بسم الله الرحمن الرحيم
يسعدني في هذا اليوم المبارك أن أتقدّم بأزكى آيات التهاني للأمة الإسلامية العظيمة، و شعبنا الأبي، و كافة الحضور الكرام و ضيوفنا الأعزاء و ممثلي الدول الإسلامية في بلدنا، المتواجدين ضمن حفلنا المبارك.
لا يخفى إنّ عيد الفطر يعد من أبرز و أجلّ المناسبات الإسلامية. ففي هذا اليوم يبتهج العالم الإسلامي برمته و هو يشهد أحد أعظم الأعياد الحقيقية بالنسبة له. كما أنّ الإسلام قد سعى ليميّز الأمّة الإسلامية عن سواها بهذا العيد: «جعله اللَّه لكم عيدا و جعلكم له اهلا» (1). و الملفت هنا هو الشق الثاني من الحديث. فقد أريد لنا أن نستثمر هذه الهبة الربّانية أقصى إستثمار، سواء أكان ذلك على الصعيد الفردي - بأنْ نجعل قلوبنا محلاً لبزوغ نور المعرفة و مسلكاً للتوبة و الإنابة، إذ لا يخفى أنّه لو تسنّى لنا الاتصال بعالم المعرفة و المحبّة الإلهية و جعل أنوار تلك المحبّة تنعكس على بواطننا، فإنّ كثيراً من الظلمات و المصائب و الأزمات التي تحيط بنا ستجد طريقها إلى النور و إلى الحل؛ ذلك أن قلوب الناس و أفئدتهم هي مصادر للخير أو الشر الذي نجده ينعكس على تصرفاتهم و سلوكهم و أدائهم، بما في ذلك ما يحصل في المحافل المحلية أو الدولية - أو الإجتماعي.
على العالم الإسلامي أن يجعل من عيد الفطر يوماً للوحدة و التلاحم، و يستغلّه في العودة إلى الذات و مراقبة النفس و محاسبتها. فالأمة الإسلامية اليوم بأمس الحاجة إلى ذلك. و بعيداً عن سائر التحليلات و التصورات و ما وراء كافة العلل و الأسباب التي ذكرت للأزمات و المشاكل و الإرهاصات التي تواجه العالم الإسلامي اليوم، يعتبر عامل التفرّق و التشتت هو السبب الرئيسي لذلك.
فلو توحد المسلمون و تكاتفوا و تآزروا ستتلاشى كافة مخاوفهم و رهبتهم من الأعداء. فكل من يشعر اليوم بالتهديد من القوى العالمية المهيمنة، إنّما يشعر بذلك بسبب ما يعانيه من الوحدة و فقدان النصير و المؤازر. و هذا هو السبب الرئيسي الكامن وراء الشعور بالخوف الذي يصيب الدول و الشعوب على السواء.
لكن عندما نجد أن الشعوب و الدول الإسلامية متكاتفة متآزرة فيما بينها، و أنّ الدول تجد شعوبها داعمة لها، و الشعوب تجد أنظمتها تسعى لإحقاق الحق و بسط العدل، و تجد غيرها من الشعوب يدعم مسيرتها و يرتفع صوته مؤيداً و ناصراً لها، عندئذٍ لن يبقى مجال لأي خوف أو تهديد يسعى الإستكبار العالمي لتكريسه بين بعض الدول و الشعوب.
إنّ أولى نتائج الإتحاد، شعور المرء بالقوّة. و أولى نتائج الفرقة شعوره بالخواء،: « و تذهب ريحك »(2). فالفرقة تسلب المجتمع حيويته و نشاطه. و هذه من الأمور التي لا بدّ لنا من أخذها بنظر الإعتبار و تكريسها على الصعيد الداخلي.
إنّ على كل فرد من أفراد الشعب و أخص بالذكر المسؤولين و المتصدّين لشؤون البلد، الحرص على هذه النعمة، نعمة الوحدة و الاتفاق ـ و هي نعمة أنعمها الله علينا و لا بدّ لنا من شكره عليها ـ و عدم التفريط بها: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (3).
إنّ من أعظم النعم الإلهية نعمة الأخوّة، و الشعور بالألفة و الانسجام. فلا بدّ لهذا الشعور أن يسود في البلد بأسره، و يستشري بين أفراد الشعب و صفوف المسؤولين، و الساسة، و كل مَن لكلامه وقع و تأثير على الجماهير. عليهم أنْ يجففوا مصادر الفرقة و يتغلّبوا عليها، كما عليهم تفعيل سبل التواصل و التقارب، و تجاوز الخلافات الجزئية من أجل القضايا المصيرية المهمّة ذات الطابع المشترك، لا أن يعمدوا إلى تضخيم الجزئيات و تحويلها إلى قضايا أساسية و إهمال المشتركات المهمّة و المصيرية.
إنّ الأخوّة الإسلامية، و حب الوطن، و النشوء و الترعرع في ظل مبادئ الثورة، و التمتّع بالنعمة الإلهية العظيمة المتمثلة بالنظام الإسلامي، و الحرص على المستقبل، و التفاني من أجل الشعب، كل ذلك من المشتركات الكبيرة التي لا بدّ من التمسّك بها و الحفاظ عليها، و عدم التعرّض لها أو التأثير عليها بواسطة الخلافات الجزئية. و هذا الأمر يعد بالنسبة لنا فريضة و ضرورة و واجب مقدّس لا بدّ من الالتزام به. و ليس هو بالأمر (المستحب) الذي يستحسن الالتزام به، إنّما هو أمر (واجب) لا مناص من الالتزام به. و كل من لا يلتزم به فهو يعرّض مصالح البلد و الأمّة و مستقبل الثورة للخطر.
كما لا بدّ أن يكون الأمر كذلك على صعيد العالم الإسلامي برمّته. على الدول الإسلامية الاقتراب من بعضها و التواصل فيما بينها، لا بدّ للشعور بالقوّة و المنعة الإسلامية أن يسودا.
لكن إنْ استطاع الاستكبار أن يفتت الجسد الإسلامي من خلال بث الفتن و إلقاء الوعود الكاذبة بين الأنظمة الإسلامية، فسيكون مصير الأمة كما هو عليه في الحال الحاضر و كما تشاهدونه اليوم. فالواقع الفلسطيني لا يكاد يخفى على أحد. إنّ القضية الفلسطينية ليست أمراً هيناً. إنّها تعتبر أبرز تحديات العالم الإسلامي في الوقت الراهن، كما إنّها قضية ترتبط بمصير كل إنسان في هذا العالم.
فلا يظن قادة الدول الإسلامية أنّهم عندما يتخلون عن الشعب الفلسطيني و يتركونه بين مخالب العدو الصهيوني، فإنّ الأخير بعد أن يقوم بابتلاع هذا الشعب و هضمه ـ و هو الأمر الذي لن يحصل أبداً ـ سيترك الدول الإسلامية و شأنها. كلاّ إنّهم مخطئون.
طبعاً لا يخفى أنّ الشعب الفلسطيني، شعب أبي و قوي، و قد أثبت ذلك مراراً. لقد أثبت الشعب الفلسطيني قدرته على المقاومة و الصمود، و لذلك نحن مؤمنون بأنّه سيتمكّن من تكسير مخالب المفترس الدموي السفّاك. كما إنّ هذا الشعب اليوم قد تسبب في معضلة كبيرة للعدو الصهيوني الغاصب لم يكن قد واجه مثلها طيلة الخمسين عاماً المنصرمة.
إنّ الضغوط الكبيرة التي يمارسها الصهاينة و حلفاؤهم على الشعب الفلسطيني ـ الشعب المظلوم المضطهد ـ سببها أنّ هذا الشعب بثورته قد ألقى عصاً في عجلة الأنظمة الاستكبارية أدت إلى فشل جميع مخططاتهم المشؤومة.
طبعاً، على العالم الإسلامي أن يأخذ هذه القضية على محمل الجد، و لا يتغافل عن مسؤوليته تجاهها، عليه أن يعي واجبه إزاء هذه القضية و يسعى جادّاً للعمل به. و بذلك تثمر الجهود و تصبح آفاقها جلية و واضحة إن شاء الله.
نسأل الله تعالى ببركة هذا اليوم الشريف، و هذا العيد الكبير، أن يفك أغلال الأسر عن جميع المسلمين، و يعمّ الأمّة الإسلامية و شعبنا الكريم برحمته و بركته في هذا اليوم العظيم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1) مصباح المتهجّد، ص 661.
2) سورة الأنفال: الآية 46.
3) سورة آل عمران: الآية 103.