بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة و الأخوات أهلاً و سهلاً بكم كثيراً. أتمنى أن يكون هذان اليومان الذان اختيرا في بلادنا كيوم للمعلم و يوم للعامل مصدر بركات و خيرات عليكم و على كل شعب إيران و على المسؤولين، و قد كانا كذلك لحد الآن بفضل دماء الشهيد العزيز الجليل آية الله مطهري (رضوان الله عليه)
المعلم مظهر العلم، و العامل مظهر العمل. و إذن، فيوم المعلم و يوم العامل هما يوما العلم و العمل. و قوام المجتمع بالعلم و العمل. إذا استطعنا تنمية هذين الركنين - أي العلم و العمل، التربية و التعليم و العمل و الابتكار - في مجتمعنا، و تحقيق تقديم محسوس في بلادنا في هذه المجالين - و هذا ما حصل حالياً إلى حد كبير و الحمد لله - فسوف تكون مسيرة البلاد نحو أهدافها سريعة و سوف ترتفع المشكلات، و سوف يقترب الشيء الذي رسمته ثورتنا العظيمة لإيران الإسلامية. لذا فإن هذان الركنان مهمان. ممثلو هذين الركنين - أي مجتمع المعلمين في البلاد و منظومة التربية و التعليم من جهة، و المجتمع العمالي في البلد و المنظومة المرتبطة بالعمل و الابتكار و الإنتاج و الحركة الصناعية و الزراعية و غير ذلك من جهة ثانية - مهمون جداً بالنسبة للبلد.
بمناسبة هذا الاجتماع الذي انعقد إحياء ليوم العامل و يوم المعلم أذكر نقطة لمجتمع العمال و مجتمع المعلمين في البلاد، و نقطة أخرى للمسؤولين. ما أروم قوله لمجتمع العمال و المعلمين في البلد هو إبداء الحبّ و المودة و الشدّ على أيديهم و الدعاء من الله لهم بالعون و القوة. إنني أشكر جماعة العمال و جماعة المعلمين في البلاد من صميم القلب. أعلم كم حاول الأعداء فصل هاتين الجماعتين العظيمتين عن الشعب و عن الثورة، بيد أن مقاومة أفراد هاتين الجماعتين أحبطت كل مساعيهم. كم بثوا من الوساوس بين العمال عسى أن يستطيعوا إيقاف عجلة العمل في البلاد. و كم بثوا من الوساوس بين المعلمين و في قطاع التربية و التعليم في البلاد من أجل أن يستطيعوا تعطيل المدارس و الصفوف الدراسية، لكنهم لم يستطيعوا، لم يستطيعوا لحد الآن بفضل من الله و بالاعتماد على الإيمان و النور الذي تعمر به قلوب أبناء هذا المجتمع، و أنا على يقين من أنهم لا يستطيعون ذلك في المستقبل أيضاً. هذا مدعاة شكري لله و لكم.
و التوصية التي أوصيكم بها هي أن ترفعوا جودة العمل في كلا القطاعين يوماً بعد يوم إن شاء الله. حين تحدثنا قبل سنتين أو ثلاث سنوات عن ضمير العمل و تكررت هذه العبارة على الألسن، ففي ذلك إشارة إلى نقطة مهمة. لا أدري إلى أي حد يدرك الذين يذكرون هذه العبارة بألسنتهم، أهمية مضمونها و تأثيرها. ضمير العمل تعبير من قبيل الضمير السياسي أو الضمير العلمي. معنى هذه الكلمة أن الشخص الذي يمارس عملاً معيناً يشعر في ضميره بالمسؤولية تجاه عمله. هذا غير المسؤولية حيال ربّ العمل.. إنه شيء آخر. بالإضافة إلى الجانب الشرعي و الجانب الإنساني و جانب الالتزام، يشعر الإنسان بأنه مسؤول حيال العمل نفسه فينجزه بشكل صحيح و كامل و متين و على أحسن الوجوه، سواء راقبه أحد و تابعه أم لم يكن ثمة من يراقبه و يتابعه. هذا هو معنى الضمير العملي.
يعتبر العمل في الإسلام عبادة و قيمة، و من مقتضيات ذلك أن الإنسان إذا تقبل عملاً و التزم بإنجازه فعليه إنجازه على أحسن وجه. و هذا كلام ينطبق أيضاً على عمل الإنسان في الصفوف الدراسية، و على خط الإنتاج، و في المزرعة، و خلف ماكنة الخياطة، و داخل المنزل. في أي نوع من أنواع العمل - و حسب هذه الرؤية، فالتعليم و التربية أيضاً عمل.. عمل قيم جداً - إذا كان لفاعل العمل ضمير عملي فسوف ينجز عمله بأحسن وجه. هذا هو المفتاح لحل مشكلات البلاد. إذا اشتريتم البضاعة الفلانية و أخذتموها إلى المنزل و رأيتم أنها عطلت بعد مدة وجيزة، و أن العمل الذي بذل في إنتاجها لم يكن بالصورة الصحيحة - و هو ما يبعث على عدم الثقة في العمل المنجز - فإن مثل هذا الشيء لن يحصل في حال وجود الضمير العملي. يبعث الإنسان ابنه إلى المدرسة و هو لا يدري إلى أي شيء يتحول ابنه في المدرسة.. هذا لن يعود موجوداً.
حينما يمارس كل فاعلو العمل أعمالهم بضمير عملي، و يعلمون أنهم حينما يعملون فإن الله تعالى يراهم و يشهدهم حتى لو لم يكن ربّ العمل حاضراً.. و أن الكرام الكاتبين حاضرون و ملائكة الله المقربين ينظرون، فإن أية دقة تبذل لتحسين العمل ستحظى بثناء الكرام الكاتبين و تسجل في ملف أعمال الإنسان الفاعل. هذه أشياء لا تؤخذ في حساباتنا البشرية و لا نراها غالباً، أي نغفل عنها و لا ننتبه لها، لكنها ليست كذلك في الحسابات الإلهية.
إذا درّستم حتى في الدقيقة الأخيرة من وقت الصفّ و لم تسمحوا لهذه الدقيقة بأن تهدر، أو إذا خصصتم وقتكم حقاً لذلك الطالب السيىء التعليم و بذلتم مساعيكم، أو إذا أبديتم الدقة اللازمة في المعمل أو المزرعة أو البيت أو أي مكان آخر، فإن هذه الدقة و الاهتمام ستكتب في ملف أعمالكم. هذا التسجيل في الملف الإلهي لن تعود فائدته على الآخرة فقط إنما له تأثيراته حتى في هذه الدنيا. أي إن متانة العمل و الدقة في أعمال الدنيا تنتج مجتمعاً مرفوع الرأس، عامراً، أفراده أقوياء لا يستسلمون أمام العدو، و في غنى عن لئام خلق الله و أعداء المجتمع. و سوف يحقق ذلك سمعة طيبة للمجتمع و البلد في العالم. هذه أمور تتعلق بما قبل الموت، و في الطرف الآخر فإن البرزخ و القيامة و الثواب الإلهي تترتب كلها على هذه الأعمال. هذه توصيتنا لكم. إنني إذ أشكر من أعماق قلبي جماعة العمال في البلاد و منظومة التربية و التعليم في البلاد، أتقدم أيضاً لهم بطلبي هذا. و سوف تستطيعون إن شاء الله تحسين عملكم يوماً بعد يوم.
و أقول للمسؤولين في كلا القطاعين: لا تغرقوا في المشكلات اليومية الجارية لهذين القطاعين. فوق هذه المشكلات فكروا في رفع مستوى هذين القطاعين. مواهب شعبنا مواهب متميزة. إننا نشدد منذ سنوات على المواهب الإيرانية. تصور البعض أننا نقول هذا بدافع حب شعبنا و بلادنا، و الحال أن ما قلناه يستند إلى الإحصاءات و المعلومات. لحسن الحظ أذيعت في الأعوام الأخيرة أخبار و تقارير موثقة و قوية و اطلع عليها الناس و قد شاهدتم نماذج منها. في هذه المسابقات العالمية التي تقام تحت عنوان الأولمبياد لاحظتم أن شباب بلدنا تفوقوا علی معظم البلدان، مع أنهم في بداية الطريق. في المسابقات العالمية، و في الملتقيات العلمية، و في المشاركة في بعض الأعمال الصناعية الكبيرة و المعقدة، و في الصناعات الدقيقة و الظريفة و غيرها، استطاع بعض الذين توجّهوا إلى هناك من بلادنا أن يتفوقوا على الآخرين. هذه هي الموهبة المتميّزة.
من جهة ثانية، لو أعطيتم صاحب أفضل المواهب مسحاةً و فرضتم عليه عملاً غير علمي، فسوف لن تتفتح مواهبه و لن تزدهر، و لكن حين يُفسح المجال، و قد خرج البلد و الحمد لله من تحت هيمنة الأجانب، تحولت أجواء البلاد تدريجياً إلى أجواء مناسبة جيدة. حينما تكون أجواء التعليم و التربية و البحث العلمي و الجامعات و المدارس جيدة، و مسؤولو البلاد و الحكومة يشجّعون، فسوف تزدهر المواهب، و ترون كيف أنها تزدهر.
بالنظر لهذه المواهب العالية، علينا في مضمار الأمور العملية أن يكون لنا عمال ماهرون. ينبغي أن تكون لنا إبداعاتنا في مسائل العمل. يتعيّن أن تكون أجواؤنا العملية مجموعة من الطاقات الفعّالة و القديرة و الخبيرة، و ليس العمال الذين لا يعلمون ماذا يفعلون. علی المسؤولين تمهيد الأرضيات للإبداع و الخلاقية، و التقدم في ذلك يوماً بعد يوم. بالطبع، جرى إنجاز الكثيرمن الأعمال - لا نريد القول إنه لم ينجز شيء - و لكن ينبغي إنجاز المزيد، و السير بسرعة أكبر في هذا المضمار.
و كذا الحال فيما يخصّ التربية و التعليم. في مناخ التربية و التعليم ينبغي العمل بحيث لا يضيع حق موهبة واحدة من بين هؤلاء الملايين من الشباب و الناشئة الإيرانيين. أي في حدود المرحلة الثانوية - هذه الأعوام الإثني عشرة التي يدرسونها - يجب أن لا تذهب هدراً أية موهبة من مواهب الطلاب الدارسين. و بعد ذلك قد يلتحق البعض بالجامعات، و قد ينخرط البعض في الفروع الصناعية، لا إشكال في ذلك، و كلها مجالات جيدة. و لكن يجب ازدهار كافة المواهب خلال هذه المدة. ينبغي القيام بما من شأنه حصول هذا الشيء. و إلاّ ليست مهمة المسؤولين الأساسية في هذين القطاعين المحافظة على السياق العادي و الانشغال بالكمية. على صعيد العمل يجب مثلاً زيادة فرص العمل و تنويعها و التقدم بها إلى الأمام. هذا ما نتوقعه من المسؤولين في هذين القطاعين. ما نوصي به في هذه المجالات لا يتعلق بهذين القطاعين و حسب، بل يرتبط بكل البلاد و تعود فوائده على البلاد برمّتها.
أعزائي، بلد إيران الإسلامي يمرُّ بطور حساس و مهم جداً، يشبه في خطورته سنوات الحرب. كانت تلك الأعوام خطيرة بشكل و هذه الأعوام خطيرة و مهمة بشكل. في هذه المرحلة يقعد أعداؤنا خارج البلاد - هذه الحكومات و عملاء الاستكبار - و ينظرون إلى إيران ليروا هل يستطيعون صرف الشعب الإيراني عن مواقفه المبدئية الإسلامية أم لا. هممهم منصبة على هذا الجانب.
لاحظوا، ثمة في العالم سلسلة تقف على رأسها هذه البلدان الاستكبارية -أمريكا و بعض البلاد الأوربية - التي ترى نفسها بلداناً متقدمة. هذه البلدان على رأس السلسلة، و خلفها بلدان صغيرة و فقيرة و ضعيفة و حكومات غير شعبية تؤخذ ذات اليمين و ذات الشمال بواسطة هذه السلسلة. الشيء الذي تريده تلك البلدان الواقفة على رأس السلسلة و الاتجاه الذي ترغب فيه تفرضه طبعاً على البلدان السائرة وراءها. و قد عوّد أولئك المساكين ذلكم العتاة على العتوّ و العسف. ما تفعله هاتان الجماعتان هو كلعب الأطفال حيث يقف البعض في المقدمة و يصطف الباقون وراءهم و يسيرون خلفهم. أعتقد أن جزءاً كبيراً من الذنب في غطرسة الحكومات العاتية المتعسفة راهناً يعود على الأنظمة التي تشجع بضعفها تلك القوى على الوقاحة و التوقعات الكبيرة و استخدام القوة.
في هذه الغمرة، ما انفكت إيران الإسلامية تخاطب منذ سبعة عشر أو ثمانية عشر عاماً تلك البلدان قائلة: كونوا أنفسكم، كونوا مستقلين، كونوا مع شعوبكم، أديروا أنفسكم بأنفسكم، التزموا بثقافتكم و استقلالكم و دربكم.. لماذا تتبعون غيركم؟ و الحكومة و الشعب في إيران ذاتهما يقفان كالجبل و لا يستسلمون لوقاحات تلك القوى و عسفها. و الحال أن إيران في الماضي كانت أحد هذه البلدان السائرة في الخلف و الممسكة بطنب من هم أمامها تسير بمسيرهم و تتبع خطواتهم على غير هدى.
قال هؤلاء بعد انتهاء الحرب: طالما انتهت الحرب الآن، فقد نستطيع في خضم أوضاع ما بعد الحرب حيث تروم الحكومة و الشعب في إيران إعادة البناء، أن نفرض عليهم بضغط الاحتياجات و الضرورات أن يتراجعوا عن مواقفهم و يعودوا لاتباع البلدان المستكبرة. لكنهم وجدوا أن الأمر ليس كذلك. سار الشعب الإيراني طوال هذه الأعوام أيضاً على طريق التقدم و قطع خطوات واسعة على سبيل تنمية البلاد و أنجز الكثير من الأعمال. و على صعيد مواقفه السياسية في الأوساط و القضايا الدولية راح شعب إيران يعلن عن مواقفه بصراحة و وضوح و حسم أكبر يوماً بعد يوم، و لم يستسلم لهم. لذلك يحاولون الضغط عليه.
في هذه الفترة يجب على الشعب الإيراني أن يزيد من تفكيره في بناء ذاته. على شعب إيران أن يبذل كل مساعيه طوال الأعوام التي لم تنقطع فيها آمال الأعداء، لكي لا يكون له حتى القليل من التوكؤ على الخارج، و يحقق الاكتفاء الذاتي الحقيقي بكل معنى الكلمة، حتى يفوّت عليهم فرص الضغط و العسف.
لاحظوا الاجتماع الذي عقده يوم أمس وزراء الخارجية الأوربيون! أطلقوا كلاماً فارغاً خارج حدود الأدب. و اتخذوا مواقف غير صحيحة، و تحدثوا و قاموا و قعدوا، فما كان الهدف من ذلك؟ الهدف هو الضغط على الحكومة و الشعب في إيران. وعلى حكومة إيران و شعبها أن يثبتا بأن ردود أفعالهما حيال الحكومات الغاشمة المستكبرة عديمة الأدب، شديدة و حاسمة جداً.
من كلماتهم الخاطئة جداً التي أطلقوها في اجتماعهم بعد أن تشاوروا و تظافرت عقولهم هي أن قالوا: لنذهب و نطالب حكومة إيران باحترام معايير حقوق الإنسان! كلما فكّرت ماذا يمكن تسمية موقفهم هذا، و ما معنى فعلهم هذا، لم أجد غير كلمة الوقاحة شيئاً يدل على حقيقة فعلهم. لقد مارسوا الوقاحة في كلامهم هذا.. حقوق الإنسان؟! لقد ارتكبت الحكومات الأوربية أفظع خروقات حقوق الإنسان طوال القرن الأخير. مائة عام، و إذا عاد المرء إلى ما قبل مائة عام لكان الوضع على نفس المنوال.
لقد تصفحت تاريخ أوربا إلى حد كبير و نظرت فيه. لا أقل من أن هؤلاء السادة الأوربيين أشعلوا في غضون المائة عام الأخيرة حربين عالميتين طافحتين بالمفاسد. من إنجازاتهم نشوب حربين عالميتين في أقل من قرن من الزمن. نفس هؤلاء السادة الأوربيين، نفس هؤلاء الذين جلسوا أمس في لوكزامبورغ، و تشاوروا و أطلقوا الحكم، استعمروا عشرات البلدان في العالم. إذا كان الاستعمار و تضييع حقوق الشعوب ذنباً فهو ذنب لم يقترفه سوى أولئك الذين اجتمعت حكومتهم يوم أمس، و جلس ممثلوهم و تحدثوا عن إيران و أوصوها بمراعاة حقوق الإنسان! إشعال الحربين العالميتين المدمرتين يعود إلى عقود سابقة، و لكن في زماننا هذا، من الذي أوجد مصانع السلاح الكيمياوي في العراق و التي افضت إلى كل تلك الفجائع؟ نفس هؤلاء السادة. من الذين بنى مواقع نووية لإنتاج قنبلة ذرية في العراق تهدد المنطقة برمتها؟ نفس هؤلاء السادة. من الذي يمهّد لجرائم إسرائيل - التي ترتكب الجرائم يومياً - و يبررها؟ نفس هؤلاء السادة. الجالسون هنا هم ذوو شهداء قانا. ارتكبت الحكومة الصهيونية السنة الماضية واحدة من أفجع جرائمها مقابل أعين هؤلاء السادة. فهل فتحوا أفواههم؟! هل استنكروا العمل و لو بكلمة واحدة؟! معاذ الله! إنهم ممتزجون بانتهاك حقوق الإنسان إلى هذه الدرجة.
هم الآن يرتكبون كل هذه الجرائم في الأراضي المحتلة. بيوت الناس العاديين في لبنان تقصف يومياً في الوقت الحاضر. يأتون بالمروحيات إلى القرى و الأرياف اللبنانية فتحطّ مروحياتهم و يختطفون الناس و يحلقون و يودعونهم السجون! و تحدث هذه الممارسات أمام أعين هؤلاء السادة الأوربيين و هم منهم! فهل يتفوّهون بكلمة ؟! أبداً. هل يقطبون حواجبهم لحظة؟! أبداً! في قضية البوسنة و الهرسك ارتكبت كل تلك الفجائع، و حينما وجدوا أن الأمر غدا قبيحاً جداً - فباقي الجرائم قد ترتكب خارج أوربا لكن هذه الجريمة ارتكبت في قلب أوربا - أبدوا بعض الضجيج و الصخب، لكنهم لم يقوموا بأي عمل صحيح و واقعي. و لا يزال المسلمون لحد الآن يتعرضون لضغوط الصرب. المجرمون الذين قتلوا الآلاف أو دفنوهم أحياءاً أو قضوا عليهم داخل السجون من الجوع، يتمشون الآن في أوربا بقاماتهم و لا يعترضهم أحد. فكيف تستطيع هذه الحكومات الأوربية، بعد كل تلك الجرائم التي ارتكبوها هم أنفسهم أو ارتكبت مقابل أنظارهم و لم يتفوهوا بكلمة، كيف يستطيعون و لا يمنعهم الحياء من أن يقولوا لإيران الإسلامية - لنظام شعبي و شعب رشيد - إنها تنتهك حقوق الإنسان؟! هل هذا إلاّ الوقاحة؟ هؤلاء وقحون حقاً.
يتوهمون أنهم يخيفون الحكومة الإيرانية، حين يقولون إننا سنقطع الحوار النقدي. اقطعوه و ليذهب إلى الجحيم. إذا كان ثمة انتقاد فنحن الذين ننتقدكم. اسم هذا الحوار جاء خاطئاً منذ البداية. كنتُ أقول منذ البداية: سمّوا هذه الحوارات نقداً متبادلاً. إذا كانت النقود متبادلة فلدينا من النقد أكثر مما لكم علينا. ما النقد الذي تحملونه علينا؟ انتقادكم هو لماذا نلتزم بمبادئنا الإسلامية! هذه مفخرة لنا. لاحظوا كم أعداء إيران وقحون، و ظالمون، و غير منصفين، و سيئو النوايا! هكذا هم أعداء الجمهورية الإسلامية. طبعاً، شعب إيران الذي جرّب أكبر من هذه العداوات واقف كالجبل.
و هل يأبه أحد لما يقوله هؤلاء؟ و كان لأجهزتنا الحكومية بالطبع مواقف جيدة جداً و الحمد لله مقابل خطواتهم القبيحة، و علينا من الآن فصاعداً أيضاً أن نتصرف بمنتهى القوة و الاقتدار، و كمرحلة أولى يجب أن لا يسمحوا لسفير ألمانيا بالعودة لإيران إلى حين. و لا مانع من عودة الباقين الذين يريدون العودة كخطوة ترمز للمصالحة. هم ذهبوا و هم يعودون.. رأوا أن مغادرتهم لا أهمية لها. إذا أراد هؤلاء العودة فلا مانع. و لكن ينبغي عدم التسرّع إطلاقاً في عودة سفراء إيران إلى بلدانهم. ينبغي النظر ما هي المصلحة، و الصبر و الانتظار لمواتاة الفرصة. ليعمل مسؤولونا بما تقتضيه العزة الإسلامية، و هو ما قلناه دائماً.
ليعلم الأوربيون و غيرهم هذه الحقيقة. لا تتوهم أوربا أننا نحتاج إليها، أبداً. نحن لا نحتاج إلى أوربا على الإطلاق. نستطيع إدارة بلدنا حتى من دون أوربا، و لنفترض أن قليلاً من البضائع الكمالية الثانوية لن تأتينا من هناك، و ما أهمية ذلك؟ يتم في الداخل إنتاج ما يحتاجه شعبنا، و إذا احتجنا لشيء فهناك الكثير من البلدان تصطف لتبيعنا بضائعها. ما الحاجة إلى بضع حكومات أوربية تتصور أنها تمتلك الدنيا؟!
أعتقد طبعاً أنهم وقعوا في هذه القضية في الأحابيل و الخديعة التي حاكها لهم الصهاينة و الأمريكيين. أي إنهم تعرضوا لضغوط الأمريكان، لكنهم لم يفهموا أمام من يقفون. لا يعلمون أن إيران الإسلامية ليست بلداً يمكن ثنيه عن مواقفه بهذا الكلام، أو فرض الاستسلام عليه مقابل هذا و ذاك. إيران بلد أوصل نفسه إلى ما أوصله بصلابة و قدرة و بمنتهى العزة طوال ثمانية عشر عاماً من المشكلات التي خلقتها له القوى العظمى. إيران بلد أوصل نفسه إلى هنا من واقع أيام الثورة حيث لم يكن يمتلك أي شيء، لا معامل، و لا مزارع، و لا تصدير، و لا استيراد. و تجري في إيران راهناً كل هذه الأعمال و الإنجازات و الإنتاج و الأنشطة العلمية و البحثية! يجب أن يكون هذا الأمر مدعاة لأن يفهم الجميع أن هذا الشعب شعب حي و يقظ و بنّاء و نشط، و لا يحتاج إلى أحد. الذين يريدون أن تكون لهم علاقاتهم بإيران يجب أن يعلموا أن العلاقة إذا أصبحت علاقة استكبارية فسوف يرفضها شعب إيران.
أعزائي، أيها المعلمون، و العمال، و الشباب، و يا من بأيديكم قوام العمل و الاستقلال و العمود الفقري لهذا البلد، إن مسؤولياتكم جسيمة. لاحظوا كيف هو العدو. لاحظوا كم هو وقيح وعديم الإنصاف و الرحمة. إذا أردتم أن لا يتسلط العدو عليكم فاعملوا جيداً. على الجميع أن يعملوا جيداً. على الجميع أن ينجزوا الأعمال بدقة و في سبيل الله، ليستطيع هذا البلد الإسلامي و إيران الشامخة العزيزة إن شاء الله الوقوف بوجه الأعداء و إفهام الجميع أن أحداً لا يستطيع بفضل الإسلام - فالإسلام يعلو و لا يُعلى عليه - (1) معاملة هذا الشعب باستعلاء و استكبار.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - عوالي اللئالي، ج1، ص 226.