بسم الله الرحمن الرحيم

و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين و صحبه المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين.
أنا سعيد جداً لأني حضرت اليوم بين حشود أهالي مدينة بيجار و گروس الودودين المتحمسين بما لهم من سوابق تاريخية و مفاخر كبرى. أبدى أهالي بيجار، فضلاً عن مفاخركم التاريخية القديمة، جوهرهم المتألق في الفترة المعاصرة أيضاً و في أحداث الثورة المختلفة و في الحرب المفروضة و في ملحمة الدفاع المقدس عن حدود البلاد. لقد عرض رجالهم و نساؤهم و شيوخهم و شبابهم و حتى أحداثهم و ناشئتهم شجاعة في الميدان سوف لن تُنسى يقيناً. كنا قبل قليل في روضة الشهداء عند المزار المقدس لعدة شهداء من طلبة إحدى المدارس ساروا سوية إلى سوح الجهاد، و نالوا هناك وسام الشهادة، و زرنا هناك أضرحة هؤلاء الأعزاء. هذه علامات كبيرة لأهالي مدينة معينة، و لقوم معينين، و لمدينة معينة. التاريخ سيصدر أحكامه عن هذه الأمور. لقد ولّى الزمن الذي كان فيه جهد الأقوياء و سكان المركز منصباً علی تجاهل المدن البعيدة و أقوام البلاد. في نظام الجمهورية الإسلامية حالياً يعدّ كل فرد إيراني في أية نقطة من بلادنا العظيمة الواسعة شخصية لها قيمتها المستقلة. مجموعة هذه القيم و مجموعة هذه الشخصيات المستقلة و المودات و المحبة تشكّل الشعب الإيراني الكبير، الشعب الذي استطاع في الفترة المعاصرة، و على الرغم من إرادة القوى العالمية المستكبرة، فرض تواجده و إرادته و تأثيره على المعارضين و المعاندين. صمود الشعب الإيراني، و هو اليوم صمود يضرب به المثل، و نموذج يحتذى لدی كثير من الشعوب، ناجم عن صمود و صبر كل واحد من أبناء الشعب، و عن الجوهر المتألق لشخصية كافة أقوام البلد في جميع المدن و النواحي و المناطق من هذه البلاد المترامية.
ما يلفت الانتباه حول مدينة بيجار هو أن أهاليها استطاعوا بمحبتهم لأهل البيت - سواء الشيعة منهم أو السنة، و خصوصاً الشيعة من أتباع مذهب أهل البيت - أن يخرجوا ناجحين موفقين من امتحانات كبيرة. لقد خرج هؤلاء الأهالي من امتحان حماية حدود البلد الإسلامي ناجحين، و كانت درجاتهم مقبولة. أهالي كردستان في كافة أنحاء هذه المحافظة، و منها مدينة بيجار قطب التشيع في المحافظة، يعيشون إلى جوار بعضهم و مع بعضهم سنة و شيعة عارضين نموذجاً للتضامن الإسلامي و الوحدة الإسلامية. هذه ظاهرة جديرة بالتقدير. إننا في دراساتنا و بحوثنا، لا في هذه الفترة و حسب، بل في الماضي أيضاً، لاحظنا أن النظرة لهذه المنطقة في عهد الطاغوت كانت نظرة سلبية. اعتبروا أهالي هذه المنطقة أجانب و لم يأبهوا أو يهتموا بهم. و لذلك كان أول فريق عمراني تحرك في بداية الثورة بأمر من الإمام الجليل (رضوان الله تعالى عليه) تحت عنوان مكتب عمران كردستان، قد توجّه إلى هذه المنطقة لتقديم خدماته من أجل معالجة المشكلات المتراكمة على المنطقة في العهد السابق. طبعاً حالة انعدام الأمن التي خلقها أعداء الثورة في برهة من الزمن فوّتت الفرص و أوجدت تأخراً في تقديم الخدمات، بيد أن شباب الوطن الإسلامي الشجعان - سواء شباب جهاد البناء، أو الأبطال في حرس الثورة الإسلامية، أو الرجال الأقوياء في الجيش و قوات الشرطة - و بدعم منكم أيها الأهالي استطاعوا القيام بأعمال في هذه المنطقة و المحافظة. و مع ذلك ليست حالات التأخر بقليلة. أشار إمام الجمعة المحترم إلى بعض المطاليب. و لحسن الحظ تعالج الحكومة الخدومة في جلساتها - و منها الجلسة التي عقدت قبل يومين في سنندج - القضايا و المشكلات، و اتخذت قرارات جيدة بخصوص منطقة بيجار. و رفعوا لنا تقريراً، و أكدنا على متابعة هذه القرارات و سوف تتابع إن شاء الله. بهمّتكم أيها الأهالي و مساعدتكم ستستطيع الحكومة إن شاء الله إنجاز أعمال كبيرة لهؤلاء الناس و لهذه المنطقة و لكم أيها الأعزاء.
أذكر نقطة حول الشؤون العامة للبلاد و الثورة، لكنها تتعلق بشكل خاص بقضايا بيجار، و هي أن التحرك العظيم الذي قام به الشعب الإيراني و أدى إلى حيرة العالم و ذهوله، إنما قام به بمعونة ثلاثة عناصر أساسية هي: الاتحاد، و التواجد في الساحة، و الوعي. قطع الشعب الإيراني هذه الخطوة باتحاده، و تواجده في الساحة، و وعيه، و أطلق حضارة جديدة، و حركة جديدة، و تياراً جديداً في الفكر السياسي في العالم. شعرت الشعوب المسلمة بهويتها و شخصيتها. شعروا أنهم قادرون على تعويض تأخرهم الذي فرض على الأمة الإسلامية. لذلك تلاحظون أن تحرك الشعب الإيراني ترك أثره على الشعوب المسلمة - من شمال أفريقيا إلى شرق آسيا - و أيقظ الشعوب. في قضية فلسطين، و في قضية لبنان، و في قضايا العراق و أفغانستان تبدو تأثيرات أنفاسكم أيها الشعب الإيراني محسوسة في كل المحطّات و المواقع. هذا الإنجاز الكبير إنما تأتّى بفضل هذه العناصر الثلاثة:
الاتحاد الوطني، حيث تقاربت القلوب و هتفت جميع الحناجر بهتاف واحد بلغ جميع الأسماع، و تعاضد الشعب و وحّد كلمته في كل أرجاء الوطن و بمختلف أقوامه و مذاهبه تحت راية الإسلام و الجمهورية الإسلامية. استطاع هذا التلاحم في بداية الثورة توجيه ضغط شديد على العدو كسر ظهر النظام الطاغوتي. و بعد ذلك و إلى اليوم و في الاختبارات و الامتحانات المتعددة، كانت هذه الوحدة التي تحلّى بها الشعب الإيراني هي التي أوصلت الكلمة الأخيرة إلى أسماع العدو و جعلته ييأس من التغلغل في صفوف الشعب الإيراني. ينبغي الحفاظ على هذه الوحدة.
و لذلك قلت في سنندج، و أكررها هنا: إن الإخوة المسلمين يجب أن يرجّحوا الوحدة الإسلامية على فوارق المذاهب الشيعية و السنية، و لا يسمحوا للاختلافات المذهبية أن تؤدي إلى خلافات في الاتجاهات و الأساليب. وحدة الأقوام الإيرانية، و وحدة المذاهب الإسلامية، و وحدة التيارات السياسية المختلفة ضمانة لهيبة البلاد. و أنا أوصي الجميع بالوحدة هنا أيضاً. في المواطن التي يشكل الإخوة السنة فيها الأكثرية كانت هذه توصيتنا، و هنا حيث الشيعة هم الأكثرية هذه أيضاً توصيتنا. كونوا إخواناً، و تعاضدوا و تواكبوا، و أعينوا بعضكم. هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية هي التواجد في الساحة. تواجد الشعب في الساحة استطاع فرض اليأس على الأعداء. لو لم يشارك الشعب طوال هذه الأعوام الثلاثين في الانتخابات، أو في مظاهرات الثاني و العشرين من بهمن، أو مظاهرات يوم القدس، و في المراسم و الفعاليات المختلفة، لو لم يعرضوا حضورهم و مشاركتهم الهائلة العظيمة على الأعداء، لما كانت هيبة الشعب الإيراني على ما هي عليه اليوم دون ريب. حافظوا على هذه المشاركة و التواجد في الساحة.
حينما نشدد في جميع الانتخابات على حضور الجماهير و تواجدهم في الساحة و الميادين المختلفة، فهذا هو السبب. ليس هذا التواجد مختصاً بالميادين السياسية فقط، و ليس في الانتخابات فقط، إذ يجب أن تسجل الجماهير تواجدها و مشاركتها في ميادين البناء و الاقتصاد أيضاً. و كما ذكرت، فهذا الكلام لكل الشعب الإيراني، لكنه يصدق أيضاً على مدينة بيجار. ليعرف أهالي بيجار قدر مدينتهم و أراضيهم الخصبة الخضراء الممرعة و منطقتهم العامرة بالخيرات و البركات. ما يُسمع من أن بعض أهالي هذه المنطقة يهاجرون إلى مناطق بعيدة عنها، هو بخلاف صفة التواجد في الميادين الاقتصادية. ابقوا هنا و ابنوا منطقتكم و عمروها. لقد مضى الزمن الذي لم تكن فيه الحكومات ترغب في النظر للمناطق البعيدة. لحسن الحظ تنظر الحكومة الخدومة لأقصى أنحاء البلاد و تهتم بقضاياها و شؤونها. إنني أرى و أشاهد و أشرف على الأمور عن قرب، و أرى كيف يهتمون بقضايا المحافظات و المدن بدقة. بخصوص مدينة بيجار هذه شاهدت يومها أن مسؤولي الحكومة يتفهمون مشكلات هذه المنطقة و هذه المدينة بدقة.. مشكلة شحة المياه، و مشكلة انحدار مياه السدود نحو المحافظات الأخرى و حرمان هذه المنطقة من المياه، و ما إلى ذلك من المشكلات، هذه كلها أمور يهتم بها مسؤولو المحافظة، و يفكرون في معالجتها، و يعملون على حلها. إنها لحالة مغتنمة جداً أن يفكر المسؤولون بمناطق البلاد المختلفة، حتى الأماكن البعيدة عن المركز و حتى المناطق غير المعروفة لدى كثير من الناس. هذه حالة مغتنمة جداً و جيدة جداً. على أهالي المنطقة أنفسهم أن يتعاونوا، فتعاونوا و لتكن لكم مشاركتكم. هذه المشاركة و التواجد من أهم القضايا ذات الصلة بمواصلة المسيرة العظيمة للشعب الإيراني في مختلف المناطق و في هذه المحافظة، و هذه المدينة على وجه الخصوص. اعرفوا قدر مدينتكم و دياركم، و مناخكم، و بيئتكم المباركة الجميلة النضرة الخضراء، و استفيدوا منها. و ليتعاون المسؤولون أيضاً و يتعاضدوا. هذا عن مسألة التواجد في الساحة.
و هناك مسألة الوعي أي العنصر الثالث الذي يلعب دوراً مهماً جداً، كما هو الحال بالنسبة لدور الاتحاد و الوحدة و التواجد في الساحة. لقد أثبت الشعب الإيراني أنه شعب واع. لو لا وعي الشعب الإيراني لسجلت تلك الحكومات المتزلزلة المهزوزة غير المؤمنة بالثورة التي حكمت في السنوات الأولى للثورة، لسجّلت يقيناً مصيراً سيئاً لهذا البلد. الذين كانوا يقولون صراحةً إنهم لا يؤمنون بالثورة، و الذين كانوا يقولون إنهم يخافون من أمريكا - كانوا يقولون ذلك بصراحة - و الذين كانوا يبدون ميولاً للين و التذلل و الخضوع حيال القوى الكبرى، لو قدّر لهم أن يبقوا على رأس السلطة لكان شعبنا اليوم في طريق و وضع مختلف و لما كان له شيء من هذه العزة، و التقدم، و الأبهة العالمية. وقف إمامنا الجليل بقوة، و وقف شعبنا بفضل وعيه خلف الإمام و سار معه. هذا الوعي ساعد الجماهير.
أريد أن أقول: يا أعزائي، هذا الوعي ضروري دوماً. و هو ضروري اليوم أيضاً، و ضروري غداً أيضاً. جيلنا الشاب لحسن الحظ هو صاحب النسبة المتفوقة في كافة أنحاء البلاد حالياً و هذا من حسن حظنا. ليكن الشباب واعين متيقظين. المعايير واضحة. و لا بد أن يترك هذا الوعي تأثيره في الانتخابات. كما يجب أن يكون له تأثيره في إعلان المطاليب، و في تواجد الشعب في الميادين المختلفة و في القضايا و الأمور المختلفة. ليكن الشعب الإيراني واعياً متفطناً في انتخابه - و قد ذكرت يومها معايير الانتخاب، و هذه تكملة لتلك المعايير - فلا يمسك بزمام الأمور، عن طريق أصوات الشعب، أناس يريدون رفع أيادي الاستسلام أمام الأعداء، و هتك سمعة الشعب الإيراني. لا يأتي للسلطة و المسؤولية أناس يريدون التملّق للغرب و الحكومات الغربية و الدول المتغطرسة المستكبرة ليحققوا لأنفسهم - حسب ظنهم - مكانة على المستوى الدولي. هذه أشياء لا قيمة لها بالنسبة للشعب الإيراني. لا يمسك بزمام الأمور أفراد يطمع فيهم أعداء الشعب الإيراني ليجعلهم وسيلة لتمزيق صفوف الشعب و إبعاده عن دينه و مبادئه و قيمه الثورية. على الشعب التحلي بالوعي. إذا تولى زمام الأمور أشخاص يريدون في المراكز و المؤسسات السياسية و الاقتصادية المختلفة، و بدل التفكير بمواصلة طريق الإمام و القيم و المبادئ المرسومة من قبل الإمام، أن يفكروا بخطب ودّ القوة الغربية الفلانية أو المستكبر الدولي الفلاني، فسيكون ذلك بمثابة الكارثة و المصيبة على شعب إيران. هذا الوعي ضروري بالنسبة للشعب.
إذن، اليوم أيضاً و كما كان الحال في الأعوام الثلاثين المنصرمة يحتاج الشعب الإيراني إلى هذه العناصر الثلاثة: عناصر الاتحاد، و عنصر التواجد في الساحة و الميادين المختلفة، و عنصر الوعي. إذا توفر الشعب على هذه العناصر الثلاثة و هي كلها من بركات الإيمان بالله، و من بركات التعاليم القرآنية، أقول لكم ستكون الدنيا لهذا الشعب، و كذلك الآخرة. سوف يستطيع الشعب بفضل إيمانه، و بفضل عقيدته، و ببركة التمسك بعناية و شفاعة النبي الكريم و أهل بيت العصمة و تعاليم القرآن و أهل البيت، أن يحسِّن حال دنياه لتكون أفضل مما هي عليه أضعافاً، و أن يكسب إلى جانب ذلك رضا الله تعالى، هذا هو خطنا و منهجنا العام.
إنني في زيارتي هذه لكردستان أشكر الله لأنني، مع علمي المسبق و معلوماتي الجمّة عن هذه المنطقة، و التي استحصلتها عن طريق السماع و القراءة، لكنني اكتسبت أفكاراً و معلومات و حقائق أكثر عن طريقكم مباشرة أيها الأهالي الأعزاء الصميميون الودودون الأوفياء الشجعان النجباء. أتمنى أن يعرف المسؤولون قدركم إيتها الجماهير الطيبة النجيبة المتدينة الوفية، و أن تعلموا أنتم أيضاً قدر هؤلاء المسؤولين الخدومين. بهذا الاتحاد و التعاضد بين الشعب و المسؤولين ستستطيع إيران العزيزة الوصول إلى الأهداف التي يرسمها الإسلام الثوري و الإسلام الأصيل.
اللهم نقسم عليك بمحمد و آل محمد أمطر رحمتك و بركاتك و فضلك و توفيقك على هذا الشعب. ربنا احشر الروح الطاهرة لهذا المرجع الجليل(1) والفقيه العارف الذي أفجعنا رحيله حقاً، مع أوليائه. اللهم، بمحمد و آل محمد وفقنا لبناء ذواتنا و تهذيبها و للعرفان التام.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - آية الله الشيخ بهجت.