بسم الله الرحمن الرحيم

جلستنا معكم اليوم أيها الأعزاء، و كما كانت دائماً، جلسة جد طيبة و مفعمة بالأمل. الحق أن قطب الأمل الرئيس في البلاد هم الشباب المتعلمون المثقفون، خصوصاً حينما يترافق هذا التعليم مع الالتزام و الشعور بالمسؤولية. و اللقاء بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء و يا أبنائي الأحباء - و قد كان لقاءً جد حلواً و جيداً و الحمد لله - يعزز هذا الأمل لا في قلبي و قلوب المسؤولين و حسب، بل على مستوى البلاد كلها.
أولاً أشير إلى نقطة أخاطب بها المسؤولين المحترمين - الوزراء المحترمين الحاضرين هنا و رئيس مؤسسة النخبة المحترم، و السيدة معاونة رئيس الجمهورية و سائر المسؤولين - و هي أن ينظموا البرامج و النظرات على أساس هذا الواقع. إن ما يسمعه الإنسان في هذا العام عن الشباب النخبة العلميين أنضج و أعمق بشكل محسوس عما كنا نسمعه في العام الماضي، و عما كنا نسمعه قبل سنتين، و من باب أولى عما كنا نسمعه قبل عشرة أعوام حول الشباب الجامعيين و الخريجين. كنت على تواصل دائم مع المجاميع الجامعية. تعلمون أنني اجتمع عدة مرات كل سنة و بمناسبات مختلفة مع الشباب و لدينا مثل هذه الجلسات التي يتحدثون فيها و يطرحون وجهات نظرهم. أنا شخصياً لدي تقييمي خارج نطاق الخطط العامة أو غير العامة للبلاد. في هذا التقييم ألاحظ بوناً ملموساً بين ما لدينا اليوم و ما كان لدينا قبل عشرة أعوام. أي إن التقدم بدأ يعبّر عن نفسه بشكل واضح، و على المسؤولين التخطيط للمستقبل في ضوء هذا الواقع. النقاط التي ذكرها الشباب الأعزاء هنا هي بالضبط ذات النقاط التي تعِنُّ لمن يفكر في قضايا المسيرة العلمية للبلاد و مستقبل البلاد و تقدمها. واضح أن الشباب يهتمون للمسائل الأساسية بعمق.
ما قاله أحد الشباب الأعزاء: »الأنشطة يجب أن تتم على أساس احتياجات المستقبل، لذا يجب رسم هذا المستقبل و بلورة هذه الاحتياجات«. و قد قال شاب عزيز آخر في هذا المجال: »يجب أن نحدد اتجاه حركتنا بأنفسنا، لا أن نستكمل اتجاه حركة الآخرين - الغربيين - و نرمّم قطع البازل لحياتهم المستقبلية«. هذه الكلمات و الآراء كلمات كبيرة جداً و آراء مهمة جداً. إنها نفس الأمور التي لو نظر إنسان واع مفكر مخلص ملتزم نظرةً عامة للمسيرة العلمية للبلاد لأدركها و توصل إليها، بيد أن إدراكها لا يكفي رغم أنه أمر لازم. المهم هو وضع الخطط و البرامج على أساسها. و ذكر عدد من الشباب الأعزاء هنا آراءً حول صناعة الثقافة للنخبة و أوصوا أن يصار إلى صناعة و نشر ثقافة التزام النخبة في المجتمع، و تطويق ثقافة التوقع الصرف. طبعاً التوقع شيء منطقي و في محله، و هو ليس بالضرورة توقع في غير محله. و لكن ينبغي أن يكون إلى جانب هذا التوقع شعور بالالتزام و المديونية، فأنا بوصفي فرداً من هذه الجماعة الهائلة في البلاد ما هو واجبي؟ و ما الذي يتحتم عليَّ أن أفعله؟ هذه أمور على جانب كبير من الأهمية. ما قيل من أنه »يجب جعل عنصر المعنوية الدينية، و ليس المعنوية الخالية من الدين و المنفصلة عن الدين - و هي أساساً ليست معنوية بل توهم - عنصراً أصلياً في المسيرة العلمية و البحثية« و هو ما قالته إحدى السيدات هنا، شيء صحيح تماماً. هذه من النقاط الأساسية التي ينبغي التنبّه لها. إذا حصل هذا فسوف يتحقق الطابع الأخلاقي للمجتمع الذي أشار إليه الشاب العزيز الذي تحدث أخيراً، و هو ما نصبوا إليه و قد ذكرناه مراراً. إذ لا يمكن التحرك بالشعارات إنما يجب التحرك فعلاً نحو الأهداف المرسومة.
حينما أسمع هذه الآراء منكم أشعر بمزيد من الأمل و أتيقّن أن هذا المجتمع و هذا النظام و هذه المجموعة و بهذه المسيرة المادية و المعنوية و العلمية و الأخلاقية المحسوسة ستصل أهدافها دون شك، و لهذا فإن نظام الجمهورية الإسلامية يتمتع بالمناعة و الحصانة.
و أشاروا إلى الأحداث و القضايا الأخيرة. هناك الكثير من الكلام في هذا الصدد. لا تتصوروا أن الكلام الذي تقوله مؤسسة الإذاعة و التلفزيون هو كل الكلام، لا، هناك الكثير من الكلام. و يقول الشاعر: »صدْرٌ كاملٌ من الكلام يتموّج على شفاهنا«. ليس كل ما يشعر به الإنسان لا بد و أنه قاله أو يستطيع أن يقوله. هناك الكثير من الكلام. أنتم الشباب و الحمد لله أذكياء و موهوبون، و سوف تتضح الكثير من الحقائق لكم تدريجياً. أرى في هذه الأحداث السياسية الأخيرة و في مجمل الأحداث التي وقعت طوال هذه الأعوام الثلاثين أن البلاد تحولت تدريجياً إلى منظومة ذات مناعة مضادة للضربات و القنابل هي نظام الجمهورية الإسلامية. ليس هذا بالهزل. لا تستهينوا بالقدرات الأمنية و التجسسية و الإعلامية لهذه الأجهزة الأمنية و الإعلامية العالمية المتنوعة. الجميع يشعرون بهذا - و ربما كان غير المتبحرين في هذه المواضيع غير قادرين على رؤية ذلك - لا يستهينوا بهوليوود. لا تستهينوا بالتأثير الفني - كما قالت إحدى السيدات - في الغرب و التنضيد الدقيق جداً للحروف الإعلامية في العالم الغربي. جميع هذه الطاقات الهائلة مضافاً إلى الثروات اللامتناهية زائداً الأجهزة السياسية و الإعلامية العظيمة تهاجم الجمهورية الإسلامية. لا تجدون اليوم أي بلد في العالم يتعرض لكل هذه الهجمات. و الجمهورية الإسلامية صامدة مقاومة. هل هذا بالهزل؟ هذا الكائن القوي المحنّك ذو المناعة يقاوم. إنه ليس بالشيء القليل. و ليس هذا بوهم المؤامرة. ليعلم شبابنا الأعزاء هذا. لا تظنوا إنني أنزعج لسماع هكذا كلام، لا، إنما انزعج حينما لا يطرح مثل هذا الكلام.
إنني في الجلسات الطلابية و الجامعية حينما أرى البعض لا يطرحون كلاماً معيناً بسبب بعض الملاحظات أو الاحترام أو لأي سبب آخر ظناً منهم أنني أنزعج من هذا الكلام، الواقع إنني أنزعج لعدم طرحه و لا أنزعج أبداً لطرحه. ليت المجال كان متسعاً ليطرح، و ليستطيع الإنسان عندئذ فتح أوراق الكلام المتراكمة على بعضها كالكتاب لتتضح الكثير من الحقائق. و بالطبع سيحصل هذا في المستقبل. لا تظنوا أن المؤامرة على هذا البلد وهم، لا، إنها واقع. المؤامرة موجهة من كل ناحية. قد يكون الشخص الذي اتخذ محوراً للحركة في داخل البلد باتجاه تلك المؤامرة لا يشعر هو بذلك على الإطلاق.
إدراك هذا أيضاً يحتاج إلى ذكاء. البعض لا يتحلون بهذا الذكاء. لقد جربنا الأشخاص.. لا يفهمون في أي اتجاه يسيرون. بيد أن هذا لا يغيّر الواقع سواء أدركوا حقيقة الأمر أم لم يدركوا. هذه المؤامرات موجودة. و في الوقت نفسه لا يتضعضع هذا البلد و هذا النظام إطلاقاً و لا يضعف. مجتمعه العلمي المتقدم - و هو أنتم أيها الشباب - حاضره متقدم بصورة ملحوظة على ما قبل عشرة أعوام. ما معنى هذا؟ معنى هذا الحقانية. معناه الأصالة. معناه التجذر. »ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة«.(1) هذه هي عقيدتنا. إننا نعمل بعقيدة راسخة في أعماق قلوبنا. و أنا لا أنكر النواقص. إنني على معرفة بالنواقص أكثر من كثير من الناقدين، غير أن السبيل لرفع النواقص ليس هذه الأمور التي تُتصوّر أحياناً بأن تعال وأعلِن عن أن الوضع كذا في المكان الفلاني، لا، الكثير من الأمور لا تصلح بالإعلان بل بالعمل. و لا تصلح بالكلام.. فالكلام و الضجيج الإعلامي و المهاترات الكلامية لا تقدم أية مساعدة لحل المشكلات كما رأيتم. في قضية الانتخابات هذه، كان المقرر أن تبدأ الدعاية الانتخابية قبل شهر مثلاً أو عشرين يوماً من بدء الانتخابات، لكنها بدأت من قبل عيد نوروز! و هذا التلفزيون الذي ينتقده بعض الأصدقاء كان يعكس ذلك للأسف. و لم أكن موافقاً. و لا تتصوروا لأنني اختار رئيس مؤسسة الإذاعة و التلفزيون فإنهم يأتون بجميع برامج الإذاعة و التلفزيون لأراها واحداً واحداً و أوقع عليها، كلا، أنا أيضاً غير راض عن الكثير من برامج الإذاعة و التلفزيون. و من ذلك إنني لم أكن راضياً على بث بعض الزيارات الدعائية و الكلام الذي يقال و المظاهرات التي تخرج و الجدال الذي يدور من التلفزيون قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات - انتخابات الثاني و العشرين من خرداد - و في شهر أسفند أو حتى قبل شهر أسفند. و لكن تم بثها من التلفزيون للأسف. و ذلك لكي يقولوا إننا متحررون فكرياً! هذه أوهام. إنه افتعال للضجيج داخل البلاد. الضجة الفكرية تختلف عن النقاشات الصائبة. طلبت إيجاد كرسي التفكير الحر في الجامعات، طيب، لماذا لم توجدوه أنتم الشباب؟ أوجدوا كرسي التفكير السياسي الحر، و التفكير المعرفي الحر في جامعة طهران، و في جامعة شريف، و في جامعة أمير كبير، و ليذهب عدد من الطلبة الجامعيين هناك و يطرحوا آراءهم و ينقدوا آراء بعضهم و يناقشوا و يجادلوا بعضهم. و سوف يكشف الحق هناك عن نفسه. لا يظهر الحق بأن يقذف شخص نقداً معيناً. هكذا لن يفهم الحق بصورة صحيحة. خلق مناخ ذهني مضطرب بالسجال الكلامي لا يساعد أبداً على تطور البلاد. خذوا تجربة أبيكم المسن هذا في هذا المجال. الذي يساعد على تقدم البلاد هو الحرية الفكرية الحقيقية. أي التفكير بحرية و طرح الآراء بحرية، و عدم الهلع من الضجيج و التهريج، و عدم النظر أيضاً إلى التشجيعات و التحريضات. تارة تطلقون كلاماً و ترون فجأة أن جميع المراقبين السياسيين في العالم المملوء كيانهم بالدرن و الخبث يصفقون لكم. يجب أن لا تتشجعوا بهذا الشيء. و بتعبير الشباب الدارج يجب أن لا تسيطر عليكم الأجواء. يجب أن تناقشوا الموضوع بشكل صحيح و منطقي.. تسمعون كلاماً و تقولون كلاماً، ثم تفكرون جيداً. و هذا هو أمر القرآن: »فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه«.(2) ينبغي استماع القول و اختيار أحسنه. و إلا فخلق الأجواء الصاخبة ستكون نتيجته ما رأيتم. صخب قبل الانتخابات و بعد الانتخابات ستكون هذه انعكاساته. خصوصاً حينما تتدخل أيدي الأجانب. ما هو السبب و ما هو المبرر الذي تظنون أنه يدفع الأجهزة الإعلامية في العالم لمتابعة الأحداث التي يعتقدون أنها تضر نظام الجمهورية الإسلامية لحظةً بلحظة؟ ما هي الحسابات التي تتم وفقها هذه العملية؟ ألا يجب التفكير في هذا؟! ألا ينبغي دراسة هذا؟! هذه هي الأشياء التي يتعيّن التفطن لها.
على كل حال البلد يتقدم. اعلموا هذا دون تردد. البلد يتقدم. و التخطيطات السابقة لها دون شك معايبها، إلا أن محصلة جميع النقاط الإيجابية والسلبية هي ما تشاهدونه اليوم. لقد تقدم شبابنا من الناحية العلمية، و تقدموا من حيث البصيرة السياسية، و تقدموا من حيث رسوخ و نفوذ التفكير الديني في أعماق عقولهم. هذا الكلام الذي قاله شبابنا هنا حول المعنوية و الدين و عدم الاتكال على التخمينات و الخطط الغربية و الاستقلال - هذه الأفكار التي أصبحت اليوم من آرائكم السائدة - كانت قبل عهدكم بقليل من الأفكار البارزة لمثقفين كانوا يتصورون إن من واجبهم التحدث بها أو فهمها! أما اليوم فهي جزء من الثقافة الشائعة في مجتمعنا. أليس هذا تقدم؟ إننا نتقدم، طبعاً لدينا كثير من الأعداء، و أمامنا كثير من العقبات. لو لم تكن هناك عقبات لما ازدادت فاعليتنا و لما تطور أداؤنا بهذا الشكل، و لما اكتسب المجتمع الإسلامي و الجمهورية الإسلامية كل هذه المهارة. هناك عقبات، و إلا فالسير على الأرض المنبسطة السوية لا يقوّي العضلات. ينبغي تسلق الجبال و الصعود على العقبات و تجاوزها. و قد فعل مجتمعنا هذا الشيء و سار في هذا الطريق، و سوف يسير أيضاً. اعلموا أن الجيل الشاب اليوم ليس جيلاً يمكن إيقاف مسيرته.
و أوصيكم هنا: رمز تقدم البلاد، أي المحور الرئيس لاقتدار البلد أو التقدم بمعية الاقتدار، هو العلم. المستهدف من الكثير من المؤامرات التي تحاك اليوم ضد الجمهورية الإسلامية هو العلم و أهل العلم و الطلبة الجامعيون و البيئة العلمية. تنبهوا لهذا الشيء. لا تسمحوا لهذا السهم الذي أطلقه الأعداء بأن يصيب الهدف الذي يرمون إليه. لا تسمحوا بتوقف العمل العلمي. الأهم من كل هذا الكلام الذي قيل هو قضية العلم و البحث العلمي. ثروة العالم الغربي إنما هي بفضل العلم، و اقتداره بواسطة العلم، و منطق القوة الذي يستخدمه في الوقت الراهن بسبب ما لديه من علم. المال بحد ذاته لا يسبب الاقتدار. ما يثمر الاقتدار هو العلم. لولم يكن لأمريكا اليوم تقدمها العلمي لما استطاعت ممارسة كل هذا التعسف في العالم و التدخل في كل قضايا العالم. حتى الثروة التي تستحصل إنما هي بسبب العلم. اهتموا بالعلم. هذا هو ما يجعلني أشدد منذ سنوات على قضية العلم، و البحث العلمي، و التقدم، و الإبداع، و تحطيم حدود العلم. اقتدار البلد غير ميسور من دون أنواع العلم.. العلم يبعث على الاقتدار.
قالوا تعالوا نقصف المراكز النووية الإيرانية. و قال أحد الرؤساء في العالم - و لا أريد ذكر اسمه الآن، الجميع يعلم ذلك طبعاً، و ربما كنتم تعلمون، فقد أذيع ذلك في العالم. و أنا لا أرغب أن أذكر أسماء البعض - قال: لا يمكن قصف العلم. و هو على حق. رغم كل الأكاذيب التي يقولونها إلا أن قولهم هذا صحيح. لنفترض أنهم قصفوا نطنـز، و قصفوا معمل اصفهان، فكيف سيقصفون العالم؟ لاحظوا أن العلم يفرز المناعة و الاقتدار. احذروا من أن يخلّوا في جامعاتكم، و في صفوفكم، و في مراكزكم البحثية، و في مشاريعكم البحثية. إذا شاهدتم يداً تمارس الإخلال فأسيئوا الظن بها. إنهم يستهدفون اقتداركم و مستقبلكم.
لدي الكثير مما أقوله لكم خصوصاً أنتم الشباب. النقطة التي ذكرتها هذه السيدة الفنانة اعتقد أنها على جانب كبير من الأهمية. هذا هو أحد الأعمال. يأتي البعض و يكتشفوا مذاق الأسواق الغربية و حاجاتها.. مثلاً حاجاتها إلى لوحات الرسم. ثم يأتون هنا و يقدمون دعماً مالياً و يدفعون رسامينا إلى تأمين تلك الحاجات. و نظير هذه الحالة بالضبط تحدث في إخراج الأفلام. يرشحون أفلاماً للمهرجانات تتماشى مع إرادتهم، و مثل هذه القضية تماماً تحصل في العمل العلمي.. في البحث الذي ينشر في الـ آي. أس. آي.. و في موضوع البحث الذي تختارونه في مراكزكم البحثية. يأتي الاسبانسر - بالتعبير الأجنبي الدارج اليوم للأسف - و ينتشرون في القطاعات المختلفة و يقدمون المساعدات المالية و المادية لإنجاز الأعمال بالاتجاه الذي يريدونه. لا تغب هذه النقطة عن بالكم. هذه من لوازم الاستقلال العلمي للبلاد: استغلال الحركة العلمية، و الحركة الفنية، و الحركة السياسية من باب أولى. البعض من الأعمال السياسية أيضاً تصدق عليها هذه الفكرة.
من توصياتي لكم أن نعمة المواهب الجيدة التي تتمتعون بها نعمة كبيرة، كنعمة السلامة و كنعمة الحياة ذاتها، و هي تستوجب الشكر. النعم من الله، و يجب شكرها. أحفظوا هذه التوصية مني في أذهانكم. إننا لا نعرف الكثير من النعم إلا حينما نُبتلى بضدها و بخلافها. الشباب نعمة، و عند الشيخوخة يفهم الإنسان أكثر كم هي نعمة عظيمة. الموهبة الجيدة، و الذكاء الجيد نعم كبيرة يجب شكرها. ما هو الشكر؟ للشكر ثلاثة أجزاء: الأول معرفة النعمة، و عدم الغفلة عنها و الثاني معرفة أن هذه النعمة من عند الله و أنها عطية و هدية إلهية. و الثالث هو استخدام هذه النعمة بالاتجاه الصحيح. ينبغي استخدام نعمة الموهبة الجيدة بالاتجاه الصحيح. هذا هو ما يوقظ روح الالتزام و المسؤولية لدى الإنسان. الالتزام تجاه المجتمع، و تجاه مستقبل البلد، و تجاه هذه المجموعة الهائلة من الإمكانات التي تعد النخبة و المواهب بالتالي ثمرتها و حصيلتها. هكذا تشكر النعمة. يجب أن لا يعتبر الإنسان نفسه جزيرة منفصلة عن منظومة المجتمع، و لا أن يتصور أنه قد توصل الآن إلى إمكانية و إلى ثروة معنوية معينة فيجب أن يحولها إلى ثروة مادية و شخصية.. ليست القضية كذلك.. ينبغي توظيف الإمكانيات لمستقبل البلاد.
و أريد أيضاً أن أوصي المسؤولين.. و توصيتي للمسؤولين تتعلق قبل كل شيء بالشكر أيضاً.. شكر نعمة وجود النخبة. و هنا كذلك ينطوي الشكر على تلك الأجواء الثلاثة. المعرفة: يجب أولاً معرفة النخبة. ثم أن نعرف أن هذه النخبة هي من النعم الإلهية و أن الله هو الذي منحها لنا و لمسؤولي النظام. و بعد ذلك يجب أن نستفيد من هذه المجموعة المغتنمة و المحترمة و العزيزة - أي مجموعة النخبة في البلاد و المواهب المتفوقة - في الاتجاهات الصحيحة.
و حول ما قاله هذا الشاب العزيز من شبابنا يجب القول إن الكلام كثير كما أشرنا. حينما ننتقد عدم إنصاف مؤسسة معينة أو شخص معين يجب أن لا نقع نحن أنفسنا في عدم الإنصاف. ينبغي التفطن لهذه المسألة. هل تعرض الإذاعة و التلفزيون الوضع الحقيقي و الواقعي للبلاد؟ لا، إنها تعرضه بشكل ناقص. هناك الكثير من التطورات البارزة و الكبيرة لا تعرضها الإذاعة و التلفزيون. الدليل على ذلك هو أنكم المجموعة المرتبطة بالأحداث المختلفة، غير مطلعين على الكثير من حقائق البلاد و حالات التقدم الحاصلة فيه. هذا بسبب النقص الذي تعاني منه مؤسسة الإذاعة و التلفزيون عندنا. و إلا لو استطاعت الإذاعة و التلفزيون و كما يفعل تلفزيون البلد الغربي الفلاني بما له من تجارب و سوابق طويلة و باستخدام الأساليب الفنية لقلب أكاذيبه إلى أحاديث صادقة، لو استطاعت عرض حقائق البلاد، لكان أمل الجيل الصاعد و حب جيل الشباب لبلاده و لدينه و لنظامه نظام الجمهورية الإسلامية أعظم بكثير مما هو عليه الآن. هذه هي مؤاخذتنا على مؤسسة الإذاعة و التلفزيون. لو كانت تستطيع عرض واقع البلاد بصورة صحيحة لكان شغف المشاهدين و ابتهاجهم أكبر بكثير مما هو عليه اليوم. يتم إنجاز الكثير من الأعمال تبعث على السرور و الارتياح لا في المجالات العلمية و حسب، بل على المستويات الاجتماعية و السياسية أيضاً مما يستدعي الفخر و الاعتزاز. هذه أمور لا يعلمها الكثيرون بل لا تعلمها الأغلبية. كثيراً ما أعترضُ على مسؤولي الحكومة بالقول: لماذا لا تستطيعون التعبير عن الأعمال المنجزة.. التعبير أيضاً فن من الفنون. التعبير و البيان فن خاص و كبير، لكنهم لا يتحلّون به.
من المؤاخذات التي نسجلها عادة على البعض هي أنهم يوافقون و يقبلون ما يقوله الأجنبي، و يشكون فيما يقوله الأصدقاء! لماذا؟! هذه الطريقة طريقة غير سليمة و غير صحيحة، و يجب إصلاحها. طبعاً ستدخلون أنتم الشباب الجيدين إن شاء الله المجالات المختلفة و تقوون شؤون الأصعدة الإعلامية للبلاد. كذلك الحال بالنسبة لصحافتنا. إنني أشاهد في الأيام الاعتيادية قرابة ست عشرة أو سبع عشرة صحيفة. لا أنني أرى جميع صفحاتها الداخلية.. لكنني أقرأ العناوين و بعض الافتتاحيات اللافتة. الكثير من صحفنا ضعيفة للأسف في نقل الحقائق، و تعمل بشكل غير منصف في الخلط بين القضايا الأصلية و الفرعية. في هذه القضايا الأخيرة ينبغي تصنيف الأمور إلى أصلية و فرعية. ما هي القضية الأصلية، و هناك جملة من القضايا الفرعية حولها. لا أن تلك القضايا الفرعية قليلة الأهمية، لكن القضية الأصلية أهميتها أكبر من تلك القضايا. القضية الأصلية في الأحداث الأخيرة هي أساس الانتخابات. التشكيك في أصل الانتخابات كان أكبر جريمة ارتكبت. لماذا تغمضون أعينكم عن هذه الجريمة؟! تُبذل كل هذه الجهود و يأتي الناس و تحصل مشاركة بهذه العظمة، و يتحطم الرقم القياسي للديمقراطية في العالم.. في الديمقراطية التي يتشدقون بها كل تشدق، ثم يأتي عدد من الأفراد و من دون أي دليل أو برهان ليقولوا في اليوم الثاني من الانتخابات: إن الانتخابات كذب! هل هذا بالشيء القليل؟! هل هذه جريمة بسيطة؟! ينبغي رعاية الإنصاف قليلاً في هذه القضايا. و قد استغل العدو هذه الحالة إلى أقصى حد. و هناك البعض في داخل البلاد لم يكونوا يؤيدون نظام الجمهورية الإسلامية و يوافقونه منذ البداية - ليس الأمر أمر اليوم و الأمس القريب، إنهم لا يؤيدون هذا النظام منذ ثلاثين عاماً - استغلوا هذه الفرصة و وجدوا أن عناصر تابعة للنظام نفسه و من داخل النظام يعملون على أفساح المجال بهذه الصورة، لذلك استغلوا الفرصة و نزلوا إلى الساحة و رأيتم ما حصل. لقد بعثت رسالة منذ اليوم الأول لهؤلاء السادة الذين يوجّهون هذه القضايا و يديرونها.. بعثت لهم في الساعات الأولى رسالة خاصة. حينما أقول شيئاً في صلاة الجمعة فليس ما أقوله هو بداية الأمر و لم يكن شيء قبله.. هناك كلام خصوصي و رسائل خصوصية و نصائح لازمة توجّه، و حينما يضطر الإنسان سيطرح بعض الأمور في العلن. لقد بعثت رسالة و قلت لهم إنكم تبدأون شيئاً لا تستطيعون السيطرة عليه إلى النهاية، و سوف يأتي الآخرون و ينتهزون هذه الفرصة. فهل رأيتم الآن كيف جاءوا و انتهزوا هذه الفرصة. شطبوا على الموت لإسرائيل! شطبوا على الموت لأمريكا! ما معنى هذا العمل؟ الذي يدخل إلى ساحة العمل السياسي ينبغي عليه أن يكون ماهراً فلا يقوم بأية خطوة إلا بعد أن يخمِّن الخطوات الثلاث أو الأربع اللاحقة التي تترتب على خطوته. أنتَ تقوم بهذه الخطوة و سوف يقوم منافسك بخطوة حيالها. ينبغي أن تفكر به، ما هي الخطوة التي سوف يُقدم عليها. و إذا وجدت أنكَ سوف تحاصر بخطوته غداً فلا تُقدم على خطوتك هذه اليوم. و إذا أقدمت ستكون غير ماهر - هذا هو التعبير الملطّف - في هذه العملية و في هذه اللعبة و في هذه الخطوة. هؤلاء لا يفهمون ماذا يفعلون، يبدأون خطوة و لا يلتفتون كيف سيحاصرون و يسقطون في الخطوات و الحركات اللاحقة و اللاحقة و اللاحقة. كان ينبغي عليهم أخذ هذه الأمور بالحسبان. هذه هي القضية الأصلية. التشكيك في الانتخابات و مواجهة مجموعة من الناس - و لم يكونوا يحملون أية نوايا سيئة، بل شاركوا في الانتخابات و عملوا وفقاً لما يعتقدونه و كان ذلك جيداً جداً - للنظام و البلاد بتحركات عامة في البلد.. هذه ليست أموراً صغيرة. إذا كنتم منصفين لاحظوا تلك التحركات الجانبية و القضايا الفرعية و لاحظوا أهميتها، و لكن لاحظوا أيضاً تفوّق هذه القضية في الأهمية.
أنا طبعاً في الاجتماعات التي تجمعني بكم آسف أن أتحدث بشيء سوى الكلام العلمي، و الكلام المعنوي، و سوى النصائح، و أن أخوض في الشؤون السياسية و أمور من هذا القبيل، لكنني كنت مضطراً بهذا المقدار. و ما قالوه من أنهم لا ينتقدون القيادة، إذهبوا أنتم و قولوا لهم: انتقدوا. لم نقل: لا ينتقدها أحد. ليس لدينا مشكلة مع النقد. إنني أرحب بالنقد.. أرحب بالنقد. و هم ينتقدون طبعاً. و ليس هذا موضع إيضاح هذه المسألة. هناك نقود توجّه، و هي كثيرة و ليست قليلة. و أنا استلم النقود و أفهمها.
نتمنى أن يهدينا الله تعالى جميعاً للاتجاه الذي يرضيه، و أن يجعل مستقبلكم جميعاً أفضل من ماضيكم إن شاء الله، و يجعلكم مبعثاً لشموخ بلدكم، و سوف ترون أنتم الشباب ذلك اليوم - و سوف تذكروننا بخير إن شاء الله - الذي يصل فيه بلدكم إلى ذروة الاقتدار.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1- سورة إبراهيم، الآية 24.
2- سورة الزمر، الآية 17 و 18.