بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الجلسة التي أقيمت بحضوركم أيها الشباب و الطلبة الجامعيون و المثقفون، في هذه الأجواء الجامعية، لهي جلسة جد مثمرة و باعثة على الأمل.
اجتماع الشباب - خصوصاً حينما يكون في بيئة جامعية و عندما يحضره الطلبة و الأساتذة الجامعيون و الشخصيات الواعية المثقفة - يبعث الأمل في نفس المتحدث و المستمع و في نفوس عامة الشعب. مع أنني على معرفة بالمجاميع الطلابية، و كان و لا يزال لي على مدى سنوات طويلة، ارتباطي و الحمد لله بالجامعيين، و سيبقى هذا الارتباط قائماً في المستقبل أيضاً إن شاء الله، و أعرف جيداً ما يتمتع به الطالب الجامعي من روح تنشد التقدم و الإبداع و الحركة و النشاط و النضارة، مع ذلك فإن مشاهدة هذه الجموع الحاشدة، و الاستماع لما قاله هنا أعزاؤنا - من الطلبة و الشباب و الأساتذة الجامعيين - يبعث في الإنسان مزيداً من الأمل. بهذه الروح و بهذه الفاعلية و التوثب نكون على ثقة، و ليكن الجميع أيضاً على ثقة، بأن مستقبل نظام الجمهورية الإسلامية - حينما يكون البلد بأيديكم أيها الشباب - متقدماً على الحاضر بكثير و ستكون البلاد أفضل بكثير مما هي عليه راهناً. كما أننا لم نتوقف عن التقدم و الحمد لله منذ اليوم الأول للثورة و إلى الآن، كذلك أتوقع بأن تتصاعد وتيرة هذه الحركة التقدمية في الأعوام المقبلة بفضل هذه الصحوة الشبابية التي نلاحظها فيكم و اهتمامكم للعلم و للمبادئ و شعوركم بالمسؤولية. إنني لم أصدق أبداً الكلام السلبي الذي يطلقه البعض بدافع العصبية، و يقوله البعض الآخر هنا و هناك من منطلق الغلفة، حيث يصورون جيل الشباب معرضاً عن المبادئ و القيم، و لن أصدقه في المستقبل أيضاً. شبابنا يتقدمون إلى الأمام و لهم أهدافهم، و كلهم تفاؤل و أمل، و يرتكزون إلى أسس متينة، و سوف يحملون بنجاح إن شاء الله هذه الأعباء الثقيلة بفضل طاقاتهم الشبابية.
قبل أن أخوض في الفكرة التي تعتمل في ذهني و أروم طرحها، لنلق نظرة على الأفكار التي أثارها الأعزاء هنا. ذكروا أفكاراً حسنة على العموم، و السبل و الحلول التي اقترحوها هي أيضاً صحيحة و مفيدة، و معظمها يتصل بقضايا العلم و التقنية و البيئة الجامعية و المختبرات و رفع مستوى الجودة و اقتراحات شتى تشدد و تدعم الصناعة ذات الأسس العلمية، و أمور من هذا القبيل و كلها مما نوافقه و نؤيده. و كانت في هذه الكلمات نقاط جديدة أتمنى أن يلتفت إليها السادة الحاضرون هنا، وزير العلوم المحترم و وزير الصحة المحترم و معاون رئيس الجمهورية للشؤون العلمية المحترم، سواء النقاط المتعلقة باستقطاب النخب أو ما يتعلق بالاتصالات اللازمة و سائر الاقتراحات التي ذكرت. اعتقد أنها اقتراحات جيدة جداً و يجب الاهتمام بها كلها. و سأطلب من الإخوة المسؤولين، بعد العودة من السفر إن شاء الله، تزويدي بتقرير حول تنفيذ هذه الاقتراحات في حدود المعقول و الممكن.
إبنتنا العزيزة قدمت اقتراحاً بشأن »مجلس الطلبة الجامعيين«. الاسم جميل، لكن الأنشطة الاستعراضية لا تحلّ مشكلة من مشاكل الطلبة الجامعيين و لا من مشاكل البلاد. يجب أن نقلل ما استطعنا من الأعمال و المشاريع الظاهرية و السطحية و الاستعراضية و الشعاراتية، و نركز اهتمامنا أكثر فأكثر على المشاريع التأسيسية و الرئيسية و الحقيقية و التي تحقق لنا التقدم. لنفترض أن مجلس الطلبة الجامعيين قد تشكّل، لاحظوا كم ستأخذ انتخابات هذا المجلس من وقت الطلبة الجامعيين في البلاد! من أية جامعة و من أية مدينة، و من أية ميول، و من أية اتجاهات فكرية أو سياسية و المعارضات و... إلى آخره! كل هممنا الآن منصبة على تأجيج مشعل العلم و البحث العلمي في البيئة الجامعية و الطلابية. ثم إن ابنتنا العزيزة اقترحت أن يكون لهذا المجلس قدرات و صلاحيات تنفيذية. إذا كان مجلساً فلماذا تكون له صلاحيات تنفيذية؟ هو يتخذ القرارات و هو ينفذها؟! لاحظوا ما الذي سيحلّ بالجامعات إذا ألقينا عليها مثل هذه الأعباء و المهام! إنني أوافق مائة بالمائة الاهتمام بالطالب الجامعي و العناية به و الاستماع لكلامه و مداراته و مساعدته، لكن ليس هذا هو السبيل لذلك.
ابنتنا العزيزة هذه تحدث بشكل جميل و حماسي جداً. نحن الشيوخ بدورنا حينما يتحدث شاب بهذا الهياج و الحماس نشعر بحالة شبابية. و أضافت: إن على هذا المجلس إيصال صوت الطلبة الجامعيين للمسؤولين. أرى أن اجتماعكم هذا الذي أنتم فيه أفضل من مجلس الطلبة الجامعيين.. أكثروا من هذه المجالس. من أسباب ذهابي إلى الجامعات - في كل سفرة من أسفاري لا بد أن أضع لنفسي اجتماعاً بالطلبة الجامعيين، و في طهران أقصد أحياناً الجامعات المختلفة - هو رغبتي في أن ينفتح المسؤولون على الجامعات و يقصدونها و يتحاورون مع الطلبة الجامعيين مباشرة. الكلام الذي تحدثتم به اليوم سيبث من الإذاعة و التلفزيون و ستكون له أصداؤه في كل البلاد. استمعت له أنا بوصفي أحد المسؤولين، و استمع له المسؤولون الجامعيون، و سيصل إلى اسماع سائر المسؤولين، فأية وسيلة أفضل من هذه؟ زيدوا ما استطعتم من هذه الجلسات و الاجتماعات الطلابية الجامعية بهذا النحو الصميمي المنفتح الخالي من المجاملات. لا أوافق كثيراً أن يأتي الأعزة هنا و يستخدموا عبارات المبالغة بشأني أنا الإنسان الصغير الضعيف. دعوا التواصل يأخذ شكلاً صميمياً ودياً و طبيعياً أكثر. ليقل الطلبة الجامعيون آراءهم و يطرحوا أفكارهم و ليستمع المسؤولون. و أحياناً يكون لدى المسؤولين أيضاً ما يقولونه للطلبة، فليقولوه. على كل حال، الجلسة جلسة جيدة جداً، و أتقدم بالشكر للذين تحدثوا هاهنا فرداً فرداً.
الموضوع الذي أروم إثارته موضوع ذو صلة بطبيعة الشباب و ماهية الطلبة الجامعيين مائة بالمائة، و فيه نظرة استشرافية للمستقبل، فالمستقبل لكم. كل ما نقوله اليوم عن المستقبل هو في الحقيقة نظرة و كلام و إشارات لفترة زمنية هي لكم أنتم، و وجودكم الحقيقي في تلك الفترة هو الذي سيحسم الأمور و يعالج القضايا. هذا الموضوع الذي يستشرف المستقبل هو شعار العقد الرابع الذي دخلنا فيه: التقدم و العدالة. لقد أعلنا أن هذا العقد هو عقد التقدم و العدالة. طبعاً بمجرد الإعلان و الكلام لن يحصل تقدم و لن تحصل عدالة، لكن التبيين و التكرار و ترسيخ الهمم و العزائم يساعد في حصول التقدم و العدالة. أردنا تحويل التقدم و العدالة إلى خطاب وطني في العقد الرابع. علينا جميعاً أن نطلب هذا الشيء و نريده. فما لم نرده لن يحصل التخطيط و البرمجة و العمل و التنفيذ، و سوف لن نصل إلى النتيجة. يجب تبيين المسألة. أريد أن أتحدث عن قضية التقدم بعض الشيء. و لقضية العدالة بدورها بابها الواسع و تفاصيلها المطولة.
بداية استعرض الشكل العام للبحث و أحاول أن أوجز و أختصر ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. أذكر بعض خصائص التقدم و سماته ليتضح الشكل العام و الصورة الكلية التي نحملها في أذهاننا للتقدم - و هذا هو الشطر الأكبر من البحث - ثم نستعرض بعض الشروط التمهيدية للتقدم. ثم إذا كان ثمة وقت و مجال أشرنا إلى بعض العقبات التي تعتور هذا الطريق، و الأضرار و الآفات التي قد تصيبنا في هذا السبيل.
بخصوص الجانب الأول - أي تبيين الشكل العام للتقدم - أذكر عدة نقاط تكوّن بمجموعها الشكل العام الذي نبتغيه.
النقطة الأولى هي أننا حينما نقول »تقدم« يجب أن لا تتبادر إلى أذهاننا التنمية بمفهومها الغربي الدارج. التنمية اليوم مصطلح شائع في الأدبيات السياسية و العالمية و الدولية. قد تكون للتقدم الذي نتحدث عنه أوجه اشتراك مع ما يفهم من التنمية عالمياً - و ثمة مثل هذه الوجوه المشتركة بالتأكيد - لكن لكلمة التقدم في منظومة مفرداتنا معناها الخاص الذي يجب عدم الخلط بينه و بين التنمية الغربية، بنفس ما لها من خصوصيات و مواصفات. لقد مارس الغربيون على مدى السنين تكتيكاً إعلامياً يتسم بالشطارة و هو أنهم صنفوا بلدان العالم إلى متقدمة و نامية و متخلفة. يتصور للوهلة الأولى أن البلدان المتقدمة هي تلك التي تتوفر على التقنية و العلوم المتطورة، و البلدان النامية و المتخلفة هي التي لا تتوفر على هذه العناصر، و الحال أن القضية ليست كذلك. لعنوان البلدان المتقدمة - و العنوانين الذين يلياه أي النامية و المتخلفة - مضمون قيمي و جانب تقييمي. فحينما يقولون بلد متقدم يعنون في الحقيقة البلد الغربي بكل خصوصياته الثقافية و آدابه و سلوكه و توجهاته السياسية. هذا هو معنى البلد المتقدم. و البلد النامي هو البلد السائر في طريق التغريب. و المتخلف هو البلد غير الغربي و الذي لا يسير نحو أن يكون غربياً. هكذا يريدون تفسير الموضوع. تشجيع البلدان على التنمية في الثقافة الغربية المعاصرة هو في الواقع تشجيعها على التغريب! يجب أن تتنبهوا لهذه النقطة. نعم، ثمة نقاط إيجابية في سلوك و أعمال و شكل و ظاهر البلدان الغربية المتقدمة - و قد أشير إلى بعضها - و إذا تقرر أن نتعلم هذه النقاط فسوف نتعلمها، و إذا تقرر أن نتتلمذ فسوف نتتلمذ. و لكن نعتقد أنه توجد إلى جانب ذلك مجموعة من القيم السلبية في تلك البلدان. لذلك لا نوافق على الإطلاق حالة التغريب، أو التنمية حسب المصطلح و المفهوم الغربي. و التقدم الذي ننشده شيء آخر.
النقطة الثانية هي أن التقدم ليس له نموذج واحد لكل البلدان و المجتمعات في العالم. ليس للتقدم معنى مطلق. الظروف المختلفة - الظروف التاريخية، و الجغرافية، و الجغرافية السياسية، و الظروف الطبيعية، و البشرية، و ظروف الزمان و المكان - تؤثر في خلق نماذج التقدم. قد يكون هذا النموذج للتقدم مناسباً للبلد الفلاني، و هو نفسه غير مناسب لبلد آخر. و بالتالي، لا يوجد نموذج واحد للتقدم يجب أن نعثر عليه و نتجه نحوه و نحقق كافة أجزائه و عناصره في أنفسنا. ليس ثمة شيء كهذا. التقدم في بلدنا - بظروفنا التاريخية و الجغرافية و في ضوء أوضاعنا و حال شعبنا و آدابنا و ثقافتنا و تراثنا - له نموذجه الخاص الذي يجب أن نبحث عنه و نجده. ذلك النموذج هو الذي سيأخذ بأيدينا إلى التقدم، و لن تنفعنا وصفة أخرى، سواء وصفة التقدم الأمريكي، أو وصفة التقدم الأوربي الشمالي - البلدان الأسكندنافية، و هي من سنخ مختلف - أي من هذه لا يمكن أن تعدّ نموذجاً منشوداً للتقدم في بلدنا. علينا تحري النموذج المحلي الخاص بنا. و ميزتنا ستكون في أن نستطيع إيجاد النموذج المحلي للتقدم الذي يتناسب و ظروفنا. حينما أثير هذه القضية هنا في البيئة الجامعية فمعنى ذلك أنكم الطلبة الجامعيين و الأساتذة و الجامعيين عموماً من يجب أن ينهض بهذا البحث و المتابعة و التحري بكل جد و اجتهاد، و سوف تستطيعون ذلك إن شاء الله.
النقطة التالية أيضاً نقطة مهمة بدورها: المباني المعرفية مؤثرة في نمط التقدم المنشود أو غير المنشود. لكل مجتمع و لكل شعب مبانٍ معرفية و فلسفية و أخلاقية تتسم بأنها مصيرية و مهمة و حاسمة و تقول لنا أي تقدم هو المحبذ و أي تقدم غير محبذ و يجب أن يستبعد. الشخص الذي نادى ذات يوم، عن جهل و صبيانية، أنه يجب أن نكون غربيين و أوربيين من قمة رأسنا إلى أخمص قدمينا، لم يلتفت إلى أن لأوربا سابقتها و ثقافتها و مبانيها المعرفية التي يقوم عليها تقدمها. و قد لا تكون بعض تلك المباني مقبولة عندنا أي إننا نعتبرها خاطئة مغلوطة. لدينا مبانينا المعرفية و الأخلاقية الخاصة بنا. تحمل أوربا في ملفها سابقة محاربة الكنيسة للعلوم خلال القرون الوسطى، و يجب عدم الغفلة عن المحفزات و ردود الأفعال التي ميّزت النهضة العلمية في أوربا ضد تلك الظاهرة و الماضي. تأثير المباني المعرفية و الفلسفية و الأخلاقية كبير جداً على نمط التقدم الذي يريدون اختياره. مبانينا المعرفية تقول لنا إن هذا التقدم مشروع أو غير مشروع، و هل هو محبّذ أو غير محبّذ، و هل هو عادل أم غير عادل.
لنفترض أن مجتمعنا تسوده محورية الربح، بمعنى أن جميع الظواهر في العالم تقاس عند ذلك المجتمع بمعيار المال. ما هي القيمة المالية و الربح المادي لكل شيء؟ هذه هي الحالة الشائعة اليوم في جزء كبير من العالم: يُقاس كل شيء بالمال! قد تكون هناك بعض الممارسات القيمية و المبدئية في ذلك المجتمع - لأنها توصلهم إلى المال - و لكن في المجتمع الذي يكون فيه المال و الربح محور الأحكام و الأفكار قد تعتبر نفس تلك الممارسة خاطئة و سلبية. أو قد تسود مجتمع من المجتمعات أصالة اللذة. لماذا تعتبرون هذا العمل مباحاً؟ لماذا تبيحون المثلية الجنسية؟ يقولون: لأن في ذلك لذة، و الإنسان يلتذ منه! هذه هي أصالة اللذة. إذا سادت أصالة اللذة على المجتمع و على ذهنية عموم الناس أبيحت بعض الأشياء. و لكن حينما تتنفسون داخل إطار فلسفة معينة و إيديولوجيا معينة و نظام أخلاقي معين لا تسوده أصالة اللذة، و قد تكون فيه بعض اللذائذ الممنوعة و غير المشروعة، لكن اللذة فيه ليست ترخيصاً لفعل هذا الشيء و ذاك الشيء، و ليست ضوءاً أخضر لاتخاذ القرارات أو إضفاء الشرعية على شيء، هنا لا يمكنكم اتخاذ القرارات كما في مجتمع تسوده أصالة اللذة، فالمباني المعرفية مختلفة.
أو إذا كان المال يحظى في مجتمع ما أو في منظومة أخلاقية ما باحترام مطلق. و ليس من المهم من أين جاء هذا المال. قد يكون مصدره استغلال الآخرين، و قد يكون جاء و حصل بفعل ممارسات استعمارية، أو عن طريق نهب و غارات، الأمر لا يختلف عندهم لأنه مال على كل حال. طبعاً، إذا جرى التصريح بهذه الأمور في العصر الحاضر - في المجتمعات المبتلاة بهذه الأمور - قد تنكر و تستنكر، لكن إذا نظرنا لتاريخهم اتضحت حقيقة القضية. في أمريكا تبدو جذور الحرية الفردية و الليبرالية التي يفاخرون بها و تعد من القيم الأمريكية ضاربة في الحفاظ على الثروة الشخصية. أي في البيئة التي ظهرت فيها أمريكا و الناس الذين تجمعوا في أمريكا يومذاك، كان الحفاظ على ثمار النشاط و المساعي المادية بحاجة إلى احترام الثروة الشخصية للأفراد احتراماً مطلقاً. و طبعاً لهذه القضية حكايتها الطويلة من الزاوية علم الاجتماع و بنظرة واقعية للمجتمع الأمريكي. يوم تحولت منطقة أمريكا - و ليس النظام السياسي الحاكم في أمريكا - مكاناً لكسب المال و الثروة بما لها من أرضيات طبيعية مربحة، كان غالبية الذين تجمعوا في أمريكا يومذاك مغامرين هاجروا من أوربا و قطعوا المحيط الأطلسي المتلاطم ليصلوا إلى تلك الأرض. لم يقصد تلك الأرض أيٌّ كان. من كانت له في أوربا حياته و عمله و عائلته و أصالته لم يكن ليتركها و يقصد أمريكا. كان يقصدها أشخاص إما مفلسون مالياً أو مطلوبون للقضاء و العدالة، أو مغامرون. تعلمون أن المحيط الأطلسي أكثر بحار العالم تلاطماً و اضطراباً، و اجتياز هذا المحيط و الانتقال من أوربا إلى أرض أمريكا يستدعي بالطبع نصيباً من المغامرة. مجموعة من هؤلاء المغامرين شكلوا على الأغلب - ولا أقول كلهم - المهاجرين الأوائل إلى أمريكا. و إذا أريد لهم أن يعيشوا إلى جوار بعضهم و أن ينتجوا الثروة يجب إضفاء قيمة مطلقة على الثروة الشخصية، و هذا ما حصل. تلاحظون في أفلام الكاوبوي - طبعاً هذه الأفلام لا تمثل الواقع مائة بالمائة فهي أفلام و قصص على كل حال، بيد أن علامات الواقع واضحة فيها تماماً - أن القاضي يجلس و ينظر و يحكم في قضية بقرة سرقها شخص من قطيع شخص آخر، و يحكم على السارق بالإعدام ثم يشنقونه! كل هذا لكي تكون للثروة الشخصية و للملكية الخاصة قيمة مطلقة. في مثل هذا المجتمع ليس من المهم من أين يأتي المال.
في المجتمعات الغربية جاء المال على العموم عن طريق الاستعمار. الثروة التي أصابتها بريطانيا في القرن الثامن عشر و التاسع عشر و استطاعت بفضل تلك الثروة و الأموال و الذهب أن تفرض سياستها على عموم أوربا و المناطق الأخرى، هذه الثروة حصلت للبريطانيين عن طريق استعمار البلدان الشرقية و خصوصاً شبه القارة الهندية، حيث نهبوا شبه القارة الهندية و بلدان تلك المنطقة.. راجعوا التاريخ و أقرأوه؛ الحق أنه لا يمكن تلخيص ما فعله هؤلاء بالهند في كلمة أو كلمتين. عصر البريطانيون ثروات الهند و تلك المناطق - و هي مناطق ثرية جداً - كما تعتصر الرمانة، و ذهب الربح كله لخزينة الحكومة البريطانية فتحولت بريطانيا إلى بلد ثري! لا يسأل هنا من أي جاءت هذه الثروة فهي ثروة لها احترامها و يجب أن تحترم! التقدم في هذا البلد له معنى، و في البلد الذي يحرِّم الاستعمار و يحرم الاستغلال و يمنع الغارة و النهب و يحرِّم الغصب و يمنع الاعتداء على حقوق الآخرين و أخذ أموالهم، يكتسب التقدم معنى آخر. إذن، المباني المعرفية و الأخلاقية و المبادئ الفلسفية لها دورها الهام في تعريف التقدم في البلد.
النقطة الأخرى هي أننا حينما نستعرض نقاط اختلاف التقدم حسب المنطق الإسلامي عن التنمية الغربية، يجب أن لا ننسى نقاط الاشتراك. فثمة نقاط اشتراك في تنمية البلدان المتقدمة. روح المخاطرة - و هي للحق و الإنصاف من الخصال الحسنة عند الأوربيين - و روح الإبداع، و المبادرة و الانضباط، هذه أمور و أحوال ضرورية جداً، و أي مجتمع يفتقر لهذه الصفات لن يكتب له التقدم. هذه أمور ضرورية. إذا لزم أن نتعلم هذه الأمور فسنتعلمها، و إذا كانت موجودة في مصادرنا فعلينا أخذها من هناك و العمل بها.
النقطة التالية تتعلق بمفردة العدالة. قلنا إنه عقد التقدم و العدالة. و لهذا معنى كبير جداً. لنفترض أن من المؤشرات المهمة زيادة الدخل الإجمالي الوطني للبلدان. البلد الفلاني دخله الإجمالي الوطني عدة آلاف من المليارات، و البلد الفلاني لا يساوي دخله سوى معشار البلد الأول. إذن، البلد الأول أكثر تقدماً. هذا ليس بالمنطق الصحيح. زيادة الدخل الإجمالي الوطني - أي الدخل العام للبلاد - لا يدل لوحده على التقدم، إنما ينبغي النظر كيف يجري تقسيم هذا الدخل و توزيعه. إذا كان الدخل الوطني عالياً جداً، لكن يوجد في نفس هذا البلد أفراد ينامون ليلهم في الشوارع و يموت الكثير منهم في درجة حرارة تبلغ اثنين و أربعين، فهذا لن يكون تقدماً. لاحظوا ما يأتي في الأخبار: في المدينة الغربية الفلانية المعروفة - في أمريكا مثلاً أو مكان آخر - بلغت درجة حرارة الهواء اثنين و أربعين درجة مئوية و مات كذا عدد من الناس بسبب الحر! لماذا يموتون في درجة حرارة اثنين و أربعين؟ معنى ذلك أنهم بلا مأوى و لا سكن إذا كان هناك أناس يعيشون في المجتمع بلا مأوى أو عليهم العمل 14 ساعة في اليوم الواحد ليستطيعوا توفير لقمة العيش لأنفسهم ليكلا يموتوا جوعاً، فلن يكون هذا تقدماً حتى لو كان الدخل الإجمالي الوطني عشرة أضعاف ما هو عليه. هذا ليس تقدماً في المنطق الإسلامي. لذلك كانت العدالة على جانب كبير من الأهمية.
طبعاً ثمة كلام و نقاش أكثر حول العدالة. تقوم النظرة الإسلامية للتقدم على أساس نظرة للإنسان باعتباره كائناً ذا حيّزين، فهو يعيش في الدنيا و في الآخرة. هذا أساس كافة الأفكار التي ينبغي أخذها بنظر الاعتبار فيما يتصل بالتقدم. هذا هو المعيار العام و الفارق الرئيس. إذا اعتبرت الحضارة أو الثقافة أو المذهب الإنسانَ ذا حيّز حياتي واحد، و لم تنظر لسعادته إلا في حدود حياته المادية الدنيوية، فمن الطبيعي أن يكون التقدم في منطقها مختلفاً تماماً عنه في منطق الإسلام الذي يرى للإنسان حيّزين و بعدين. بلدنا و مجتمعنا الإسلامي يتقدم حينما لا يعمِّر دنيا الناس و حسب، بل و يعمِّر آخرتهم أيضاً. هذا ما يريده الأنبياء: الدنيا و الآخرة. يجب أن لا يُغفل عن دنيا الإنسان بحجة وهم الاهتمام بالآخرة، و لا أن تُغفل الآخرة بسبب الانهماك في الحياة الدنيا. هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. و هذا هو الأساس. التقدم المنشود في المجتمع الإسلامي هو تقدم من هذا القبيل.
و قد تحصل هاهنا عدة أنواع من الانحرافات:
أحد الانحرافات هو أن يعتبر البعض الدنيا هي الأصل و ينسون الآخرة، بمعنى أن تنصب كافة جهود المجتمع و المبرمجين و المخططين و الدولة على عمران حياة الناس في هذه الدنيا: أن يكون للناس أموال و ثروة، و يكونوا في عيش مريح رغيد، و لا تكون لديهم مشكلة سكن، و لا مشكلة زواج، و لا مشكلة بطالة.. هذا ليس إلا. أما ما هو وضعهم من الناحية المعنوية فهذا ما لا يجري الاهتمام به على الإطلاق. هذا انحراف.
انحراف آخر أن يغفل الناس عن الدنيا. الغفلة عن الدنيا تعني الغفلة عن مواهب الحياة و عدم الاكتراث لها. هذا أيضاً انحراف كالكثير من المشكلات التي عانى منها المتدينون في الماضي. الإقبال على القضايا الأخروية و الدينية و عدم العناية بمواهب الحياة و الإمكانيات و الفرص التي أودعها الله في هذا العالم. هذا أيضاً أحد الانحرافات. »هو الذي أنشأكم من الأرض و استعمركم فيها«. الله كلّفكم بإعمار الأرض. ما معنى الإعمار؟ معناه اكتشاف المواهب اللامتناهية المودعة في عالم المادة واحدة واحدة، و تمكين الإنسان من استخدامها و جعلها وسيلة لتقدم الإنسان. قضايا العلم و إنتاج العلم التي نذكرها و نؤكد عليها تتعلق بهذا المعنى.
و ثمة انحراف آخر هو أن يستهين الإنسان في حياته الشخصية بمواهب الحياة و الاحتياجات المادية و لا يأبه بها. هذا أيضاً لم يقل به الإسلام و لم يطالب به، بل طالب بعكسه: »ليس منا من ترك آخرته لدنياه و لا من ترك دنياه لآخرته«. إذا تركتم الآخرة من أجل الدنيا رسبتم في الامتحان، و إذا تركتم الدنيا في سبيل الآخرة رسبتم في الامتحان أيضاً. هذا شيء مهم جداً.
صادف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) شخصاً ترك زوجته و حياته و بيته و كل ما عنده، و عكف يعبد الله، فقال له: »يا عدي نفسه«. إنك تعادي نفسك.. لم يطلب الله منك هذا. »قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق«.(1) إذن الموازنة بين الدنيا و الآخرة و النظر لكليهما - سواء في البرمجة و التخطيط أو في الممارسات و الأعمال الشخصية أو في إدارة البلاد - أمر ضروري و لازم. هذا بدوره من المعايير الرئيسية للتقدم.
كانت هذه بعض مميزات التقدم الذي نبتغيه و ننشده. و كما قلنا فإن الأمر لا ينتهي بهذا الكلام: ينبغي التدقيق و المتابعة و البحث. ليبحث الجامعيون في هذه القضايا و ليشرحوها علمياً، و ليقدموا نماذج علمية لنستطيع تحويلها إلى خطط و برامج تطرح في الساحة حتى يشعر الشعب في نهاية الأعوام العشرة هذه أنه حقق تقدماً حقيقياً. من الأمور التي لا بد من الالتزام بها هو أن أي نموذج للتقدم يجب أن يضمن استقلال البلاد. ينبغي النظر لهذه المسألة كمعيار. أي نموذج من النماذج المقترحة للتقدم إذا كان يفرض على البلاد التبعية و الذل و اتباع البلدان المقتدرة و ذات القوة السياسية و العسكرية و الاقتصادية، فهو نموذج مرفوض. أي إن الاستقلال من اللوازم و الضروريات الحتمية لنموذج التقدم في عقد التقدم و التنمية. التقدم الظاهري إلى جانب التبعية في السياسة و الاقتصاد و الأصعدة الأخرى، لا يعدّ تقدماً. توجد حالياً بلدان - خصوصاً في آسيا - حققت تقدماً ظاهرياً في مجالات التقنية و العلوم و الصناعات، و قد نفذت إلى أسواق الكثير من أنحاء العالم، لكنها بلدان تعاني من التبعية. لا دور لشعوبها و لحكومتها على الإطلاق لا في السياسات العالمية، و لا في سياسات العالم الاقتصادية، و لا في التخطيطات المهمة على المستوى الدولي. إنها بلدان تابعة، و هي تابعة لأمريكا في الغالب. هذا ليس تقدماً و ليست له قيمة.
ثمة نقطة لا بأس أن أذكرها هنا هي مسألة العولمة. العولمة اسم جميل جداً و كل بلد يخال أن العولمة ستفتح أسواق العالم في وجهه. لكن العولمة بمعنى التحول إلى صامولة أو برغي في ماكنة الغرب الرأسمالية يجب أن لا يكون مقبولاً لدى أي شعب من الشعوب المستقلة. إذا أريد للعولمة أن تتحقق بالمعنى الصحيح للكلمة فعلى البلدان المحافظة على استقلالها الاقتصادي و السياسي و قدرتها على اتخاذ القرارات، و إلا فالعولمة تحققت منذ عشرات الأعوام عن طريق البنك العالمي و صندوق النقد الدولي و منظمة التجارة العالمية و غيرها من المنظمات التي كانت جميعها أدوات أمريكية و استكبارية، و هذا شيء لا قيمة له. إذن، الاستقلال مبدأ مهم إذا لم يتحقق لم يتحقق التقدم بل كان مجرد سراب.
من القضايا الأخرى ذات الصلة الوثيقة بكم هي قضية إنتاج العلم. لحسن الحظ أرى أن إنتاج العلم و ضرورة اجتياز حدود العلم تحوّل في الجامعات إلى خطاب عام غالب. هذا شيء يبعث على أملي و ارتياحي بشدة، و يجب تنفيذه. الاقتراحات التي تقدم بها أعزائي في مضامير العلم و البحث العلمي و تأسيس مراكز لإعداد النخبة و التواصل و غير ذلك، تصب كلها باتجاه إنتاج العلم. و هذا شيء له قيمة كبيرة. يجب متابعة هذا الدرب و السير فيه بخطى حثيثة لأننا متأخرون. سرعة تقدمنا في الوقت الحاضر جيدة، و لكن بالنظر للتخلف الذي عانی منه بلدنا في الماضي لن تكون سرعتنا كبيرة مهما كانت كبيرة. يجب أن نحقق تقدماً كبيراً و نسير في الطرق المختزلة و نتميّز بسرعة عالية. ينبغي أن يكون لنا إنتاجنا العلمي في كافة الحقول و المجالات.
العلاقة بين البلدان فيما يتصل بقضية العلوم يجب أن تكون علاقة تصدير و استيراد، بمعنى أن يسودها التعادل و التوازن. كما أنه في القضايا الاقتصادية و التجارية إذا كان استيراد البلد أكثر من تصديره كانت نتيجته سلبية و كان مغبوناً، كذلك الحال في مجال العلوم. لا عيب في استيراد العلم، و لكن ينبغي إلى جانب ذلك تصدير العلم بنفس مقدار الاستيراد على الأقل إنْ لم يكن أكثر. يتعين أن تكون الحركة ذات اتجاهين، و إلا إذا بقيتم تقتاتون على فتات موائد علم الآخرين لما كان ذلك تقدماً. اطلبوا العلم و خذوه و تعلموه من الآخرين، و لكن انتجوه أنتم أيضاً و امنحوه للآخرين. احذروا من أن تكون نتائج تجارتكم هنا أيضاً سلبية. للأسف كانت نتائجنا و محصلاتنا سلبية على مدى القرنين التي ازدهر فيهما العلم في العالم. أُطلقت أعمال و مشاريع جيدة منذ انتصار الثورة، و لكن يجب مواصلتها بسرعة و شدة أكبر.
طبعاً، أنا لا أقصد العلوم الطبيعية فقط، فالعلوم الإنسانية لا تقلّ أهمية عنها: علم الاجتماع، و علم النفس، و الفلسفة، و... . نظريات الغرب في علم الاجتماع محترمة لدى البعض كالقرآن، بل هي محترمة لديهم أكثر من القرآن! عالم الاجتماع الفلاني قال كذا. و كأنه لا نقاش في هذا! لماذا؟ تستطيعون أن تفكروا و تنظروا، نستفيد من العلوم المتاحة و المنتجة في العالم، و نضيف لها شيئاً و نعلن عن مكامن الخطأ فيها. هذه من الأعمال التي تعدّ من ضروريات التقدم وحتمياته.
أريد أن أنهي الكلام عند هذا الحد. واحد آخر من الضروريات هي قضية الكفاح.. الكفاح.. إذا أردتم التقدم فعليكم أن تكافحوا. الركون إلى العافية و حبّ السلامة و العزلة و وضع يد على يد، و التفرج على أحداث العالم، و عدم النـزول إلى الميادين الكبرى لن يحقق التقدم لأي شعب. عليكم النـزول إلى وسط الساحة. و هذه الساحة ليست ساحة حرب عسكرية بالضرورة. المعارك السياسية و الأخلاقية أهم اليوم من الحروب العسكرية. الكثير من البلدان و الحكومات و المجتمعات التي تعدّ متطورة في العالم حالياً، إذا حوسبت أخلاقياً و سياسياً مُنيت بالخزي و الصغار.
انظروا اليوم إلى المشهد في العالم، في غزة مثلاً. جماعة محاصرة في بقعة من الأرض - لا يسمحون بدخول أو خروج أي شيء من مستلزمات الحياة إليهم - يقصفونهم بالطائرات و الصواريخ و المدفعية، و تزحف جيوشهم المدرعة نحوهم، و يقتلون منهم أكثر من خمسة آلاف إنسان خلال 22 يوماً، ثم يقعد العالم و يتفرج، و بعد مدة يُسمع من هنا و هناك بعض الأنين و الاعتراض غير المؤثر. و أخيراً تعلن منظمة الأمم المتحدة - و قد أعلن ذلك الأمين العام للأمم المتحدة قبل أيام - أن ملف قضية غزة قد أغلق! عجيب!
ثمة في العالم اليوم ظلم و تمييز و كيل بمكيالين. و من مصاديق ذلك قضيتنا النووية. و من مصاديق ذلك الاعتداء العسكري على البلدان المسلمة الجارة. تقتيل المدنيين و قصفهم أصبح شيئاً يومياً مألوفاً. قبل أسبوع أعلنوا عن مقتل 150 إنساناً في أفغانستان بسبب القصف الجوي الأمريكي، و لا يكترث أحد لذلك! ثم يقولون: نعم، عفواً، لقد أخطأنا. هل هذا كلام!؟
لو حاسبوا صداماً يوم قصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية و لو أخذوه و حاكموه. لو حاسبوا الجنرال الأمريكي الذي قصف الطائرة المدنية الإيرانية و أسقطها في الخليج الفارسي و قتل المئات من الإيرانيين و غير الإيرانيين، و حاكموه - و عوضاً عن ذلك منحه رئيس جمهورية أمريكا آنذاك وساماً، لاحظوا الانحطاط - و إذا حاكموا الضابط المجرم المسؤول عن قصف أول قافلة عرس في أفغانستان من قبل العسكريين الأمريكيين، لما وقعت هذه الأحداث في العالم مجدداً أو لقلّت. هذا واقع قبيح و سيئ و لا إنساني. على الشعب الحي أن يناضل ضد هذا الواقع.
نحن نفخر بأن شعبنا و حكومتنا و مسؤولينا و شبابنا و نخبتنا لم يكونوا غير آبهين حيال هذه الأمور طوال السنوات الماضية، بل أعلنوا مواقفهم و أبدوا نفورهم و إدانتهم. يتوجب على الشعب الإيراني أن لا يفقد هذه الروح التي يتحلى بها.. لا تتركوا هذه الروح.. خصوصاً أنتم الشباب. البعض يريدون قلب المفاهيم و الأمور رأساً على عقب، فيعترضون قائلين: كم ترفعون شعارات الموت لفلان، و الموت لفلان؛ يعترضون: لماذا تطرحون جرائم أمريكا و الصهاينة و حلفائهم من على المنابر العالمية علانية. يجب أن تطرح هذه الجرائم و يجب أن نتحدث بها لتأخذ الشعوب الدروس. أقول لكم - مع إننا لا نستطيع إثبات ذلك لكننا نعلمه و قد شاهدتُهُ عياناً - إن بعض البلدان المستقلة و المتحررة - و منها أحد البلدان الأفريقية المعروفة - استلهمت النموذج من إيران. استخدموا ذات الأسلوب الذي انتهج في إيران خلال أيام الثورة. قيل لهم هذا الشيء هنا. جاء زعماؤهم الثوريون إلى هنا و قيل لهم إن الإمام استخدم هذا الأسلوب، فعادوا إلى بلادهم و استخدموا نفس الأسلوب، و استطاعوا تحقيق استقلالهم، و قضوا على التمييز العنصري في بلادهم.
الشعوب تستلهم، و الحكومات تتعلم، و القادة الوطنيون يتشجعون حينما يرون شعباً صامداً بهذا الشكل. فلماذا نخجل؟ في عهد الطاغوت قبل انتصار الثورة إذا أراد شخص أن يصلي أمام الأنظار - إذا كانوا يمشون في الشارع مثلاً أو كانوا بانتظار الرحلة الجوية في المطار، أو كانوا في زاوية من زوايا الجامعة - كانت إقامة الصلاة غير مألوفة و غير عادية إلى درجة أن من معهم يقولون لهم متعجبين: أنتم تصلّون؟! أخزيتمونا! كانت الصلاة مدعاة خزي! هكذا كان الحال، و أنتم الشباب لم تدركوا ذلك العهد، لكننا شهدناه. إذا قام شاب متدين و صلى في مكان أمام أعين الآخرين و أنظارهم كان أصدقاؤه يخجلون و يقولون له: لقد أخزيتنا. و في الاجتماعات العامة - التي يلقي فيها عدة أشخاص كلماتهم - إذا بدأ المحاضر كلمته بعبارة (بسم الله الرحمن الرحيم) يخجل أصدقاؤه و ينكّسون رؤسهم!
اليوم و في عهد عظمة الإسلام و شموخ النظام الإسلامي و عزة شعب إيران بفضل مواقفه المناهضة للاستكبار، إذا وقف شخص على المنابر العالمية و تحدى أمريكا و إسرائيل و الصهيونية و حلفاءهم، و تحدث بصراحة، يخجل البعض هاهنا! و يتأفأفون و يقولون: لقد أخزيتنا! خجل يشبه ذلك الخجل من أداء الصلاة في أيام حكم الطاغوت. لماذا نخجل؟! المواقف الصريحة للشعب الإيراني - و خصوصاً الشباب - من الظلم و الجور الدولي يجب أن لا تتوقف.
أعزائي، هذه سوح التقدم و على الجميع أن يبذلوا مساعيهم. هنا جامعة كردستان. أغلبيتكم أيها الشباب من الكُرد. إنني فخور لأن الشعارات الإسلامية و مشاعر الارتباط بالمبادئ الوطنية في البيئة الكردية و بين الطلبة الجامعيين الكرد حية و متصاعدة إلى درجة تغضب الأعداء. هذا مبعث فخر وطني لنا. عملوا كل ما استطاعوا على كردستان و أشاعوا ما استطاعوا في مكبرات صوتهم و منابرهم و منشوراتهم و صحفهم، في السرّ و العلن، الفصل بين القوميات الإيرانية، و ترون اليوم نتائج ذلك في هذه الحشود، و رأيتموها في حشود ساحة »آزادي« بمدينة سنندج. و في مدينة مريوان. الشعب متحد و متلاحم و له أهدافه و مبادئه. القوميات متحدة. الآراء التي طرحها الأعزاء الكرد اليوم هنا حول التضامن و التعاطف هي أمور واضحة جداً بالنسبة لي، واضحة وضوح الشمس. قد لا يدركها البعض بصورة جيدة، فعليهم إصلاح أنفسهم.
أقول لكم: القوميات الإيرانية فرصة. لو تسابقت القوميات الإيرانية في ساحة العمل نحو الخيرات لكان ذلك شيئاً جد مفيد و حسن. لتحاول كل قومية من القوميات الإيرانية - الكرد، أو الفرس، أو الترك، أو البلوش، أو العرب، أو التركمن، أو اللُر - أن تقطع خطوات أوسع و أوسع بروحها القومية نحو أهداف التقدم الوطني و ليس مجرد التقدم الوطني. هذا شيء ممتاز جداً. ذكر أحد أعزائنا الكرد قبل أيام و في اجتماع النخبة في سنندج و كردستان - الذي انعقد في إحدى صالات هذا المكان - نقطة جيدة فقال: كما كتب الشهيد مطهري كتاب »الخدمات المتبادلة بين إيران و الإسلام - فما أحسن أن يكتب شخص حول الخدمات المتبادلة بين الكُرد و إيران.. خدمات الكرد لإيران و خدمات إيران للكرد. هذا شيء حسن جداً. أوضحوا أية خطوات يمكن أن يقطعها هؤلاء القوم من أجل المبادئ الوطنية و الإسلامية. ثم تسابقوا: سباق بين الفرس، و الكرد، و الترك، و العرب، و اللُر، و التركمن، و البلوش، و سيكون ذلك أفضل سباق وطني. و عندئذ سيتضح كم هناك مواهب متفجرة مؤثرة. و هكذا تتوفر لدينا فرصة. طبعاً يستطيع العدو تحويل هذه الفرصة إلى تهديد، و لكن كلكم واعون لحسن الحظ. الشجارات الضيقة و النظرة القومية المحدودة تتناقض تماماً مع نظرة الإسلام و الرؤية المتسامية المنفتحة التي نحتاج إليها جميعاً.
أتمنى أن ينـزل الله تعالى رحمته و بركته و فضله و لطفه عليكم جميعاً أيها الأعزاء.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة الأعراف، الآية 32.