بسم الله الرحمن الرحيم
كانت هذه الجلسة اليوم جيدة جداً، و قد استمتعنا حقاً بالاستماع لآيات القرآن الكريمة من حناجر هؤلاء البلابل في رياض القرآن. و أتقدم بالشكر الجزيل لمقيمي هذه المراسم الحافلة القيّمة، و أتمنى أن نوفق للاقتراب من القرآن الكريم أكثر فأكثر.
الحقيقة أننا لا نزال بعيدين جداً عن القرآن و تفصلنا عنه مسافات كبيرة. يجب أن تكون قلوبنا قرآنية. و أرواحنا يجب أن تستأنس بالقرآن. إذا استطعنا أن نستأنس بالقرآن و أن نستوعب معارفه في قلوبنا و أرواحنا فسوف تكون حياتنا و مجتمعنا قرآنياً، و ليس الأمر بحاجة إلى أنشطة و ضغوط و رسم سياسات. أصل المسألة هو أن تكون قلوبنا و أرواحنا و معارفنا قرآنية حقاً.
أقول لكم إنه جرت مساع طوال أعوام متمادية لخلق بون شاسع بين المعارف القرآنية و قلوب أبناء المجتمع و الأمة الإسلامية. و تجري هذه المحاولات الآن أيضاً. في بعض البلدان الإسلامية الآن، يبدي بعض الرؤساء المسلمين استعداداً لحذف فصل الجهاد من التعليمات الإسلامية رعايةً لإرادة أعداء الإسلام. هم على استعداد لإقصاء المعارف القرآنية من التعاليم العامة في مدارسهم و بين شبابهم حينما تتعارض مع مصالح الأعداء. و تجري مثل هذه المساعي اليوم أيضاً.
وعدنا القرآنُ الكريم بالحياة الطيبة: (فلنحيينّه حياةً طيبة)(1). ما معنى الحياة الطيبة؟ ما معنى الحياة الطاهرة؟ معناها الحياة التي يجري فيها تأمين روح الإنسان و جسمه و دنياه و آخرته. الحياة الفردية فيها مؤمَّنة، و تسودها السكينة الروحية و الطمأنينة و الراحة الجسمية، و يتمّ فيها تأمين الفوائد الاجتماعية و السعادة الاجتماعية و العزة الاجتماعية و الاستقلال و الحرية العامة. هذا ما يعدنا به القرآن الكريم. حينما يقول القرآن: (فلنحيينه حياةً طيبة) فالمراد بها كل هذه الأمور، أي الحياة التي تتوفر فيها العزة و الأمن و الرفاه و الاستقلال و العلم و التقدم و الأخلاق و الحلم و التجاوز عن الإساءة. تفصلنا مسافات عن هذه الأمور، و علينا الوصول إليها.
الأنس بالقرآن و معرفته يقرّبنا من هذه الظواهر. و هذا هو مردّ جلسات القرآن هذه، و هذه الدورات القرآنية، و المسابقات القرآنية، و اندفاعنا لإعداد القرّاء و الحفاظ وتربيتهم. كل هذه مقدمات لكنها مقدمات لازمة.
إننا نعاود توصية شبابنا الأعزاء بأن يستأنسوا بالقرآن و يجالسوه. و ما جالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان. زيادة في هدى أو نقصان في عمى.(2) في كل مرة تجلسون فيها مع القرآن يرتفع حجاب من حجب جهلكم، و تتفجر عين من عيون النور في قلوبكم و تجري. الأنس بالقرآن و مجالسته و تفهمه و التدبر فيه، هذه كلها ممارسات لازمة.
و مقدمة هذا العمل هي أن نستطيع قراءة القرآن و حفظه. حفظ القرآن مؤثر جداً. ليعرف الشباب قدرة فترة الشباب و القدرة على الحفظ. و لتشجّع العوائل أطفالها على حفظ القرآن، و تفرض ذلك عليهم. حفظ القرآن له قيمة كبيرة. حفظ القرآن يمنح الحافظ فرصة القدرة على التدبر في القرآن الكريم عن طريق تكرار الآيات. هذه فرصة و توفيق فلا نضيّعه و لا نهدره. و الحفّاظ يجب عليهم معرفة قدر هذه النعمة الإلهية الكبيرة، فلا يدعوا حفظهم للقرآن يضعف أو يزول لا سمح الله.
قراءة القرآن من بدايته إلى نهايته أمر لازم. ينبغي قراءة القرآن من أوله إلى آخره، و إعادة قراءته من أوله إلى آخره، ليتعرف ذهن الإنسان مرة واحدة على جميع معارف القرآن الكريم. طبعاً، لا بد من معلمين و أساتذة يفسرون لنا و يبينون لنا المشكل من الآيات، و يشرحون لنا معارف الآيات و بطونها. هذه كلها أمور لازمة. إذا كانت هذه الأمور تقدمنا إلى الأمام كلما تقدم الزمن، و لن نعود نعرف التوقف و المراوحة.
و أقول لكم إنه كانت لدينا طوال هذه الأعوام الواحدة و الثلاثين مثل هذه المسيرة نحو الأمام. لم يكن ثمة ذكر للقرآن في بلادنا قبل الثورة. يظهر هنا و هناك عاشق للقرآن يقيم جلسة يجتمع فيها عشرة أو خمسة عشر أو عشرون من طلاب القرآن. شهدنا ذلك و قد كانت مثل هذه الجلسات في جميع المدن، في طهران، و عندنا في مشهد، و لكن لم تكن هذه الحركة الشبابية الهائلة نحو القرآن، و لم يكن هذا الشوق لقراءة القرآن و تلاوته و تربية هذه الأعداد الكبيرة من القراء المتبحرين في تلاوة القرآن.. لم يكن كل هذا. لم يكن ثمة حفظ للقرآن. حينما يأتي هؤلاء الشباب من حفظة القرآن و يقرأون القرآن حفظاً أشكر الله من أعماق قلبي. هذا ببركة الثورة و الإمام، فاعرفوا قدره.
كلما اقتربنا من القرآن أكثر حدث شيئان أكثر: أحدهما أننا سنقوى أكثر. و الحدث الثاني هو تكالب أعدائنا الدوليين علينا أكثر، فليتكالبوا. كلما سرنا نحو القرآن و اقتربنا منه كلما غضب أعداء البشرية أكثر، و كالوا لنا التهم و الأكاذيب، و بثوا عنا الإشاعات، و مارسوا ضدنا الضغوط الاقتصادية و السياسية و شتى صنوف الخبث و المكائد - و نرى أنهم يفعلون ذلك - و لكن في مقابل ذلك، تتضاعف قدراتنا و صبرنا و إمكانيات تأثيرنا يوماً بعد يوم، و تلاحظون أن هذا يحدث.
لاحظوا الجبهة التي تخاصم الجمهورية الإسلامية اليوم.. إنها جبهة طويلة و عريضة و قد تجمع فيها كل شياطين العالم و أشراره، من الصهاينة إلى الأمريكان، إلى أخبث الحكومات الغربية إلى أكثر الحكومات غير الغربية عمالة و حقارة - و لا نضيّق الدائرة أكثر - كلهم منخرطون في هذه الجبهة، وهم يفعلون كل ما يستطيعون. لا تظنوا أن ثمة شيء بوسع أعدائنا أن يفعلوه ضد الجمهورية الإسلامية و لم يفعلوه، لا، لقد فعلوا لحد الآن كل ما استطاعوه، و يفعلون كل ما يستطيعون فعله الآن. و أي شيء لا يفعلونه فلأنهم عاجزون عن فعله. لكن شعب إيران يقف باقتدار و عزة و شموخ أمام كل هذا.
يقول: حبل ممدود من السماء(3).. هذا القرآن حبل إلهي متين إذا اعتصمنا به أمنّا من الزلل و السقوط و الضياع و ما إلى ذلك.
ربنا، أحينا بالقرآن و أمتنا بالقرآن و احشرنا مع القرآن. ربنا أرض عنا القرآن. ربنا لا تفصلنا لحظةً عن القرآن و أهل البيت. ربنا احشر شهداءنا الكرام و الروح الطاهرة لإمامنا الجليل مع أوليائك.
و نشكر جميع الضيوف الأعزاء، خصوصاً هذين القارئين المحترمين الذين تليا القرآن الكريم، الشيخ نعينع، و الشيخ شاذلي. كانت تلاوة كلٍّ منهما جيدة جداً. نسال الله أن يوفقهم و يؤيدهم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 

الهوامش:
1 - سورة النحل، الآية 97.
2 - نهج البلاغة، الخطبة 176.
3 - إرشاد القلوب، ج 2، ص 306.