بسم الله الرحمن الرحيم

أبارك للضباط الشباب الأعزاء الذين أنهوا فترة الدراسة و تخرجوا، و التحقوا منذ اليوم بمنظومة جيش الجمهورية الإسلامية المجيدة. كما أبارك للشباب الأعزاء الذين نالوا رتبهم و سيبدأون فترة التحصيل العلمي في جامعات الضباط التابعة لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
الأهمية التي نراها للقوات المسلحة و الذين يخدمون بلادهم و شعبهم في هذا الزي، هي أولاً من حيث أن منظومة القوات المسلحة تعد العامل الأهم في صيانة أمن البلاد. القوات المسلحة على حد تعبير أمير المؤمنين حصن الأمة المتين و سورها الذي تحمي به أراضيها و تؤمِّن به أمنها. و قيمة الأمة بالنسبة لأية جماعة أو أمة مما لا يمكن مقارنته بأي شيء آخر. إذا كان الأمن تيسّر العلم و التقدم و العدالة و المجد و الشموخ و العزة و الدنيا و الآخرة. و إذا لم يتوفر الأمن فلن تعود المكتسبات و الإنجازات البشرية ممكنةً. هذا هو السبب الأول لاحترام القوات المسلحة و الاهتمام بها.
السبب الثاني هو أن القوات المسلحة مستعدة من أجل أداء واجبها لدفع تكاليف لا يمكن مقارنتها بأي شيء آخر. القوات المسلحة تقدم أرواحها في هذه الساحة. العسكري المدافع عن أمن البلاد - سواء كان من الجيش أو من الحرس أو سائر أقسام القوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية - يقدم روحه في الميدان من أجل أن يحفظ الأمن.. هذا شيء كبير. السبب في أن شهداءنا الأعزاء لا يفارقون ذاكرة الشعب أبداً هو أنهم ضحّوا بهذا الرصيد. أهل الدنيا لا يمتنعون عن التضحية بأنفسهم و حسب، بل بمطاليبهم التافهة أيضاً. رجال الحق، و الأبطال، و المدافعون عن القيم المعنوية مستعدون للتضحية بأرواحهم و السير في هذا الطريق.
أعزائي، أيها الشباب الأبرار في جامعات الضباط بجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية. أنتم ركن ركين لاقتدار هذا البلد. من حق أي شعب و من واجبه أن يسعى لتحقيق اقتداره. إذا لم ترفع الشعوب أنفسها إلى مرتبة الاقتدار فسوف تسحق في تجاذبات النـزاعات العالمية و صراع القوى. الشعب الذي يتعود على الضعف و لا يعدّه عيباً كبيراً عليه لن يكون جديراً بالشموخ و العزة. القوى و العتاة و أرباب الحراب و المستبدون و الدكتاتوريون العالميون سوف لن يرحموا مثل هذا الشعب. من واجب الشعوب أن تتمتع بالاقتدار.
طبعاً، اقتدار الشعب لا يقتصر على القوات المسلحة. اقتدار الشعب حقيقة متعددة الجوانب. القوات المسلحة هي الخط الأمامي للتحرك و علامة اقتدار الشعب، لكن الشعب يجب أن يكون متقدماً من حيث العلم، و من حيث الأخلاق، و من حيث الإيمان، و من حيث العزيمة و الإرادة، حتى يستطيع الحفاظ على اقتداره. إننا نشدد على العناصر المعنوية للاقتدار. العنصر المعنوي الرئيسي للاقتدار هو الإيمان. الإيمان بالله، و التوكل عليه و حسن الظن به. هذا ما يجعل القلب مستعداً لخوض الميادين الصعبة و ما يثبت الأقدام للسير في الطرق الوعرة. و هذا هو ما يصغّر المشكلات في الأنظار، و يحقق للإنسان الأهداف الكبيرة و يجعلها مطامح في نفسه. الإيمان بالله. من دون هذا الإيمان سيعود الإنسان قالباً مادياً. في المجاميع غير المؤمنة بالله لا تخفق القلوب بحب الله و بحب المعنوية والفضيلة، و بالتالي ففي مثل هذه المجاميع لن يتأتى الاقتدار بالمعنى الحقيقي للكلمة.
ليس الاقتدار بمجرد التوفر على الأسلحة المتطورة، و لا هو بالتوفر على المال و الاقتدار السياسي و الإعلامي. لو كان بوسع المال و الأسلحة المتطورة و أدوات التخريب توفير الاقتدار الحقيقي لبلد معين، لما فُضح الكيان الصهيوني و انهتك ذلك الانتهاك الفظيع أمام الشباب اللبناني المؤمن في حرب الـ 33 يوماً، و في مقابل الفدائيين في غزة خلال حرب الـ 22 يوماً. لو كانت العناصر المادية للاقتدار كافية لتحقيق القدرة الحقيقية لما أخفقت حكومة الولايات المتحدة في حربها ضد الشعب الأفغاني الفقير الأعزل، و لما أخفقت في احتلال أفغانستان و العراق. هذه أمور تنتصب مقابل أنظارنا. هذه اختبارات جد مهمة و قيمة لحقائق سمعناها و قرأناها و علمنا بها. حينما تتنور قلوب الشعوب بالإيمان و الأهداف الوضاءة، ستكتسب العزيمة و الإرادة اللازمة، و لن يمدّ أحد يد العدوان على أرواح أفرادها و لن يمد يد التطاول على حياتها و مصيرها. ليس الاقتدار في أن يعتدي الإنسان على جيرانه، أو يهاجم أناساً مظلومين عزّلاً. ينقل جيوشه من أقصى العالم لقمع شعب و تحقيق أهداف عسكرية و اقتصادية و سياسية، و يسير بها آلاف الكيلومترات إلى مناطق أخرى. هذا ليس اقتداراً. القوى المادية التي اعتمدت على مثل هذه الركائز و نمت و تضخّمت و فرضت وزنها الثقيل في عالم السياسة و الاقتصاد على الآخرين سوف تلاقي جزاء هذه الإساءات و سوف تسقط. الشعوب المؤمنة رغم كونها مستضعفة، إذا سعت و جاهدت و سارت بعزيمة و إرادة فولاذية و نوايا صادقة نحو أهداف سليمة سوف تمسك بيدها مستقبل العالم. مستقبل ليس فيه عدوان و لا تطاول و لا سباق رعب و لا سباق تسلّح. مستقبل يبتني على العدالة.
أعزائي، أنتم الشباب الرواد و السباقون في الحركة نحو مثل هذا العالم. أنتم في القوات المسلحة، و شبابنا الأعزاء في مختلف قطاعات هذا البلد كلهم رواد هذه الحركة و المتقدمون فيها. الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحمل لعالم الحاضر و الغد هذه الرسالة الجديدة الساطعة.. رسالة السلام و السعادة. الغد لكم فعليكم السعي و الاجتهاد. اخلقوا النواة الأولية بعزيمتكم الراسخة و نواياكم السليمة و أخذكم جميع إمكاناتكم إلى الساحة، ثم نمّوا تلك النواة لتستطيعوا أن تكونوا جنود هذه الحركة و روادها و السباقين فيها بالمعنى الحقيقي للكلمة.
للقوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم و بتوفيق من الله سمات و مميزات كبرى.. لديها امتيازات بارزة و نادرة النظير. ضاعفوا من هذه الامتيازات عندكم يوماً بعد يوم. خذوا البحث و العلم و التعلّم بعين الجد، و اغتنموا فترة الشباب لتفجير المواهب المتنوعة التي أودعها الله تعالى فيكم. و اعرفوا قدر المقدرة على خدمة هذا البلد و هذا الشعب بهذه الأهداف السامية النيرة. التواجد في الصفوف الأمامية للدفاع و خدمة مثل هذا البلد و مثل هذا الشعب و مثل هذا النظام مفخرة كبيرة. هذه المفخرة الكبيرة اليوم في متناول أيدينا و في متناول أيدي الأجيال المتعاقبة الناهضة و الناشئة في عهد الثورة الإسلامية. اغتنموا هذه الفرصة.
حتى الأعداء ليس بوسعهم اليوم إنكار اقتدار إيران الإسلامية. هذا ما يعترفون به هم أنفسهم. طبعاً العدو يحمل نيّة تمرير مشروع التخويف من إيران.. بهذه النية و الموقف العدائي، يهتف بقدراتكم و القوة الوطنية لهذا البلد و هذا النظام. جانب مما يقوم به صحيح و جانب آخر مغلوط و كاذب. الجانب الذي يعبّر عن قدرة النظام الجمهوري الإسلامي صحيح. إننا خلال فترة الثلاثين عاماً من عمر الجمهورية الإسلامية بدأنا من الصفر و وصلنا محطات جد متقدمة، لكننا غير مقتنعين بما وصلنا إليه. ما وصلنا إليه لا يقبل المقارنة بما كنا عليه. كنت متواجداً في القوات المسلحة منذ اليوم الأول، في الجيش، و في وزارة الدفاع، و في الحرس، و في قوات الشرطة، و قد لمست هذه القوات بكل مضامينها و إمكاناتها عن كثب. أنتم اليوم أيها الشباب الأعزاء في قمة لم يكن بالإمكان سابقاً حتى التأشير عليها بالأصبع، و لم يكن أحد ليصدِّق وصولنا إليها.. الاقتدار العلمي، و الاقتدار التسليحي، و الثقة بالذات، و الاعتماد على النفس، و الانسجام و التقدم في المجالات المختلفة.. هذا الجزء من كلام العدو صحيح.
بيد أن الجزء الكاذب من كلامه هو ما يطرح من أجل تمرير مشروع التخويف من إيران. هذا الاقتدار الوطني العظيم للجمهورية الإسلامية لا يشكل تهديداً لأي أحد. ليس بتهديد للجيران، إنما هو فرصة. نعم، هو تهديد لعتاة العالم و طلاب السيطرة على العالم و المتدخلين في شؤون الشعوب. إنه تهديد للذين استغلوا يوماً ما المصادر الطبيعية و البشرية الهائلة لهذا الشعب أبشع استغلال، و ركلوا حيثية هذا الشعب و شخصيته، و لا تزال الآمال تراودهم في عودة تلك الأيام التي لن تعود. لكنه ليس تهديداً للشعوب. مناوراتنا العسكرية ليست تهديداً، و صواريخنا ليست تهديداً. نصنع الطائرات، و نصنع الفرقاطات، و نأتي بشباب إبرار مثلكم إلى الساحة، ليست أي من هذه تهديداً. هذا دليل على أن الشعب يستطيع أن يتقدم و ينمو إذا اعتمد على نفسه و توكل على ربه و ملأ قلبه بالإيمان. هذه حالة مشجعة للشعوب الأخرى. لتعلم الشعوب الأخرى و ترى أنها إذا أرادت العزة فإن تلك العزة ليست عند أمريكا، و ليست في التبعية للقوى الكبرى و لا في الإنفاق و إعطاء الأموال لملء أكياس صنّاع السلاح في العالم و الشغف بأسلحتهم، إنما هي في التفجّر من الداخل و في الثقة بالنفس و في التوكل على الله و التقدم في هذه الأمور.
يا أبنائي الأعزاء، أيها الشباب الأبرار، اعرفوا قدر فترة التعليم هذه، و اعرفوا قدر شبابكم، و اعرفوا قدر عزتكم و سمعة الشعب الإيراني الطيبة، و هذه العظمة السياسية التي يتمتع بها هذا الشعب و هذا البلد و هذا النظام، و أعدوا أنفسكم لغد أفضل و فتوح ميادين أكثر. الغد لكم و أنتم بُناته.
بخصوص منظومة القوات المسلحة التي تعد عائلة واحدة، فإن توصيتي الأكيدة هي العطف و الألفة و الاتحاد، و هي حالات متوفرة اليوم و الحمد لله. الجيش، و الحرس، و التعبئة، و قوات الشرطة كلكم أبناء عائلة واحدة و أنتم إخوة. و بخصوص القوة البحرية التي تستضيفكم اليوم أنتم شباب الجامعات الأخرى و تستضيفنا جميعاً في هذه الجامعة، أوصي على الخصوص بالقول إن القوة البحرية تعد في الكثير من مناطق العالم و في بلادنا قوة استراتيجية. ينبغي النظر للقوة البحرية على أنها قوة استراتيجية. السواحل الجنوبية الشرقية للبلاد التي تتواجد فيها القوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية مناطق في غاية الأهمية و تعد إمكانية جيدة جداً للتقدم.. اهتموا بتلك المناطق. واصلوا ريادة البحار التي اكتسبت اليوم و الحمد لله شكلاً متطوراً عمّا كانت عليه في السابق، و أولوا أهمية لما تحت سطح البحار، و أهتموا أيضاً للإمكانات و التجهيزات المضادة للزوارق و الطرادات السطحية في كل مكان، خصوصاً في بحار الجنوب. للقوة البحرية اليوم و الحمد لله إمكانيات جيدة، و لها قيادة جيدة و الشكر لله. بإمكان جهودكم اليوم أن تثمر الكثير و تحقق ازدهاراً لكم و للقوة البحرية و لكل جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية و لكافة فصائل القوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية إن شاء الله. نطلب هذا من الله، و نتوجه بقلوبنا إليه و نحن واثقون من أننا سنصل لما يريده عزّ و جلّ.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته