بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك عيد المبعث السعيد لكافة المسلمين و الأحرار في العالم و محبي إجراء العدالة على الأرض و الشعب الإيراني العظيم و الشجاع، كما أبارك لکم أيها الحضور من مسؤولي و مدراء القطاعات المختلفة في البلد و الضيوف من البلدان الإسلامية.
يعتبر المبعث النبوي عيداً حقيقياً و مهرجاناً كبيراً سواء للمسلمين على مدی القرون و الأزمنة أو للبشریة کلها إذا ما تحلّى أبناء البشرية بالتفكير في الرسالة الإسلامية.
لقد فتحت البعثة النبوية طريقاً جديداً أمام البشرية (هو الذي يصلّي عليكم و ملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور)(1). کانت البعثة من أجل أن تخرج البشرية من الظلمات إلى النور. هذه الظلمات تمثل كافة الظلمات التي تحدث في العالم و في حياة البشرية على طول التاريخ. إنها ظلمات الشرك و الكفر، و الجهل و الحيرة و الجور و الإجحاف و التمييز، و الابتعاد عن الأخلاق الإسلامية و الغرق في مستنقع الفساد الأخلاقي، و قتل الإنسان لأخيه، و انحراف الأفكار و ضلالتها و سائر أنواع الظلمات. يهدي الإسلام البشرية للخروج من هذه الظلمات، و ستُهدى البشرية إلى هذا الطريق تدريجياً و ذلك عن طريق التعلیم و الحركة و اتخاذ القرارات، و التفكير الصحيح و التعرف على العقبات.
إن استيعاب العالم اليوم الرسالة النبوية أكثر من ذي قبل. فكلما ازداد العلم البشري، تضاعف الاحتمال بنجاح رسالة الإسلام. و كلما استخدمت القوى الكبرى في العالم - أينما كانوا - الأساليب الحيوانية و الوحشية لقمع العواطف الإنسانية و تسخير البشرية - حيث يزداد الظلم الذي تمارسه القوى الكبرى بحق البشرية وضوحاً - فإن المجال يتفتح أكثر للتعرف على نور الإسلام و يزداد تعطش البشرية له. نحن نشعر اليوم بتعطش البشرية لرسالة الإسلام التي هي رسالة التوحيد و رسالة المعنوية و رسالة عزة الإنسان، فالبشرية توّاقة لهذه الرسالة.
طبعاً واجبنا نحن المسلمين هو أن نجعل هذه الرسالة أمام أنظار شعوب العالم و ذلك من خلال سلوكنا و أقوالنا و عزمنا و إرادتنا. حيثما أظهر المؤمنون بالإسلام في الأمة الإسلامية تحركاً مقروناً بالفضيلة، فسيكون الإسلام أكثر تألقاً في أنظار الناس في العالم و تزداد الرغبة فيه. و حيثما ظهرت على كل واحد من أبناء الأمة الإسلامية آثار الضعف و الذلة و الانحطاط و التخلف، فإن ذلك سيكون سبباً في الحط من شأن الإسلام. لو صدرت اليوم عن أبناء الأمة الإسلامية و أصحاب القدرة فيها - أي من لديهم إمكانية القيام بعمل ما -أحاديث و أفعال تبدو عليها ملامح الانحطاط، فإن هذا سيكون إهانة للإسلام أمام أنظار شعوب العالم. لهذا فإن مسؤولية ساسة المسلمين و علماء الإسلام و مستنيري المسلمين و فنانيهم و كتابهم و أدبائهم جسيمة للغاية، كما أن مسؤولية أبناء البلدان الإسلامية ممن يتمكنون من التأثير على بيئته جسيمة للغاية. فاليوم هو اليوم الذي يمكن أن نضع فيه رسالة الإسلام أمام الإنسانية المظلومة و المشدوهة، و نقول لهم: هذا هو سبيل النجاة لكم، و هذه هي الحقائق.
اليوم هو عيد للأمة الإسلامية، لكن للأسف أن امتزج عيد المبعث النبوي، هذا العام بدماء المظلومين في فلسطين. فحادثة فلسطين حادثة عظيمة. العالم الإسلامي يواجه هذه الحادثة العظمى منذ أكثر من نصف قرن. على طول هذه العقود مرّت مراحل لو كان مسؤولو العالم الإسلامي و من كان بوسعهم اتخاذ القرار قد أحسنوا اتخاذ القرار فيها، لربما كانت هذه المشكلة قد عولجت أو تيسّرت معالجتها على الأقل. لقد حدث الكثير من القصور خلال هذه الأعوام المتمادية. اليوم هو یوم مصیري. اليوم من الفترات التي يمكن للشعب الفلسطيني أن يتحرك نحو ما يتطلع إليه العالم الإسلامي. لماذا؟ لأن جيلاً استيقظ في فلسطين. قد يمكن قمع حزب أو إخراج فئة ما من الساحة، أو جعل عدد من الناس نادمين عن جهادهم أو شجاعتهم، و لكن لا يمكن صرف جيل عن الطريق الذي عرفه أو يتطلع إليه مهما كان الثمن. هذه هي القضية اليوم. فالجيل الذي تحمّل عبء القضية الفلسطينية اليوم، قد استيقظ و عرف الحقيقة. فما هي الحقيقة؟ الحقيقة هي أن القوى الكبرى و الساسة و أصحاب الثروة في العالم قرّروا في مرحلة من الزمن أن يمحوا شعباً من الأرض و يزيلوا بلداً من الخارطة الجغرافية. و قد تصوروا بأنهم نجحوا في إنجاز ذلك. لقد قاموا بقتل طائفة و فئة و قمع أخرى و تصوروا بأن القضية قد انتهت. في حین أن شعباً كالشعب الفلسطيني بما لديه من تاريخ مشرق و حضارة إسلامية و ثروة و مواهب متألقة عند أبنائه - فالشعب الفلسطيني شعب ممتاز و فيه الكثير من المواهب و الشخصيات البارزة - مثل هذا الشعب الذي يتمتع بهذه الميزات، حاولت القوى الكبرى في العالم كإنجلترا و أمريكا و الصهاينة أو أصحاب الشركات العظيمة الفلانية أو هذا المحفل العالمي و ذاك محوه من الوجود. هذا غير ممكن، كما أنه لم يحدث.
لقد أخطأوا حينما تصوروا بأن الشعب الفلسطيني و فلسطين قد زالا من الوجود. ففلسطين باقية و الشعب الفلسطيني باق. و هناك اغتصاب كبير إلى جانب حقيقة وجود الشعب الفلسطيني، فقد قاموا بجمع طائفة من الناس من أنحاء العالم و أقاموا شعباً زائفاً و اختاروا له اسماً، و جهّزوه بوسائل القوة، و ها هو اليوم يستعرض وجوده إلى جانب حقيقة اسمها الشعب الفلسطيني، و هذه الحقيقة أدركها الجيل الفلسطيني اليوم بكل كيانه. فالخطوة الأولى هي المعرفة، و قد حصلوا على هذه المعرفة و أدركوا أن هذا الكيان المزيف الذي يتمتع بالدعم العالمي، ليس من الصعب إلحاق الهزيمة به، و لقد أدركوا الأمر بشكله الصحيح، لذلك خاضوا غمار الساحة. اليوم على جميع البلدان الإسلامية و كافة الشعوب الإسلامية دعم هذا الشعب بكل ما یملکون من قوة. إنني لا أدعي أن قضية فلسطين ستنتهي في مدة زمنية قصيرة، لكنني أدعي أن فلسطين ستعود إلى الفلسطينيين بلا ريب. ربما يمتد الزمن أو يقصر، أو تتضاعف الخسائر و تزداد، لكن هذا الأمر سیتحقق.
و ما یترک أثراً هو سلوكنا، نحن مسؤولي البلدان الإسلامية و الشعوب المسلمة، لو أحسنّا التصرف فستتضائل هذه المدة و ستقل هذه الخسائر. و لو أسأنا التصرف فستطول هذه المدة، و ستتضاعف الخسائر و لن يتحمل الشعب الفلسطيني هذه الخسائر لوحده، بل سيتحملها العالم الإسلامي برمته، و أولئك المقصرون و الذين يدعمون الظالم، سوف يدفعون الثمن و غرامته و يتجرعون مرارته. اليوم تقع هذه المسؤولية على عاتق جميع المسلمين.
فما هو ذلك الواجب؟ إنه الدعم. و كيف يمكن الدعم؟ طبعاً لهذا الدعم صور مختلفة، الدعم السياسي و الدعم المالي و الدعم الدولي، يمكن تقديم أنواع الدعم لهم. و هذا ما يجب اتخاذ القرارات بشأنه من قبل المسؤولين و أصحاب السلطة في العالم. و إن لم يتخذوا قراراً فإن الشعوب الإسلامية ستشعر آنذاك بأن المسؤولية وقعت عليها مباشرة.
من الطبیعي أن الكيان الصهيوني لا یقوم بارتكاب هذه الجرائم لوحده، إذ لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية شريكة معه في هذه الجریمة. و كل من يدعم هذا الظلم، فهو شريك في هذه الجریمة. و من الممكن أن لا يترتب على ذلك أي أثر اليوم، غير أنه لن يمحى من ذاكرة الشعوب و التاريخ.
لقد أدرك شعبنا العزيز قضية فلسطين بكل كيانه و شعر بالظلم الذي لحق بالعالم الإسلامي، أدرك المسؤولية التي على عاتقه في هذا المجال. كان لحكومة الجمهورية الإسلامية دور ريادي في هذا الجانب دوماً، حيث شعرت بواجبها و فعلت كل ما بوسعها. من الطبيعي جداً أنه ستترتب على ذلك نتائج كبرى و نحن نتمنى - و نشاهد بوادر ذلك - أن تلمس الدول الإسلامية بعض الحقائق تدريجياً و قد أصبح البعض أکثر اقتراباً من أصل الموضوع و راح يقرّب السبيل الی کل ما هو واجب دیني وإسلامي.
نسأل الله تعالى أن يوفق جميع مسؤولي البلدان الإسلامية و كافة الشعوب المسلمة التي تشعر بالمسؤولية إزاء هذه القضية الكبرى التي تتفاعل اليوم و لا يمكن أن نکون غیر مبالین بها، و أن يهدينا جميعاً و يعيننا. و نسأل الله أن يجعل الحلّ النهائي لمشكلة الشعب الفلسطيني - التي هي مشكلة العالم الإسلامي - عاجلة بقدرته البالغة و بعزته و قوته.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الهوامش:
1) سورة الأحزاب - الآية 43