بسم الله الرحمن الرحيم

أشكر الله تعالى و أحمده من أعماق وجودي على أن منحنا الفرصة و المهلة مرةً أخرى و سنة أخرى لنشهد مراسم الحج و توجّه الحجاج نحو ذلك القطب المحبوب في قلوب المسلمين على مرّ التاريخ.
النظرة للحج يجب أن تكون نظرة لنعمة و فرصة إلهية كبيرة. هكذا هي جميع العبادات. الصلاة أيضاً فرصة و نعمة. لو لم توجَب الصلاة علينا لخيف علينا أن نغرق في بحر الغفلة المحضة. هذه النعمة الكبيرة التي نؤخذ فيها عدة مرات في اليوم نحو لقاء الخالق و التحدث معه و الخشوع و التضرع أمامه، هي نعمة كبيرة جداً و فرصة عظيمة. و كذلك هو الحج. ميزة الحج على سائر الواجبات و الفرائض الإسلامية هي طابعه العالمي و الدولي. التضرع الذي يحتاج إليه كل مسلم في قلبه حيث يحتاج أن يخضع و يخشع و يتضرع أمام خالقه يكتسب في الحج تجلياً عاماً و دولياً. جميع المسلمين على اختلاف لغاتهم و أعراقهم و عاداتهم و تقاليدهم يصلون هناك فيخشعون و يتضرعون. هذه ظاهرة جد عجيبة تعودنا عليها و لم نعد نفهم أهميتها و عظمتها بشكل صحيح. أن يجتمع كل المسلمين و يتهافتون على قطب و مركز واحد و يخشعون حياله. لننظر إلی الحج من هذه الزاوية.. من زاوية كونه فرصة.
إذا نظرنا له من زاوية كونه فرصة حينئذ ستتسع نظرتنا و سوف ننتبه لواجباتنا أكثر. تجدون الفرصة لإبداء العبودية لله في بيت الله إلى جانب باقي المسلمين. هذه هي النقطة الأولى في هذه الفرصة. إذا نظرنا من زاوية كون الحج فرصة عندئذ يقتضي الأمر أن لا يفوِّت الإنسان هذه الفرصة مهما كلّف الأمر. من المؤسف أن يتواجد الإنسان في مكة المكرمة أو المدينة المنورة بجوار مرقد الرسول الأعظم (صلّى الله عليه و آله و سلّم) و مراقد أئمة الهدى (سلام الله عليهم أجمعين) و مراقد كبار الصحابة و شهداء أحد و باقي العظماء الذين يتلألئون في التاريخ كالشمس ثم ينشغل بالدنيا بدل التوجّه و الذكر، و خصوصاً إذا كانت هذه الدنيا دنيا تافهة شخصية مثل التجول في الأسواق و الذهاب هنا و هناك لأمور قليلة الأهمية ننشغل بها طوال حياتنا للأسف. ذلك المقطع الزمني الأكسيري الذي تكتسب كل ساعة منه قيمة كبيرة و تعد فرصة عظيمة، من المؤسف أن ننفقه للأعمال اليومية قليلة الأهمية التي يمكن أن نقوم بها في أسواق مدننا و في أي مكان آخر. هذه هي النقطة الأولى. لنفكّر بالتزود في مكة و المدينة، و لنفكر بزيادة رصيدنا الإيماني و المعنوي و رصيدنا من الذكر و الخشوع أمام الخالق. هذه هي الخطوة الأولى.
مظهر آخر من مظاهر اغتنام هذه الفرصة الكبيرة هو الارتباط بالعالم الإسلامي. العالم هو الشعوب و ليس الساسة و لا القادة الظالمون، و لا المستكبرون و المتكبرون في العالم. تسمعون أحياناً أن المتكبرين ينسبون حصيلة أذهانهم الفاسدة للمجتمع العالمي. فيقولون: هكذا يريد المجتمع العالمي! المجتمع العالمي معناه المليارات من أبناء البشر. و هكذا هو الحال بالنسبة للمجتمع الإسلامي. الأمة الإسلامية هي هذا الجسد الكبير. ليست الأمة الإسلامية زيد و عمرو و من تسلّط بأية وسيلة على جزء من هذا الجسد الهائل و راح يحكمه. الأمة هي هذا الجسد من الشعوب. البركات و الخيرات في هذا الجسد العظيم و إرادته التي بوسعها أن تزحزح الجبال. تحرك هذا الجسد هو الذي يستطيع أن يجعل القيم الإسلامية عالمية و شاملة. و هذا تحت تصرفكم. يلتقي الإنسان الحاج في موسم الحج من كل سنة حشداً هائلاً من الجسد العظيم للأمة الإسلامية و العالم الإسلامي. ينبغي اغتنام هذه الفرصة. إنها فرصة و يجب اغتنامها.
كيف نغتنم الفرصة؟ ثمة طرق مختلفة لذلك. من أسهل الطرق و التي يستطيع الجميع القيام بها أن يقوم الإيراني المسلم الذي يعيش تحت لواء الجمهورية الإسلامية و السيادة الإسلامية بتعريف إسلام الجمهورية الإسلامية عبر سلوكه و أعماله و أسلوبه و طباعه. و يقوم بهذه الوسيلة أيضاً بتعريف نفسه و إثبات تأثير التربية الإسلامية عليه. هذا من أسهل الطرق.
الحاج الذي يكون سلوكه في المسجد الحرام أو مسجد النبي أو البقيع أو عند زيارة شهداء أحد و في منى و عرفات سلوك إنسان مؤدب بالآداب الإسلامية، و سلوك إنسان تربّى بالتربية القرآنية، و يكون من أهل الخشوع و التواضع و المحبة و الابتعاد عن توجيه الإهانات لهذا و ذاك، و يكون من أنصار الاجتماع و ليس من جنود التفرقة. لدينا الكثير من التوصيات في الروايات في زمن الأئمة (عليهم السلام) بثواب المشاركة في صلاة جماعة أهل السنة إلى درجة القول بأن الصلاة خلفهم في المسجد الحرام كالصلاة خلف الرسول. ما معنى هذا؟ واضح أن الإمام الصادق لا يقارن صلاتهم بصلاة الرسول (ص)، و لا يقارنها بصلاة واحد من أتباعه، لكنه يقول صلّوا وراءهم. ما معنى هذا؟ إنه استعراض للوحدة. إنه شيء يعرض الوحدة عملياً. و على أساس هذه الأفكار أوصى إمامنا الجليل (رضوان الله عليه) - ذلك الرجل الواعي اليقظ - أوصانا جميعاً و أوصى جميع الحجاج الإيرانيين بالمشاركة في صلاة الجماعة في المسجد الحرام و المسجد النبوي، و المشاركة في هذه التجمعات، و هذه من مصاديقها. لا تقع عين أحد أثناء صلاة الجماعة حيث يؤدي الجميع فريضة الصلاة على حاج إيراني يحمل أمتعته - و يحمل أوزاره - نحو فندقه. هذه أشياء ضارة. السلوك المتأدب بالآداب الإسلامية من أسمى و أرفع الأمور. حتى لو لم تكونوا تجيدون اللغة العربية و لا تتواصلون مع الآخرين، بمجرد أن يكون واضحاً أنكم حجاج إيرانيون و تتحلون بهذا السلوك المؤدب المحترم و أنكم أهل نظافة و دعاء و ذكر - دعاء كميل الذي بدأت قراءته تشيع منذ سنوات - لكان ذلك أكبر تبليغ و إعلام. هذا أهم من كثير من أساليب التبليغ. تجلس هذه الجماعة المؤمنة الهائلة أمام الله تعالى و تتضرع و تستغفر و تذرف الدموع.. هذا سيكون تبليغاً.
المشاركة في مراسم البراءة تبليغ كبير. مجرد هذه المشاركة هو تبليغ. هذا يدل على أنكم تقبلتم الحج بكل أبعاده و على شكل رزمة كاملة.
ثمة في الحج توحيد. و للتوحيد بحد ذاته جزءان: أحدهما الله، و الثاني لا إله إلا الله. أحدهما الإثبات و الثاني النفي. الحج هو مظهر التوحيد. إثبات ولاية الله و نفي ولاية غير الله. هذه هي البراءة.
نقطة أخرى في باب الحج هي أن تقوم قوافل الحج الإيرانية الكبرى - و هي و الحمد لله مبعث فخر للجمهورية الإسلامية - بتلبية احتياجات الزمن و الأمة الإسلامية بحسب ما تقتضيه هذه الاحتياجات. لنرى ما هي الاحتياجات كل سنة. يشعر الإنسان في هذا العصر و في هذه الأعوام القريبة و منها هذه السنة أن من الاحتياجات المهمة الحاجة إلى الاتحاد الإسلامي، و الوحدة بين الفرق الإسلامية. لاحظوا ما يقوم به أعداء الإسلام و الأمة الإسلامية من أجل تمزيق المسلمين و خلق الفواصل بينهم، و كم يبذلون من الأموال من أجل خلق مجابهات و اصطفافات بين المسلمين. هذه من الأهداف الأكيدة للأحداث الدامية التي سمعتم بنموذج لها أمس في العراق، و تقع نماذج عديدة لها في باكستان و مناطق أخرى، و يقتل المسلمون قتلاً جماعياً بواسطة الإرهاب الأعمى أو يجرحون أو تقطع أعضاؤهم. جزء كبير من هذه العملية يتصل بقضية خلق الخلافات بين الشيعة و السنة.
في بلد العراق عاش الشيعة و السنة قروناً طويلة إلى جانب بعضهم. نفس هذه الكتب و نفس هذه العقائد الموجودة اليوم كانت موجودة في السابق و ربما بطابع أشد. لكن لم تكن لمثل هذه الأحداث سابقة طوال قرون، و لم يكونوا يهاجمون بعضهم. فمن هم هؤلاء؟ أو هذه الأحداث الدامية التي وقعت في مناطق من بلدنا أحياناً و على مرّ الزمن و في الفترة الأخيرة، أو الحوادث التي تقع في باكستان، الشيعة ضد السنة، و السنة ضد الشيعة! هؤلاء ليسوا شيعة أو سنة. الذين يقومون بهذه الأعمال هم عملاء الأجنبي إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة.. إنهم عملاء الأجنبي و أياديه.. من هم هؤلاء الذين يظهرون للحجاج الشيعة و الحجاج الإيرانيين بجوار البقيع و في المسجد الحرام و في مسجد النبي، و لا أحد يدري من أين هم، يظهرون لهم و يهينون المقدسات، و يتجاسرون أحياناً حتى على أعراضهم؟ ينبغي أن يتيّقظ الجميع و يتحلوا بالوعي إزاء هذه الأمور. من واجب الحكومات و من واجب الحكومة السعودية أن لا تسمح بالتعرّض لزائر لبيت الله و لحجاج بيت الله الحرام، و لزوار المرقد المقدس للرسول و الأئمة (عليهم السلام).. أن يأتي شخص و يقوم بحركة ضد الزائر أو ضد رجل الدين الشيعي أو ضد كذا و كذا، ثم يقف رجل القانون السعودي و يتفرج أو يتدخل أحياناً لصالح المعتدي، هذه ممارسات غير صحيحة و هي على الضد تماماً من الوحدة. إنها الشيء الذي تريده أمريكا و أجهزة التجسس الأجنبية. لا يمكن لمجموعة حجاج بيت الله الحرام أن يغفلوا عن أحداث العالم الإسلامي.
إن بلد العراق اليوم، و بلد أفغانستان، و بلد فلسطين المظلوم، و جزء من بلد باكستان تعاني من ضغوط الجنود الأجانب و ممارساتهم المستكبرة. فهل يمكن للعالم الإسلامي أن لا يرى هذا الواقع؟ هذه أمور ينبغي الاهتمام بها في الحج. ينبغي للحج أن يكون مظهر بروز إرادة الأمة الإسلامية و عزيمتها الراسخة ضد هذه الممارسات التي تمس وحدة الأمة و تنال من تقدمها أو من راية الإسلام المرفرفة اليوم بين أبناء الأمة، و نحمد الله أن الجمهورية الإسلامية تمسك اليوم بهذه الراية في أيديها القوية. ينبغي التحسّس من هذه الأمور، فهذا التحسس واجب. هذه أمور يجب أخذها بنظر الاعتبار في برامجنا لإدارة القوافل و اختياراتنا و مجاميع حجاجنا، يجب أن تكون كلها متناسبة مع هذه الاحتياجات.
أنا طبعاً أشكر جميع القائمين المحترمين على شؤون الحج و الذين بذلوا في هذه السنين الجهود للنهوض بهذا العمل الكبير و هذا الواجب العظيم.. أشكر من الصميم حضرة الشيخ ري شهري، و حضرة السيد خاكسار، و باقي المسؤولين الحكوميين و وزراء الإرشاد المحترمين الذين ساعدوا طوال هذه الأعوام، و العاملين في باقي الأقسام و القطاعات، و رؤساء القوافل، و رجال الدين المحترمين.
العمل كبير و الهدف جد عظيم، و واجبنا كبير جداً. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى جميعاً، و أن تشملكم جميعاً أدعية سيدنا بقية الله الأعظم (أرواحنا فداه).
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.