخرنا. ثم إننا يجب أن نعلم إننا حين نتقدم نحو ذلك الهدف فإن الأطراف حولنا ليست واقفة. فهي تسير أيضاً. يجب علينا تنظيم السرعة و تنظيم الجدول الزمني للخطط. يتوجب علينا تنظيم السرعة بحيث نستطيع فعلاً بلوغ أهداف الأفق العشريني. أي يجب أن تكون هذه الحكومة قد مارست دورها في هذه العملية.
توصيتنا الرابعة هي التطبيق الكامل لسياسات المادة 44. هذه أيضاً مسألة على جانب كبير من الأهمية. يوم طرحت سياسات المادة 44 أعترف جميع العاملين في المجالات الاقتصادية و خبراء الشؤون الإدارية أنه إذا تم تنفيذ هذا الأمر فسوف يحدث تحول اقتصادي هائل في البلاد. إذن، يجب تنفيذ هذه السياسات بشكل كامل. أنجزت بعض الأعمال. سمعت بعض التقارير من السيد رئيس الجمهورية و من بعض المسؤولين غيره، لكن ما أنجز لا يمثل كل استيعاب سياسات المادة 44. و حين نقول »كل« نقصد أن الجزء الأكبر من هذا الاستيعاب لا يزال غير مشغول. بعض الأمور كان ينبغي إحالة إداراتها و لم يحصل ذلك. و هناك أمور كان يجب أن تعزف الحكومة عن التصدي لها و لم يحصل ذلك. لم تحصل الأمور اللازمة. قد نستطيع القول كما أشار السيد رئيس الجمهورية إن البنى التحتية و الآليات المتوفرة في النظام الاقتصادي للبلاد لا تتسع لهذه العملية، و إذن، ينبغي أولاً تنفيذ مشروع التحول الاقتصادي. إنني لا أرفض ذلك. قد يكون الأمر كذلك فعلاً. و لكن ينبغي أن لا نعتبر الأمر قد وصل إلى طريق مسدود و أن الباب مقفل. ينبغي على كل حال التحرك و التقدم إلى الأمام. مشروع التحول هذا سيخرج من مجلس الشوری ذات يوم على كل حال. و قد يخرج ببعض التغييرات. و قد تكون هناك خصوصيات أخذت فيه بنظر الاعتبار. يجب التقدم بالأمر على كل حال. و لديكم الكثير من القوانين و عليكم رصد سياسات المادة 44 و تشخيص مستوى التقدم فيها. على الحكومة نفسها و جهاز رئاسة الجمهورية القيام بهذا.
التوصية الخامسة و هي تتمة لهذه المسائل تختص بمعالجة المشكلات الاقتصادية للناس و البلاد. قضية التضخم التي أشاروا إليها - و أهم القضايا هي التضخم و البطالة - هي الأهم بين القضايا. كانت هناك نقطة جيدة جداً في كلمة السيد رئيس الجمهورية أريد أنا أيضاً التأكيد عليها.. على الحكومة البرمجة و التخطيط بحيث لا تزداد ضغوط التضخم على الناس من جانب الحكومة. قد تكون هذه الضغوط من الخارج أحياناً و قد تكون بسبب بعض القوانين في أحيان أخرى. و قد أثاروا هنا مسألة الخدمات. الكثير من الخدمات تتم من قبل الحكومة. نصيب الكثير من هذه الخدمات - التي تتحدثون عنها - من التضخم أرتفع من ثلاثين بالمائة إلى سبعين بالمائة.. الحكومة تنهض حالياً بهذه الخدمات. إذن، قللوا نصيبكم من ضغوط التضخم ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً. هذه من الأمور الأساسية المهمة.
دققوا في المشاريع الاقتصادية - و هذه تتمة لمسألة حل المشكلات الاقتصادية للناس - و ذلك بأن لا تصاب الحكومة بالتسرع. التسرع في اتخاذ القرارات أو عدم الإفادة أحياناً من آراء الخبراء الاقتصاديين قد يوجه بعض الضربات لمشاريعكم. طبعاً ادعاء الحكومة غير هذا. لكن معارضي الحكومة يدعون ذلك و الحكومة تنكر. أولئك يقولون إن الحكومة لا تستفيد من الخبرء الاقتصاديين. و الحكومة تقول: بلى، نستفيد منهم. و لكن بعيداً عن هذا الضجيج الذي فيه ادعاءات و إنكار، توصيتي للحكومة هي: افعلوا ذلك و انتفعوا إلى أقصى درجة من آراء الخبراء. لا أوصي باتباع كل المعادلات و الأساليب الاقتصادية التي يمليها الاقتصاد الدولي على البلاد اليوم، لا، هذا على العكس من رأينا تماماً.. ابحثوا عن الطرق الصحيحة، و لكن اتبعوا آراء الخبراء العلمية الدقيقة حتماً، خصوصاً في قضايا المال و المصارف. لا يمكن نبذ جانب الاحتياط و الحذر. هذه أمور جد دقيقة و حساسة. أية خطوة غير مدروسة و غير مناسبة منكم قد تسبب فجأة حدوث هوة مخيفة، إذا أردنا ردمها و معالجتها نكون قد فرّطنا بكثير من المال و الوقت. تنبهوا لهذه النقطة بدقة. ينبغي الحذر بشدة من عدم التدقيق و عدم دراسة الأمور في الشأن الاقتصادي. و عدم التدقيق حالة سيئة في جميع الشؤون، لكن آثارها في الشأن الاقتصادي تظهر بسرعة كبيرة و تترك في بعض الأحياة آثاراً جسيمة جداً. هذه نقطة يجب التفطن إليها بدقة. في القضايا الاقتصادية مع أن محور الأنشطة الاقتصادية و اتخاذ القرارات للشؤون الاقتصادية هو الحكومة، بيد أن لسائر السلطات أيضاً دوراً واضحاً.. السلطة القضائية أيضاً لها دورها، و السلطة التشريعية لها دورها أيضاً. يجب على هذه المؤسسات القيام بواجباتها في هذه المجالات، و تقديم المساعدة. القطاع الخاص و الأجهزة ذات الصلة بالقطاع الخاص، كغرف التجارة و ما إلى ذلك، يجب أن تواكب جميعها هذه المسيرة و تتعاون مع الحكومة و تمدّ لها يد العون.
توصيتنا السادسة تتعلق بالثقافة، و قد أشير إلى أن المسألة الثقافية على جانب كبير من الأهمية. ما الذي نريد أن نفعله في مجال الثقافة و العمل الثقافي؟ يجب أن نحدد هذه النقطة أولاً. قد تكون إحدى المؤسسات غير آبهة للشؤون الثقافية، و قد تكون هناك مؤسسة تهتم للشأن الثقافي بيد أن أهدافها الثقافية تعاني من الخلل أو الثغرات. رسم الأهداف عملية مهمة جداً و يجب عدم الغفلة عنها. ما الذي نريد أن نصنعه بأخلاق الناس و ثقافتهم؟ هل نستطيع كحكومة إسلامية أن نترك عملية التوجيه و الهداية الثقافية للمجتمع لحالها؟ كلا بلا شك، فهذا من واجباتنا. قد يتحدث المعارضون و المنتقدون، و قد يستهزئون أحياناً أو يوجهون الإهانات.. فليفعلوا ذلك. لا نستطيع نسيان التكاليف الإلهية بسبب هذه الأمور. من واجبنا أن نهدي شعبنا.. الهداية. الرئاسة في المجتمع الإسلامي ليست رئاسة مادية محضة. هناك إدارة شؤون الناس و إلى جانبها الهداية. يجب أن نفتح ما استطعنا طريق هداية الناس و ننهض بمهمة هدايتهم. الكثير من أدوات الهداية متوفرة لدى الأجهزة الحكومية، و من نماذج ذلك الإذاعة و التلفزيون، و هناك العديد من النماذج الأخرى. من النماذج أيضاً وزارة الثقافة و الإرشاد. و من النماذج الأخرى وزارة العلوم، و منها كذلك وزارة التربية و التعليم.. هذه كلها أجهزة خدمة و هداية. كيف يجب أن نستخدم هذه الأجهزة. ينبغي أن نسير و نعمل بطريقة تجعل الناس متدينين.. يعملون بطريقة المتدينين و منهجهم، و يؤمنون بالأسس الدينية، و يلتزمون عملياً بتعاليم الدين. ينبغي أن يكون هذا توجهنا على كافة الصعد. في وزارة الثقافة هنا كقضية الكتب و قضية الفنون التشكيلية، و الفنون السمعية و المرئية المختلفة.. في كل هذه الميادين يجب أن يكون توجهنا أن نسير بالناس نحو الدين و الله. و إلا إذا تقرر أن ننظر على ماذا يلومنا الأجانب - إذا أردنا مراعاة هذا الجانب - فإن الكثير من الأمور سوف لن تنجز. اللحية التي تطلقونها لا يقبلها العالم. و ربطة العنق التي لا تضعونها لا يقبلها العالم. و الكثير من الأطعمة و الأشربة التي لا تتناولونها لا يوافقكم العالم على عدم تناولها. الحجاب الذي ترتديه نساؤكم لا يرضاه العالم. ما معنى هذا الكلام؟ ذات مرة - قبل نحو سبعة و عشرين أو ثمانية و عشرين عاماً - سألني أحدهم في أحد هذه اللقاءات الطلابية في الجامعة حول قضية من القضايا و قال: ما هو دفاعكم و تبريركم للقضية الفلانية؟ قلتُ له: ليس لدينا أي دفاع، إنما لدينا هجوم في هذه القضية. أي دفاع؟! موقفنا ليس موقفاً دفاعياً. في قضية المرأة و في قضايا أخرى متنوعة موقفنا موقف هجومي. إننا نطالب العالم و نقيم ضده دعوى. العالم المادي هو الذي يسلك الطريق الخطأ بخصوص هذه الأمور. و هاهم الآن - عقلاؤهم طبعاً - يتنبهون إلى الحقيقة و يصدِّقون خطأهم و يعترفون بالآثار و التبعات القبيحة المترتبة على سلوكهم. راحوا يفهمون الحقيقة شخصاً بعد آخر، و راحوا يعترفون بها تدريجياً، و البعض يرفضون ذلك بشكل ‌أو بآخر. و نأتي الآن لنخجل منهم لأنهم يقولون عنا كذا! اتركوا هذا الكلام تماماً في مضمار الثقافة و تمسكوا بالأصل. طبعاً أنا لا أوافق التوجهات المتطرفة عديمة الأساس و لا أوصي بها أبداً و لم أوصِ بها من قبل، لكن الأمور ذات الأصول الشرعية و الدينية اثبتوا عليها بقوة و اعملوا بها و افخروا بذلك.
النقطة السابعة التي أروم التوصية بها هي أن تهتم الحكومة للقانون. نعم، الشيء الذي قاله السيد رئيس الجمهورية أن الكل يجب ان يراعوا القانون و يعملوا به شيء مفروغ منه. مجلس الشورى، و السلطة القضائية، و المؤسسات المختلفة يجب عليها مراعاة القانون. نوصيهم بهذا الشيء و نوصيكم أيضاً به. راعوا القانون و طبقوه بدقة. قال بعض ناقدي الحكومة إنها لا تلتزم بالقانون و قال السيد رئيس الجمهورية في رده: لا، إن هذه الحكومة هي الأكثر التزاماً بالقانون بين كل الحكومات. هذان ادعاءان، و هما طرفا قضية. هنا أيضاً لا يعنيني أي الطرفين أرجح و أي الطرفين لا يرجح. أريد أن أوصيكم توصية أكيدة باعتباركم المسؤولين التنفيذيين في البلاد أن تهتموا للقانون. إذا تجاهلنا القانون و لم نعمل به في مسألة معينة فلن تكون القضية مجرد أن قانوناً قد نُقض و لم يعمل به، بل معناه أن طريقاً و خطاً قد انفتح و لهذا الخط تواليه و استمراريته. هكذا هي عملية خرق القانون. إذا خرق القانون هنا ستكون عملية خرق القوانين قد وجدت لنفسها فرصة جديدة لكي يُعمل بها من قبل الآخرين. لهذا ينبغي أن تهتموا اهتماماً بالغاً بمسألة القانون.
النقطة التالية هي: لتكن لكم صدور واسعة و وجوه بشوشة و آذان مصغية لسماع النقد. لن يضركم أبداً أن يوجهوا لكم النقود. طبعاً، هذه النقود التي توجّه إليكم ليست كلها من سنخ واحد. بعضها لا يقصد منه الإصلاح، بل يراد منه التخريب و التشويه.. نحن نرى الأمور على كل حال.. سواء من قبل صحافتنا أو من قبل من يدعم هذه الصحافة. عشرات الإذاعات و التلفزيونات الأجنبية و وسائل الإعلام العامة و الدولية توظّف لصالح كلام و أفكار يراد منها التشويه و التسقيط. أي إنها لا تقصد الإصلاح إطلاقاً. ما يقولونه و ما يذكرونه هو بهدف التخريب. لذلك تجد فيه الواقع و غير الواقع و خلاف الواقع و نقيض الواقع و كل شيء. أحياناً يضخمون شيئاً صغيراً، و أحياناً يصورون شيئاً غير موجود على أنه حقيقة أكيدة. هذه أمور موجودة على كل حال.. و هي تخريب طبعاً. و لكن ثمة إلى جانبها نقود مصلحة و خيرة تصدر أحياناً عن أصدقائكم بل و تصدر أحياناً عن أشخاص لا يعدون من أصدقائكم و مناصريكم.. هكذا هو الحال. يُوجّه للإنسان نقد و ترصد عيوبه و ينقد من قبل طرف هو ليس بصديق الإنسان حتى يقول الإنسان: سأصغي لنقده ثقةً بصداقته.. لا، إنه ليس حتى من الأصدقاء، لكنه ليس من الأعداء أيضاً.. أي إن عداءه لم يثبت. لكنه نقد و مؤاخذات. حتى هذا يجب الإصغاء له. ربما كان في ثنايا هذه النقود كلمات تنفعنا و يجب على كل حال التعامل معها بسعة صدر.
وجهت لكم في غضون هذه الأعوام الكثير من الإهانات و الأحقاد. تحملوها.. هذا التحمل و الصبر أيضاً له أجره عند الله تعالى. لكن يجب أن لا يؤدي هذا إلى أن تضيق صدورنا و نقرر أن لا نستمع للنقود، أو إذا وجّه لنا أحد أبسط نقد في مكان ما حملنا نقده على العداء. لا، أبداً، لنستمع النقود.. النقد شيء جيد. و كما قيل فهذه هدية تهدى للإنسان.. هكذا هي النقود غير المغرضة، خصوصاً من قبل بعض النخبة. من المناسب أن أقول هنا: أعرفوا قدر نصائح علماء الدين و اغتنموها. أحياناً يقدم علماء الدين، و شخصياته المعروفة، و حتى مراجع الدين نصائح و توصيات حول بعض الأمور؛ اغتنموا هذه النصائح، و احملوها على محمل المحبة و المودة. نحن نعلم أن السادة و كبار العلماء - طبعاً قد يكون هنا و هناك أفراد على خلاف هذا المعنى لا نقصدهم في حسابنا - المتواجدين في المناطق المختلفة و في مراكز الحوزات العلمية الكبرى في المدن، هؤلاء كلهم من أنصار نظام الجمهورية الإسلامية، و يعرفون قدر هذا النظام و يثمّنونه. يرون كم عمل نظام الجمهورية الإسلامية باتجاه الأهداف الإسلامية و لا يزال يعمل و يجد و يجتهد، و يرون جهودكم و مساعداتكم و خدماتكم. أحياناً يقدمون بعض التوصيات بدافع الحب و الإخلاص.. يجب معرفة قدر هذه النصائح بكل تأكيد.. و كذلك الحال بالنسبة للنخبة في الجامعات. بعض النخب الجامعيين أناس خيّرون حسنو النوايا.. نحن نرى ذلك. يكتبون لي بعض الرسائل أحياناً.. و أنا و الحمد لله أوفق لقراءة الكثير من هذه الرسائل التي يكتبها لي النخبة و المثقفون من الحوزة و الجامعة. و مع أن الرسائل كثيرة ولا يستطيع الإنسان قراءتها جميعاً، لكنني وفقت و الحمد لله لقراءة الكثير من هذه الرسائل الخاصة و النظر فيها. لديهم نقودهم عليَّ و عليكم و على العمل الفلاني و على الخطوة الفلانية و على القرار الفلاني. قد تكون لديهم إشكالاتهم و اعتراضاتهم و قد لا تكون بعض تلك الإشكالات واردة في رأينا. فالإنسان حين يقرأ بعض الرسائل يرى أن الإشكالات المدرجة فيها غير واردة، و إنما جاءت نتيجة عدم الاطلاع على الموضوع الفلاني، و لو كان كاتب الرسالة مطلعاً على الموضوع لما اعترض و لما أشكل. و لكن حتى في مثل هذه المواضع يجد المرء أن الكلام لا يخلو من نقطة جلية و إشارة جيدة يستفيد منها الإنسان. يجب أن يحتفظ الإنسان بهذا الذهن الناشط للنخبة. حينما ترحبون بنقده و تنبيهاته تكونوا في الواقع قد استفدتم من ذهنه و أفكاره كرصيد لكم. و سوف يشعر هو أن باستطاعته مساعدتكم فكرياً. هذا هو الطريق الذي قلنا دوماً يجب أن تفتحوه بينكم و بين النخبة.
و نقطة أخرى هي - و قد سبق أن أشرت لها - إنني اعتقد أن تصميم و تدوين نموذج التقدم الإسلامي الإيراني غير ممكن إلا في داخل الحكومة. كلما فكّر المرء أين يمكن القيام بهذه المهمة يلوح له أن الموطن الذي بوسعه القيام بهذه الوظيفة هو الأجهزة الحكومية. و ينبغي الانتفاع حقاً من المفكرين للمساهمة في تصميم نموذج التقدم، لأن هذا العقد هو عقد التقدم و العدالة. ذكرنا التقدم مع العدالة سويةً، أي على العكس تماماً من الشيء الدارج في العالم المادي اليوم. هم يقولون إننا إذا أردنا في عملية التقدم مراعاة مسائل العدالة فسوف لن يتحقق التقدم، إذن، نترك العدالة إلى ما بعد تحقيق التقدم. و عندها نعوّض الأمر بسبل التعويض المعروفة - من قبيل الضمان و المساعدات - ضمن حدود الإمكان، و غالباً لا يمكن ذلك. أما نحن فنقول: لا، التقدم بصحبة العدالة. في صميم هذا التقدم ينبغي أخذ العدالة بنظر الاعتبار. حسناً، هذا الشيء بحاجة إلى نموذج.. عليكم رسم نموذجه. ستكون هذه نظرة شاملة لمستقبل البلاد. و لديكم من الوقت أربعة أعوام. بوسع هذه الأعوام الأربعة أن تمثل أساساً يعتمد عليه كل من يأتي بعدكم.
و النقطة الأخيرة هي كما قلنا: العدالة ليست في الاقتصاد حصرياً. يجب أن يطلب الإنسان من الله أن يوفقه للعمل بالعدل حتى معه نفسه، و مع القريبين منه، مع الزوجة و الأولاد. لاحظت بعض المسؤولين أحياناً ينهمكون في العمل بحيث ينسون وجود نسائهم و أولادهم، و هذا ما يؤدي إلى خسائر. القضية ليست أننا نجامل و نقول: أرعوا أنفسكم أكثر، و تقولون أنتم: لا، ليست هناك مشكلة.. ليست القضية من هذا القبيل. إنما هو واجب أن يرعى الإنسان زوجته و أبناءه و عائلته و بناءه الأسري. »قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس و الحجارة« (7).. ذكر سبحانه و تعالی الأهل إلى جانب الإنسان نفسه. يقول الله تعالى لرسوله: » و لا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك و لا تبسطها كل البسط«،(8) أي لا تمسك أكثر من الحد اللازم و لا تبسط يدك أكثر من الحد اللازم. أحياناً يقبض الإنسان يده كل القبض، أو يبسطها أحياناً كل البسط، لا، لا هذا و لا ذاك. يقصد أنه في الشؤون المادية و المالية و الاقتصادية لا تكن أيديكم قبضة مشدودة مسدودة، و لا تسرفوا في البذل و الإنفاق. هكذا يوصي الله تعالى رسوله. » و الذين إذا انفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواماً«(9).. آخر سورة الفرقان.. القصد هو الاعتدال في كل الأمور. يجب أن يتحاشى الإنسان الإفراط و التفريط.
عسى أن يكون ما قلناه لله، و أن يتقبله الله تعالى بكرمه و فضله، و يجعله خالصاً له، و أن يكون ما قلناه مفيداً إن شاء الله للأعزاء و الإخوة و الأخوات، حتى نستطيع أن نشهد حركة أقوى.. و كما تحركتم في السابق بشكل جيد و قوي و الحمد لله، عسى أن تكون لكم حركة أقوى من السابق و في جميع المجالات، و أن يعينكم الله و تتقدموا إلى الأمام يوماً بعد يوم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1- سورة الرعد، الآية 17.
2- سورة الأنفال، الآية 17.
3- سورة المائدة، الآية 54.
4- سورة الفتح، الآية 23.
5- سورة الأحزاب، الآية 62.
6- سورة الفتح، الآيتان 22 و 23.
7- سورة التحريم، الآية 6.
8- سورة الإسراء، الآية 29.
9- سورة الفرقان، الآية 67.