بسم الله الرحمن الرحيم

إنه لاجتماع جد طيب و ماتع و عميق المعاني بالنسبة لي. ليس كل الذين أنجزوا أعمالاً أدبية أو فنية تتعلق بالدفاع المقدس مجتمعين هنا دون شك، لكن المرء يلاحظ تنوعاً لطيفاً في جماعتكم هذه أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، سواء من حيث تعدد الفنون و الحقول و الأقسام، أو من حيث تنوع وجهات النظر الاجتماعية و السياسية و الفنية و الإدارية و غير ذلك. لم يكن متاحاً لكل من كانوا يرغبون في طرح وجهات نظرهم هاهنا أن يطرحوها، و هذا بسبب قلّة الوقت. نحن هنا منذ الساعة الخامسة، و للأسف لا تكفي ساعتان أو ثلاث ساعات لطرح و سماع كل هذا الكلام المكنون في القلوب و الأذهان.. لكن حتى هذا المقدار الذي قيل مغتنم و مهم بالنسبة لي. الآراء التي طرحها الأعزاء طبعاً آراء بناءة في القطاعات و المجالات المختلفة، و قد سجلتها. و يجب أن تستخرج تفاصيل هذه القضايا إن شاء الله. ينبغي أن لا نتصور بأن ما نقوله، و ما نذكره، و ما نطرحه من نقود و مؤلفات و اقتراحات سوف لن يؤثر شيئاً و لن يحظى بالاهتمام أو يأخذ طريقه للتطبيق العملي في موضع أو مكان ما.. ليست هذه هي الحال. لقد سجلنا تقدماً إلى الأمام في مجال أدب الدفاع المقدس، و كذلك على مستوى فنون الدفاع المقدس. و أنا أشاهد الساحة. القول بأننا تراجعنا إلى الوراء و تأخرنا و كان التساقط عندنا أكثر من النماء، قول غير صائب و لا أوافقه. لقد كان لنا تقدمنا و تكاملنا. قد يكون المنجز أقل من توقعاتنا، و هذه حالة إيجابية.. إنها لحالة إيجابية و حسنة جداً أن نتوقع أكثر من الذي حصل و أنجز، و أن لا نكون راضين عن الواقع و لا نقتنع بما هو موجود، لكن أن نتصور أننا راوحنا و لم نتقدم شيئاً رغم كل هذه المساعي التي بذلت خلال هذه الأعوام، فهذا غير صحيح. كلا، تقدمنا في الطريق الصحيح، و أنجزت أعمال معينة.. و كان هذا هو الحال في مجالات عدة. هذه ليست قضية مهمة لنطيل الحديث عنها.. و هناك الكثير من الكلام في هذا المجال.
أذكر هنا ما سجّلته - و لا يتسع هذا الوقت القصير لذكر كل ما يعتمل في الذهن - أريد أن أقول فقط إن العمل الفني في دائرة الدفاع المقدس من أفضل الأعمال الفنية. الذين عملوا في هذا الحقل و الذين ساروا في هذا الصراط و تقدموا بشؤونه إلى الأمام ليغتنموا هذا الحقل و المجال. الأعوام الثمانية من الدفاع المقدس ليست مجرد امتداد زمني أو فترة زمنية، بل هي كنـز عظيم يمكن لشعبنا الانتفاع منه إلى فترات طويلة، و استخراجه و استهلاكه و الاستثمار فيه. الحدث العظيم الذي وقع في هذه الأعوام الثمانية كان مجموعة الصفات السامية و الثقافات الحسنة الممتازة المختارة، و العقائد و المعارف السامقة التي ورثها شعبنا على طول التاريخ أو حافظ على مواهبه الخاصة بها إلى أن تفجرت هذه المواهب بالثورة الإسلامية. إنها كنـز من جميع هذه الإيجابيات. أنتم الذين تروون حكاية الدفاع المقدس، خصوصاً الذين يروونها فنياً، أنتم في الواقع مرآيا أمام مظهر من مظاهر الجمال و الجلال تعكسونه. ما حدث خلال فترة تلك الأعوام الثمانية من بروز للخصال السامية و الصفات الإنسانية الحميدة، و الشجاعة، و الإيثار، و الإخلاص، و الصدق و الصفاء، و ظهور عمليات الإدارة و التدبير التي يقوم بها شباب لم يكن يتوقع منهم مثل هذه الإدارة - هذه الأحوال الممتازة التي ظهرت خلال ثمانية أعوام من الدفاع المقدس - حدث كلّه بتكاليف عالية. كم من الأرواح العزيزة أزهقت، و كم من الثروات و الأموال و الوقت أنفق. إنكم اليوم في الواقع تعيدون إنتاج ما حدث بأعمالكم الفنية. التأثيرات التي كان بوسع ذلك الحدث أن يتركها في الجيل و المجتمع تخلقونها أنتم بكتاباتكم و أفلامكم و أعمالكم الفنية التي تصور ذلك الحدث، و تتركونها على المتلقين. هذا عمل عظيم جداً.. عمل مهم جداً. إنكم في الواقع تتحولون إلى مرآة تعكس تلك اللوحة العظيمة المليئة بالدقائق و الجمال. عملكم الثقافي و الفني هذا الذي يروي الجهاد المقدس، يعدّ بحد ذاته جهاداً، فقد جرت مساعٍ لإنساء و محو تلك المفاهيم العليا. هذا شيء بذلت من أجله جهود و جرت أعمال. تلك العزة، و تلك الثقة بالذات، و الشعور بالاقتدار المنبعث من معنويات المقاتلين و المجتمع الإسلامي، و الذي استطاع خلق ذلك الحدث العجيب المذهل - أي الانتصار في الدفاع المقدس و عدم الانهزام أمام هجمات كل هؤلاء الأعداء - و تلك الخصائص و الخصال من أكبر الاحتياجات لشعبنا و بلادنا، و يجب أن نحافظ عليها و نقاوم المساعي الرامية لمحوها و إنسائها. عملكم هو رواية واقع الدفاع المقدس و هذا جهاد كبير.
من النقاط ذات الصلة برواية ملحمة الدفاع المقدس و العمل الفني لتصوير تلك الفترة، و التي ينبغي الاهتمام بها هي أن هذه الساحة ساحة واسعة جداً و الواقع أن العديد من أجزائها لا يزال غير مكتشف. لا أن الإنسان و الأذهان عاجزة عن الوصول إليه و فهمه و معرفته، لا، بل لأنه لم يصوّر و لم ينعكس لحد الآن. ينبغي أن لا نتصور أن مضامين الدفاع المقدس مضامين تكرارية. هناك الكثير من المفاهيم و المضامين في نطاق هذا الجهد و الجهاد الذي بذل خلال الأعوام الثمانية لم تجر عليه أية أعمال أو أفكار لحد الآن. ثمة لائحة طويلة أمامي و قد ذكرت بعض فقراتها حينما كنت أتحدث هنا ذات مرة للأعزاء السينمائيين. التفكير و البحث في هذه المجالات يوصل الفنان إلى مضامين بليغة و غير مسبوقة يمكن من خلالها إنتاج عمل فني. و بالتالي فإن ما يستطيع المرء أن يقوله كخلاصة لقضية الدفاع المقدس هو أن هذه الأعوام الثمانية كانت مظهراً لأروع الصفات التي يستطيع المجتمع أن يتباهى بها و يتوقعها من شبابه. فالدفاع المقدس كان مظهر الحماس، و مظهر الروح المعنوية و الدينية، و مظهر النـزعة المبدئية، و مظهر الإيثار و التضحية، و مظهر الصمود و المقاومة و الثبات، و مظهر حسن الإدارة و التدبير و الحكمة.
الحرب عملية معقدة، و إدارة الحرب و قيادتها عملية جد معقدة و جسيمة. و قد نهض شبابنا المبدئيين بهذه المهمة في العديد من الجوانب. هذا التدبير و الحكمة شيء على جانب كبير من الإثارة. إنه مظهر ازدهار المواهب و تفتح الإمكانات. كم من الشباب حديثي الأعمار توجهوا للجبهات و استطاعوا القيام هناك بأعمال كبيرة. بعضهم استشهد، و بعضهم بقي كأرصدة للثورة استفاد منها البلد فيما بعد. الحق أن حرس الثورة أصبح مركز تصدير الطاقات لكل أنحاء البلاد طوال هذه الأعوام السبعة أو الثمانية و عشرين. و ذلك أن الحرب استطاعت أن تصنع من مجموعة من الشباب طاقات و عناصر كفوءة و موهوبة و تقدمها للمجتمع.. لقد تفتحت المواهب في هؤلاء الشباب. الحرب مظهر هذه القيم. هذه ليست أشياء يمكن لأي شعب الاستغناء عنها. و عليه فإن رواة الحرب إنما يروون في الواقع مثل هذه القيم و يحكون لمستمعيهم هذه الخصال الحميدة و القمم الشاهقة. لقد تم إنجاز العديد من الأعمال في هذه المجالات.
إنني أوصي المسؤولين الفنيين و مسؤولي الأقسام الأدبية المختلفة بالاهتمام بالآراء التي طرحها الأعزاء هنا و عموماً بالآراء التي تطرح في هذه المجالات. طبعاً تم إنجاز بعض الأعمال قد لا يكون الأعزاء الذين تحدثوا هنا على علم بها.. و هناك أعمال جيدة أخرى تجري و تنجز في الوقت الحاضر.
أن نتصور أن فن الدفاع المقدس لا جمهور له في مجتمعنا و ليس له من يطلبه، فهذا أيضاً خطأ كبير و هو من الأخطاء الفاحشة إذا اقتنع أحد به. الحق أن أكثر الأعمال الفنية بعد الثورة جمهوراً و على شتى المستويات هي تلك الأعمال الفنية ذات الصلة بالدفاع المقدس. سواء في حيز السينما و الأفلام، أو على صعيد الكتاب، و الخواطر، و القصص. الكتب ذات المبيعات غير المسبوقة هي من كتب الدفاع المقدس.. مثل هذه المبيعات غير مسبوقة للكتب في بلادنا حيث تعاد طباعة كتاب مائة مرة في غضون سنتين. أبلغوني في التقارير أن بعض كتب الدفاع المقدس نظير كتاب »تربة كوشك الناعمة« أو كتاب »دا« الذي سمعت أن طبعته أعيدت سبعين مرة خلال أقل من سنتين! و ليس لدينا أي كتاب في أي مجال سجّل مثل هذا العدد من النسخ. و كذا الحال في حيّز الأفلام السينمائية. أكثر الأفلام مبيعاً و جاذبية و جمهوراً هي الأفلام ذات الصلة بالدفاع المقدس.. من فيلم »المكتب الزجاجي«، و »ليلى معي«، و إلى هذا الفيلم الأخير »المطرودون« الذي أخرجه السيد دهنمكي.. هذه أفلام سجلت أعلى المشاهدين و أعلى المبيعات و كانت حول الدفاع المقدس.. إنها ليست أعمالاً بلا جمهور و بلا راغبين. طبعاً هناك أعمال لا تحقق جمهوراً. هذا ليس إشكالاً في المضمون و المحتوى، إنما إشكال في الإبداع و القالب و الجودة، و في الرصيد الفني الضئيل الذي يبذله الفنان في عمله و تكون النتيجة طبعاً قلة الجمهور. إذن، كلما أمكن العمل في هذا المجال، و كلما أمكن الاستثمار المالي و الإداري و الزمني و... كان ذلك مناسباً و لازماً، و هذه هي توصيتنا، و على الفنانين الأعزاء متابعة هذه المهمة بشوق و أمل. طبعاً هذه مهمة تستدعي أفراداً دؤوبين مستعدين شاعرين بالمسؤولية.. أي إنها تتطلب أشخاصاً يشعرون حقاً بالمسؤولية بعيداً عن أي كسل أو خمول أو ما إلى ذلك. مثل هؤلاء الأشخاص هم الذين يستطيعون ممارسة دور مؤثر في هذا الميدان.
و من نواقصنا أن أعمالنا قلما تجد فرصة الشياع و الانتشار العالمي. و لهذا أسبابه طبعاً. المهرجانات الدولية لا تسمح أبداً و لا ترغب بالأعمال التي تروي بشكل جيد و صحيح ملحمة الدفاع المقدس أو الثورة أو قيم نظام الجمهورية الإسلامية. إلا إذا اضطروا للسماح ببعض الأعمال بالمشاركة في مجموعة أعمالهم. سياسة المهرجانات الدولية على العكس و على الضد من هذا، لكن المتلقين لا يختزلون بهذه المهرجانات على كل حال، و بالمقدور تحرّي متلقين و طلاباً و قراءً لكتب الدفاع المقدس، و مشاهدين لأفلام الدفاع المقدس في حال أنجزت للعمل ترجمة سليمة جيدة، و أعتقد أن هذا أحد مجالات العمل. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى لتبذلوا كل ما بوسعكم من أجل العمل لتصوير ملحمة الدفاع المقدس. على المسؤولين أن يسعوا و على الفنانين كذلك أن يسعوا، و على الباحثين أيضاً بذل جهودهم في مجال هو على جانب كبير من الأهمية. و لحسن الحظ تنجز بحوث جيدة في بعض المراكز سواء في المؤسسات التي تتوفر لها الوثائق حيث يتم حفظ الوثائق و معالجتها و تدوينها و هذا شيء مهم جداً. يجب أن يحولوا دون تلف و ضياع هذه الوثائق، بل ينبغي أن توضع تحت تصرف الباحثين، و سينتفع أدب الدفاع المقدس إن شاء الله من هذه البحوث، كما سينتفع فن الدفاع المقدس إن شاء الله و إلى أقصى الحدود من أدب الدفاع المقدس و البحوث المتعلقة بهذه الملحمة. وفقكم الله جميعاً إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته