بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المعصومين المكرمين، سيما بقية الله في الأرضين.
أبارك مرة أخرى حلول العام الجديد و عيد النوروز لكافة أبناء الشعب الإيراني الأعزاء، و لكم أيها الإخوة و الأخوات الذين اجتمعتم في هذا الضريح الملكوتي المستنیر، سواء أهالي مشهد الودودون و المخلصون أو الزوار الذين تشرّفوا بالقدوم من المدن المختلفة و غمروا هذا الصحن و الصحون المجاورة و أجواء الروضة الرضوية المقدسة بوجودهم الإيماني الفوّاح و الودّي.
سيحل علينا خلال الأسبوعين القادمين، عيدان إسلاميان كبيران: - عيد الأضحى، و عيد الغدير السعيد - أتقدم لكم سلفاً و لجميع مسلمي العالم بأحرّ التهاني لحلول هاتين المناسبتين الإسلاميتين العظيمتین. و أوصيكم باستثمار فرصة الأيام العشرة المباركة من ذي الحجة و خاصة يوم عرفة الشريف، لا سیما أولئک الذين سيكون لهم توفيق الحضور في هذه الروضة الرضوية في يوم عرفة المبارك.
هذه المناسبات، هي ذرائع لتوطید علاقتنا القلبية و المعنوية بالخالق الرحيم الرؤوف العزيز الحكيم المقتدر؛ أن مصدر القدرة في كل ذرة من ذرات وجود الإنسان، هي الإرادة الإلهية. يجب علينا أن نقترب بهذه العلاقة المعنوية إلى ذلك المركز العظيم للقدرة و العزة و الحكمة أكثر فأكثر و نستفيد منها. أريد أن أقول في اليوم الأول من العام، نقطة عن عيد النوروز، و ثانياً، سأتحدث عمّا يجب أولاً علينا بصفتنا شعباً كبیراً له دور ريادي.
ما أريد أن أقوله عن عيد النوروز هو إن عيد النوروز حظي باهتمام خاص في رأي الإسلام. مع أن هذا العيد و هذا اليوم، جاء من عهد ما قبل الإسلام، إلّا أن موقف الإسلام من هذا اليوم، موقف بناء يتّسم بالحكمة. لقد سعت وسائل الإعلام العالمیة المعروفة في العالم بعدائها لكل ما له صلة بالشعب الإيراني و الجمهورية الإسلامية و التي توجه التهم إليه، لاتخاذ مواقف زائفة من الشعب الإيراني في هذه القضية أيضاً. إنها توحي و كأن الإسلام و الثورة، يناهضان عيد النوروز و التقاليد الإيرانية. و هذا ليس صحيحاً.
إنني أريد من الشباب الأعزاء، لا سیما الأذکیاء و الواعون منهم، أن يأخذوا هذا الموضوع بنظر الاعتبار بشكل دقيق، و هو أن تصرف الإسلام مع الظواهر التي وُرثت عن البلدان أو الشعوب الأخرى أو وُرثت عن العهود السابقة، تصرف حكيم يتصف بالدقة و النظرة الشاملة. فالإسلام يأخذ كل ما يمكن أن يحمل مضامين صحيحة، و يضفى عليه المضامين الصحيحة و يضعه في متناول أيدي الشعوب. على سبيل المثال، البعض من مناسك الحج كالطواف و السعي و الهدي كان موجوداً منذ عهد ما قبل الإسلام. فأقرّ الإسلام تلك المناسك، و هذّبها من مضامين الشرك و النزعات المادية غير الصحيحة و أضفى عليها طابعاً توحيدياً، أي إن الإسلام استوعبها و قدمها للناس كالدرس. هذا عمل مثير للدهشة و يحظي بأهمية عالیة. هذا هو الحال بالنسبة لعيد النوروز و المراسيم التقليدية؛ فأخذ الإسلام، عيد النوروز، و أضفى عليه مضامين إنسانية و إسلامية و معنوية و أعاده للناس، فأنتم في أول السنة الجديدة، توثقون علاقتكم بالله تعالى بأمر الإسلام و تقولون: يا مقلب القلوب و الأبصار. يا مدبر الليل و النهار. يا محول الحول و الأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن الحال.(1)
لاحظوا كيف اتخذ النوروز و تحويل السنة إلى سنة أخرى مضموناً معنوياً، إذ يوصي الإنسان بأن ( اغتسل و البس و انظف ثيابك)(2). طبعاً لا يدور الكلام هنا حول الثياب الجديدة، و إنما حول الثياب النظيفة - و أؤكّد للناس في هذا اليوم بأن يزور بعضكم بعضاً، و صلوا أرحامكم و أدخلوا السرور و الأمل إلى قلوبكم لتوجدوا تفتحاً معنوياً في قلوبكم مع تفتح الطبيعة. هذا هو التعامل مع عيد النوروز. لهذا نحن الإيرانيون نحب هذا العيد و نحتفل فيه. لكن احتفالنا احتفال صحيح و سليم. هكذا تعامل الإسلام مع كل واحد من المناسبات التقليدية. طبعاً هناك بعض من المناسبات لا يمكن إصلاحها. على سبيل المثال فإن الإسلام لا يتحدث عن التقاليد الخرافية كالقفز على النار و لا يؤيدها. لكنه لا يعارض أن يذهب الناس في واحدٍ من مراسيم العيد إلى الأجواء الفسيحة لتجديد رؤية الطبيعة و الفيافي الخضراء، و أن يقتربوا من الطبيعة و يستمتعوا بها على نحو سليم. لا مانع من ذلك.
هذا الأسلوب في الاتجاه المعاكس تماماًً للأساليب الجاهلية. في الأساليب الجاهلية، حتى و إن كان هناك عمل سائد بين الناس، فالجاهلية تسعى لإخلائها من محتواها. لهذا السبب تلاحظون أن دعايات الإذاعات الأجنبية لا تتحدث كثيراً عن تحويل السنة، لكنها تحدثت برمتها تقريباً و قبل عدة أيام من حلول السنة الجديدة عن تقليد مسمى بـ ( جهارشنبه سوري)! و هذا في الاتجاه المعاكس للموقف الإسلامي تماماً! طبعاً بعض عناصرنا في وزارة الداخلية أخطأوا حيث أيدوا في الحقيقة ما قامت به الإذاعات الأجنبية! لكن المخلصين في وزراة الداخلية و وزيرها المحترم - و هو من علماء الدين و من السادة المحترمين و الحمد لله - تصدى فوراً لذلك - لاحظوا أين يجتمع الناس في أيام تحويل السنة! منتصف الليلة البارحة لم يكن هناك موطىء قدم في المنطقة المحيطة بالروضة الرضوية المقدسة! حيث افترش الناس هذه المساحة بأكملها إلى ضريح الشيخ البهائي و كافة هذه الجهات، بغية التوجه إلى الله! هذا يعني أن عيد النوروز يقترن بالمعنوية و الدين. أو في الليلة البارحة - في منتصف الليل - ترك آلاف المحبين نومهم و خرجوا من بيوتهم و أسرهم و ذهبوا إلى مرقد الخميني العظيم. هذا يعني البعد المعنوي. حسناً، يمكن أن يكون هناك شخص يقصد من باب الخطأ و الغفلة أن يحيي تخت جمشيد بدلاً من ضريح الإمام الرضا و مرقد الإمام الخميني العظيم و ضريح السيدة المعصومة و المناسك المعنوية! طبعاً تخت جمشيد أثر معماري و الإنسان يمجّد الأثر المعماري و يتفاخر به لأنه يتعلق بنا نحن الإيرانيين، لكن هذا يختلف عن قیامنا بتوجيه القلوب و الأذهان و أرواح الناس إلى المنطقة الخالية من أية جوانب معنوية، بل هي علامة للتجبّر! الله يعلم كم من الأبرياء قتلوا في مقابل عروش طواغيت الزمان في مثل يوم النوروز هذا و كم من القلوب كسرت في هذه الأبنية التي تحولت إلى أنقاض بعد ألف أو ألفين من السنين! وهذا ليس من الفخر في شيء .
عيد النوروز ظاهرة حسنة، مراسيم الاحتفال و السرور و بهجة القلوب أمر حسن و محبذ. لكنه يجب أن یكون في المسار الصحيح. هذا هو ما قام به الإسلام، و نحن بفضل الله نتابع هذه السياسات تبعاً للإسلام. هذا ما يريده الناس أيضاً و تهفوا إليه قلوبهم. إن الناس لا يرغبون في ما له طابع مادي مجرد. بل يعرضون عنه أيضاً إذا اقترن ذلك البعد المادي بالانحراف.
أما بالنسبة للموضوع الذي أريد أن أتحدث عنه و هو عن قضايا البلد، فلو أردت أن أقول باختصار ما یحتاجه الشعب الإيراني في ظل ظروف البلد و أوضاع العالم و التعرف على جزئيات القضايا المتنوعة التي تواجه شعبنا في الوقت الراهن، لقلت إن شعبنا أكثر ما يحتاج إليه اليوم هو وحدة الكلمة و المحبة بين كافة أبناء الشعب الإيراني. فإذا سادت أجواء الحب و الودّ في البلد و نظرت كل شريحة إلى الأخرى بعين الأخوة - و لا تعني الأخوة التوافق مائة بالمائة في القضايا، فحتى الأخوين قد ينظران إلى القضية الواحدة بنظرتين مختلفتين إلّا أنهما في كل الأحوال، أخوان. فالأخوة و الحب و التراحم قيم محفوظة في محلها - فعندئذ تسنح للحكومة المنتخبة من قبل الشعب، فرصة أن تقوم بكل اقتدار بأهم الواجبات التي تقع على عاتقها و أن تعالج المشاكل التي يعاني منها البلد. لأن هذا من واجب الحكومة، و لكي تتمكن الحكومة من أداء واجباتها في جو هادئ و دون أي توتر، تحتاج إلى أن تكون أجواء البلد هادئة، صافية و خالية من التوتر.
ما هو الواجب الكبير الملقى على عاتق الحكومة اليوم؟ إن الواجب الكبير للحكومة اليوم هو معالجة مشاكل حياة الناس، سواء المشكلات الاقتصادية بالدرجة الأولى أو سائر المشاكل و التي هي أيضاً من قضايا الشعب. واجبنا الأول و مهمتنا الأساسية بصفتنا مسؤولين هي خدمة الشعب، و مسؤولو البلد جاءوا إلى السلطة من أجل معالجة مشاكل معيشة الناس. كيف يمكن لهم أن يقوموا بهذا العمل؟ في الوقت الذي تكون الأجواء مناسبة و خالية من الضجيج و التوتر و التنازع بين أبناء الشعب. حينما تكون هناك وحدة كلمة، فإن الأجواء ستكون بالشكل المناسب لقيام المسؤولين بواجباتهم. ذلك أن نظام الجمهورية الإسلامية بصفته نظاماً ثورياً و نظاماً إسلامياً له أعداء، أعني أن للثورة أعداء، كما أن للإسلام أعداء! طبعاً ينصب البعض العداء لكل من الإسلام و الثورة على حد سواء! كما أن لإيران بسبب موقعها الجغرافي أعداءً أيضاً، خاصة بعد قضايا انهيار الاتحاد السوفيتي و استقلال البلدان الإسلامية على مقربة منها، حيث تعتبر إيران الطريق الوحيد و الأسهل للوصول إلى هذه البلدان. إن الكثير من الرأسماليين و الدول المستكبرة في العالم الذين يرغبون في الاستثمار في هذه الدول - من أجل الحصول على الأموال و القيام بأعمالهم - يفكرون بأنه لو كانت إيران في قبضتنا أو كان لنا فيها موطئ قدم - كأمريكا قبل الثورة - لكان بوسعنا تحقيق الكثير من الإنجازات! و اليوم ليس هناك موطئ قدم لهم، طبعاً هؤلاء هم الأعداء! إذن الشعب الإيراني و إيران لهما أعداء و ذلک لموقع إیران الجغرافي. كما أن لإيران و شعبها أعداء بسبب ما لهما من تاريخ مشرق ، و لهما كذلك أعداء آخرون بسبب المصالح السياسية و الاقتصادية التي تراها لذاتها! طبعاً هذا لا يختص بنا، هناك الكثير من البلدان لها مثل هؤلاء الأعداء.
فإذن هناك أعداء. ما الذي يقوم به أعداؤنا؟ هذه من القضايا التي يجب على جيلنا الشاب التعرف عليها بشكل صحيح. السبب في أننا نؤكّد على الجيل الشاب، هو أن غالبية البلد من الشباب و الناشئين. جيلنا الشاب لا يستطيع أن لا يهتم بهذه القضايا و أن يغمض عينه و يصغى إلى كل ما يقوله هذا و ذاك، كلا. عليه أن يفكر بهذه الأشياء. هذه مسؤولية مهمة. فماذا يفعل أعداؤنا؟ هدف هؤلاء الأعداء هو الحصول على نفوذ لهم في الجمهورية الإسلامية، مثلما لهم نفوذ في الكثير من البلدان المجاورة لنا. يزيحون حكومات، و يرغمون حكومات على صفقات سياسية أو اقتصادية. و ينشئون في تلك الدول قواعد عسكرية و يجمعون العدة و يحققون مصالحهم؛ هذا هو الحال في الكثير من البلدان. فمن الطبيعي أن تحزن الكثير من الشركات الاقتصادية الضخمة و القوى السياسية و الاقتصادية المستكبرة بسبب عدم تمكنها من التغلغل في بلد غني كإيران يتمتع بهذه المصادر الطبيعية الوافرة و 60 مليون مواطن. فإذن، هدفهم الأول هو النفوذ في إيران! ماذا يفعلون؟ مخططاتهم هي ما تلاحظونه لو فكّرتم بشكل صحيح، في أعمالهم الدعائية - سواء من قبلهم أو من قبل عملائهم - و اليوم يتم تنفيذ أعمالهم الدعائية في إيران، و لكن من حسن الحظ أن الحكومة مستقرة و الشعب مؤمن و لم يتمكن أعداؤنا من القيام بأي عمل حتى الآن. لا بد من التحلي بالوعي.
ما هي تفاصيل مخططات الأعداء؟ إنها تتمثل في خلق المشاكل الاقتصادية للبلاد مهما استطاعوا، و أن يقوموا بالحصار الاقتصادي و فرض العقوبات على الشركات الاقتصادية - هذه الأقاويل التي تسمعونها - على سبيل المثال، الحؤول دون مدّ الأنابيب من بلد إلى بلد آخر عبر إيران! يضعون العراقيل أمام النشاط التجاري لإيران مثلما فعلوا قبل سنتين حينما أشاعوا في العالم أن الفستق الإيراني يسبب السرطان! و يسعون لإغراق الأسواق بالمنتجات غير النفطية بأي طریقة. و يتواطؤن مع الحكومات و الشركات الاقتصادية الضخمة ضد إيران، و باختصار، يسعون لإيجاد مشاكل اقتصادية للبلد. و إلى جانب كل هذا يحاولون في إعلامهم تضخيم القضايا الاقتصادية للبلد. طبعاً هناك مشاكل اقتصادية، لكن حكومتنا لا تقف مكتوفة الأيدي، بل تقوم بالأعمال الدبلوماسية و التجارية. و كل من وزراة الخارجية و وزارة التجارة و وزارة الصناعة، و وزارة الطرق و المواصلات، و وزارة النفط، تقوم بأعمالها دوماً. طبعاً العدو يبذل مساعيه في هذا العالم الكبير. لكننا لسنا مشلولي الحركة. نعمل و في الكثير من الحالات تتغلب مساعينا على مساعي الأعداء، لكن الإعلام الأجنبي يلتزم الصمت إزاء النشاطات الفاعلة لمسؤولي البلد! إنهم يركّزون دوماً على تضخيم المشاكل الموجودة في إيران و يدّعون عن الكذب: إن إيران تعاني من هذا و ذاك، و تعاني من التضخم، و أن الحكومة على وشك الإفلاس و..! إنهم يقومون بأعمالهم هذه لتضعيف عزائم أبناء الشعب لكي يشجعوا الناس توهّماً بضخامة المشاكل المحيطة بهم! في حين لو علم الشعب بالجهود التي تبذلها الحكومة و يقوم بها المسؤولون، لقويت شكيمته و اشتدت عزيمته. هذا هو السبب في أن الإمام الخميني (رضوان الله عليه) كان يقول للمسؤولين مرّات عديدة و أكّدنا نحن أيضاً مرات عديدة أن عليهم أن يعلنوا للشعب عما يقومون به من أعمال، ليعلم الناس قدر المهام التي يضطلعون بها. فإذن، تضخيم المشاكل الاقتصاية، هو قسم آخر من المؤامرة! يحاول الأعداء من جهة أخرى و بذرائع مختلفة إثارة التوتر و الضجيج في الأجواء السياسية للبلد، لإيجاد هاجس لدى أبناء الشعب بفقدان الأمن و الشعور بعدم انتظام الأمور! إنهم يقومون بإثارة التوتر و الضجيج في البلد بأي ذريعة، و بسبب بعض القضايا الأمنية، أو لمحاكمة شخص ما، أو بسبب مقتل شخصين أو ثلاثة أشخاص، و هي قضية تحظی بالاهتمام الكامل من قبل الحكومة لمتابعتها بصورة جادة. كان عام 77 المنصرم حافلاً من بدايته و حتى نهايته بأكبر المساعي التي بذلها أعداؤنا و أعداء هذا الشعب في سبيل إثارة التوتر و الضجيج في الجو السياسي للبلد. من الطبيعي، حينما يثار الضجيج فإن الناس ينقسمون إلى جماعة مؤيدة لهذا الرأي و جماعة أخرى معارضة له و مؤيدة لرأي آخر. و هو ما يؤدي بشكل تلقائي إلى إثارة الجدل بين الناس و هذا ما يريده الأعداء.
الجزء الآخر من الخطة هو الإيحاء للشعب و كأن هناك خلافات حادة بين كبار المسؤولين في البلد! و أن هؤلاء المسؤولين مهما حاولوا أن يقولوا للشعب إن العلاقات بيننا صميمية و هي في سبيل التعاون، و مهما حاولوا تمجيد و مدح بعضهم دوماً، فلا فائدة من ذلك، لا،! أولئك الأعداء سوف يطلقون كلامهم. كما يحاولون الإيحاء كأن الشخص الفلاني الذي يترأس المنصب الفلاني يفكّر على نمط هكذا، و أن شخصاً آخر يحتل المركز الفلاني يفكر ضده! و يطلقون على كل واحد منهما اسماً معيناً. هذا كله من أعمال العدو. ألا تلاحظوا أن هناك من المؤلفین المحلیین من ينخدع و يكرر تلك الأحاديث! هذه الأقاويل ليست من عند أنفسهم، و إنما هي من فصول مؤامرة العدو. أجل، في مثل هذه الظروف، هناك مشاكل اقتصادية من جانب، و يحاول العدو المبالغة في تضخيمها من جانب آخر، كما يقوم بإثارة الضجيج السياسي و يجعل قلوب الشعب لا تثق بالمسؤولين! هل يمكن لمسؤولي البلد أن يقوموا بأعمالهم بسهولة في مثل هذه الظروف؟! من الطبيعي أن الأمور ستتعرقل، فهذا أمر قهري.
للأسف، الجانب الأكبر من عبء المشاكل الاقتصادية يقع على عاتق الطبقات الفقيرة في المجتمع، أعني المحرومين و المستضعفين. المشاكل الاقتصادية تضغط على الطبقات الضعيفة، و موظفي الحكومة، و العمال، و منتسبي القوات المسلحة، و طلبة العلوم الدينية! و الأسوأ من ذلك هو طلاب الحوزات العلمية الذين لا يعلم الناس ظروفهم! كما توجد هناك بعض الضغوط الاقتصادية على البعض من صغار الكسبة أيضاً. أجل، ما هو مصدر هذه المشاكل التي تضغط على الطبقات الضعيفة؟ لا يقف وراءها سبب واحد فقط. هناك عدة أسباب، هناك أولاً التأثير الذي تتركه الظروف الاقتصادية للعالم. لاحظوا الآن في منطقة من العالم، أعني دول جنوب شرق آسيا التي ازدهرت اقتصادياً خلال السنوات الأخيرة، كيف تعرضت على أثر بعض الأحداث الاقتصادية خلال السنة و النصف الماضية إلى انتكاسة فظيعة في اقتصادها. نحمد الله على أن بلدنا بقي مصوناً عن هذه الكوارث. غير أن بلداناً أخرى كماليزيا و أندونيسيا و كوريا الجنوبية و غيرها تلقت ضربات حادة. إن الكثير من بلدان العالم و حتى البعض من البلدان الصناعية المتقدمة تعاني من مشاكل اقتصادية كثيرة، لكن الشركات الاقتصادية العالمية الضخمة هي التي تستغل هذه المشاكل لصالحها! إنها تسبب الكثير من المشاكل. و هذه إحدی أسباب المشاكل الاقتصادية المؤثرة.
السبب الآخر هو التساهل الذي يبديه و للأسف بعض المسؤولين التنفيذيين في القطاعات التنفيذية! العامل الآخر هو الغايات و المقاصد التي تمارس ضد إيران الإسلامية و الشعب الإيراني. إنني أعتقد أن السبب الرئيسي في انخفاض أسعار النفط يعود إلى هذا السبب، لكن انخفاض أسعار النفط لم يلحق الضرر بنا وحدنا بل یلحق الضرر بدول أخرى صديقة لهم! طبعاً وصلت الضغوط إلى حد أرغمها في نهاية المطاف على إبداء ردود فعل. طبعاً مسؤولي الجمهورية الإسلامية الإيرانية لعبوا دوراً كبيراً في التحسّن الذي طرأ مؤخراً على أسعار النفط. نتمنى أن تستمر هذه المساعي بإذن الله إلى أن تثمر نتائج جيدة. إن التعامل الجائر لبعض الأشخاص في الداخل كان له أثر. تؤدي هذه العوامل كلها إلى بروز مشاكل اقتصادية. طيّب، هل يمكن معالجة هذه المشاكل أم لا؟ طبعاً يمكن معالجتها، لأننا سبق لنا أن تغلبنا على مشاكل أشد و أصعب. فنحن نستطيع أن نحقق الكثير من الأعمال و معالجة الكثير من المشاكل عن طريق الاعتماد على مصادر البلد و القوانين الفاعلة، و عن طريق الأداء الفاعل المخلص بواسطة الاستغناء عن خارج حدودنا. و فضلاً عن ذلک، فإن إنجازات مرحلة الإعمار التي أعقبت فترة الحرب أخذت تعطي ثمارها تدريجياً. فلو لا بعض الأعمال التي تم تنفيذها في مرحلة الإعمار و تتابعها الحكومة اليوم أيضاَ، لكانت حاجتنا لخارج البلد أكثر بكثير مما هي عليه الآن. هذا هو النهج الذي يمكن لهم مواصلته.
كنت أوكّد منذ ثلاث أو أربع سنوات، أنه ينبغي على المسؤولين التقليل من التعويل على النفط في المجال الاقتصادي، قدر استطاعتهم. أن النفط سلعة في أيدينا. هي طبعاً سلعة قيمة و يجب الاستفادة منها، لكن مصير هذه السلعة اليوم ليس بيد أصحابها الذين هم، نحن. بل بيد الأجانب! و من الطبيعي أن الاقتصاد الذي يعوّل على سلعة يضع الآخرون أسعارها، يواجه مثل هذه المشاكل، لأن أسعارها تصل يوماً إلى ثمانية عشر أو عشرين دولاراً و تنخفض فجأة إلى سبعة دولارات و نصف أو ثمانية دولارات! إننا لسنا بحاجة إلى استهلاك هذه السلعة على هذا النحو. يمكننا الاستفادة من المصادر الكثيرة و العظيمة التي توجد في بلدنا، و الحكومة اليوم تفكر بهذه القضايا. طبعاً كانت تفكر بها منذ عدة سنوات، و لكن علي أن أقول لكم إن تصميم البناء الاقتصادي كان قائماً منذ العهد البهلوي التابع، على أسس غير صحيحة كان من الصعب تغييرها حتى يومنا هذا. خاصة في فترة الحرب التي انعدمت فيها فرص البناء و الإنتاج و استمر خلالها نفس أسلوب الاعتماد على النفط و تفاقم يوماً بعد يوم. أو استمر على المنوال نفسه على الأقل. بوسع المسؤولين و الحكومة و الحريصين على مصير هذا البلد تغيير هذه السياسة و سيغيرونها إن شاء الله. ستخيب كل آمال الشركات النفطية و التابعين لها ممن كانوا يظنون أن هذا الشعب سيبقى معتمداً في اقتصاده على النفط! يا أعزائي! طبعاً هذه القرارات بحاجة إلى أجواء تسودها الأخوة. النقطة التي أريد أن أقولها هي: إذا کنتم ترغبون بأن تقوم الحكومة بما ينبغي من الأعمال الكبرى الملقاة على عاقتها في جو مناسب، و فكر منفتح و بعيداً عن الضغوط، فيجب أن تكون أجواء البلد، أجواء ود و محبة لا أجواء خصومة! هناك البعض يعملون خلافاً لهذا الاتجاه، فهم لا يخدمون الحكومة بل يوجهون الضرر إليها. و العدو يحاول تكريس هذه الأوضاع بإمكاناته الإعلامية و من خلال استغلال كلمة الحرية. كنا قد سمعنا قبل سنوات جملة طالما كرروها، و تلك الجملة هي يا أيتها الحرية، كم من جريمة ترتكب باسمك! لقد أصبح أعداؤنا اليوم مصداقاً لهذه الجملة. أصبحت أمريكا اليوم داعية لحريتنا و حرية التعبير عن الرأي لدينا؟ ألم تدافع سنوات متمادية عن النظام البهلوي الفاسد العميل في هذا البلد؟! في حين لم يكن يتجرأ أحد في ذلك النظام على أن يتفوّه بكلمة واحدة! لقد عشت سنوات طويلة في مدينة مشهد هذه، و في الحوزة العلمية هذه، و في هذه الأزقة و الشوارع و مع هؤلاء الناس، في أيام النضال ضد الطاغوت. لم يكن يُسمح في ذلك العهد لأي من علماء الدين بأن يشير خلال أحاديثه الدينية أدنى إشارة إلى اغتصاب الصهاينة لأرض فلسطين! هكذا كانت الأوضاع في هذا البلد. (3) أجل، الموت لإسرائيل، و الموت لمن يدافع عن إسرائيل، و الموت لمن كان سنوات طويلة لا يسمح بالتحدث بكلمة واحدة عن الصهاينة؛ ذكر أحد الكتاب في كتاب له (4) أن اليهود بالغوا كثيراً في المذابح التي لحقت بهم على يد هتلر في الحرب العالمية الثانية. فما كان منهم إلّا أن منعوا نشر هذا الكتاب، و فضلاً عن ذلك، أخذوا الكاتب إلى المحكمة! هم أنفسهم يتعاملون مع الحرية هكذا! هناك اليوم بعض البلدان في العالم التي تعيش تحت ظل الحماية الأمريكية و هؤلاء السادة الذين يدعون الحرية، في هذه الدول لا يسمح لأحد بكتابة سطر واحد يتعارض مع آراء حكام تلك الدول. و في تلك الدول تقدم الأجهزة الأمنية خطبة جاهزة لخطيب الجمعة يعتلي المنبر و يقرؤها على أسماع الناس في خطبة الجمعة أو غيرها من الاجتماعات. إذا كنتم من دعاة الحرية، فلماذا لا تذكرون هذه الحقائق للناس؟! فالشعب الإيراني نال حريته منذ عشرين عاماً. إن الثورة منحتنا الحرية و قدرة البيان، و الإسلام هو الذي حرّرنا. لقد أصبح الأمريكيون اليوم دعاة الحرية، و يريدون أن يبثوا النزاع بين أبناء الشعب باسم الحرية! لماذا يبثون الخلاف؟ لكي لا يتمكن المسؤولون من القيام بأعمالهم. هذا هو السبب في تأكيدنا على وحدة الكلمة.
أعزائي إن تضامن و تآلف أبناء الشعب في أي نقطة من البلد، لا يعتبر مجرد أمر كمالي ثانوي، و إنما هو أمر ضروري. عليهم أن لا يطرحوا ما يثير الاختلاف و لا يشدّدوا على نقاط الاختلاف الفكري، بل يجب عليهم أن يقولوا ما يخلق الاتفاق. أبناء الشعب كلهم، مسلمون و دعاة للإسلام و القرآن. إنهم يحبون ثورتهم و يحبون الإمام الراحل و المقاتلين المدافعين عن الشرف و الكرامة، فاستندوا إلى هذه الأمور؟ يجب أن لا يتذرع البعض ببعض الذرائع. على سبيل المثال يتذرعون بكلمة قالها شخص يوماً ما لإثارة الضجيج! أو يتذرعون بموقف السلطة القضائية ضد شخص ما كذريعة لإثارة الضجيج! أو إثارة الضجة حول تصرف ما لشخص في الجهاز الأمني أو الاقتصادي أو السياسي، لأن مثل هذا الضجيج يلحق الضرر بالبلد. لماذا؟ لأنه يسبب إبعاد قلوب أبناء الشعب من بعضها. كل هذه الأمور تجري باسم الحرية! إن الحرية هدية للشعب من الله و من الثورة. و الحرية جزء من حق الشعب و تتعلق به. لكن هذه الأمور لا علاقة لها بقضية الحرية. إنما هي فصل من فصول مخطط العدو. إنني اعتبر اليقظة و التمسك بالإسلام و باسم الإمام و بالنهج المعنوي لإمامنا العظيم الذي سمي هذا العام باسمه، و التمسك بوحدة الكلمة، و رفع لواء التآخي و المحبة من أوجب الواجبات بالنسبة لأبناء بلدنا الأعزاء. و أتمنى أن يشمل هذا المطلب الوطني و الديني الكبير دعاء الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) و أن يدعو ذلك العظيم لحل مشاكلنا، و لتمهيد السبل أمام التقدم و إنعاش الآمال في قلوب أبناء الشعب، و نحن أيضاً ندعو في هذه الروضة المقدسة:
اللهم بحق محمد و آل محمد انصر هذا الشعب في كل الساحات، و اهلك أعداءه و زد إيمانه و وعيه و التزامه و توكله، و اجعل العلاقات بين أبنائه أكثر رسوخاً يوماً بعد آخر. اللهم بحق محمد و آل محمد اجعل قلب إمام الزمان راضياً عنا، مسروراً بنا، و وفق المسؤولين لمزيد من الخدمة، و حلّ مشاكل هذا البلد و هذا الشعب و الطبقات الفقيرة الضعيفة، و عجل فرج ولي الأمر (أرواحنا له الفداء).
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الهوامش:
1) زاد المعاد: ص 531
2) بحار الأنوار، ج 59، ص101
3) في هذا القسم من الأحاديث أطلق الحضور شعار الموت لإسرائيل حيث أيدها سماحته و استمر في الكلام.
4) رجاء غارودي، الكاتب الفرنسي المسلم الذي طرح هذه الفكرة و ساقوه إلى منصة المحاكمة