بسم الله الرحمن الرحيم

نحن مسرورون جداً لأننا استطعنا أن نوفق بعد فترة طويلة للقاء بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء - و أنتم تتولون أحد أهم الأعمال و أكثرها تأثيراً في مسيرة نظام الجمهورية الإسلامية - و ندعو لكم بالتوفيق و القوة.
»شورى تنسيق الإعلام الإسلامي« من أقدم و أعرق مؤسسات نظام الجمهورية الإسلامية. إنه لمن المهم أن يتشكل الجهاز على أساس حاجة حقيقية و صادقة في البلاد، و أن يأخذ دائماً هذه الحاجة بنظر الاعتبار على مدى السنين الطويلة و مع شتى التطورات و التحولات، و يعطي العمل و الأداء حقهما. شورى تنسيق الإعلام الإسلامي من هذا القبيل من المنظمات. كما قال سماحة الشيخ جنتي (دامت بركاته) و قد كان لإشرافه بلا شك تأثير كبير في هذا الاتجاه، فقد سارت هذه المنظمة طوال هذه الأعوام في الخط الصحيح و الصراط المستقيم، و قد عرفت اللحظات و بادرت إلى الخطوات المتناسبة مع تلك اللحظات. مشكلة بعض الأفراد و المنظمات و المجاميع ليست عدم الإيمان أو عدم التشوق أو عدم المودة، لكن مشكلتهم هي عدم معرفتهم للحظة.
ينبغي معرفة اللحظة الحالية و الظرف الراهن. ينبغي معرفة الحاجة. مثلاً الأشخاص الذين كانت قلوبهم في الكوفة مفعمة بالإيمان بالإمام الحسين و بأهل البيت، لكنهم نزلوا إلى الساحة متأخرين بضعة أشهر، و قد استشهدوا جميعاً و هم مأجورون عند الله، بيد أن العمل الذين كان ينبغي لهم القيام به لم يكن هو ذاته العمل الذي قاموا به.. لم يعرفوا اللحظة، و لم يعرفوا عاشوراء، و لم يفعلوا ما فعلوه في وقته. العمل الذي قام به التوابون بعد فترة من واقعة عاشوراء لو كانوا قد نهضوا به عندما دخل سيدنا مسلم بن عقيل الكوفة لتغيرت الظروف و الأحوال، و ربما سارت الأحداث بشكل آخر. معرفة اللحظات و القيام بالمهمات في لحظات الحاجة أمر على جانب كبير من الأهمية.
و شوراكم تحلت و الحمد لله بهذه السمة. و ثمة العديد من الدلائل على ذلك. و كان آخرها يوم التاسع من دي قبل فترة. و قبل ذلك - أي قبل عشرة أعوام من الآن - كان هناك الثالث و العشرون من تير الذي أشاروا له. ذلك اليوم أيضاً كان من احتياجات اللحظة. لم يكن فعلاً دارجاً و عادياً. مظاهرات الجماهير في الثاني و العشرين من بهمن بكل ما لها من عظمة - و سوف أتطرق لذلك - عمل دارج مألوف و معروف و من المتوقع أن يحصل و هو يحصل، لكن الثالث و العشرين من تير سنة 78 لم يكن عملاً دارجاً و متوقعاً، و كان المهم أن تعرف هذه المؤسسة و تفهم أن هذه الخطوة في تلك الظروف كانت ضرورية و لا بد أن تحصل. و كذا الحال بالنسبة لخطوة التاسع من دي هذه السنة. معرفة الظرف، و فهم الحاجة، و التواجد في لحظة الحاجة المناسبة. هذا هو أساس الأمر الذي يجب أن يحمله المؤمن دوماً ليكون وجوده مؤثراً، و يستطيع القيام بالفعل الذي يجب عليه القيام به. طيب، نحمد الله على أن شورى الإعلام الإسلامي تتحلى بهذه السمة و قد أثبتت ذلك، سواء في العقد الأول و ما تخلله من أوضاع و أحوال متنوعة - في فترة الدفاع المقدس و ما قبل الدفاع المقدس، و بعد عهد الدفاع المقدس - و بعد رحيل الإمام الخميني في المناسبات المختلفة حيث انتجت قمماً في تاريخنا. و من هذه القمم التي لا تنسى يوم التاسع من دي هذه السنة.
هناك نقطتان يجب أن أشير إليهما: واحدة تتعلق بالثاني و العشرين من بهمن و عشرة الفجر. عشرة الفجر ككثير من عناصر الثورة الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية ظاهرة فريدة في تاريخنا. و هذا ليس بشعار، بل هو الواقع بعينه في ضوء الدراسة و التدبر. لماذا هي ظاهرة فريدة؟ كل الثورات في العالم منذ أن تسير عجلتها و تشارك الجماهير و يبدأ التاريخ تسجيل الأحداث، لها ذكراها السنوية. لكن الشيء الفريد في التاريخ هو أن يجري تكريم الذكرى السنوية و إحياؤها بفعل نفس العامل و العنصر الذي خلق أصل الحادثة. لاحظوا الثورات التي بقيت آثارها عدة سنوات و التطورات التي أبقت ذكراها حية في ذهنية مجتمعها - بعض الثورات و التطورات الاجتماعية تضمحل تماماً بعد مدة و تنسى ذكراها - افترضوا مثلاً ثورة اكتوبر في الاتحاد السوفيتي التي استمرت عشرات الأعوام، و بدرجة أقل الثورة الفرنسية الكبرى، و كذلك باقي هذه التحولات التي وقعت بواسطة الثورات الشعبية أو الثورات شبه الشعبية، لم يعد في ذكراها - في الأعوام الثالثة و الرابعة على الأقل - أثر لشرائح الشعب و كتله، فالجماهير غير متواجدة، و الذكرى السنوية للثورة تقام بشكل تشريفي فيأتي عدد من المسؤولين و يقفون، و ربما تخرج استعراضات للقوات المسلحة و عدد من المتفرجين.
مضت على ثورتنا ثلاثون سنة. و كان الذين جسدوا في كل سنة ذكرى الثورة و برّزوها و احتفلوا بها هم أبناء الشعب. الملايين من أبناء الشعب ينـزلون إلى الشوارع كل سنة في ذكرى الثاني و العشرين من بهمن في مختلف أنحاء البلاد. هم الذين يعلنون عن عيد الثورة و الذكرى السنوية للثورة. ما معنى هذا؟ معنى هذا أن الثورة قائمة على إيمان أبناء الشعب، و معارضو الثورة و معارضو النظام المنبثق عن الثورة إنما يجابهون الشعب و يعادون الشعب. و هذا هو السرّ في عدم نجاحهم. و إلا ما من نظام سياسي لا يمكن ضعضعته بالأساليب السياسية أو الأمنية. يأتي طرف أقوى و يضعضعه و يزلزله. لكن النظام المعتمد على الجماهير و الشعب مهما كان معارضوه أقوياء من الناحية الأمنية و العسكرية و المالية و الاقتصادية و ما إلى ذلك، لن يستطيعوا حلحلته و إضعافه. و السبب يعود إلى أنه يعتمد على الشعب و على إيمان أبناء الشعب، و على العامل الذي أوجد أصل هذا النظام. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية.
يحاولون - كما لوحظ هذا العام في تجارب متعددة - في كل مراسم تعتمد على حشود الشعب و تواجده تخريب هذا التحشد إن استطاعوا. يوم القدس الذي هو لإدانة إسرائيل و معاداتها، ترون أن جماعة معدودة و مخدوعة ترفع فيه شعارات ضد قضية فلسطين و لصالح إسرائيل. و في يوم الثالث عشر من آبان و هو يوم معارضة الشعب الإيراني للاستكبار الأمريكي و براءته منه و إعلان كرهه له، يأتون فيه و يرفعون الشعارات ضد هذا التحرك و ضد نظام الجمهورية الإسلامية، و ضد إسلامية النظام! ما معنى هذا؟ معناه أن أعداء نظام الجمهورية الإسلامية فزعون من هذا التواجد الخالص المندفع لدى أبناء الشعب. هذا التواجد المشتمل على كافة الميول الموجودة بين الناس و على جميع السلائق و المشارب السياسية. الشعب الإيراني متحد، و توجهه واضح، و هم يريدون في إعلامهم عرض هذا الاتجاه المتحد و هذه الحركة المنسجمة على أنها حالة متفرقة. يريدون عرض الشعب الإيراني باعتباره موزعاً إلى جماعات و فئات متجابهة فيما بينها في القضايا الأساسية و الأصولية. هذا هو هدفهم و هذا ما يجب أن تجري مجابهته.
تأسست الجمهورية الإسلامية بإرادة الشعب و على أساس إيمانه. و قد تقدمت إلى الأمام لحد الآن بفضل هذا الإيمان و بكل اقتدار و بمنتهى الشعور بالعزة و الاستغناء، و سوف تنتصر بعد اليوم أيضاً بكل اقتدار و عزة على جميع الأعداء إن شاء الله.
إذن، النقطة الأولى باختصار هي أن الثاني و العشرين من بهمن ملك الشعب الإيراني و الإمام الجليل و الشهداء و الروح و المعنى الحقيقي للثورة الإسلامية. إنه ملك الشعب. و يريد العدو حلحلة هذه الثروة الهائلة و الرصيد الوطني الضخم و إضعافه. و يجب أن تتواجدوا في الساحة بكل قوة إن شاء الله و تتصرفوا بعقلانية و تدبير. و اعلموا أن الشعب محبّ و منشدّ لهذه الشعارات الأساسية للثورة. عزة الشعب الإيراني و عظمته اليوم في العالم - و التي يعترف بها العدو - إنما هي ببركة هذه الثورة و هذا التواجد الشعبي، و سوف لن يفقد الشعب الإيراني ذلك.
النقطة الثانية التي ذكرتها مراراً في غضون الأشهر الماضية، هي أن أعداء الشعب منـزعجون لاتضاح الأجواء و شفافيتها. إنهم لا يطيقون الأجواء الشفافة، و يريدونها حالكة و مضببة. ففي الأجواء المضببة يستطيعون الاقتراب من مقاصدهم و توجيه الضربات لحركة الشعب الإيراني. و الأجواء المضببة هي الفتنة. الفتنة معناها أن يأتي البعض بظاهر الأصدقاء و باطن الأعداء و ينـزلون إلى الساحة و يضببون الأجواء فيستطيع العدو الصريح في هذه الأجواء الضبابية إخفاء وجهه و التغلغل إلى الساحة و توجيه ضرباته. يقول الإمام أمير المؤمنين: »إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع و أحكام تبتدع« إلى أن يقول: »فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين«.. لو ظهر الباطل صريحاً واضحاً مكشوفاً خالصاً لما أشتبه الأمر على طلاب الحق، و لأدركوا أن هذا هو الباطل.. »و لو أن الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين«.. و الحق أيضاً لو ظهر في الساحة خالصاً من الشوائب لما استطاع المعاندون اتهامه بأنه ليس بحق. ثم يقول: »و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان«. صاحب الفتنة يأخذ جزءاً من الحق و جزءاً من الباطل فيمزجهما و يضعهما بجوار بعضهما.. فحينئذ يشتبه الحق على أوليائه.. عندئذ يشتبه الأمر حتى على طلاب الحق.. هذه هي الفتنة.
حسناً، ما هو العلاج الآن حيال مثل هذه الظاهرة؟ العقل السليم و الشرع أيضاً يحكمان بكل حسم بأن العلاج هو الصراحة في تبيين الحق و بيانه. حينما ترون انطلاق حركة معينة بذريعة الانتخابات، ثم يتغلغل عملاء الأعداء داخل هذه الأجواء الحالكة، حين ترون عملاء العدو - الذي ينمّ كلامه و شعاراته عمّا في ضميره - قد نزل إلى الساحة، هنا يجب أن تشخّصوا الخطوط و الحدود. هذا من واجب الجميع، و من واجب الخواص على وجه الخصوص، و من بين الخواص من لهم مستمعون و جمهور أكبر. هذا هو الواجب.. يجب إيضاح الحدود ليكون معلوماً ماذا يقول هذا و ماذا يقول ذاك. فلا يخفي الباطل نفسه في ثنايا الأغبرة و الضباب و العتمة التي تغطّي الساحة، و يبدأ بتوجيه ضرباته و لا تعلم جبهة الحق من أين تتلقى الضربات. لذلك ليس من الحسن بالنسبة للخواص التحدث بكلام ذي وجهين. على الخواص أن يقولوا كلاماً واضحاً و أفكاراً واضحة. و هذا لا يختص باتجاه سياسي معين. جميع الاتجاهات الداخلة في النظام الإسلامي عليها تشخيص هل الدعم الذي يبديه مستكبرو العالم مقبول عندها أم غير مقبول. حينما يبادر زعماء الاستكبار، و رؤساء الظلم، و محتلو البلدان الإسلامية و قتلة البشر المظلومين في فلسطين، و العراق، و أفغانستان، و الكثير من المواطن الأخرى، و ينـزلون إلى الساحة و يتكلمون و يتخذون مواقفهم، يجب أن يتضح ما هو موقف الأشخاص داخل نظام الجمهورية الإسلامية، فهل هم على استعداد للتبرّي و إعلان عدائهم و معارضتهم لأولئك؟
حينما يرفض البعض داخل أجواء الفتنة بألسنتهم الإسلام و شعارات نظام الجمهورية الإسلامية بصراحة، و يرفضون بأعمالهم السمة الجمهورية و يشككون في الانتخابات، حينما تبرز هذه الظاهرة في المجتمع، فالمتوقع من الخواص أن يرسموا حدودهم و يحددوا مواقفهم. التحدث بكلام ذي وجهين مساعدة على تضبيب الأجواء و لا يساعد على رفع الفتنة و لا على خلق حالة وضوح و شفافية. الإيضاح عدو العدو و العقبة التي تعتور طريق العدو. و التضبيب مساعدة للعدو. هذا بحد ذاته مؤشر و معيار. من الذي يساعد على الشفافية و الوضوح، و من الذي يساعد على التضبيب و التعتيم. ليأخذ الجميع هذا بنظر الاعتبار و يجعلوه معياراً.
و الكلمة الأخيرة هي: أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات! اعلموا و أنتم تعلمون أن الثورة الإسلامية حقيقة نابعة من سنة إلهية و لا يمكن القضاء عليها و زلزلتها. طالما تحلّى أفراد الشعب بالإيمان و الحب و العشق و عملوا و بادروا فليعلموا أنه حتى لو تكاتفت جميع قوى العالم فلن تستطيع النيل من هذه الثورة و من هذا النظام و من هذا الشعب. ثمة واجبات ينبغي أداؤها، و هناك منعطفات يجب المرور بها و عبورها. بعض هذه المنعطفات صعبة، و بعضها أسهل. الحمد لله اجتاز شعبنا الكثير من المنعطفات الصعبة و هي أصعب بكثير مما نشهده اليوم، و ستكون هناك منعطفات بعد اليوم أيضاً. قال سماحة الشيخ جنتي أن الشعب الإيراني يجب أن لا يقلق من مثيري الفتن. و أقول له إن الأعداء و مثيري الفتن موجودون دوماً. يوجد اليوم عدو، و يوجد غداً عدو آخر، و بعد غد شخص آخر و بشكل آخر. إذا كان الشعب يقظاً و واعياً و صاحب عزيمة و محافظاً على إيمانه و حياً و صاحب نماء و تجدد سيجابه كل هذه التحديات بسهولة و ستزداد هذه السهولة يوماً بعد يوم، و يعالجها و ينتصر عليها جميعاً. و نرى و الحمد لله علامات هذا النماء اليوم.. هؤلاء الشباب داخل إطار الثورة. و أنا أوصي الأصدقاء بالاستعانة بهؤلاء الشباب و براعم الثورة و نمائها أكثر فأكثر من أجل النهوض بالمهام بصورة أفضل. الكثير من هؤلاء الشباب إما أنهم لم يشهدوا عهد الثورة أو كانوا عند انتصارهم صغار السن جداً، لكنهم يعملون اليوم أفضل بكثير مما عملناه و فعلناه يومذاك. إنهم يعملون بشكل أقوى و وعي و ذكاء أكبر. أوراق الثورة و ثمارها في ازدياد و الحمد لله.
وفقكم الله و أيدكم جميعاً، و أنزل رحمته و فضله على الروح الطاهرة لإمام الأمة و الشهداء الأبرار، و أرضى القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر عنّا جميعاً إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.