بسم الله الرحمن الرحيم

الجلسة هذه هي كما يتوقعه المرء من جلسة خاصة بالطلبة الجامعيين و الشباب. حينما ينظر المرء في ما قيل - و قد كان فيما قيل نقاط متقنة و دقيقة و جديدة و تحليلات صحيحة في أحاديث الإخوة و الأخوات الذين ألقوا كلماتهم - نظرة كلية يجد أن الميزة الرئيسية لكل هذا الكلام هو الإخلاص و الصدق و البعد عن المجاملة، و ما يتوقع من شاب متعلم دارس نخبة. أنتم طبعاً لستم جميع الطلبة الجامعيين في البلاد، و ربما لا تكونون ممثلين لجميع الأفكار المتنوعة و الأذواق الطلابية المتعددة، و لكن لا مراء أن جماعة عظيمة من الطلبة الجامعيين تفكر مثلما تحدثتم هنا، مع ملاحظة وجهات النظر التي ربما بانت على كلماتكم.
لدي الكثير مما أقوله لكم أنتم الشاب الحاضرين هنا، و مجموع الطلبة الجامعيين في البلاد، و قد تحدثتُ سابقاً، و سأتحدث أيضاً بمقدار استطاعتي. و أنا واثق أن ما يؤمِّن و يضمن مستقبل هذا البلد بل مستقبل الإسلام و الأمة الإسلامية هو هذه الروح المتوثبة المتفجرة الباحثة المطالبة المليئة بالمشاعر و العواطف التي يشاهدها المرء في جيل الشباب و لدى الطلبة الجامعيين في بلدنا. بمعنى أنكم حتى لو لم تكونوا مؤمنين بفكرة معينة على نحو القطع و اليقين، أو لا تمتلكون لها دليلاً عميقاً، إلا أن مجمل حركة الطلبة الجامعيين المتدينين المؤمنين - على اختلاف المسميات - تبشّر في عموم البلاد بمستقبل زاهر لهذا البلد و النظام و للأمة الإسلامية. هناك أمور تهتمون بها، و ثمة نقاط تؤكدون عليها، و تتابعون و تصرون على نقاط صحيحة.. هذه حالة إيجابية متوفرة و الحمد لله.
الآن سوف استعرض بعد القضايا التي طرحت فيما يشبه الأسئلة مني أو أخالُ أنني يجب أن أدلي بإيضاحات و تعليقات حولها، و ذلك في عدة دقائق، ثم أذكر نقطة أو نقطتين تجولان في ذهني إذا وجدنا متسعاً من الوقت لقبل أن يحين وقت الأذان.
جانب مهم من كلمات عدة أشخاص من أصدقائنا هنا يتعلق بالمجرمين الذين كان لهم دورهم في الأحداث الأخيرة من خلف الكواليس، و أنه لماذا لا يحاكم هؤلاء و لماذا لا يعاقبون و لماذا لا يجري التصدي لهم. أقول لكم إنه في قضايا بهذه الأهمية لا يمكن العمل على أساس التخمينات و الظنون و الإشاعات و ما شاكل. إننا نعتبر هذه الثورة و هذا النظام العظيم حصيلة جهاد شعب كبير و تضحيات جبارة قدمها شبابه سواء في عهد الثورة أو في عهد الدفاع المقدس، أو ما بعد ذلك و إلى اليوم. شباب أمثالكم أنتم المتواجدين في الميادين المختلفة، و تقومون أحياناً بأعمال كبيرة. لا يمكن إقامة استمرار هذا النظام و مسيرته العامة على المستوى الذي يستلزم قراراً كبيراً عاماً من القيادة، لا يمكن إقامته على الظنون و الحدس و ما إلى ذلك. و اعلموا أنه لا يحصل أي تغاضٍ أو تساهل عن الجرائم، لكننا - أنا أو أنتم .. المسألة لا تختلف، سواء أنتم الطلبة الجامعيين المطلقة ألسنتكم و يمكنكم التحدث بسهولة، أو أنا الذي أحمل تجارب جمة لسنوات طويلة من العمل الميداني.. لا اختلاف في المسألة هنا - لا نستطيع أن نحكم على الجهاز القضائي بأن يقضي بكذا أو كذا، لا، على الجهاز القضائي أن ينظر، و إذا وجد أدلة على إجرام أحد، سواء في المجال السياسي، أو على المستوى الاقتصادي، أو في ميدان المفاسد المختلفة، فينبغي عليه الحكم طبقاً للأدلة. الشائعات التي سمعتم بها أسمعُ أنا أيضاً بالكثير منها.. قد تكون الكثير منها مطابقة للواقع و يمكن للمرء التماس شواهد و قرائن لها، بيد أن القرائن و الشواهد المتفرقة لا يمكنها إثبات جريمة على أحد. انتبهوا لهذه النقطة. لذلك فالمسألة ليست أن هناك مجرماً أكيداً عمل خلف الكواليس، و الأجهزة المختصة تعتزم التغاضي عن جريمته لأسباب معينة. هذه نقطة.
و ثمة نقطة أخرى إلى جانبها: الأعمال التي يقوم بها النظام على المستوى العام و بالجانب الشمولي الذي تتسم به بعض المسائل يجب أن تتم بأخذ جميع أبعاد المسألة بنظر الاعتبار. لا يمكن النظر للمسألة من بُعد واحد. أعتقد أنكم إذا نظرتم للأمور من زاوية هذه الاعتبارات فإن ما تم إنجازه لحد الآن و ما سوف ينجز في المستقبل يمكن أن يقنع أي ذهن منصف.
الموضوع الآخر الذي طُرح في كلمات الأعزاء هو المخالفات أو حتى الجرائم التي ارتكبت في هذه الأحداث من قبل قوى و عناصر مجهولة. أشرتم إلى أحداث الحي الجامعي أو أحداث من هذا القبيل - حادثة الحي الجامعي أشار إليها بتكرار عدة طلبة جامعيين أعزاء، ما يشبه حادثة الحي الجامعي، و مسائل أخرى وقعت خلال هذه المدة - مثلاً قضية كهريزك. هذه القضايا هي حقاً من مشكلات و معضلات عمل الأجهزة التنفيذية. أولاً أعلموا علم اليقين أنه سيتم محاسبة هؤلاء، و لا نريد إثارة الضجيج و إصدار الأوامر فتنعكس هذه الأوامر في وسائل الإعلام، و تلحق بها ملاحق و هوامش و... أنا لا أرغب في أن يأخذ العمل طابعاً إعلامياً. و لكن صدرت الأوامر منذ الأيام الأولى و هناك من يتابعون الأمور، و لكن ينبغي تنفيذ الأعمال بصورة صحيحة و دقيقة و بمراقبة و حذر.
في الحي الجامعي في تلك الليلة المحددة وقعت بالتأكيد مخالفات كبيرة و أعمال سيئة. و قد قلنا بأن يُعدّ ملف خاص لهذه المسألة و تتابع بنحو دقيق و يتم تشخيص المجرمين، و إذا تم تشخيصهم يجب أن لا ينظر إلى انتماءاتهم المؤسساتية على الإطلاق، و ينبغي أن يعاقبوا. هذا ما قلته على نحو القطع.
إنني أشكر نشاط شرطتنا الأمنية، و الشرطة و أجهزة التعبئة. لقد قام هؤلاء بأعمال كبيرة و جيدة، لكن هذه قضية منفصلة. إذا قام شخص منتم لأي من هذه المؤسسات بمخالفة أو جريمة فيجب دراسة الوضعية بشكل منفصل. لا نتجاهل خدمات هؤلاء بسبب جريمة أولئك، و لا نتجاهل جريمة أولئك بسبب خدمات هؤلاء. يجب بالتأكيد متابعة الأمور و سوف تُتابع. كذلك الحال في قضية كهريزك التي أعلن عنها و أذيعت.. و قضية الحي الجامعي أيضاً يجب أن تتابع، و حتى الذين قتل أقرباؤهم في هذه الأحداث - و عددهم قليل - أو تضرروا أو تحملوا خسائر مالية، تقرر افتتاح ملف مستقل لكل واحدة من هذه القضايا. لقد أصدرنا الأوامر و قلنا و سوف نتابع هذه الأمور. و لكن لاحظوا أن أياً من الأمور يجب أن لا تُخلط بالمسألة الرئيسية بعد الانتخابات. الحدث الرئيس يجب أن لا يغيب في غمرة هذه الأحداث.
البعض يتجاهلون ما حدث بعد الانتخابات، و ما وقع على الناس من ظلم، و ما وقع على النظام الإسلامي من ظلم، و ما قام به البعض من إراقة ماء وجه النظام أمام الشعوب، يتجاهلون كل هذا، و يعتبرون المسألة الفلانية مثل سجن كهريزك، أو قضية الحي الجامعي هي القضية الرئيسية بعد الانتخابات و إلى اليوم.. هذا بحد ذاته ظلم آخر. القضية الرئيسية قضية أخرى. القضية الرئيسية هي أن الشعب شارك في انتخابات حماسية جيدة و نادرة النظير، و عبر تحرك جماهيري هائل، و أدلى بأصوات عالية في صناديق الاقتراع. ليست نسبة 85 بالمائة بالهزل؟ النظام الذي حقق طوال العام أو العامين الأخيرين تطورات و تقدماً متسارعاً في المجالات الاقتصادية و العلمية و السياسية و الأمنية و الدولية، جعلته هذه الانتخابات في مستوى رفيع من التميّز و السمعة، و إذا بنا نشاهد فجأة وقوع تحرك للقضاء على هذا الحدث المجيد الفاخر! هذه هي القضية الرئيسية.
طبعاً ما أقوله هو تحليل و ليس خبراً. أعتقد وفقاً لتحليلي أن هذه القضية لم تبدأ بعد الانتخابات أو في الأيام القريبة منها، إنما بدأت منذ مدة و تم التخطيط لها. إنني لا أتهم الأشخاص الذين كانت لهم صلة بالأمور بأنهم عملاء للأجانب أو البريطانيين أو الأمريكيين - هذا ما لا أدعيه، لأن هذه القضية غير ثابتة بالنسبة لي، و لا استطيع التحدث بما لم يثبت لي - لكن ما استطيع قوله هو إن هذه الأحداث، سواء علم روادها أم لم يعلموا، كانت أحداثاً مخططاً لها و ليست تصادفية. جميع القرائن تدل على أن هذه الأحداث مخطط لها و مدروسة. طبعاً الذين خططوا لها لم يكونوا متيقنين من أنها سوف تنجح.
بعد الانتخابات حينما بدأت بعض التحركات من قبل بعض الأشخاص و حصلت استجابة نسبية من قبل جماعة من أهالي طهران، راود أولئك الأمل، و تصوروا أن ما فكروا فيه قد تحقق و نجح و راودتهم الآمال. لذلك شاهدتم هذه الأجهزة و الوسائل الإعلامية و الصوتية و الالكترونية و الأقمار الصناعية و غيرها شددت من نشاطها و حضورها في الساحة، و نزلت إلى الساحة بصراحة و بشكل علني. لم يكونوا متفائلين من قبل بنجاح هذا المشروع، لكنهم وجدوا بعد ذلك أن الأمر قد تيسّر، لذا نزلوا إلى الساحة بسرعة، و لكن لحسن الحظ و كما أساءوا دوماً فهم القضايا في إيران و لم يعرفوا الشعب الإيراني، لم يعرفوه هذه المرة أيضاً. لقد تلقوا صفعة لكنهم لم يفقدوا أملهم بعد. أقول لكم أيها الشباب الجامعي العزيز إنهم لم يفقدوا الأمل و هم يتابعون الأمور و لن يتركوا القضية بسهولة و سرعة. لديهم من يدير لهم المسرح و سيجدون آخرين يديرون لهم المسرح.
على الجامعة أن تحافظ على ترقبها و يقظتها. الطالب الجامعي المؤمن المسلم المحبّ لبلاده و لمستقبل بلاده و لمستقبل جيله يجب أن يتحلى بالوعي. اعلموا أنهم يخططون، و لكن سوف يُهزمون. أقول لكم الآن إنهم سوف يهزمون في نهاية المطاف، بيد أن درجة يقظتنا و وعينا أنا و أنتم يمكن أن تؤثر على مستوى الخسائر و الأضرار التي يلحقونها. إذا كنا يقظين فلن يستطيعوا إلحاق أضرار و خسائر، أما إذا غفلنا و كنا عاطفيين و عملنا من دون تدبير أو بقينا نياماً حتى تأتينا مثل هذه المضاعفات فسوف ترتفع الأضرار و الخسائر و التكاليف حتى لو لم ينجحوا في نهاية المطاف.
من الموضوعات الأخرى التي طرحت قضية دعم القيادة للحكومة أو لرئيس الجمهورية. هذه قضية واضحة، بل و لقد ذكرها واحد أو أثنان من الأعزاء. الحكومة الحالية و رئيس الجمهورية المحترم ككل الناس في العالم له نقاط قوة و لديه نقاط ضعف. إنني حينما أدعم و أحامي إنما أدعم نقاط القوة. هناك نقاط قوة أدعمها و أدافع عنها. و أنا أدافع عنها في أيّ شخص تتوفر. من الذي يبدي عن نفسه هذه الميول و هذا التوجه و هذا التحرك و هذا الجد و لا أدعمه ضمن حدود مسؤولياتي؟ أفلست أدعمكم أيها الطلبة الجامعيون الناشدون للعدالة؟ إذا دعمت القيادة الطالب الجامعي الباحث عن العدالة فهل يعني ذلك أن المرء يدافع أيضاً عن نقاط الضعف التي قد يحملها ذلك الطالب الجامعي؟ قطعاً لا.. هذه هي القضية. هناك نقاط ضعف لا أدافع عنها.
و كان من الأسئلة المطروحة: لماذا لا تتخذ موقفاً علنياً؟ لأن اتخاذ موقف علني غير ضروري.. و ما الداعي لذلك؟ اتخاذ موقف علني من نقطة ضعف لدى مسؤول معين كم تتصورون أنها ستساعد على حل تلك المشكلة؟ لا شيء. أحياناً إذا حاول الإنسان معالجة شيء من دون إعلان ذلك، فسوف يمكن معالجته بشكل أفضل مما لو جعلها الإنسان ضجة عالية. نعم، أحياناً لا تكون هناك مندوحة من الإعلان، هناك نعم، يعلن الإنسان الشيء. و لكن ليس من الصحيح التصور بأنه لو كان ثمة إشكالات و مؤاخذات على المسؤولين التنفيذيين في البلاد، و كانت القيادة معارضة لهذه الإشكالات، فيجب حتماً الإعلان عن ذلك في مكبرات الصوت. أحياناً تكمن المصلحة الأكيدة في أن لا يعلن الإنسان بعض الأشياء.
و لا تقولوا هنا: الحقيقة و المصلحة. التضاد بين الحقيقة و المصلحة ليس من الطروحات المتينة. المصلحة ذاتها حقيقة من الحقائق. ليس كل ما اتخذ اسم المصلحة كان شيئاً سلبياً. البعض يتصورون و يقولون: هل تفكرون في المصلحة؟ نعم، يفكر الإنسان أحياناً في المصلحة. التفكير في المصالح بحد ذاته من الحقائق التي ينبغي إيلاؤها أهمية. هذه من مسلّمات الإسلام و واضحاته. طبعاً لا يتسع المجال هنا للخوض في هذا المبحث و التفصيل فيه، لكنه من مسلمات الإسلام. ليس من الصلاح أحياناً أن يعلن الإنسان بعض الأمور. افترضوا أن هناك إشكالاً صغيراً، فما الضرورة لأن يجري تضخيم هذا الإشكال عشر مرات و جعله سبباً في اليأس و الإحباط و تعتيم الأجواء؟ يمكن للإنسان حل هذا الإشكال بطريقة أخرى. إذن، عدم اتخاذ موقف علني ناجم عن هذه الأسباب المنطقية و المعقولة.
و أذكر نقطة أخرى لأن الوقت يمضي و يكاد يدركنا.. لاحظوا أيها الأعزاء، أنتم تعلمون - أقول هذا لأنني لاحظته في كلماتكم - أن الجمهورية الإسلامية و النظام يواجهان حرباً هائلة، لكنها حرب ناعمة. و قد لاحظتُ أن هذا التعبير »الحرب الناعمة« حاضر في كلماتكم و أحاديثكم و أنتم متفطنون لهذه النقاط و الحمد لله.. و هذا مبعث سرور كبير بالنسبة لنا، فمن الذي يجب أن ينـزل إلی الساحة في هذه الحرب الناعمة؟ إنهم النخبة الفكريون بلا مراء. أي أنتم الضباط الشباب في الجبهة المقابلة للحرب الناعمة.
أما ما الذي يجب أن تفعلوه، و كيف يجب أن تعملوا، و كيف ينبغي أن تبينوا الأمور و تشرحوها، هذه ليست أموراً أذكرها أنا لكم بتفاصيلها على شكل فهرس فأقول يجب أن تقوموا بالعمل الفلاني، و يجب أن لا تقوموا بالعمل الفلاني.. هذه أمور ينبغي أن تجدوا أنتم لها سبلها و طرائقها في مجامعكم الأصلية و غرف أفكاركم.. لكن الهدف واضح و معلوم، الهدف هو الدفاع عن النظام الإسلامي و الجمهورية الإسلامية حيال تحرك شامل يعتمد على العسف و التزييف و المال و الإمكانات العلمية و الإعلامية المتطورة الهائلة. يجب مجابهة هذا التيار الشيطاني الخطير.
هم لديهم أدلتهم لمهاجمة الجمهورية الإسلامية. و اعتقد أن أدلتهم من وجهة نظرهم أدلة تامة. في منطقة حساسة جداً من العالم هي منطقة الشرق الأوسط و الخليج الفارسي و البحر الأحمر و شمال أفريقيا و جزء من البحر الأبيض المتوسط - هذه المنطقة الكبيرة - تتواجد الأمة الإسلامية. لاحظوا أنه من مجموع خمسة أو ستة معابر مائية حساسة و حيوية في العالم هناك ثلاثة معابر في هذه المنطقة.. مضيق هرمز، و قناة السويس، و باب المندب. هذه منافذ مهمة تتوقف عليها التجارة العالمية. خذوا خارطة العالم و ضعوها أمامكم و سترون كم هي مهمة هذه النقاط للتواصل التجاري و الارتباط الاقتصادي في العالم. إذن، هذه المنطقة منطقة حساسة. في هذه المنطقة البالغة الحساسية هناك قوة صاعدة تظهر و تصعد يوماً بعد يوم. و هي قوة تعارض كل مطاليب الاستكبار و أجهزة الشركات و الشبكات الاقتصادية العملاقة المفسدة في الأرض.. تعارض نظام الهيمنة و التسلّط و العسف و الظلم.. هذه أمور مهمة جداً لأجهزة الاستكبار. أجهزة الاستكبار ليست مجرد الولايات المتحدة الأمريكية أو الرئيس الفلاني، أو الحكومة الأمريكية الفلانية، أو البلد الأوربي الفلاني.. أجهزة الاستكبار شبكة أكبر تشمل جميع هؤلاء.. هناك الشبكة الصهيونية.. و شبكة التجار الدوليين الكبار.. و مراكز المال الكبيرة في العالم.. هؤلاء هم الذين يخططون للشؤون السياسية في العالم، و هم الذين يأتون بالحكومات و يسقطونها. داخل هذه المنظومة توجد حكومة الولايات المتحدة، و الحكومات الأوربية، و كثير من أرباب النفط الأثرياء في المنطقة. و هم يعارضون بشدة مثل هذه القوة الصاعدة الآخذة بالرقي و الرفعة. إذن، يفعلون كل ما يستطيعونه من أجل مواجهتها، و لم يقعدوا مكتوفي الأيدي طوال هذه الأعوام الثلاثين، و لن يقعدوا مكتوفي الأيدي كلما مرَّ الزمن، إلا إذا عقدتم العزم و الهمة أنتم الشباب و وصلتم بالبلاد من الناحية العلمية و الاقتصادية و الأمنية إلى درجة يقترب فيها احتمال إضرار العدو بكم إلى الصفر.. عندئذ سوف ينسحبون و تنتهي المؤامرات. تأكيدي المستمر طوال الأعوام الماضية على الجامعات بأن تهتم اهتماماً خاصاً بقضايا العلم و البحث العلمي و الإبداع و النهضة البرمجية و التواصل بين التصنيع و الجامعة، يعود إلى أن العلم هو أحد أركان الأمن طويل الأمد في البلاد.
و أقول لكم هنا: أحذروا من أن تخضع الجامعة لتأثير هذه القضايا السياسية الصغيرة التافهة، و أن يتضعضع العمل العلمي في الجامعات، و أن يلحق الضرر بمختبراتنا و صفوفنا و مراكزنا البحثية.. احذروا جداً. من القضايا المهمة أمامكم الحفاظ على المسيرة العلمية في الجامعات. الأعداء يرغبون جداً في أن تتعطل جامعاتنا لمدة معينة على الأقل، و تصاب بالتوتر و الخلل. هذا بالنسبة لهم شيء مطلوب يرغبون فيه. إنه شيء يريدونه و يطمحون إليه إن من الناحية السياسية، و إن على الأمد البعيد، لأن علمكم يضرهم على المدى البعيد، لذلك يريدون أن لا تطلبوا العلم.
و الآن، أنتم الشباب الذين قلنا إنكم الضباط الشباب في مواجهة الحرب الناعمة لا تسألوني ما هو دورنا كطلبة جامعيين في تهديم مسجد ضرار؟ ابحثوا بأنفسكم و شخّصوا دوركم.. إما مواجهة النفاق الجديد، أو تعريف العدالة. لا يمكن أن أقعد هنا و أفتح بحثاً فلسفياً عن العدالة و ما هي شعبها و كيف تكون. و الطريف أنه يقول اذكرها لنا في جملة واحدة. من المعروف أن شخصاً جاء بابنه إلى النجف في زمن الشيخ الأنصاري. وجد أن طلبة العلم يدرسون و يصبحون فضلاء و علماء و أن الشيخ الأنصاري شخصية كبيرة، فراودته الرغبات في أن يصبح ابنه طالب علم. جاء للشيخ الأنصاري و قال له: شيخنا جئت بهذا الشاب اليافع و أرجو أن تجعله فقيهاً إلى الغد حيث نريد أن نغادر!
أعزائي، الشرط الأساس في نشاطكم الصحيح في الجبهة المقابلة للحرب الناعمة هو أولاً النظرة المتفائلة الإيجابية. لتكن نظرتكم متفائلة. لاحظوا أنني في مقام الجَدّ بالنسبة لبعضكم، و نظرتي للمستقبل متفائلة، لا عن توهم بل عن بصيرة. أنتم شباب، و الشباب هو ذروة التفاؤل، فاحذروا أن تكون نظرتكم للمستقبل نظرة متشائمة. يجب أن تكون النظرة متفائلة و ليست نظرة يأس و قنوط. إذا سادت نظرة القنوط و التشاؤم، و نظرة »ما الفائدة من ذلك؟« حَلَّ بعدها التقاعس و الخمول و العزلة، و لن تحصل بعد ذلك أية حركة أو نشاط، و هذا ما يريده العدو.
الشرط الآخر هو عدم الإفراط في الأمور. طبيعة الشباب مجبولة على الحركة و الشدة. نحن أيضاً مررنا بهذا الطور الحياتي الذي تمرون به الآن، و كان ذلك في مراحل الثورة و بدايات النضال. أنا أعرف ما هو التشدّد. و كانوا ينصحوننا كثيراً أن لا نتشدد، و كنّا نقول إنهم لا يفهمون مدى الحاجة للتشدد. أعلم ما هي تصوراتكم، و لكن اسمعوا منا هذه: أحذروا، فالتشدد لا يتقدم بالإنسان. اتخذوا قراراتكم بعد تفكير. طبعاً، الشباب في هذا الزمن أعمق تفكيراً من الشباب في عهدنا. أقول لكم هذا: أنتم اليوم شباب تعدُّ تجاربكم و معلوماتكم و وعيكم أكبر بكثير من فترة شبابنا قبل خمسين سنة، و لا يمكن المقارنة بين الجيلين. و إذن، فالمتوقع هو أن تفكروا و تتصرفوا بتأمل و تدبير و من دون تشدد أو إفراط و تفريط في الأمور.. هذا ليس بالتوقع الكبير.
و اعلموا طبعاً أن ما حدث بعد الانتخابات - وفقاً للحسابات التي ذكرتها - لم يكن أساس القضية فيه بخلاف ما نتوقعه كثيراً. هذا مع أن دخول بعض الشخصيات في المسألة كان خلافاً لتوقعنا. نتمنى أن يمنحنا الله تعالى فرصةً لنستطيع التحدث إليكم مرات أخرى في الجامعات أو مكان آخر..
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته