بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السّلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيما بقية الله في الأرضين. أحمد الله على توفيقي العظيم حيث استطعت أن أشارك في اجتماعكم الشبابي النشيط أيها التعبويون الأعزاء. إن وجود قوات التعبئة يجب أن يدفعنا إلى شكر الله. حيوية الشباب التعبويين يجب أن تدفعنا إلى حمد الله، كما أن النمو المطّرد في الكيف و الكم لقوات التعبئة يجب أن يدفعنا إلى شكر الله أيضاً. و اليوم في عالم السلطة السياسية و الاستكبار الاقتصادي و السياسي في كافة أنحاء العالم، حيث تحاول كافة القوى أن تحوّل شباب العالم، خاصة شباب البلدان الإسلامية، إلى كائنات ليس لديها نشاط و حوافز، و أن تبدّل جيل الشباب في البلدان الإسلامية إلى أناس دون الفائدة و لا يشكلون خطورة عليها - و هو ما تقوم به في البلدان المختلفة في العالم الثالث و خاصة في البلدان الإسلامية، طبعاً نفس البلدان الكبرى ذات الاقتدار السياسي في العالم تعاني من فساد و إدمان و إنحراف جيلها الشاب، شاءت ذلك أم أبت - و حينما يلاحظ المرء في مثل هذا العالم، أن جيل الشباب في بلدنا يربّي كوكبة عظيمة من الفتية و الفتيات الذين يتواجدون بحب و شوق في ساحات العلم و الدين و الجهاد و السياسة و ساحات استعراض القوة و النشاط أمام أعين العالم المذهولة و قلوبه اللامؤمنة فيجب عليه أن يشكر الله. أحمد الله تعالى على وجودكم و نشاطكم و طاقتكم و إيمانكم و استعدادكم يا أبنائي الأعزاء. إن هذا المخيم الثقافي - العسكري أقيم في الوقت الذي رفع فيه الكثيرون من شباب الأمة الإسلامية لواء الجهاد في فلسطين و في القدس الشريف و يدافعون عن كرامتهم و هويتهم و كيانهم بكل ما لديهم من النفس و المال، و هم يبذلون مساعيهم، بينما يطلقون خارج فلسطين العزيزة - في البلدان الإسلامية الأخرى - الشعار باسمهم و ذكرهم و تضامناً معهم و إعلاناً عن تواجدهم في الساحة. في مثل هذه الظروف أقيم هذا المخيم العظيم في هذا المكان.
إن لي حديثاً حول التعبئة و حديثاً آخر حول فلسطين. بالنسبة للتعبئة أقول بأن سياسة مراكز السلطة الدولية قائمة دوماً منذ بداية هذا القرن و ما زالت على إقصاء الشعوب عن المعادلة السياسية، أي إنه منذ اليوم الذي خططت فيه الدول الأوربية و من بعدها أمريكا لإخضاع البلدان الإسلامية في هذه المنطقة لسيطرتها و استغلال نفطها و موقعها الاستراتيجي و أسواقها الاستهلاكية و طاقاتها العاملة الرخيصة، فإنها إضافة إلى ذلك اتخذت قراراً قاطعاً و مصيرياً آخر و هو أن تُخرِج شعوب هذه المنطقة عن المعادلة السياسية، إذ إن الشعوب إذا دخلت المعادلة السياسية، فإن جهاز الهيمنة الاستكبارية سيفشل. كيف يريدون إخراج الشعوب من هذه المعادلة؟ إن السبيل إلى ذلك هو ذلك هو أن لا يكون للشعوب دور و لا كلمة و لا عزم في هذه المنطقة، و هو أن يجعلوا على رأس السلطة في هذه البلدان عناصر موالية لهم، عناصر لا علاقة لهم بالشعوب و لا شعبية لهم بين الجماهير. إن نموذج ذلك في بلدنا إيران هو رضا خان و من بعده ابنه. إنهما لا علاقة لهما بالشعب. عندما تجد الشعوب نفسها في مواجهة سلطة مثل هؤلاء الأشخاص أو حكومتهم أو سيطرتهم في بلد كإيران أو في بعض بلدان شمال أفريقيا أو البلدان الأخرى في هذه المنطقة، فمن الواضح أنها لن تدعمهم. و عندما لا يقوم شعب بمساندة حاكم، فإن هذا الحاكم يخضع للسلطة الأجنبية و يمتثل لأمرها و نهيها، فعندما تأمره أن يعترف بسلام الشرق الأوسط فإنه يمتثل لأمرها و عندما تأمره أن يخفض أسعار النفط بقدر ما يحلو لها، فإنه سيكون مكرهاً على امتثال أمرها و عندما تأمره بإخراج شخص من حكومته أو أن يستخدم شخص للقيام بعمل خاص، فإنه يضطر لأن يمتثل لأمرها! فلماذا يكون مضطراً هكذا؟ لإنه إذا لم يمتثل لأمرها، فسيواجه سخط مراكز السلطة الدولية و هو من جهة ثانية لا يتمتع بشعب يسانده. و ستكون النتيجة هي أن يصبح قرار الحكام الفاسدين و العملاء في هذه البلدان هو نفس القرار الذي تتخذه أجهزة الهمينة الدولية أي ذلك الشيء الذي سميناه بالاستكبار منذ بداية ثورتنا، و هو ذلك الشيء الذي يحتقر الشعوب و لا يهتم بحقوقها و مصالحها. هذه كانت هي السياسة الاستكبارية، و هذا ما فعلوه. لقد تابعوا هذه السياسة في إيراننا العزيزة على مرّ عشرات الأعوام قبل الثورة. و لو نظرتم إلى البلدان الأخرى - إنني لا أذكر اسماءها و لا أعيّن زمناً بذاته- فإنكم ستجدون العديد من هذه النماذج. فما هي النقطة التي تقف في مقابل هذه السياسة؟ هي أن يدخل الشعب المعادلة السياسية في بلد ما و يقول نعم أو يقول لا، و يعلن عن مطالباته و يطالب بحقوقه و يتدخل في قضايا بلده بعين بصيرة و عزم راسخ و خطوات ثابتة و قوية. و هذا ما قامت به ثورتنا الإسلامية العظيمة و قائدها الفذ في هذا البلد الذي كان مغلقاً كطلسم. لقد كان هناك ما يسمى بالمجلس و الانتخابات و غير ذلك من هذه الأمور على طول عشرات الأعوام قبل الثورة. لكن هذا الشعب لم يكن يذهب و لا لمرة واحدة إلى صناديق الاقتراع و لم يكن يعرف الانتخابات و لا الحكومة و لا القرارات، بل كان كل شيء يتم تنفيذه في غياب الشعب و كانت كل القرارات تتخذ و تنفذ بعيداً عن الشعب. و لكن هذا الشعب نفسه هو الذي تواجد في الساحة منذ بداية الثورة. و مسؤولو الحكومة إذا كانوا يقومون باتخاذ قرار أو يبدون شجاعة أو يقومون بعمل راسخ قوي فإن ذلك بدعم من هذا الشعب. عندما يكون شعب في وسط الساحة، فإنه يساهم و يشارك في معادلة الحكم، و لن يكون بإمكان القوى المتغطرسة الدولية أن تجبره على شيء أن تفرض أحداً عليه، كما لن يكون بوسع الحكام المداهنة و الخضوع لإرادة الأجانب، لأن الشعب يطالبهم بهذا.
إن كافة أبناء الشعب في إيران الإسلامية يتواجدون في الساحة، طبعاً ليست الحوافز على السواء في كل مكان، و كذلك ليست النشاطات و العزائم واحدة، و ليس الجميع على استعداد لتقديم نفس الشيء في سبيل الأهداف السامية لبلدانهم و شعوبهم. و هناك من هو على استعداد لبذل القليل من وقته و هناك من هو على استعداد لبذل عدة كلمات، و هناك من هو على استعداد لأن يكون متفرجاً و مشجّعاً. فالجميع ليسوا سواء. و هناك من بين أبناء شعبنا العظيم الذي يبلغ خمسة و ستين مليوناً من هو على استعداد لبذل نفسه إذا اقتضتها الضرورة أو بذل ماله إذا تطلب الأمر ذلك، أو تسجيل حضوره إذا تطلب الأمر ذلك. فلو كان الأمر متعلقاً بالبناء فسيدخلون الساحة، و لو كان الأمر متعلقاً بالدفاع فيخوضون غمار الساحة أيضاً، و كذلك لو كانت أهداف البلاد بحاجة إلى الإعداد العلمي، فإن هناك من يعد نفسه علمياً، و هناك دائماً من هم على استعداد لأن يقدّموا كل ما يطلب منهم في سبيل الأهداف السامية، و الذين يمتازون بهذه الميزة، هم التعبويون. التعبئة تعني أن الأجهزة المعنية في البلد لا تعتمد على المؤسسات الرسمية و الحكومية فحسب من أجل حل المشاكل المعقدة أو اتخاذ الخطوات الواسعة أو الدفاع عن البلد. فلدينا مؤسسات مسلحة قوية في الحرب و لدينا الجيش و الحرس، لكن عندما يطرح الدفاع عن حدود البلد أو استقلاله أو عزته، فإن الدخول في الساحة لن يقتصر على المؤسسات الرسمية فحسب، بل إن كافة أبناء الشعب يدعمونها و يدخلون الساحة، كما قاموا بهذا الأمر خلال هذه السنوات العشرين في فترة الحرب و قبلها و بعدها. هذا هو معنى التعبئة. التعبئة تعني تواجد أفضل القوى الشعبية العظيمة و أكثرها حيوية و إيماناً في الميادين التي يحتاج إليها بلدهم من أجل المصالح الوطنية و الأهداف السامية. و هذا ما يتميز به أفضل الأشخاص و أشدهم إخلاصاً و أعظمهم شرفاً و فخراً. التعبئة في البلد تعني تلك الثلة المستعدة لحمل لواء الفخر و التضحية في سبيله و هذا ليس بالأمر اليسير. إننا نحمد الله على أن القوى الشعبية الملتهبة المتحمسة كانت تتواجد في كافة الساحات منذ اليوم الأول للثورة. و لقد كان الإمام يعرف قدر هذه القوة، كما كان أبناء الشعب يعرفون قدر هذا التيار العظيم المتأجج بينهم، و حتى الذين لم يكن لهم حضورهم أو لم يكونوا مستعدين للنزول في هذه الساحات الخطرة، فإنهم قاموا بإطراء و تشجيع أولئك الشباب المستعدين و تلك العناصر المضحية. و هو ما أثار سخط أجهزة السلطة العالمية أو الأجهزة الاستكبارية، أولئك الذين يريدون أن يأخذوا بزمام الدول و الشعوب تعسفاً و ظلماً.
و من هنا يمكن إدراك سر تلك الحملة الإعلامية ضد قوات التعبئة. فلماذا توجه الإهانات للتعبئة في أجهزة الإعلام الدولية و الإذاعات؟ و لماذا يسيء أولئك الذين يتلقفون حديث الأجانب و يكررونه، لقوات التعبئة بأقذع الألفاظ؟! و يوجهون الإهانات إلى قوات التعبئة التي تستحق الإجلال و التعظيم و التشجيع؟! لأنهم يعرفون دور التعبئة في الحفاظ على الاستقلال الوطني و العزة الوطنية و المفاخر الوطنية و تحقيق المصالح الوطنية، و إضافة إلى ذلك و فوق هذا كله، دورها في رفع لواء الإسلام و نظام الجمهورية الإسلامية. إنهم من ألد الأعداء للتعبئة و لكن عداوتهم بلا جدوى.
إن شبابنا اليوم و الحمد لله و من مختلف الشرائح يشعرون بالحيوية و النشاط في التعبئة و يعرفون قدر هذا. و اليوم فإن شبابنا التعبويين تضم بين صفوفهم أبرز طلبة الحوزة و الجامعة و الطلبة الفضلاء الممتازين و طلبة الجامعات المتفوقين ذوي الأوسمة العالية في المسابقات العلمية الدولية و التلاميذ الممتازين في المدارس العليا و العمال الممتازين في المصانع و العناصر الممتازين في المجالات المختلفة و القراء الممتازين، و الفنانين الممتازين و الأساتذة الممتازين و كافة الممتازين في الشرائح المختلفة، فهل يمكن للعدو الحط من هذه القيمة السامية في عيون الشعب عن طريق كل هذه الدعايات العدائية الفارغة؟!
إنني أقول لكم أيها الشباب الأعزاء، و أيها الفتية و الفتيات المؤمنون في قوات التعبئة و من أية فئة كنتم: أيها الأعزاء! إن البلد ملككم، و إن هذا البلد لكم يا جيل الشباب، فعليكم ببنائه و عليكم الحفاظ على قواعد المجد و العظمة التي أقامتها هذه الثورة و شيّدها بيديه مهندس الثورة القدير، و عليكم بتعويض ما جرّته علينا الأعوام الطويلة التي سبقت الثورة من تخلف و تراجع و ذلك بفضل ما لديكم من طاقة و إرادة و إيمان. و الذي يشعر من بين الشباب بهذه المسؤولية و هذا الحب بالأهداف بالإخلاص، فهو تعبوي سواء أكان في قوات المقاومة أو لم يكن، سواء أخذ بطاقة عضويته في التعبئة أو لم يأخذ، فكل من يتمتع بالإيمان و كل من يتابع تحقيق الأهداف السامية و كل من هو على استعداد للتضحية بنفسه و روحه من أجل بلده و إسلامه و في سبيل النظام الإسلامي و سبيل أبناء شعبه فهو تعبوي أينما كان. فعلى شبابنا الأعزاء التعبويين في فرق التعبئة الخاصة - فرق عاشوراء، و يا زهراء، في قوات المقاومة و في مختلف أقسام التعبئة - أن يفخروا لتمكنهم من تجسيد هذا الشعور بحضورهم المنتظم في قوات التعبئة.
أصل الآن إلى لحديث حول قضية مهمة للغاية في أيامنا هذه، هي قضية فلسطين. أيها الأعزاء، في فلسطين تعبئة أيضاً، تلك التعبئة الفلسطينية التي لفتت إليها أنظار العالم اليوم. عندما تتحكم أيادي حفنة من الساسة في مصير القضية الفلسطينية، حيث لا دور للشعب فيها و لا صوت للشباب، فإن المصير سيكون هذا الذي شاهدتم، مذلة بعد أخرى و إنسحاباً إثر إنسحاب و ترك الساحة للأعداء حيث تخلوا عن خنادقهم الواحد تلو الآخر لصالح عدو متغطرس معتد صفيق و وقح، هذا هو الوضع حينما لا يكون الشعب في الساحة. لقد تجاهلوا الشعب و تناسوا الحوافز الحقيقية - أي الهدف العقائدي - التي تشد إليها الجماهير، و جعلوا القضية الفلسطينية ترتد على أعقابها إلى عشرات السنين. لقد قلت لأحد أولئك القادة الفلسطينيين عندما جاء إلى هنا في بداية الثورة: لماذا لا تطلقون شعار الإسلام؟ فأتى بأعذار واهية. هم لم يكونوا يريدون ذلك، لأن قلوبهم لم تكن تنبض بالإسلام. و اليوم مضى أكثر من اثني عشر عاماً أو ثلاثة عشر عاماً على دخول الشعب الفلسطيني الساحة باسم الإسلام و شعار الإسلام، فأدرك العدو فوراً أصل القضية. عندما بدأت الانتفاضة في العقد الماضي في فلسطين، فإن الأعداء - أي الصهاينة و حلفاءهم الأمريكيين - أشعروا بالخطر قبل أن يشعر به أحد آخر، فقرروا القضاء عليها. لأنها تفجّرت باسم الإسلام. ثم بذلوا مساعيهم لمعالجة الأمور، لكنهم عاجزون عن العلاج، لأنهم متغطرسون. إن الكيان الصهيوني كيان عنصري في فلسطين المغتصبة، فهل يمكن توقع العدالة من كيان عنصري؟! إنه كيان تشكل عن طريق قوى الهيمنة السياسية و الاقتصادية العالمية و ذلك بغية الحد من اتحاد الأمة الإسلامية و عزتها، و منع المسلمين من الظهور كقوة عظيمة متحدة كي لا يتمكنوا من تشكيل أي خطر. فهل يمكن توقع العدل و الإنصاف من هذا الكيان؟! إن الذين يتصورون أنه يمكن عقد المباحثات مع هذا الكيان، هم الساذجون، فأية محادثات مع الكيان الصهيوني تعد بمثابة فتح ميدان جديد له للتقدم. لقد قاموا بدعمه في المحادثات بالأمس، و جاء اليوم مطالباً بالمسجد الأقصى! عندما لا يعرف المرء كيفية التصرف مع مثل هذا الكيان المتغطرس و عندما يتخذ القرار تحت تأثير ضغوط الأمريكيين و الصهاينة المنتفذين ذوي السيطرة على رؤوس أموال العالم، فستكون تكون هذه هي النتيجة، حيث نزلت الجماهير بنفسها إلى الميدان. إن دخول عنصر صهيوني نجس و بغيض إلى المسجد الأقصى منذ ثلاثة أسابيع أثار مشاعر الجماهير. فإذا كان أدعياء القضية الفلسطينية أو حكام البلدان العربية قد احتجوا في ذلك اليوم على هذا التصرف لشعرت الجماهير أن هناك من يتحدث باسمها و ربما تغير مسير القضايا و لكن الجماهير أدركت بأن عليها النزول إلى الساحة. فنزلت إلى الميدان. و الآن مضت ثلاثة أسابيع منذ التهاب نيران المقاومة في أرض فلسطين، و لقد قلت لهؤلاء الشباب الفلسطيني: اعلموا بأن جيلاً قد استيقظ و أن جيلاً دخل الساحة، فهل يتمكنون من إطفاء شعلة هذه الانتفاضة بمثل هذه الأقاويل؟ إن هناك البعض يقومون بارتكاب الجرائم و الإرهاب و يقتلون عدداً من الشباب و المظلومين، لكن دماءهم ستروي شجرة النهضة الفلسطينية و الثورة الفلسطينية. إن القضية ليست بتلك الصورة التي يمكن للسلطة الاستكبارية الأمريكية أو عميلتها - الكيان الصهيوني - حلها، فلا يمكن معالجة هذه القضية. هم قاموا بإخراج شعب من دياره و وطنه و بلده، و الذين لازالوا يعيشون هناك يخضعون للهيمنة الأجنبية. فهل يمكن إخماد مثل هذا الشعب؟ إن الأجهزة الاستكبارية تشكو من إيران الإسلامية قائلة بأنكم تعارضون مشروع السلام، إننا معارضون بالطبع. و لكن اعلموا أنه تصور ساذج أن تظنوا بأنه من الممكن محو شعب من صفحات التاريخ و الإتيان بشعب مزيف بدله حتى لو لم تكن إيران الإسلامية معارضة و حتى لو لم يقم أي شعب أو دولة في العالم بتقديم العون. إن الشعب الفلسطيني يتمتع بالثقافة و التاريخ و الماضي و الحضارة. إن هذا الشعب عاش في هذا البلد آلاف الأعوام، ثم تريدون أنتم إخراج هذا الشعب من بيته و مدنه و تاريخه و تجمعون عدداً من المشردين و الضائعين و المزيفين و الخلطاء و الانتهازيين من بلدان العالم ثم تخلقون شعباً مزيفاً؟ فهل يمكن هذا؟! تقومون بهذا العمل عن طريق ممارسة الضغط و استخدام القوة لفترة معينة، فهل يمكن مواصلة هذه الأعمال؟! لا يمكن مواصلتها للأبد بالطبع، و قد ظهرت بوادر ذلك اليوم.
إن كلمتي الأولى حول فلسطين هي أنه لا توجد قوة في العالم يمكن لها أن تخمد في العالم و في أفئدة الشعوب الإسلامية و لا سيما في صدور الشعب الفلسطيني شعلة الحرية و عودة فلسطين إلى أصحابها. و ليس هناك سوى طريق واحد للمعالجة. إنني أقول لأولئك الذين يعتبرون قضية الشرق الأوسط أزمة دولية و يقولون بأنه لا بد من أن نبذل المساعي للتغلب على أزمة الشرق الأوسط، أقول بأن الطريق الوحيد للتغلب على أزمة الشرق الأوسط هو استئصال جذور الأزمة. فما هي جذور هذه الأزمة؟ إنها الكيان الصهيوني المفروض على المنطقة. فما لم تقتلع جذور الأزمة، فإن الأنظمة ستظل قائمة. إن طريق المعالجة هو السماح للمشردين الفلسطينيين في لبنان و في أي مكان آخر بالعودة إلى فلسطين. و ليقم الشعب الفلسطيني الأصلي - سواء كان أبناؤه من المسلمين أو المسيحيين أو اليهود -بإجراء استفتاء و ينتخبوا نظاماً للحكم في بلدهم. إن الغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني هم من المسلمين بالإضافة إلى عدد من اليهود و المسيحيين الذين هم من سكان أرض فلسطين الأصلييين و عاش آباؤهم هناك. فليقوموا بتعيين نظام الحكم المطلوب لهذه الجماعة في بلدهم، ثم يتخذ هذا النظام قراراً بشأن أولئك الذين احتلوا فلسطين طوال أربعين أو خمسة و أربعين أو خمسين عاماً، هل يُبقي عليهم، أو يعيدهم، أو يسكنهم في منطقة أخرى، فهذا يتعلق بالنظام الحاكم في فلسطين، و هذا هو سبيل حل الأزمة. و ما لم يتم تنفيذ هذا الحل، فلن يكون هناك حل عملي آخر، و لن يكون بإمكان الأمريكيين القيام بشيء آخر مع كل ما لديهم من استعراض للعضلات. إنهم فعلوا كل ما كان بإمكانهم، و هذه هي النتيجة التي تلاحظونها. طبعاً هم يشعرون بالسخط و الغضب إزاء ما حدث في الأسابيع الثلاثة الأخيرة في فلسطين المحتلة، و ثورة الشباب و شجاعة الرجال و النساء و تلك الإرادة القوية و العزم الراسخ الذي تحلى به ذلك الشعب المظلوم الغاضب، فراحوا ينحون باللائمة على هذا و ذاك! كلّا أيها السادة! إن الجمهورية الإسلامية ليست هي السبب في نهضة فلسطين و إن الشعب اللبناني ليس هو الذي يقف خلف ثورة فلسطين، بل إن الشعب الفلسطيني نفسه هو سبب نهضة فلسطين، و سبب ثورة فلسطين هو تلك الأيام و الهموم المتراكمة في عمق هذا الجيل الشاب الذي نزل اليوم إلى الساحة بكل أمل و نشاط. نحن نشيد بهؤلاء و نعتبرهم جزءاً منا و نعتبر فلسطين قطعة من جسد الإسلام و نشعر بالأخوة و القرابة تجاه الشعب الفلسطيني و شباب فلسطين، إلا أنهم هم أنفسهم الذين يتقدمون بالانتفاضة إلى الأمام.
إن تلك الاتفاقيات التي عقدت في شرم الشيخ و الأطراف اللامسؤولة في القضية لا جدوى لها و لا تأثير. و ستكون مدعاة لخجل المشاركين في هذه الاتفاقيات و الذين عقدوها، و لن تكون لها أدنى فائدة و لا تأثير.
إن قمة الرؤساء العرب ستعقد في مستقبل قريب جداً. إنني أرى من الضروري أن أذكّر رؤساء البلدان العربية بالمسؤولية الجسيمة التي تقع اليوم على عاتقهم. إن الأمة الإسلامية تتوقع اليوم أموراً من الرؤساء العرب. لقد بذل الأمريكيون مساعيهم لكي يؤثروا على قمة الرؤساء العرب، فينبغي عليهم أن لا يقعوا تحت هذا التأثير. إن كل قرار يتخذ في قمة الرؤساء العرب اليوم، سيكون عرضة لقضاء التاريخ و حكمه إلى الأبد. إن القادة العرب يستطيعون أن يكسبوا فخراً أبدياً لهم و ذلك عن طريق اتخاذ قرارات صحيحة في هذه القمة. طبعاً قضية فلسطين لن تحل بمثل هذه المؤتمرات، لكن هذه المؤتمرات بوسعها أن تقدّم مطالب الشعب الفلسطيني و تعرضها على العالم. أشد هذه المطالب أهمية و إلحاحاً هو محاكمة و معاقبة المسؤولين عن المذابح الفلسطينية خلال هذه الأسابيع الثلاثة في محكمة إسلامية أو عربية. كما يجب محاكمة ذلك الكائن القذر الذي جرح مشاعر المسلمين بدخوله المسجد الأقصى و ينبغي تطهير البيت المقدس و مدينة القدس تماماً من الصهاينة، و أن يسمح للشعب الفلسطيني أن يتخذ القرار حول مستقبله و مصيره بحرية كاملة. هذه هي المطالب الملحة التي يمكن لقادة البلدان العربية تقديمها.
إنني أقول للإخوة و الأخوات الفلسطينيين، عليكم مواصلة جهادكم و صمودكم و اعلموا أنه ليس بإمكان أي شعب الحفاظ على شرفه و استرداد هويته و استقلاله إلّا بالصمود و الكفاح. فالعدو لا يمنح شيئاً لشعب عن طريق الرجاء و التوسّل. و لن يكون بإمكان أي شعب تحقيق أي إنجاز عن طريق إبداء الضعف و التذلل و الرجاء أمام العدو. فكل شعب بلغ أهدافه في هذا العالم، إنما بلغها بالعزم و الإرادة و الصمود و المواجهة و رفع الرأس عالياً. بعض الشعوب ليس لديها هذه الإمكانية، لكن الشعب الذي يؤمن بالإسلام و القرآن و الوعد الإلهي و قوله تعالى (لينصرن الله من ينصره)،(1) يتمتع بهذه الإمكانية.
توصيتي الأخرى هي أن العدو يبذل قصارى جهده اليوم لبث الخلافات بين صفوف الشعب الفلسطيني حتى أن تلك العناصر الفلسطينية الخائنة التي تعاون العدو، تسعى لبث الخلافات. لا تخضعوا لمؤامرة العدو هذه. و على عناصر حماس، و الجهاد الإسلامي، و فتح - شباب فتح الذين دخلوا الساحة حديثاً - ألّا يغادروا الساحة و أن يكونوا جميعاً متحدين. كما يجب عليهم أن لا يسمعوا أحاديث أولئك الرؤساء و الزعماء الذين يتحدثون لصالح العدو و يقومون بتوجيه الأوامر. و على أبناء الشعب الفلسطيني أن يجتمعوا حول محور العناصر المخلصة و المؤمنة و المضحية. و ليعلم الشعب الفلسطيني - الذي يلفت اليوم انتباه العالم الإسلامي - أن أفئدة الأمة الإسلامية تشيد به و تدعو له. و لو كان ثمة طريق للمساعدة، فإن الأمة الإسلامية ستقدم مساعداتها، شاءت الحكومات أم أبت. إن الأمة الإسلامية لن تتخلي عن فلسطين و عن الشعب الفلسطيني و لن تتجاهل شباب فلسطين.
كما أقول أيضاً لشعبنا العزيز بأن عليكم أن تعرفوا قدر هذه الملحمة التي سطرتموها في دعم إخوانكم الفلسطينيين الأعزاء و التضحية من أجلهم و عبرتم بوضوح و الحمد لله عن دعمكم العظيم و مساندتكم الشاملة لإخوانكم الفلسطينيين. هذا يمثل قيمة كبرى. و كل العالم يدري مدى حب بلدنا الإسلامي العزيز إيران، و شعبنا و حكومتنا و كافة أبنائنا رجالاً و نساءً و اهتمامهم البالغ و عزمهم الراسخ إزاء القضية الفلسطينية و لو كان بإمكانهم تقديم المساعدة، فإنهم لا يتوانون في تقديمها. و يا له من أمر رائع أن تُيجمع المساعدات المالية من المستطيعين و أن يبادر المستطيعون لتقديم مساعداتهم المالية، و لو لم يكن بإمكاننا تقديم العون العسكري و البشري و لم يكن بوسع شعبنا و شبابنا الذهاب إلى هناك، فإن من الممكن تقديم العون المادي و معالجة البعض من آلامهم و تضميد بعض جراحهم و جعل قلوب أمهاتهم و آبائهم تحت تفرح و تحن لهذه المحبة. لقد شاهدتم ذلك الصبي الذي قتل و هو في أحضان والده؟! هذا ليس النموذج الوحيد، بل ثمة نماذج أخرى مشابهة. إن عظمة هذه الحركة بلغت ذلك القدر الذي يجعل كل هذه التضحيات ضئيلة في أنظارهم. كما أنكم قدمتم تضحيات كبيرة خلال الحرب المفروضة إلّا أن تضحياتكم أذهلت كل العالم. و هكذا هو الشعب الفلسطيني اليوم، حيث راح يستصغر الصعاب و التضحيات و لكنه أدهش العالم.

إن حادث شهادة كشهادة ذلك الصبي في أحضان والده، يفجّر عواصف في قلوب شعوب العالم. و هذه الأمور تستحق الكثير من التقدير.
اللهم! نسألك في هذا الوقت من يوم الجمعة، و الذي هو يوم وليك و عبدك الصالح، الحجة بن الحسن أرواحنا فداه، و ندعوك بحق ذلك العظيم و بحق محمّد و آل محمّد و جميع الأولياء أن تنزل نصرك على أبناء الشعب الفلسطيني و كافة المسلمين المجاهدين في شتى أنحاء العالم. اللهم إنا نسألك أن تجعل الشعب الإيراني دوماً مرفوع الرأس و ظافراً و منصوراً. اللهم نسألك بحق محمد و آل محمد أن توفق شبابنا التعبويين المتحمسين و المتوثبين في كافة الساحات. اللهم! و اهلك أعداء الإسلام و المسلمين، و أجعل وحدة الامة الإسلامية أكثر قوة و رسوخاً يوماً بعد آخر. و أجعل القلب المقدس للإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) راضياً عنا و عن هذا الجمع و عن كافة الشعب الإيراني و لا سيما عن التعبويين الأعزاء. اللهم! أدخل السرور على الروح الطاهرة لإمامنا بما يقوم به هؤلاء الشباب المؤمنون في هذا البلد و أشملنا جميعاً بأدعية هذا الرجل العظيم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:

1- سورة الحج: الآية 40.