بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أيضاً أبارك هذا العيد السعيد لكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء من أهالي بوشهر. قطعتم طريقاً طويلاً و عطرتم حسينيتنا بأنفاسكم العاطرة ‌المنبعثة من قلوبكم الموالية. الخاطرة المتبقية عن أهالي بوشهر في ذاكرتنا التاريخية خاطرة ساطعة جداً و تبعث علی الفخر. كما أشار إمام الجمعة‌ المحترم (1)، و هو و الحمد لله عالم جليل، فإن لبوشهر تاريخ متألق مجيد. الأهالي الشجعان و المؤمنون في هذه المنطقة استطاعوا مرات و مرات فرض التراجع علی أعداء‌ هذا البلد و الشعب، و التغلب عليهم. العلماء الأعلام من بوشهر الذين ذكرهم سماحته، و هم شخصيات معروفة، هم حقاً من الأسماء المتألقة بين علماء الدين الشيعة. القائد المؤمن الشجاع الشهيد رئيس علي دلواري من الأسماء التي اجتذبت دوماً القلوب المؤمنة العارفة بحاله و جهاده في كل أنحاء‌ البلد. نشكر الله علی أن هذا الاسم الذي جرت بعد الثورة ‌محاولات لطمسه و إخفائه و تركه للنسيان، جری علی الألسن و عرفته الناس و أثنت عليه، و عرف الجميع و أدركوا مظلوميته و شهادته مظلوماً. طبعاً الأمر يختلف كثيراً عن تلك الفترة. في ذلك اليوم اضطر عدد قليل من الناس بصحبة شاب شجاع أن يقاوموا أمام القوة الاستعمارية الاستكبارية الإنجليزية و هم مظلومين، أما اليوم فليسوا قلائل أمثال رئيس علي دلواري و ليسوا غرباء و متوحدين. شبابنا الأعزاء و هؤلاء المضحون و التعبويون في سوح القتال العسكري و الحرب الثقافية و المعركة السياسية كثار في الوقت الحاضر في كافة أنحاء البلاد، و لا مراء‌ أن بوشهر من الأقطاب التي تربي مثل هؤلاء الأفراد و تنشئهم. إنني لا أنسی زيارتي لبوشهر قبل عدة سنوات. لقد شاهدت و رأيت عن قرب تجلي هذه الروح الإيمانية العميقة لدی أهالي بوشهر. و اليوم أيضاً تعرضون أنتم هذه الروح. و ليعلم الجميع و اعلموا أنتم الشباب أن الزمن قد تغيّر. لقد ولی الزمن الذي كانت تستطيع فيه القوی الكبری بكامل حريتها تهديد شعوب هذه المنطقة و أهانتها و إنزال قواتها هنا متی ما أرادت، و ممارسة‌ الضغط ضدهم. لقد عرف الشعب الإيراني في العالم اليوم بأنه شعب مقتدر. القضية ليست قضية أموال، و لا هي قضية وسائل إعلامية حيث يمتلك أعداؤنا آلاف الأضعاف مما نمتلكه من هذه الأشياء، أنما القضية قضية الإيمان و العزيمة الراسخة و البصيرة، و وعي الشعب لشأنه و مكانته و حقوقه. لقد فضحت اليوم مؤامرات القوی المستكبرة. بكل هذا الإعلام الذي يبثونه و بكل هذه الوسائل الإعلامية الحديثة ‌التي يمتلكونها و مناخ الرأي العام العالمي الذي يتوهمون أنه في قبضتهم، مع ذلك يراق ماء وجه هذه القوی - و علی رأسها أمريكا - أمام الشعوب أكثر فأكثر و يفضحون أكثر و تتضح أكثر أهمية صمود الشعوب و انبثاق القوی‌ الوطنية. المستقبل لكم و هو ملككم. الاقتدار الحقيقي حق الشعب الإيراني و هو للشعب الإيراني. و ما من أحد بوسعه صرف هذا الشعب عن السبيل الذي انتهجه.
طيّب، اليوم يوم عيد كبير، يوم ولادة شخصية منقطعة النظير في تاريخ البشرية حيث لا نعرف بعد الكيان المقدس لخاتم الأنبياء (صلی الله عليه و آله) شخصاً بعظمة شخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. يجب أن نأخذ «عيديّة» في هذا اليوم. و «عيديّتنا» هي استلهام الدروس.. استلهام الدروس.
شخصية أمير المؤمنين منذ الولادة و حتی الشهادة كانت طوال هذه المراحل شخصية استثنائية. ولادته في جوف الكعبة - و هو ما لم يحدث لأحد غيره، لا قبله و لا بعده - و شهادته في المسجد و محراب العبادة. و بين هاتين المحطتين كانت كل حياة الإمام أمير المؤمنين جهاداً و صبراً لله و معرفة و بصيرة و مسيرة في سبيل رضا الله. في بداية طفولته وضعت يد التدبير الإلهي علي بن أبي طالب في أحضان الرسول. كان أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) في السادسة من عمره حينما أخذه الرسول من بيت سيدنا إبي طالب إلی بيته. تربّی أمير المؤمنين في أحضان الرسول و تحت ظل تربيته. و حينما نزل الوحي علی الرسول كان الشخص الوحيد إلی جانب الرسول في حراء في تلك اللحظات الحساسة.. و لقد كنت اتبعه اتباع الفصيل أثر أمه. كان مع النبي و لا ينفصل عنه و يتعلم منه دائماً. يقول الإمام علِي نفسه في الخطبة ‌القاصعة من نهج البلاغة:« و لقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي».. يقول: لقد سمعت أنين الشيطان حينما نزل الوحي علی‌الرسول.. سمعته. «‌فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة» سألت الرسول: ‌ما هذا الصوت الذي سمعته؟ فقال الرسول:« هذا الشيطان قد آيس من عبادته».. هذا أنين يأس الشيطان من أن يستطيع إضلال الناس. لقد حلّ مصباح الهداية. ثم قال: «إنك تسمع ما أسمع و تری ما أری». هذه هي درجة قرب الإمام أمير المؤمنين من الرسول خلال فترة طفولته. آمن بالرسول في طفولته و صلی معه و جاهد معه و ضحی من أجله. طوال حياته.. خلال حياة الرسول بشكل، و بعد رحيل الرسول و علی أمتداد الأطوار المختلفة، بذل الإمام علي كل مساعيه لإقامة الحق و إقامة دين الله و صيانة الإسلام. ميزان الحق في نظر الرسول الأكرم هو الإمام علي أمير المؤمنين. روي عن طرق السنة و الشيعة: «علي مع الحق و الحق مع علي، يدور معه حيثما دار». إذا كنتم تطلبون الحق فانظروا أين يقف علي، و ماذا يفعل و إلی أي اتجاه يشير؟ هكذا هي حياة الإمام أمير المؤمنين.
يجب قراءة نهج البلاغة و تعلمه. في الحقبة‌ المتأخرة تعرف الكثير من المفكرين و العلماء غير المسلمين - و ليس المسلمين فقط - علی نهج البلاغة و قرأوا كلمات أمير المؤمنين و اطلعوا عليها، و استمعوا للحكم المتجسدة في هذه الكلمات، و تعلموها، و ذهلوا لعظمة هذا الكلام و صاحبه. علينا الاهتمام بنهج البلاغة أكثر من هذا، و العكوف علی تعلمه أكثر مما تعلمناه. و الاغتراف أكثر مما اغترفنا من البحر الزاخر لحكم أمير المؤمنين، فهي تضئ كل أبعاد الأمور و الأعمال و تعطينا كل الدروس. لعلماء‌ أهل السنة‌ الكبار حول هذه الكلمات عبارات تذهل الإنسان. الإمام أمير المؤمنين ليس للشيعة فقط، كل أهل الإسلام و كل المحبين للإسلام يرون علي بن أبي طالب (عليه الصلاة و السلام) ‌في القمة من العظمة العلمية و المعنوية و الأخلاقية و الإنسانية و الإلهية.
حياة الإمام أمير المؤمنين كلها دروس. ما يشاهده الإنسان في سلوك الإمام أمير المؤمنين - و الذي يشمل كل الخصال الحسنة التي يحملها الإنسان و القائد - و أفضل هذه الخصال بالنسبة لحاضرنا هو حالة منح البصيرة للذين يحتاجون إلی البصيرة. أي إنارة الأجواء. في كل الأطوار تم توظيف هذه الشجاعة ‌اللامتناهية و هذه التضحيات العظمی لخدمة‌ توعية الناس و تعميق أفكارهم و إيمانهم. في حرب صفين حينما شعر الجانب الآخر أنه يوشك علی الهزيمة رفع المصاحف علی الرماح من أجل أن يوقف الحرب، فجاء‌ البعض للإمام علي أمير المؤمنين (ع) و ضغطوا عليه لكي يستسلم و ينهي الحرب. رفعوا المصاحف و كانت هذه حيلة عجيبة منهم. فقال الإمام علي لهم إنكم علی خطأ و لا تعرفون هؤلاء. الذين يرفعون المصاحف اليوم و يعتبرون القرآن حكماً لا يؤمنون بالقرآن. أنا الذي أعرفهم. «إني عرفتهم أطفالاً و رجالاً». لقد شهدت فترة طفولتهم و شهدت فترة رجولتهم. «فكانوا شرّ أطفال و شرّ رجال». كانوا الأسوء دائماً. هؤلاء لا يؤمنون بالقرآن. حينما تضيق بهم السبل يرفعون القرآن. و لم يسمع أولئك قوله بل أصروا علی قولهم و لحقت الخسارة بالعالم الإسلامي.
الإمام أمير المؤمنين كان يفيض بالبصيرة و ينشرها. و نحن اليوم بحاجة لهذه البصيرة. أعداء العالم الإسلامي، و أعداء الوحدة الإسلامية، يخوضون الساحة حالياً بأدوات الدين و الأخلاق، و لذلك ينبغي الحذر و التبصر. حينما يرومون خداع الرأي العام لغير المسلمين يتحدثون عن حقوق الإنسان و الديمقراطية، و حينما يريدون الاحتيال علی الرأي العام في العالم الإسلامي يتحدثون عن القرآن و الإسلام. و الحال أنهم لا يؤمنون لا بالإسلام و لا بالقرآن و لا بحقوق الإنسان. علی الأمة الإسلامية‌ أن تعلم هذا. لقد اختبرهم الشعب الإيراني طوال ثلاثين أو واحد و ثلاثين عاماً. و اليوم أيضاً يجب أن نعلم ذلك.. الكل يجب أن يعلموا.
هتف الإمام علي أمير المؤمنين في لحظة الخداع و الفتنة بأصحابه: «أمضوا علی حقكم و صدقكم». لا تتخلوا و لا تتركوا سبيل الحق و مسيرة الصدق التي انتهجتموها. و لا تسمحوا للزلازل أن تلج قلوبكم عن طريق كلام أرباب الفتن و مثيريها. «أمضوا علی حقكم و صدقكم». طريقكم طريق صحيح. سمة فترة الفتنة - كما قلت مراراً - هي الغموض و الضبابية. النخبة قد تقع أحياناً في الخطأ و الشبهة. هنا لا بد من مؤشرات و معايير. و المعيار هو الحق و الصدق و البيّنة التي تتوفر للناس. و كان الإمام أمير المؤمنين يرجع الناس إلی البيّنة. و نحن اليوم أيضاً بحاجة لهذا الشيء.
يوصينا الإسلام أن المجتمع الإسلامي يجب أن يدار و يُهدی و يعيش بدساتير الإسلام. يقول الإسلام إنه يجب مواجهة الأعداء‌ المهاجمين بقوة و اقتدار. و ينبغي رسم حدود واضحة و شفافة تفصلنا عنهم. الإسلام يقول إنه يجب عدم الوقوع في خداع العدو. هذا هو الخط الساطع للإمام أمير المؤمنين. و نحن اليوم بحاجة لهذا الخط الساطع.
و الشعب الإيراني طبعاً شعب واع بفضل الثورة. الكثير من معضلات هذا البلد عولجت ببصيرة الجماهير. كثيراً ما يلاحظ المرء أن عموم الشعب يدركون و يفهمون بعض الحقائق أفضل من بعض الخواص و النخبة، ذلك أن تعلقهم أقل. هذه من النعم الكبری. إخوتي و أخواتي الأعزاء، اعلموا و ليعلم الشعب الإيراني كله أن الشعب الإيراني أثبت و برهن علی ثبات أقدامه في مسيرته نحو المبادئ الإسلامية السامية، و سوف يحافظ بتوفيق و فضل من الله علی هذا الثبات.
يرنو الشعب الإيراني إلی أن يكون تحت ظل الإسلام شعباً سعيداً مرفهاً متكاملاً خلوقاً عزيزاً مقتدراً. لقد سار الشعب الإيراني في هذا السبيل و تقدم إلی الأمام و أنجز أعمالاً كبری. ما تشاهدونه اليوم في وضعنا الحالي - هذا التقدم و هذه القدرات و هذه الإمكانيات العالية و تكريس شعارات الثورة الرئيسية - لم يحصل و لم يتأت بسهولة، لقد حقق الشعب الإيراني هذه الإنجازات بقدراته و بصيرته، و سوف يواصل هذا الطريق بتوفيق من الله. المستقبل للشعب الإيراني. و لن يستطيع كيد الأعداء و مكر المسيئين صرف هذا الشعب أو حرفه عن الطريق الذي يسير فيه. بصيرة شبابنا حالياً بصيرة جيدة جداً و الحمد لله. و هم ينجزون أعمالاً كبيرة في المجالات المختلفة. ينبغي زيادة هذه الإنجازات يوماً بعد يوم. يجب مضاعفة هذا الثبات علی الطريق و هذا الصمود و هذا الالتئام و التضامن الوطني يوماً بعد يوم. التمسك بشعارات الإسلام و الاعتصام بالقرآن و بسيرة أهل البيت (عليهم السلام) و بكلمات أمير المؤمنين ظواهر يتعيّن أن تتضاعف يوماً بعد يوم.
سيری شبابنا إن شاء الله اليوم الذي يشعر فيه الأعداء العتاة المتغطرسين الدوليين العالميين بأنه لا يمكن فرض منطق القوة علی الشعب الإيراني. أعان الله شعبنا العزيز و المسؤولين المخلصين الخدومين ليقرّبوا موعد الوصول إلی هذا الهدف أكثر فأكثر بجهودهم و أعمالهم المخلصة إن شاء الله.
ندعو أن يحفظكم الله تعالی و يؤيدكم و يثيبكم علی هذا الدرب الطويل الذي تسيرون فيه. و أرجو أن تبلغوا تحياتي و حبّي لكل أهالي محافظة بوشهر الأعزاء. رضي الله عنكم و رضيت عنكم الروح الطاهرة لإمامنا الجليل و نرجو أن يحشر الله شهداءنا الأعزاء و شهداء‌ بوشهر الأبرار الأجلاء مع أوليائهم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1- حجة الإسلام و المسلمين صفائي بوشهري.