بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيما بقية الله في الأرضين. قال الله الحكيم في كتابه:
( بسم الله الرحمن الرحيم. الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم.) (1)
أرحب بكم أجمل ترحيب أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، و المسؤولون و المدراء البارزون في نظام الجمهورية الإسلامية. إن هذا الاجتماع اجتماع رائع و نسأل الله تعالى أن يكون اجتماعاً مفيداً. أحاديث سماحة السيد خاتمي، كانت أحاديث جيدة و مفيدة و تنمّ عن حوافز جيدة و سامية جداً. نسأل الله أن نتذكر هذه المواضيع التي أشار إليها - خاصة في قسمها الأول الذي كان يختص بسيرة مولى المتقين و إمام الموحدين، أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام - لتكون لنا درساً دائماً.
الهدف من هذا الاجتماع هو بالدرجة الأولى إيجاد الألفة و التعاطف. فإن اتفقت الأذواق و الأفکار حول الأمور المختلفة، لكان ذلك أفضل، و لو اختلفت الأذواق في بعض من القضايا، فأواصر المحبة ستملأ الفراغ.
التعاطف سيكون أكثر يسراً بذكر الله. إن ذكر الله يشعل مصباحاً في قلب الإنسان و یملؤه نوراً، و يزیل عنه غبار الحقد و الضغینة و الإنانية، و يمثل مرساة للقلوب المضطربة المتلاطمة، و يبعث الهدوء و يطمئن القلوب. إن ذكر الله فی المتناول دوماً و قریب من القلوب الطيبة، ما عدا القلب الذي ابتلى بالخبائث. لمثل هذا الشخص لن يتيسر ذكر لله، و لن يحدث له مثل هذا النجاح و لا يسمح له بدخول حريم القدس الإلهي. إن القلب الملوث بالشهوة و حب السلطة و الحقد على عباد الله و الملوث بالحسد و الأنانية و حب المال، لا يجد طريقه نحو حريم القدس الإلهي، إلا القلب الذي تطهّر من هذه الأدران.
لا يسمحون للقلب الملوث بالدخول إلى حريم القدس الإلهي، ينبغي أن نتطهر من الدنس. لو استطاع القلب أن يعطّر و يزيّن نفسه بذكر الله، فلا شك أن الاستجابة الإلهية ستتيسر له، ( ادعوني استجب لكم ).(2). ليس هناك دعاء دون الاستجابة. الاستجابة لا تعني أن يتحقق للإنسان كل ما یطلبه بالتأكيد - يمكن أن يتحقق له، و يمكن أيضاً أن لا يتحقق نظراً لبعض الأسباب و المصالح - لكن الاستجابة الإلهية ستتحقق. الاستجابة الإلهية هي نظر الله تعالى و عنايته، حتى و لو لم يتحقق لنا ما طلبناه - و كثيراً ما نتصور أن هذا الطلب هو لصالحنا، لكنه ليس لصالحنا - لكن نداءكم يا الله لا بد أن يكون له لبيك. علينا أن نسعى لتعطير القلوب، و اليوم نحن في أمس الحاجة إلى تطهير القلوب. أنا أحتاج إلى هذا العلاج الإلهي أكثر منكم جميعاً، فنحن الذين تقع على عاتقنا مسؤوليات جسيمة، نحتاج إلى ذلك أكثر من الآخرين. إن مسؤوليتنا جسيمة. إن الله تعالى قد فرض على النبي كل هذه العبادات الثقيلة و هذا السهر في الليالي، و ذلك البكاء و التضرع في جميع الساحات، لأن مسؤوليته جسيمة. كل شخص بحاجة إلى تقوية علاقته بالله تعالى بقدر ما يتحمّله من مسؤولية. لو استطعنا أن نقوّي هذه العلاقة، لصلحت أمورنا و تمهّدت أمامنا السبل و استضاءت أذهاننا و أصبحت الآفاق واضحة أمامنا، لكننا إذا لم نحل هذه العقدة، فإن أمورنا لن تصلح. من الممكن أن يتحقّق النجاح في بعض الأمور، لكن الهدف لا ينحصر بالنجاح في الأمور الدنيوية. هدف الإنسان الموحّد أرفع من أن یحصر في عالم الطبيعة، مع أن عالم المادة هو المقدمة و التمهيد و الصراط نحو تلك الأهداف. أنکم لا تستطيعوا الّا تعبروا هذا السبيل، لكن ينبغي عليكم عدم التوقف فيه. إن الهدف ينبغي أن يكون أعلى من متطلبات هذا العالم. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لنتمکن من تنفيذ هذه الأعمال.
أعزائي! إن بلدنا - كما سمعتم في حدیث سماحة السيد خاتمي - يتمتّع بالإمكانيات الوافرة و الآفاق المشرقة، لكن هناك مشاكل، فينبغي الاستفادة من هذه الإمكانيات و تخطي هذه المشاكل. في مثل هذه الظروف، الوحدة و التعاطف برأيي من أكثر الأمور أهمية في عالم علاقاتنا الإنسانية. ينبعي عدم تلويث الأجواء. لو وفق الله تعالى مسؤولي النظام إلى السير معاً في تعاطف - الذي لا يعني بالضرورة تشابه الأفكار فأحياناً يمكن أن تختلف الأذواق، لكن ليس من منطلق النزاع و الخصام و العداء - فستحل الكثير من المشاكل. إن ثورتنا و نظامنا الإسلامي من العوامل المساعدة جداً لتطهیر الباطن و تطهیر أجواء العمل في البلد، فينبغي علينا اغتنام هذه الفرصة قدر المستطاع.
طبعاً هناك جهود تبذل لطرح القضايا الجانبية على أنها قضايا رئيسية، أو تبیین الأمور غير الحقيقية - أو الحقيقة و لكن من الدرجة الثانية - على أنها قضايا وطنية رئيسية، لكن هذه الأمور ليست القضية الأولى لهذا الشعب، بل القضية الرئیسیة للشعب هي أن على الجميع أن يجدوا سبلاً لتعزيز النظام و إصلاح الأمور و الأساليب، و حل العقد، و توضيح الأهداف و المبادئ لكل أبناء الشعب، و الاستفادة من طاقة الإبداع العظيمة و حركة و إرادة و حوافز و إيمان هذا الشعب المؤمن و الطريق نحو مبادئ هذا النظام السامية التي بها ستحقق السعادة للجميع. طبعاً هناك الكثير من الأعمال علينا تنفيذها و على عاتقنا جميعاً مسؤوليات و واجبات جسيمة. على كل شخص أن يعمل بواجبه على أحسن وجه يمكنه.
إن الذي خطر ببالي أن أطرحه اليوم، هو كيف نستطيع أن نتغلب على العيوب و النقائص، و القضاء على الفساد أو بالمعنى الحقيقي للكلمة كيف نستطيع أن نحقق الإصلاح في البلد. هذا سؤال مهم و من المناسب أن تتركز أذهان جميع الذين يهتمون بمصير هذا البلد و هذا الشعب على هذا السؤال. إن قضية الإصلاحات اليوم - التي هي موضع اهتمام الجميع اليوم - تطرح في البلد. هناك الكثير من الأشخاص يتحدثون حول الإصلاحات و يسعون لتحقيقها. فما هي الإصلاحات؟ و ما هي الطرق لبلوغ الإصلاحات؟ و ما هي أولوياتها؟ هذه قضايا مهمة للغاية.
و القضية المهمة الأخرى التي تطرح نفسها في هذا المجال هي: ما الذی يستهدفه العدو من خلال دعاياته التي يتابع فيها شعار الإصلاحات؟ إن الإصلاحات تتعلق بنا. فما هو السبب في تركيز الإعلام الدولي على الإصلاحات في إيران كما تلاحظون؟ هذه الدعايات تتعلق بالمراكز التي لا يحق لها أن تدعي أنها تريد الخير للشعب الإيراني. هل يعود سبب وجود الفساد و الضيق و فساد الظروف في هذا البلد إلا إلى هيمنة و تغلغل الحكومة البريطانية المستكبرة في المرحلة الأولى و الحكومة الأمريكية في المرحلة الثانية؟ ما هي القوة التي سببت القمع في هذا البلد؟ و ما هي القوى التي أقامت الأجهزة الوطنية و الحكومية في هذا البلد على أساس الفساد؟ و ما هي القوى التي كافحت الأخلاق العامة و الإنسانية على مدى خمسين عاماً؟ و ما هي اليد التي أوصلت رضاخان إلى السلطة ؟ و ما هي العناصر التي نفذت انقلاب 28 مرداد؟ و هم الذين قاموا بأسوء حركة دعائية على مدى خمسين عاماً لجر هذا الشعب إلى الفساد و الانحلال و عدم الاعتقاد بالأسس الأخلاقية و الدين. إن شبابنا اليوم لا يتذكرون شيئاً عن صحافة العهد البهلوي، لكنكم تتذكرون. و من الذي كان يشجع تلك الصحافة الفاسدة أو الجرائد الملونة حسب قول إنسان مثقف مسلم معروف؟ و من الذی کان یشجّع ذلک؟ و من أین کانت تستمد قوتها؟ هل هناك أحد سوى الأجهزة السلطوية التي جاءت بذلك النظام و كانت تدعمه بكل قوة؟
حتی نکون الیوم معارضین لإسم و ذکر الحکومة الأمریکیة و هیمنتها الاستكبارية بکل کیاننا، لأي مبرر سنحتاج يا ترى غير ما صنعه ذلک النظام من تضييع لجمیع إمکانیاتنا البشریة و المادية و الأخلاقية الموهوبة و القضاء علیها على مدى خمسين عاماً؟ و ما الذي حققه النظام البهلوي الإيراني خلال هذه العقود الخمسة؟ و هذا الخراب الذي أوجده هؤلاء، كم من الوقت و کم من المساعي سنحتاج إلیها لإصلاحه؟ و من الذي مهّد لذلك؟ و من الذي قدم الدعم؟ و من الذي قام بالتوجيه نحو ذلك؟ و من الذي قام بتقوية أجهزته الاستخبارية؟ و من الذي كان يخطط لهم؟ و في نفس الوقت نجد الحكومة الأمريكية و البريطانية، و رؤساءهما و ساستهما و مراكزهما الإعلامية، يدعمون و يدافعون اليوم عن ما يسمى بالإصلاحات و الحرية في إيران! و هذا ما يجب أن يدفع كل إنسان واع إلى التفكير و أن يحث كل غافل على اليقظة و الوعي. فما هي القضية؟ هذا حديث مهم للغاية و سؤال أساسي.
إنني کشخص واجه الکثیر من القضايا المتنوعة و في الساحات المختلفة لهذا النظام منذ بداية الثورة و حتى اليوم، و أعرف الأشخاص و الکلام أیضاً و أعرف دعايات الإعلام العالمي، توصلت إلى استنتاج عام و باختصار: إن هناك مشروعاً أمريكياً عاماً أعد لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية و قد تمت دراسة کل جوانبه. هذا المشروع هو مشروع أعد على غرار المشروع الذي استخدم لإسقاط الاتحاد السوفيتي. إنهم يتطلعون إلى تنفيذ نفس ذلك المشروع في إيران. هذا ما يرمي إليه العدو. و لو أردت استعراض أدلة و قرائن هذا المعنى، و لا زلت أتذکرها حتی الآن، من غیر أن أبحث عن دلالاتها، فهناك شواهد واضحة في تصريحاتهم. و إن صحة هذا الادعاء تبدو واضحة تماماً من خلال تصريحاتهم غير المنطقية المنطوية على الغرور و الأوهام في السنوات الأخيرة - و التي يقرون فيها بأنفسهم بأن تصريحاتهم كانت تصریحات مستعجلة - حيث تشير إلى أنهم وفقاً لحساباتهم أعدوا مشروع إسقاط الاتحاد السوفيتي السابق و لكن بالشكل الذي يتناسب مع طبيعة الأوضاع في إيران لإسقاطها. و قد ارتكبوا أخطاء طبعاً و هذا من لطف الله.
إن أعداءنا يخطئون بحساباتهم في المواقف الحساسة. هم طبعاً عاجزون عن تصحیح الأخطاء التي ذكرتها طبعاًً، كلّا لا یستطیعون، إنهم يخطئون في معرفة الحقائق. و يخططون على أساس هذه الأخطاء فتأتي خططهم خاطئة، و لهذا لا یفلحون. فقد خططوا للدفاع عن النظام البهلوي و وقفوا بجانبه بكل قواهم، لكنهم أخطأوا في التعرف على قضايا إيران و التعرف على الناس و رجال الدين و التعرف على الدين، لذلك أصيبوا بالفشل. هذه المرة أيضاً لن يكون مصيرهم إلا كذلك المصیر و سیکون الفشل حلیفهم.
فقد أخطئوا في الکثیر من الأمور: الخطأ الأول هو أن السيد خاتمي ليس كالسيد غورباتشوف. الخطأ الثاني هو أن الإسلام ليس كالشيوعية. الخطأ الثالث هو أن النظام الشعبي للجمهورية الإسلامية ليس كالنظام الدكتاتوري البروليتاري. الخطأ الرابع هو أن إيران المتحدة، ليست كالاتحاد السوفيتي الذي تشكل من بلدان التحمت ببعضها البعض. الخطأ الخامس هو أن دور القيادة الدينية و المعنوية في إيران ليست مزاحاً. سأوضح هذه الأخطاء لاحقاً .
أرى من الضروری هنا الإشارة إلى المشروع الأمريكي لإسقاط الاتحاد السوفيتي. و إن ما يدور في ذهني الآن، هو الجزء الأکبر من مذكراتي اليومية التي سجلتها عام 1370 ه.ش. حول أحداث الاتحاد السوفيتي. و أكملت هذه المذكرات طبعاً عن طریق المعلومات الكثيرة التي جمعها أصدقاؤنا من مصادر مهمة روسية و غير روسية و هو ما أريد الآن توضیحه بشكل تفصيلي، لقد كانت حادثة عظيمة.
عندما نقول المشروع الأمريكي لإسقاط الاتحاد السوفيتي، فعلينا أن نتحدث عن ثلاث نقاط:
النقطة الأولى هي أنه عندما نقول المشروع الأمريكي، فإن هذا لا يعني أن سائر الكتل الغربية لم تتعاون مع أمريكا في هذا الصدد، أجل، كافة الدول الغربية و الأوربية كانت تتعاون مع أمريكا بكل وسیلة. على سبيل المثال دور ألمانيا و انجلترا و بعض البلدان الغربية كان بارزاً في هذا المجال. تعاون هؤلاء بشكل جدي مع أمريكا.
النقطة الثانية هي أنه عندما نقول المشروع الأمريكي، فإنه لا يعني أننا نتجاهل العناصر الداخلية في إسقاط الاتحاد السوفيتي، كلّا، إن عناصر الإسقاط كانت موجودة في النظام السوفيتي، و عدوهم استغل تلك العناصر على أفضل وجه. فما هي تلك العناصر الداخلية، إنها الفقر الاقتصادي و ممارسة الضغوط على الناس، الکبت الشديد و الفساد الإداري و البيروقراطية. طبعاً كانت هنا و هناك حوافز قومية و وطنية.
النقطة الثالثة هي أنه عندما نقول المشروع الأمريكي أو الغربي - أو أي مصطلح نعبر به - فإن هذا المشروع لم يكن مشروعاً عسكرياً. فقد كان مشروعاً إعلامياً بالدرجة الأولى، حيث تم تنفيذه أساساً عن طريق اللافتات و الصحف و الأفلام و غيرها. إن الذي يحقق في هذا الموضوع، سيلاحظ أن خمسين أو ستين بالمائة من المشروع قد تم تنفيذه عن طريق وسائل الإعلام و الأساليب الثقافية. أيها الأعزاء! عليكم أن تحملوا قضية الغزو الثقافي الذي أطلقتها قبل سبع أو ثماني سنوات علی محمل الجد. إن الغزو الثقافي ليس مزاحاً. فالعامل السياسي و الاقتصادي یأتی بالدرجة الثانية بعد العنصر الإعلامي و الدعائي، و لم یکن للعامل العسكري أي دور.
لكن ما هو ذلك المشروع؟ عندما تولى غورباتشوف الأمور سنة 1985 كان من العناصر الشابة بين الأمناء العامين السابقين المسبنين. كان رجلاً مثقفاً و حسن التعامل، و الشعار الذي أطلقه، كان شعار البيروسترويكا بالدرجة الأولى و الغلاسنوست بالدرجة الثانية. البيروسترويكا في التعبير الفارسي تعني إعادة الإعمار و الإصلاحات الاقتصادية، و الغلاسنوست تعني الإصلاحات في مجال القضايا الاجتماعية، و حرية التعبير و ما شابه ذلک. لقد أهالوا على غورباتشوف في العامين الأول و الثاني أكادساً هائلة من الأحاديث و التحليلات و التفاسير و الإطراءات و التوجيهات و الاقتراحات حتى وصل الأمر إلى أن قدمته المراكز الأمريكية على أنه رجل العام! لقد حدث هذا في مرحلة الحرب الباردة، أعني في المرحلة التي كان الأمريكيون يستهدفون فيها أية محاولة للنجاح في الاتحاد السوفيتي! و إن كانت هناك حقائق جيدة قبل غورباتشوف فإنهم كانوا ينكرونها بشدة و كانوا يشنون عليها هجمات إعلامية. لكنهم اتخذوا هذا الأسلوب بالنسبة لغورباتشوف! لقد كان هذا الترحاب الغربي كتشجيع كبير خدع غورباتشوف! أنا لا استطيع أن أدعي بأن الغرب أو أجهزة الاستخبارات الأمريكية هي التي جاءت بغورباتشوف إلى السلطة - كما كان يدعي بعض الأشخاص في العالم - أنا لا أملك قرائن هذا الأمر حقيقة و طبعاً لست على علم بحقائق ما خلف الستار، لكن الشيء المسلم به هو أن الترحیب، و انشراح الوجه، و بشاشة الوجه، و التبجيل و التشجيع و التكريم من قبل الغربيين هو الذي خدع غورباتشوف. إنه اعتمد على الغربيين و الأمريكيين، لكنه خدع. لقد كتب غورباتشوف كتاباً تحت عنوان البيروسترويكا - الثورة الثانية - حيث يمكن للمرء ملاحظة آثار هذه الخدعة فيها.
كانت هذه الشعارات مدوية في يوم كانت أجواء الکبت قد خيمت على الاتحاد السوفيتي السابق. إنني كتبت في مذكراتي في سنة 1369 أو 1370 [ 1991 م] أن غورباتشوف رفع ترحيص السفر من مدينة إلى مدينة أخرى داخل الاتحاد السوفيتي! بعد ثلاثة و سبعين عاماً من انتهاء فترة حكم ستالين التي استغرقت ثلاثين عاماً على تأسيس الاتحاد السوفيتي، و بعد انتهاء فترة حكم بريجنيف التي امتدت ثمانية عشر أو تسعة عشر عاماً، كان الغاء ترخيص السفر من الأعمال التي قام بها السيد غورباتشوف في مجال الغلاسنوست!
في مثل هذه الأجواء، بوسعكم إدراك معنى فكرة و مشروع قضية حرية التعبير. عندما تقولون حرية التعبير، فكم سيكون ذلك مدهشاً و مذهلاً للجماهير! في كل هذه الفترة، لم تكن في الاتحاد السوفيتي صحف مهمة و ملفتة للنظر سوى صحيفة برافدا و كانت صحيفة عامة. أو صحيفة تتعلق بالشباب إضافة إلى بعض الصحف التخصصية، أما تعدد الصحف و إصدار الكتب المختلفة فلم يكن له وجود على الإطلاق. الكاتب الذي انتقد بعض أسس الاشتراكية - و ليس كلها - كان ممنوعاً من الخروج من الاتحاد السوفيتي لسنوات مديدة. طبعاً الأمريكيون كانوا يروجون الكثير من الدعايات حوله و كانوا یتحدثون كثيراً عنه و أنا لا أزال أتذكر هذا الموضوع قبل انتصار الثورة.
في مثل هذه الأجواء، أطلق غورباتشوف هذا الشعار، لكنهم ارتكبوا بعض الأخطاء و التي لا أرغب بالإشارة إليها الآن. و ستتضح بعض أخطائهم في ثنايا الکلام. خلال مدة قصيرة عمت سيول الدعايات الغربية و الثقافة الغربية و المثل الغربية الاتحاد السوفيتي و منها نماذج الألبسة و مكدونالد و غيرها من الأمور التي كانت في الحقيقة رموزاً أمريكية. هذه ليست أفكار طالب حوزوي معزول عن العالم، فإنني قرأت في المجلات الأمريكية في نفس تلك الأيام - كالتايم و نيوزويك - بانهم ذكروا أن انتشار مقاهي مكدونالد في مسكو هو خبر مهم و يعتبر طليعة نشر الثقافة الغربية و الثقافة الأمريكية في الاتحاد السوفيتي! شعارات غورباتشوف كانت في الذروة لمدة عامين، ثم لم یلبث أن ظهر بجانبه شخص آخر يسمى يلتسين. و كان دور يلتسين دوراً مصيرياً. دوره هو أن يصر على أن هذه الشعارات لا جدوى منها، و أن هذه القفزة لا تكفي، و أن الوقت بات متأخراً، و إن الإصلاحات تأخّرت! لو كان هناك رجل عاقل مدبر في مكان غورباتشوف فلعله كان يستطيع أن ينفذ تلك الإصلاحات على مدى عشرين عاماً دون أي هاجس - كما حدث في الصين - لكن هذا المقدار سلب غورباتشوف أناته و تمهله. و وصل به الأمر إلى درجة عزل معاونه يلتسين، لكن وسائل الإعلام الأمريكية و الغربية قامت بتقويته فضلاً عن عدم إقصائه!
ظلت وسائل الإعلام الغربية و الأمريكية لمدة عام أو أكثر تظهر يلتسين على إنه شخصية بارزة و مستنيرة و إصلاحي مظلوم. ثم حان وقت الانتخابات الرئاسية في روسيا. و أنتم تعرفون أن سائر الجمهوريات كان لها انتخابات مستقلة. طبعاً لم تكن عندهم انتخابات، ثم قرروا أن تكون لهم انتخابات مستقلة. أحد إنجازات غورباتشوف هو تأکیده علی ضرورة إجراء الانتخابات. حيث لم تجر انتخابات على الإطلاق في الاتحاد السوفيتي بعد سقوط الحكم القيصري. و كانت الانتخابات في المرحلة القيصرية شبيهة بانتخابات عهد الشاه في بلدنا. حتى إن ثورة الدستور عندهم تزامنت مع ثورة الدستور في إيران و لكن بفارق واحد. ففي العهد القيصري کان المجلس الوطني دائماً مجلساً صورياً كمجلس الشورى الوطني عندنا في عهد النظام البهلوي. و عندما جاء الشيوعيون انتهى كل شيء فلا مجلس و لا انتخابات! و الآن و بعد مرور ثلاثة و سبعين عاماً تقرر إجراء انتخابات في روسيا و ليس في الاتحاد السوفيتي برمته. فمن هو المرشح؟ إنه السيد يلتسين! يلتسين -ذلك العنصر المتشدد - أصبح رئيساً للجمهورية بحصوله على غالبية الأصوات.
و من هنا تبدأ قصة لافتة. منذ اليوم الذي أصبح فیه يلتسين رئيساً للجمهورية في يونيو عام 1991 م، حتى يوم الرابع أو الخامس من شهر دي حيث أعلن انهيار الاتحاد السوفيتي بشكل رسمي لم يستغرق الأمر سوى سبعة أشهر. أعني أن تلك السنوات لم تكن سوى مقدمة للانهيار. قد حدثت بعض هذه المقدمات على يد غورباتشوف و بعضها الآخر على يد يلتسين عندما انتهت مرحلة غورباتشوف و تسارع المخطط الأمريكي و الغربي، إلى وصول يلتسين إلى السلطة. و بمجرد أن تسلّم يلتسين زمام الأمور و أصبح رئيساً لجمهوریة روسيا و الشخص الثاني في الاتحاد السوفيتي وقع في يده زمام المبادرة. يلتسين أصبح رئيساً للجمهورية في يوم 24/03/1370 و في يوم 26/03/1370 ه.ش - أي بعد مرور ثلاثة أيام - أعلن جورج بوش رئيس جمهورية أمريكا أن جمهوريات منطقة البلطيق الثلاث - أي لتونيا و استونيا و ليتوانيا - ليست ملك الاتحاد السوفيتي و على الاتحاد السوفيتي أن يمنحها الاستقلال و يعترف رسمياً باستقلالها، و إلّا فإن أمريكا ستوقف مساعداتها التي وعدت بها. و أنا لا أتذکر الآن طبعاً إن کان الوعد بالمساعدات قد حصل في عهد رونالد ريغان أو في عهد بوش، و على كل حال فقد وعدوا بمساعدة السيد غورباتشوف. لم تمض سوى مدة قصيرة حتى أعلن يلتسين عن الاعتراف الرسمي باستقلال الجمهوريات الثلاث! و بعد مرور شهرين، و لكي تزداد شخصية يلتسين تألقاً، حدث الانقلاب المعروف في الاتحاد السوفيتي و الذي كان يبدو غامضاً تماماً في تلك الأيام. عندها أصبحت التلفزة الأمریکیة أکثر فعالیة و نشاطاً - أعني الـ سي. إن. إن و غيرها - في مسكو و ركّزت على يلتسين. و عندما كان يبث تلفزيوننا تقارير مصورة من الـ سي. إن. إن، شاهدنا يلتسين یجوب الشوارع على ظهر دبابة و یرفع شعارات بين الجماهير قائلاً: كلّا، إننا لن نستسلم للانقلابيين! ثم ذهب إلى المجلس، لكن الانقلابيين لم يمسوا يلتسين بسوء و هو الذي كان في متناول أيديهم عندما کان - دائماً - یعتصم في المجلس الوطني فلم يعتقلوه، لكنهم توجهوا إلى غورباتشوف الذي كان يقضي عطلته في شبه جزيرة كريمة و اعتقلوه! بينما يلتسين كان يصرخ و يرفع الشعارات! أثاروا ضجة إعلامية في العالم و طبعاً لم يكن للحقيقة من أثر! و ظهر عدد من الدبابات في شوارع مسكو، لكنها اختفت بعد ثلاثة أيام، ثم لم يلبثوا أن قالوا بإنهم اعتقلوا الانقلابيين و هم نيام! و كانت نتيجة الانقلاب هو أن يلتسين - الذي كان الشخص الثاني - أصبح الشخص الأول في الحقيقة! و في تلك الأيام قام وزير خارجيتنا بزيارة لجمهوريات آسيا الوسطى و رجع. و سألته عن الأخبار؟ فقال إنه من الواضح إن رئيس الاتحاد السوفيتي هو يلتسين و ليس غورباتشوف! و كانت حقيقة القضية واضحة للعالم. ثم أخذت الجمهوريات تطالب بالاستقلال واحدة تلو أخرى. على سبيل المثال زعمت أوكراينا أنها تطالب بالاستقلال. و كان غورباتشوف معارضاً لذلك، لكن يلتسين كان يقول نحن موافقون، ثم لم يمض يومان أو ثلاثة حتى اضطرّ غورباتشوف أن يعلن موافقته! إذن حدثت قضية ليجد غورباتشوف نفسه مضطراً للتقدم إلى الأمام و رفع نفس تلك الشعارات لكي لا يتخلف أو أنه كان مضطراً للتبعية، لأن ضغوط الإعلام العالمي لم تكن تفسح مجالاً إلا لما يقوله يلتسين. بدأت هذه الوتیرة من أواخر شهر يونيو. و جاء بعده اقتراح استقالة غورباتشوف من الأمانة العامة لحزبه، و من ثم اقتراح حل الحزب الشيوعي، ثم الإعلان عن هزيمة الشيوعية - و هو ما أثلج صدور الأمريكيين كثيراً - و في النهاية انتشرت إشاعة استقالة غورباتشوف. و في مقابلة أجريت مع غورباتشوف في ذلك الوقت سئل هل ستقدم استقالتك أم لا؟ قال: إنني بانتظار مجيء وزير خارجية أميركا إلى مسكو لأرى ماذا سيحدث! جاء وزير خارجية أميركا إلى مسكو و لكنه التقى بيلتسين قبل أن يلتقي بغورباتشوف و ذلك في الكرملين حيث تتم اللقاءات الرسمية. و هذا يعني نهایة أمر غورباتشوف! و بعد مرور ثلاثة أيام قدم غورباتشوف استقاله و تم الإعلان عن انهيار الاتحاد السوفيتي! كان هذا هو المشروع الأمريكی الناجح في الاتحاد السوفيتي. أي أنهم استطاعوا عن طريق مشروع ذكي تماماً و بإنفاق بعض المال و استخدام بعض الأشخاص و وسائل الإعلام أن يسقطوا قوة كبرى و يقضوا عليها نهائياً خلال ثلاث سنوات أو أربع سنوات، و وصلوا للنتيجة المطلوبة خلال ستة أو سبعة أشهر!
أرى من الضروری طبعاً أن أقول لكم هنا إن روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لم تتبدل إلى برازيل ثانية كما كانوا يريدون. إنهم كانوا يريدون أن تتبدل روسيا إلى برازيل - أعني دولة من دول العالم الثالث - ذات إنتاج كثير، لكنها تعاني من الفقر الشديد و ليس لها أدنى دور في السياسة العالمية. هل هناك في العالم من يسمع بالبرازيل من حيث الموقف أو الرأي أو التواجد؟ كانوا يريدون أن تصبح روسيا هكذا، و هذا ما لا يحدث، لماذا؟ لأن روسيا تتمتع بشعب قوي و صالح، فهم أقوياء من حيث الأصل، فضلاً علی التقدم الصناعي و النووي و علمائهم و بحوثهم و سائر إمكانياتهم. إن مخططي هذه القضايا الذين هم من وراء كل تلك القضايا، يحلمون بأن يحدث مثل هذا الشيء في الجمهورية الإسلامية. إنهم لا يتصورون أن الجمهورية الإسلامية إذا أصبح مصيرها كمصير الاتحاد السوفيتي السابق، فإنها ستصبح مثل روسيا اليوم، كلّا، بل يتصورون أن إيران تصبح كإيران في العهد البهلوي، أعني في الدرجة العاشرة بعد تركيا! لأنهم يتصورون أن إيران ليس لديها الطاقة النووية، فلذلك لا تستطيع أن تتقدم من الناحية العلمية، إضافة إلى أن عدد سكانها لا يصل إلى ثلاثمائة مليون نسمة و ليست من طراز روسيا التي تعتبر اليوم أيضاً من أكبر بلدان العالم.
لكن ما هي الحقيقة اليوم؟ إن الحقيقة تختلف عما خططه هؤلاء اختلاف السماء عن الأرض! إنهم أخطأوا خطأ كبيراً. و أنا في الحقيقة أشعر بالمرارة من مقارنة السيد خاتمي العزيز - و هو السيد المؤمن سليل الشرفاء و العاشق للعلوم الدينية و المحب للإمام و الذي هو مثلنا من طلبة العلوم الدينية - مع غورباتشوف كما طرحه الغربيون، لكنهم قاموا بهذه المقارنة و قالوا بصراحة بأن شخصاً شبيهاً بغورباتشوف وصل إلى السلطة في إيران! و علينا أن لا ننسى طبعاً أن البعض هنا في الداخل شعروا بالغبطة من ذلك و للأسف لم يفهموا هذه الإهانة، كما لم يدرکوا المؤامرة التي کانت تکمن خلف هذه الإهانة من حيث المبدأ! إنه لا شأن لي بالمغرضين و الذين يفهمون ماذا سيحدث و ماذا يريدون أن يفعلوا، لكن عدداً من الذين لم يكونوا مغرضين أيضاً لم يفهموا ماذا يحدث و ما الذي يريد العدو أن يفعله.
لنعود إلى تلك الفوارق. النقطة الأولى هي الفرق بين رئيس جمهوريتنا مع السيد غورباتشوف. إن غورباتشوف كان متنوراً و ربما لم يكن يعتقد بأصول و مبادئ الشيوعية، كان إنساناً لم يكن يوافق هيكلية الاتحاد السوفيتي، و لقد عبر هو بنفسه عن ذلك بأساليب مختلفة. طبعاً لم يكن بإمكانه أن يعلن ذلك بصراحة عندما تولى السلطة، لكنه كان يصرح بذلك في النهاية. إن رئيس جمهوريتنا، الجمهورية الإسلامية، إنسان معتقد و ملتزم، و الإمام هو غایته و أسوته، و هو رجل دين. لقد كانوا يتحدثون في البداية من وهم خيالهم، و لا يزال ساستهم و زعماؤهم يطلقون تلك الأحاديث، لكن البعض منهم أثارتهم الدهشة في هذين العامين الأخيرين و قالوا في دعاياتهم مراراً: كلاً، إنه مثلهم و إنه واحد من الأصوليين! و هذا هو الشيء الذي أدركوه بشكل صحيح! إن غورباتشوف لم يكن مؤمناً بأصول الشيوعية و كان محباً للغرب، و کان حدیثه حدیث الغربيين، لكنه حديث باللغة الروسية، و إلا فشعاراته لم تكن تختلف عن شعاراتهم و كان مولعاً بهم! طبعاً هناك العديد من النقاط المنمقة جداً كالزيارات، و الوعود الكاذبة و ... و لا أريد أن أشير إليها، حیث لا یسعنا الوقت في هذا الاجتماع، و بإمكانكم أن تجدونها.
الفرق الثاني هو أن الإسلام ليس كالشيوعية. و الشعب السوفيتي أيضاً لم يكن يوافق الشيوعية و إن كانت دين الحزب الشيوعي. و كان الحزب الشيوعي السوفيتي یتکون من بضعة ملايين فقط مقابل كل سكان الاتحاد السوفيتي البالغ عددهم ثلاثمائة مليون، ربما يصل عدد أعضاء الحزب الشيوعي إلى عشرة أو خمسة عشر مليوناً. إن أعضاء الحزب الشيوعي كانوا يتمتعون دائماً بامتيازات خاصة، لذلك يمكننا أن نخمّن بأن الحصول على هذه الامتيازات كان هو الهدف الأول لهؤلاء الأعضاء، لهذا لم تكن الشيوعية ديناً لهم. و الإسلام هو دين الناس و حبهم و إيمانهم. إن الإسلام هو الذي من أجله أرسل هذا الشعب العظيم أعزاءه و فلذات كبده إلى ساحات القتال و حينما عادت أجسادهم المضمخة بالدماء، لم يذرف لهم الدموع و حمد الله علی ذلک! فهل رأيتم مثل هؤلاء الأمهات و الآباء؟ ربما رأى كل واحد منا المئات من هذه الحالات. طبعاً أنا رأيت الآلاف منها عن کثب؟ و اليوم عندما يأتي إلينا آباء و أمهات ضحّوا بأربعة شهداء من أبنائهم، حتى و إن اشتكوا من بعض الأمور، فإنهم يشعرون بالرضا لشهادة أولادهم في سبيل الله! إن هذا الشعب يلتزم بالإسلام بكل وجوده. بعد مضي خمسين عاماً من محاولات طمس الدين، بدأ بحركة عظيمة خلف إمامه العظيم و رجل دين و مرجعه الديني و أقام هذا النظام الإسلامي. إن الإسلام هو الذي حينما رفع اسم إيران و رفرف علمه في سماء إيران، فإن المسلمين الواعين في كل مكان، أحسوا بهويتهم و شخصيتهم و كرامتهم. ثم قارن هؤلاء بين الإسلام و الشيوعية! الحمد لله الذي جعل أعدائنا حمقی (3).
الفرق الثالث هو أن هذا النظام الإسلامي ليس نظاماً شيوعياً بل هو نظام إسلامي، و يتمتع بالشباب و المرونة و الحيوية و الشعبية. لقد كنت أقول للسيد خاتمي في ذلك اليوم بأن أي نظام في العالم - حتى الديمقراطيات الغربية، سواء في أمريكا أو في فرنسا أو في البلدان الأخرى - ليس بوسعه أن یدعي إنه يتمتع بالشعبية كنظامنا، لأنه في الديمقراطيات الغربية يتوجه البعض إلى صناديق الاقتراع و يدلون بأصواتهم. على سبيل المثال يقول لهم الحزب: عليكم أن تصوتوا لصالح الشخص الذي رشحه الحزب، حتى إذا أدلى المواطن بصوته ينتهي كل شيء! هؤلاء الذين يشاركون في عملية الاقتراع، يمثلون غالباً سبعة و ثلاثين بالمائة من مجموع الذين تشملهم شروط التصويت. على سبيل المثال في الانتخابات الأمريكية الأخيرة لم يتجاوز عدد المشاركين سبع و ثلاثين بالمائة. و لم يصل عدد المشاركين إلى ستين أو سبعين بالمائة أبداً كما شاهدتم في انتخابات رئاسة الجمهورية أو انتخابات المجلس سواء في دورته الخامسة أو السادسة. و باختصار فإن كل الذين يشاركون في الانتخابات هناك يدلون بأصواتهم ثم يذهبون، ولكن الوضع یختلف هنا، حيث يحب الشعب المسؤولين و تربط بينهم أواصر عاطفية، و ليست علاقات انتخابية فحسب. عندما يتعرض أحد المسؤولين هنا للمرض فإن الجميع يرفعون أيديهم بالدعاء سائلين شفاءه كما يدعون لأولادهم! و إذا لوّح أحد المسؤولين و أشار فإن الجماهير یتسابقون للتضحیة و الفداء. و لا أثر لذلک في الديمقراطيات الغربية فما بالك بنظام البروليتاريا الديكتاتوري! إنهم يقولون بأن الديكتاتورية هي أحد مبادئهم الضرورية، أعني عدم الانتخابات! فعلى مدی أكثر من سبعين عاماً استغرقها نظام الاتحاد السوفيتي و حتى الانتخابات الروسية الأخيرة، لم تقم هناك حتى انتخابات واحدة، بينما أقيمت هنا إحدى و عشرين انتخابات خلال واحد و عشرين عاماً! هل هناك مجال للمقارنة؟ فحیاة ممثلي البروليتاريا هي حياة القصور و حیاة الكرملين، لكننا نجلس هنا على البسط الزهيدة الثمن. كما أن المسؤولين هنا يسعون - الذين يمكن لهم ذلك - يسعون باعتزاز لأن تکون حیاتهم قریبة من حياة الشعب. و أما في النظام الشيوعي، فعندما كان استالين یتزعم الأمور، لم يكن هناك علاج إلا موته! يحكم لمدة ثلاثين عاماً، حتى إذا مات إثر حادث أو بدون حادث، أو على إثر إدمان المشروبات الكحولية الروسية المعتقة، جاء خلفه خورتشوف ثم بريجنيف الذي مات بعد مضي ثمانية عشر أو تسعة عشر عاماً فخلفه شخص آخر! هذا النظام يختلف عن نظام الجمهورية الإسلامية القائم على الانتخابات و أصوات الجماهير و تجري فيه انتخابات رئاسية و تشريعية كل أربع سنوات. و أما على مستوى القيادة فنظامنا أسمى درجة و رتبة لأن القيادة المعنوية لها التزامات معنوية و توقع خبراء القيادة و الشعب من القیادة هو عدم ارتكاب الإثم مهما صغر، و إلا فسيعزل تلقائياً و سوف لا یعدّ حدیثه حجة علیه و لا على شعبه. فهل يمكن مقارنة هذا النظام المرن و الحيوي و الفعال و المتطور بنظام مغلق و غير مرن تتمثل فيه هشاشة الدكتاتورية البرولتارية؟!
أرغب أن أذكر نقطة أخرى و هي نظام الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجب حتمي على الجميع، لكننا کمسؤولین، یکون واجبنا أکبر في مجال الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. علينا أن نستخدم الأساليب و الوسائل المناسبة، لكن على الشعب أيضاً القيام بواجباته. أداء الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يسقط ببضع مقالات تنشر في الصحف و لا تنتهي قيمته المؤثرة. فالنهوض و النمو و الكمال و الصلاح كله رهن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و هو ما یجعل النظام حیویاً و یافعاًً دائماًًً. و الآن فإن نظامنا البالغ من عمره أحد و عشرين عاماً ما زال شاباً و إذا قورن أيضاً بالنظام الشيوعي السوفيتي المتهاون و الضعيف البالغ من عمره بضعة و سبعين عاماً، فإن نظامنا شاب بشكل طبيعي، حتى إذا مرّ مائة عام على مثل هذا النظام، لو كان الأمر بالمعروف قائماً فيه، و اعلموا أنتم أن من واجبكم نهي أي شخص عن المنكر إذا رأيتم منكراً منه، فحينئذ سيبقى هذا النظام الإسلامي أكثر رونقاً و طراوة و ازدهاراً. و لا ينحصر الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في طبقة العوام فحسب، حتى و إن كانوا من المستويات العالية، فعليكم أمرهم بالمعروف، لا أن ترجوا و تتمنوا منهم ذلك، بل عليكم أن تقولوا له: سيدي، لا تفعل، إن هذا العمل أو هذا الحديث غير صحيح. إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يجب أن يكون في حالة استعلاء. و هذا الاستعلاء طبعاً لا تعني أن يكون الآمرين أرفع درجة من المأمور أو الناهي أرفع درجة من المنهي، كلا، إن روح و قالب الأمر بالمعروف هو قالب الأمر و النهي، ليس قالب الرجاء و التضرع و الطلب. لا يمكن أن يقال: أرجوك أن لا ترتكب هذا الخطأ، كلا، يجب أن يقال: سيدي! لا تفعل هذا الخطأ، لماذا ترتكب الخطأ؟ فالجميع مخاطبون بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حتى لو كان الشخص أكثر أهمية مني، و حتى لو لم أکن سوى طالب حوزوي بسيط .
الخطأ الآخر يتعلق بنظرتهم إلى البلد. إن إيران بلد منسجم، حتى إنكم لو تحسستم مشاعر تلك الأجزاء التي انفصلت عن إيران في القرون الماضية فستجدون فیها رغبة في الانضمام إلينا؛ فكل من ابتعد عن أصله، يبحث عن وصله ؛ هؤلاء أيضاً يرغبون بالانضمام إلی هذه الأم. فأين إيران من الاتحاد السوفيتي؟ لقد ربطوا عشرة أو أحد عشر بلداً ببعضها بدبوس - أو بمعنى آخر بالسوط - ثم تشكل ما يسمى ببلد واحد! من الواضح إنها إذا رفع عنها السوط فستنفصل و قد انفصلت.
و أری من الواجب عليّ طبعاً أن أذکر هنا أن ثمة محاولات للتركيز على قضية القوميات في إيران. إن البعض يتابعون هذه القضية عن طريق إثارة النعرات القومية و نفي العامل الحقيقي للوحدة أي الإسلام و الدين. الذين يتصورون بأن عامل الوحدة في بلدنا هو اللغة الفارسية لا يحبون هذه اللغة كما أحبها أنا بالتأكيد، و لم یحاولوا و لو واحد بالمائة من المحاولات التي بذلتها أنا من أجل هذه اللغة! إن عامل الوحدة عند الشعب الإيراني هي ليست اللغة الفارسية، بل هو دين الإسلام، أي ذلك الدين الذي تجسد في الثورة و النظام الإسلامي، فالنتيجة هي أن المتحدث باللغة التركية يقول: آذربيجان أياختي، انقلابا داياختي أي آذربيجان صامدة، و هو ما يقوله الكردي بالكردية و البلوشي بالبلوشية، و العرب بالعربية. یحاول البعض التقلیل من أهمية عامل الألفة بين قلوب أبناء الشعب الإيراني و هو الإيمان بالإسلام، کلا، إن البلد و الشعب يتمتع بالوحدة، و لهذه الوحدة طبعاً جذورها في التاريخ و الجغرافيا و التقاليد و الثقافة، لكن سببها الرئيسي هو الدين و القيادة التي لحمت و وحّدت أجزاء هذا الشعب ببعضها فراح الجميع يشعرون بالوحدة.
هناك مسؤولية تقع على عاتق القيادة، و هي الحفاظ على النظام و الثورة. إن إدارة البلد تقع على عاتقكم أيها السادة المسؤولون. كل واحد منكم يدير البلد من موقعه و إن الواجب الرئيسي للقيادة هو مراقبة انسجام هذه القطاعات المختلفة و عدم انفصالها عن النظام و الإسلام و الثورة. فإذا حدث هذا في أي مكان، هنا يأتي دور القيادة. و القائد ليس شخصاً بعينه. ليس إنساناً أو طالباً حوزوياً أو علي خامنئي أو الكثيرين من أمثاله. بل القيادة عنوان و شخصية و حقيقة نابعة من إيمان و حب و عاطفة الشعب و سمعة و المئات من أمثال علي خامنئي يضحّون بأنفسهم و بماء وجههم في سبيل هذه الحقيقة، و لا یبالون. و أما أنا فلا شيء، إن إمامنا العظيم - و هو إمام قلوب هذا الشعب بکل معنی الکلمة - كان هكذا أيضاً. و كان مستعداً لأن يبذل ماء وجهه في سبيل الحفاظ على النظام و القيادة. و هذه الحقیقة موجودة، و بکلامهم و أفعالهم هذه لم و لن یستطیعوا أن یمحو وجود هذه الحقیقة. و في أیام الکبت و القمع التي لم تتجسد فيها القیادة بهذا الشکل، كانت قلوب الجماهير المتدينة في يد القيادة، لكن القيادة التي لم تكن متميّزة و متّشخة و طابعاً خارج النطاق القانوني، و كانت تتمثل بمراجع التقليد و كبار العلماء و ظهر تأثيرها کثیراً، لذلك عندما کانت تلك القيادة تعترض على معاهدة استعمارية، كانت تلک المعاهدة تلغى، أو حينما كانت تشير إلى حادثة غير مناسبة، فإن الجماهير كانت تستنكر تلك الحادثة. و في حادثة 15 خرداد كما نقل، ضحى الآلآف بحياتهم و استشهدوا في الوقت الذي لم يكن إمامنا العظيم قائداً بالمعنى القانوني للكلمة، بل كان عالماً بارزاً. لا يمكنهم أن يتجاهلوا هذا الأمر، و هي ظاهرة لم تكن موجودة في الاتحاد السوفيتي، و إلا لما حدث ذلك. فلو كانت موجودة لأخذت هذه القيادة بخناق يلتسين و أبعدته عن الساحة عندما شعرت بأنه دخل الساحة ليتحرك نحو المستقبل بحركة مسرعة جنونية و مستعجلة و لكانت الجماهير تدعمها، و هذا ما لم يكن موجوداً.
إنني أعتقد بأن الإصلاحات حقيقة حتمیة يجب تحقیقها في بلدنا. إن الإصلاحات عندنا لا تأتي اضطراراً حتى يجبر الحاكم الفلاني على القيام بإصلاحات فرعية تحت ضغوط المطالبات العنيفة، كلا، إن الإصلاحات تتعلق بذات الهوية الثورية و الدينية لنظامنا. و إذا لم تتحقق الإصلاحات بشكل تجديدي، فإن النظام سيفسد و يضل طريقه. إن الإصلاحات فريضة. فما هي ميادين الإصلاحات؟ هذا موضوع آخر. الإصلاحات أمر ضروري من حيث المبدأ و يجب تحقيقها. و عندما لا تتحقق الإصلاحات، فسنبتلى ببعض النتائج التي نعاني منها اليوم: كعدم التعادل في توزيع الثروات، و تسلط الجشعين الظالمين على مختلف قطاعات النظام الاقتصادي في المجتمع، و انتشار الفقر، و المعيشة الصعبة، و عدم الاستفادة من مصادر البلاد بشكل صحيح، و هجرة العقول و الأدمغة، و عدم الاستفادة من العقول الباقية كما ينبغي. و عندما تكون هناك إصلاحات فإننا لن نتعرض لمثل هذه الآفات و الأضرار و حدوث العشرات من الأحداث من هذا القبيل. فالنقطة الأولى هي أن الإصلاحات أمر ضروري و لازم.
القضية الثانية هي وجوب تعريف الإصلاحات. أولاً بالنسبة لنا نحن الذين نريد أن نقوم بالإصلاحات حيث يجب أن نمیّز ما نريد أن نفعله . ثانياً يجب أن يُوضِّح للجماهير ما هو هدفنا من الإصلاحات، حتی لا یعرِّف أي شخص الإصلاحات كما يحلو له. و هذه من الأمور التي يمكن لمسؤولي الدولة و السلطة القضائية و مجلس الشورى و غيرها القيام بها. لا بد أن يكون هناك تعريف واضح للإصلاحات حتى تتضح للجميع - سواء للمسؤولين أو الجماهير - الصورة و الوضع الذي نريد أن نصل إليه في نهاية طريق الإصلاحات و يعرفوا غاية المسير. كانت إشكالية السيد غورباتشوف هي أنه كان يعرف المشاكل و العيوب، لكنه لم يكن عنده تصور واضح لما يجب القيام به و حتى لو كان عنده هذا التصور، فإن شعبه لم يكن يتمتع به. لذلك لو لم تعرَّف الإصلاحات بشكل واضح، لتغلبت النماذج المفروضة، و هذا ما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق، لأنهم لم يكونوا يدرون ما يفعلون، لذلك اتجهوا نحو التقليد الأعمى للإصلاحات في النماذج و المثل الغربية و لجأوا إليها. و قد میّز إمامنا العظيم نقطة الضعف هذه فيهم بكل وعي، لذلك ذكرهم بها في رسالة وجهها إلى غورباتشوف. لقد كتب إلى غورباتشوف: إنكم لو أردتم حل العقد المحيرة في الاقتصاد الاشتراكي و الشيوعي بالاعتماد على الرأسمالية الغربية، فإنه لا بد للآخرين أن يشمّروا عن سواعدهم لإصلاح أخطائكم فضلاً عن فشلكم في معالجة آلام مجتمعكم، و ذلك لأنه إذا كانت الشيوعية قد وصلت إلى طريق مغلق في الاساليب الاقتصادية و الاجتماعية، فإن العالم الغربي أيضاً يعاني من نفس هذه المشكلة و غيرها بشكل آخر. و هذا هو ما يجعلني أردد باستمرار بأن الإمام كان حكيماً حقيقياً. إن الإمام هو الذي میّز النقطة الرئيسية في الضجة الدعائية و الإعلامية العالمية.
و لحسن الحظ فإن البعض من المسؤولين و في مقدمتهم رئيس جمهوريتنا العزيز، قالوا مراراً بأن إصلاحاتنا هي إصلاحات إسلامية و ثورية، و الهدف هو الوصول إلى مدينة النبي. هذه تصريحات جيدة، لكن بحاجة إلى تعاريف أكثر دقة و صوراً أكثر وضوحاً. فإنها جيدة لأنها تصیب محاولات الغربيين و الأجانب بخیبة الأمل، و توضّح أن ما يقولونه ليس هو الهدف. فالجميع يدركون هذا الأمر، لكن يجب توضيح الصورة أكثر.
الموضوع الثالث هو أن الإصلاحات يجب أن تتحقق وفق توجیهات مركز قوي و حكيم حتی لا یکون عرضة للانحراف. فلو أردتم إنجاز ما يمكن إنجازه في عشرة أعوام بشكل جيد و صحیح في عامين، فسيؤدي ذلک إلى أضرار لا يمكن تعويضها، كالسيارة التي تتحرك بسرعة بالغة على طريق شاق و خطر، فإن العجيب هو عدم تعرضها لحادثة اصطدام أو عدم إصابتها بضرر و عطل. يجب أن يكون هناك مركز قوي واعي حكيم لكي لا يسمح أن تتقدم هذه الحركة بسرعة فائقة عن الحد اللازم و المفيد، حتى يتم القيام بالعمل بصورة متعادلة و صحيحة.
عندما بدأوا بهذا العمل في الاتحاد السوفيتي السابق، أتیحت الفرصة أمام الأفلام و الكتب و الصحف و الملابس و النماذج الغربية، أي إن تلك المزاعم كانت تجسد في الواقع نماذج غربية بارزة. إن هذه الحالة كانت حالة خطيرة للغاية. عليكم هنا ملاحظة دور وسائل الإعلام. على وسائل الإعلام مسؤولية و الصحف تمتاز بالحساسية. و هنا یتجسّد الجزء الأكبر من حساسيتي إزاء الصحف. إن الحديث حول الصحف و الصحافة، ليس حديثاً عن الحرية. و إذا حاول البعض أن يعرف لنا الحرية فلا مانع لدينا، لكننا نعلم معنى الحرية، و إن قلوبنا تنبض من أجل الحرية. إن الهدف من الحرية هو حرية التعبير و حرية الفكر، لكن إذا أغلقتم محل أحد تجار التهريب وفقاً لواجبكم، فإن ذلك الشخص لا يستطيع أن يقول لكم: إنكم ضد حرية العمل و الكسب، كلّا، ليس الموضوع حرية الكسب و العمل - فالكسب و العمل مشروعان - و لكن تجارة التهريب هي الممنوعة. و الحديث ليس حول حرية التعبير، إذ لا مانع من التعبير و التفكير، الممنوع هو الإثارة و التضليل، و ذلك في الظروف الحساسة التي تمر بها بلادنا اليوم.
لقد قلت لبعض المسؤولين الإعلاميين للبلد مراراً إذا أتى اليوم الذي تملكون فيه القدرة على مواجهة الهجمة الدعائية للعدو، فإنني سأكون في مقدمة الذين يعتقدون بتعدد الصحافة و الصحف و الكتاب و الفيلم و غيرها، لكن عليكم أن تقولوا كم فيلماً أنتجتم أنتم إزاء عشرات الأفلام التي تعمل على زعزعة أركان الثقافة و العقيدة و الدين و الروح الثورية و التضحية و الشهادة في نفوس الشعب؟! و هذا ما يجعلني أشعر بالخطر. طبعاً العمل الأساسي هو أن نفكر في إنتاج ما هو جيد، لكنني حتی ينزل هذا الجيد إلى الساحة لا أستطيع أن أوافق بأن يأتي هذا السیل العارم و يغرق الشباب و الأطفال و شرائح الشعب المختلفة. أو أن يستخدم الأساليب التي تسرّ الأعداء و تعلمهم، فإذا ما وقف معارضاً لها، فإنه يتهم على الفور! هذه ليست الحرية، و ليس هذا تعقلاً أو حكمة، و ليس هذا أسلوب إدارة البلد. أنتم مسؤولون عن الاهتمام بدور وسائل الإعلام. هذا الأمر مهم للغاية. إن الحساسية على دور وسائل الإعلام المكتوبة و الصحف - لا سيما في ظروفنا الحالية - قضية مهمة جداً. بهذه الصورة التي رسمتها لكم، سيتضح الدور الذي يمكن لهؤلاء أن يلعبوه لصالح العدو. و يجب أن تكون الأجهزة المختلفة و جميع الجبهات المتآلفة الموالية للنظام و مسؤولو السلطات المختلفة و مسؤولو المؤسسات المتوسطة المتنوعة خصماً لهم. إن هذا الخصم ليس السلطة القضائية أو رجل دين فلاني فحسب. فالجميع يجب أن يكونوا خصماً لهم في هذه القضية.
الموضوع الرابع، هو الحفاظ على هيكلية الدستور في مجال الإصلاحات. إن دور الإسلام و كونه منبعاً و منشأ للقوانين و الأبنية و الصلاحيات هو الذي يتجلي في الدستور أكثر من أي شي آخر. فينبغي الحفاظ على هيكلية الدستور بدقة. أنظروا أنتم و لاحظوا كيف يتعامل العدو مع دستورنا: إنه ينفي بعضه و يثبت البعض الآخر، أو يتمسك به أحياناً و أحيانا يتحدث ضده! إن الدستور هو ميثاقنا الوطني و الديني و الثوري العظيم. إن الإسلام - الذي يمثل كل شيء بالنسبة لنا - تجسد في الدستور. إن المادة الرابعة للدستور توضح كل شيء. و إذا كان في القوانين العادية - حتى في نفس الدستور - مبدأ أو قانون يتعارض مع الإسلام في مجال التنفيذ أو التشريع، فإن هذه المادة تكون حاكمة عليه، أي الحكومة بمعنى المصطلح الأصولي و العلمي للحوزات العلمية. و هذا هو ما لا حاجة للتصريح به، حتى و لو لم يصرحوا به كانت حكومته واضحة لكنهم صرحوا بهذه الحاكمية. و لهذا لا بد من الحفاظ بشكل كامل على هيكلية الدستور في حركة الإصلاحات.
الموضوع الخامس هو مواجهة أی إفراط و تفریط یمهد الطریق للعدو، أعني النموذج اليلتسيني! على جميع الأجهزة مواجهة النموذج اليلتسيني بشدة و ألّا يسمحوا لكل شخص انتهازي و مخدوع و متجاهل بتحریف الحركة عن مسيرها الصحيح و إيجاد حالة التنافس و المعارضة.
الموضوع السادس، هو المواجهة الجادة لتدخل الأجانب و الغربيين و عدم الاهتمام بإيحاءاتهم و عدم حسن الظن بهم. و الموضوع الدبلوماسي و العلاقات الخارجية هو بحث آخر طبعاً. ففي المجال الدبلوماسي يعطي المرء و يأخذ و يعقد الاتفاقيات و يقوم بكل شيء، لكن في القضايا الأساسية للنظام، يجب ألّا تنظر بحسن ظن إلى إيحاءاتهم، على عكس ما نشاهده في ظروف غورباتشوف. هؤلاء يفتقرون تماماً إلى حسن الظن. إننا لاحظنا في الحرب المفروضة التي استغرقت ثمانية أعوام أن كافة أوربا من فرنسا إلى ألمانيا إلى انجلترا إلى يوغسلافيا السابقة إلى الكتلة الشرقية في تلك الأيام قد قامت بدعم صدام. طبعاً نحن في العمل الدبلوماسي لا نقول لهم: إننا سنقطع علاقاتنا معكم لأنكم قمتم بدعم صدام، كلا، فعالم الدبلوماسية عالم آخر. نحن موافقون على إزالة حالة التوتر المطروحة اليوم في سياساتنا الخارجية. فينبغي إزالة التوتر، لكن إزالة التوتر شيء و الثقة بالغرب شيء آخر. فالغرب لا يثق بنا و نحن أيضاً لا نثق به. و إن الذين يعملون في المجال الدبلوماسي يدركون تماماً ما أقول. و إن الساحة الدبلوماسية ساحة قتال حقيقي، لكنها حرب على شكل ابتسامات و تحية الصباح و المساء! فلا يجب أبداً أن تفهم العلاقات الدبلوماسية على أنها ثقة بالعدو، بل یجب سوء الظن به.
الموضوع السابع، هو تناغم الإصلاحات في القطاعات المختلفة. هذه نقطة مهمة. أنظروا يا أعزائي! إن الإصلاحات أمر معقد و صعب و بطيء في بعض المجالات. على سبيل المثال الأمور في المجال الاقتصادي تسير بأناة شديدة، كما في التوزيع العادل للعائدات، إنه عمل صعب، و ليس سهلاً. إن اجتثاث جذور الفقر و معالجة مشاكل المناطق المحرومة، تعتبر جميعها جزءاً من الإصلاحات. إن إصلاح النظام الإداري، عمل في غاية الصعوبة و التعقيد و الضخامة، فإن هذه الأمور تسير بأناة. و أما في المجال المشابه لغلاسنوست للسيد غورباتشوف فالأمر يختلف تماماً، لأنه يمكن إعطاء الرخصة لصدور عشرين صحيفة في يوم واحد. و هذا مما لا تناغم فيه، و لا يمكن أن يتم العمل هكذا، فينبغي أن نتحرك بانسجام، و علينا أن نتحرك بما يتناسب مع المجالات الصعبة خطوة بعد خطوة. و لهذا السبب فأنا أشدد دوماً على أولوية قضية المعيشة، لأن مجال المعيشة مجال صعب. إذا استفدتم من جميع ما تملكونه من طاقات و عملتم بكل صدق و إخلاص و حب، فيمكن لكم أن تتحركوا بسرعة معينة، فينبغي عليكم أن تتحركوا في سائر المجالات بنفس السرعة. إذا لم تتحركوا بسرعة متناسقة، فسيحدث العديد من المشاكل الأساسية جداً، بعضها يمكن حسابه و البعض الآخر لا يمكن، و الذي يمكن حسبانه فبعضه يمكن الحيلولة دونه و البعض الآخر لا يمكن.
الموضوع الثامن هو المواجهة الجادة لعناصر التجزئة القومية في البلد. و إنني أخاطب الذين تقع علی عاتقهم المسؤولية فی هذا المجال، سواء في وزارة الداخلية أو في الأماكن الأخرى. اعلموا أن إثارة النعرات القومية قضية جادة اليوم. و هذا ما يشعر به المسؤولون المعنيون الذين يريدون متابعة القضية. إن جميع القوميات الإيرانية تحب إيران و الجمهورية الإسلامية و تعتبر إيران وطناً لها. فانتمائي لأقالیم التركية أمر واضح كما عشت مدة طويلة في منطقة بلوشستان و كان لي علاقات صميمية مع أهلها، كما كانت لي علاقة قريبة و بعيدة مع البعض من المناطق الأخرى، و لدي معلومات غير قليلة عن الذين لم أتصل بهم. إنني أعرف روحهم المعنوية. لقد قمت بزيارات كثيرة إلى تلك المناطق طوال فترة مسؤولياتي المختلفة. إن القوميات الإيرانية قوميات مسلمة و تنبض قلوبها لماء هذا الوطن و ترابه، إنها تجد عزتها و رفاهيتها في إيران الشموخ و الحریة، لكن العدو يقوم بإثارة النعرات. فلا يجب التقليل من خطورة هذه الإثارات. عليكم أن تراقبوا. هذه من القضايا المهمة للغاية و يبدو أن بعض الأيادي تخطط لتفقد الحكومة سيطرتها على الأمور. فلو حدث مثل هذا الوضع لا سمح الله، فسنواجه المشكلات، مما يقتضي بذل الأموال و العزم و الوقت و عندئذ لا يمكن للمسؤولين القيام بواجباتهم.
لقد انتهى حديثي. و لكنني أريد أن أقول بأنني أدعم بشدة كافة المؤسسات القانونية في البلد. و ما يهمني بالنسبة للأفراد و الشخصيات و المؤسسات، هو الدفاع عن مواقعهم و مسؤولياتهم و دعمهم ليؤدوا واجباتهم كما ينبغي. و إن رئيس الجمهورية و رئيس السلطة القضائية و رئيس مجلس الشورى الإسلامي و المؤسسات التي يديرها هؤلاء و الأجهزة القانونية المختلفة كلهم سواء بالنسبة لي من هذه الجهة، و إنني أدعم و أدافع عن مسؤولياتهم جميعاً. السبب في هذا الدفاع طبعاً يعود إلى معرفتي بكافة المسؤولين رفيعي المستوى عن قرب و ملاحظة إخلاصهم و تدینهم و التزامهم. طبعاً هذا الدعم ليس دعماً مطلقاً. فعهدي مع كافة هؤلاء الإخوة هو عهد الدين و الثورة.
و كما قلت، فإن الغاية و الهوية و المسؤولية الأساسية للقائد، هي الدفاع عن مجموع النظام و الحفاظ عليه. و أنا لا أملک شيئاً، و النفس و ماء الوجه متاع قليل يبذل في هذا الطريق، و إنني على استعداد كامل لبذل هذين العنصرين. إن مرحلة شبابنا - و التي هي فترة الاستمتاع بالحياة - مضت في هذا السبيل. و نحن الآن في مرحلة الشيخوخة. و إن الحياة لا تمثل لذة لي في مثل هذا السن. فلذة الحياة لم تعد لذة لي اليوم. و ليس هناك حب للحياة في نهاية العمر و في موسم انحطاطه و في فصل ضعف القوى البدنية و سائر القوى البشرية الأخرى. فكل ما أملكه أنا - أي الحياة و ماء الوجه - رهن هذا السبيل، و لا أملك المال و الحمد لله.
و بالنسبة لهذه المسؤولية الحالیة فلا رغبة لي فیها أبداً. و ربما لا یعلم الکثیر منکم ذلک، لكن الكثيرين من الحاضرین يعرفون هذا الأمر. فلا رغبة لي في هذه المسؤولیة أبداً إلاّ أداء للواجب. و استمراري في تحمل هذه المسؤولیة الآن ما هو إلا أداءًً للواجب، كما كان هكذا منذ اليوم الأول. و لقد واجه السادة في مجلس خبراء القيادة مقاومتي و امتناعي الجادین و المتواصلین، منذ اليوم الأول لاختياري، لكن حينما جاءت المسؤولية فإنني قلت: خذها بقوة . فلست ممن يبدي ضعفاً إزاء ما يلقي على عاتقه من مسؤوليات، كلّا، هذا هو واجبي و لسوف أقوم بأداء هذا الواجب بفضل الله و هدايته و توفيقه.
أعزائي! إن الآية التي تلوتها في بداية كلمتي، تتعلق بأحدى غزوات الرسول: ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ). (4) كانوا يخبرون أن هناك الكثير من الأعداء بانتظاركم؛ فاخشوهم! و كان جوابهم إزاء هذا التحذیر و الإنذار - و هو أن العدو قد أعد لکم العدة بکل ما یملک لتوجیه ضرباته إليكم - ( حسبنا الله و نعم الوكيل ). طبعاً ( حسبنا الله و نعم الوكيل ) لا تأتي بالركون في الغرفة و الراحة. فليس من المعقول أن لا نفعل شيئاً أو نبذل جهداً و نخطو خطوة و لا نحمل أرواحنا على أكفنا و لا نريق ماء وجهنا، ثم نقول: ( حسبنا الله و نعم الوكيل )! كلّا، ليس الله بكاف عبده إلا أن يجاهد في سبيله. إن هذه الكفاية تتعلق بساحة القتال. نحن اليوم في ساحة قتال، حتى لو لم تكن هناك معركة عسكرية و لا حرب حياة أو موت. بسبب العداوة الشديدة لمستكبري العالم ضد الإسلام و النظام الإسلامي، فكل إجراء جيد نقوم به و كل قانون نشرعه و كل حکم جيد نصدره و كل حركة جيدة تصدر منا و كل عمل يؤدي إلى تقوية هذا النظام و تقوية الإسلام، فإننا في الحقیقة نکون قد وجهنا من خلاله ضربة للعدو. و عندئذ يقول المرء ( حسبنا الله و نعم الوكيل ). و هذا هو الجواب الإلهي ( فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم ).(6)
و لحسن الحظ لدينا تعايش الأديان في بلدنا، فاليهود و المسيح و الزرادشت، يعيشون جمیعهم معاً بجوار الإسلام و في ظل النظام الإسلامي، و هم متعاونون و متعايشون معنا و يقومون بدورهم. و عليهم واجبات طبعاً كما على الحكومة الإسلامية أيضاً واجبات إزاءهم كمواطنين إيرانيين، فعلى الحكومة القيام بهذه الواجبات. و لا توجد لدينا أية شكوى من الأقليات المذهبية من مواطنینا. إنكم تلاحظون أن اليهود الإيرانيين يصدرون البيانيات عندما تأخذ دعايات الأعداء شكلاً حاداً ضد الجمهورية الإسلامية. كما أصدر الأرامنة و المسيحيون بياناً أعلنوا فيه عن دعمهم للجمهورية الإسلامية و هذا يعد من مفاخر الجمهورية الإسلامية.
أتصور بأن الاعتذار الذي قدمه السيد الخاتمي في نهاية حديثه، يجب علي أيضاً أن أقدمه مضاعفاً، حيث طال حديث بشكل كبير. هذه هي الأحاديث التي كان يجب عليكم أيها المسؤولون الأعزاء الاستماع إليها. فأنتم المخاطب الأول في هذه القضايا و إذا لم نقل هذه الأحاديث إليكم، فمع من نتحدث؟ أسأل الله سبحانه أن يتقبل ما قلناه و سمعناه و أن يقرب هذا الاجتماع بين قلوبنا - كما قلت في بداية حدیثي - و أن يزيد من التآلف بين الإخوة و الأخوات الأعزاء الذين هم المسؤولون جميعاً أكثر من ذي قبل و أن يجعل جبهة الموظفين و المسؤولين في نظام الجمهورية الإسلامية أكثر اتحاداً و أسأل الله أن يشملكم جميعاً بالبركات الإلهية و عناية الإمام المهدي المنتظر أرواحنا فداه.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الهوامش:
1) سورة آل عمران: الآية 174
2) سورة غافر: الآية 60
3) من كلمات الإمام سجاد عليه السلام
4) سورة آل عمران: الآية 173
5) سورة آل عمران: الآية 174