بسم الله الرحمن الرحيم
في البدء أودّ أن أرحب بكافة الأصدقاء الكرام العاملين في صفوف القوة الجوية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ملفتاً عنايتكم إلى أنّ يوم التاسع عشر من بهمن لن تخلقه الأيام بل سيبقى حيّاً مشرقاً على مرّ الأعوام. فبعد مرور أكثر من ثلاث و عشرین عاماً على ذلك اليوم لا تزال ذكراه ماثلة أمامنا كجوهرة تزيّن جبين قوتنا الجوية.
و يستوحي هذا اليوم أهميته من جوانب عديدة، أبرزها العهد الذي آلت به على نفسها هذه الفئة من قواتنا المسلحة في سبيل إرساء دعائم ذلك المبدأ العظيم عبر الوقوف جنباً إلى جنب مع كافة شرائح الشعب الإيراني، مبرزين ذلك من خلال استعدادهم لتلبية كل ما يناط بهم من مهام يقرها العقل و الدين و الوجدان و الضمير الإنساني.
لقد كانت قواتنا الجوية منذ مطلع الثورة الإسلامية، قبل نشوب الحرب المفروضة، و أثناءها، و حتى يومنا هذا على أهبة الاستعداد التام ملبية كل ما أنيط بها من مهام يقرها الشرع و العقل و الوجدان و الضمير الإنساني.
إنّ القوّة الجوية لم تتهاون في أداء مهامها يوماً من الأيام.
لقد ساهمت القوة الجوية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية ـ و التي تمثل رمز القوات المسلحة ـ مساهمة حقيقية في رص الصفوف و تجسيد الوحدة بين أفراد الشعب، الوحدة التي آتت ثمارها فيما بعد. أمّا اليوم فلا يزال عنصر الوحدة و التماسك و التآزر بين كافة فئات الشعب، مدنية و عسكرية، و غيرها، فعالاً و مثمراً. فالتحديات التي تواجهنا اليوم تختلف عن التحديات التي كانت تواجهنا بالأمس. فآليات التحديات و أنواعها و أشكالها تتغيّر باستمرار، لكن جوهرها باقٍ على حاله.
لذلك نحن نجد أنّ عنصر الاتحاد اليوم لا يزال هو العنصر الأكثر فاعلية، الذي يستطيع الشعب من خلاله تحقيق مبادئه السامية.
لقد أثبتت القوة الجوية في ذلك اليوم أنّها على أهبة الاستعداد لتولي دورها و أداء مهامها، و هذا الشعور يجب أن يسود اليوم لدى كل فرد من أفراد الشعب بشكل عام، و قواتنا المسلحة بشكل خاص و القوة الجوية على وجه التحديد.
يجب على قواتنا الجوية أنْ تفتخر من صميم قلبها بكل ما يلقى علی عاتقها من مهام، كما لا بدّ لها أن تبقى على الدوام رهن الإشارة.
إنّ يقظة الأمم و استعدادها و وعيها للحظة الراهنة، يبقيها محصّنة و بمنأى عن كثير من الأخطار و التحديات التي تواجهها. إنّ الأمم تتجرّع آلام غفلتها، آلام اختلافها و تناحرها.
فالأمّة الأسلامية اليوم أصبحت للأسف أمام تحديات خطيرة، فهي مهددة بحرب صليبية شعواء، سببها الغفلة التي يعاني منها قطاع كبير من هذه الأمّة، و غياب عنصر الاتحاد و التلاحم بين ثنايا هذا الجسد الكبير.
و بدورنا كشعب إيراني، حامل لواء الإسلام، و رافع شعار الاستقلال و العزّة و الشرف، علينا أن لا نسمح لهذه الأخطار أن تنال منا.
لقد بات من المعروف على الصعيد العالمي أن شعبنا لن يضحي باستقلاله و بشرفه الوطني و بمبادئه و تطلّعاته من أجل القوى العالمية المستكبرة.
و هذا هو بحد ذاته الأمر الذي أثار حفيظة دول الهيمنة العالمية و جعلها تتموضع تجاه أمتنا و شعبنا على النحو الذي نشاهده اليوم. لقد شعروا بأن هذا النظام، و هذه الحكومة، و هذا الشعب، ليس هو ذلك النظام أو الشعب الذي يتنازل عن مصالحه و عن كرامته بمجرّد إشارة تصدر من هذه القوى العظمى أو تلك ـ الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد السوفياتي في ذلك اليوم ـ ذلك أنّه قد استقى عزّته و منعته من الإسلام، و من إيمانه بمبادئه.
لقد انصبت مناوئة قوى الهيمنة العالمية على الدين الإسلامي و على إيمان الناس و عقيدتهم، فمن الواضح أنه لو كان إسلام الشعب إسلاماً فارغاً مجرداً لا ينعكس على سلوك الشعب و أدائه و دوافعه و أهدافه و غاياته و أدائه السياسي و الاجتماعي، لما كان هناك ما يدفع تلک القوى لمحاربة الإسلام، و لكفوا عن مناوئته.
إن القضية قضية هيمنة، قضية سيطرة على مقدرات العالم. فالدول الكبرى تسعى اليوم جاهدة لفرض هيمنتها على العالم سواء أكان ذلك لأجل تأمين مواردها من الطاقة ـ النفط و الغاز ـ أو لضمان أسواق تصريف سلعها و منتجاتها، أو لفرض سلطتها السياسية و العسكرية. و من أجل ذلك ليس مهماً أن يتم سحق الشعوب الأخرى و تقويض مصالحها الوطنية. إنّ همهم الوحيد هو مصالحهم الخاصة ـ التي هي مصالح غير مشروعة في أغلب الأحيان.
طبعاً من حق كل شعب ـ بما في ذلك شعوب الدول الكبرى ـ أن تحرص على تأمين مصالحها الخاصة، لكن بشرط أن لا تكون مصالح غير مشروعة يتم تأمينها عبر سحق الشعوب الأخرى، و هو الشرط الذي لا تعيره تلك الدول أي أهمية.
إنّهم يرفعون شعار حقوق الإنسان و ينادون بالديمقراطية، و يتمشدقون بالشعارات الخدّاعة، لكنّهم يكذبون على شعوب العالم، و يكذبون على شعوبهم أيضاً. إنّ غايتهم الوحيدة هي السيطرة على العالم.
إنّهم يكذبون حين يدافعون عن الحرية و الديمقراطية، فعلى مدى العقود الثلاثة أو الأربعةالأخیرة اتضح أن كافة الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية و المدعومة من قبلها، عبارة عن أنظمة دكتاتورية تعسفية إزاء شعوبها، لكنها مطيعة للولايات المتحدة. و هذا ما كان عليه الوضع في إيران. فلقد كان النظام الملكي ـ الشاهنشاهي ـ دكتاتورياً تعسفياً بامتياز، لا يمت إلى الديمقراطية بصلة. لكنه في الوقت نفسه كان منصاعاً و مطيعاً للولايات المتحدة. لقد كان النفط الإيراني تحت سلطة الولايات المتحدة، و حتى السياسات النفطية كانت توضع وفقاً لمتطلبات المصلحة الأمريكية مائة بالمائة. لقد كان الجانب الأمريكي متغلغلا في كافة مفاصل الدولة و في جميع مراكز القرار الإيراني. فالجيش يمثل مخالب أمريكية في المنطقة، و كافة المصادر المالية في البلد في متناول أيديهم و تحت تصرفهم، و قد كان الشاه المستبد الفاسد المرتشي العميل عنصراً مقبولاً وفق المقاييس الأمريكية. إنّ هذا النموذج يعد مثالياً بالنسبة لهم. إنّهم لا يرغبون بنظام يحمله حرصه على مصالحه الوطنية، على عدم الاستجابة لهم، و يدفعه حرصه على شرفه الوطني على عدم الاستسلام لمطالبهم، و تحمله عزّته و أهدافه الوطنية على عدم الاعتناء بهم، إنّهم يعارضون بشدة مثل هذا النظام، فيأخذون بحياكة المؤامرات لإسقاطه، متسترين بعباءة الديمقراطية و الحرية. لقد ولّت هذه الأساليب الیوم، و هذا المنطق قد سقط و تداعى و لم يعد منطقاً مقبولاً عالمياً، و بالتالي على رادته أن يقطعوا الأمل بنجاحه.
إنّ القوى الهزيلة التي تفتقر بشدة للجوانب المعنوية و الإنسانية، مهما حاولت و بذلت وسعت لإثراء منظومتها العسكرية أكثر مما هي عليه الآن، فإنّ ذلك لن يحقق لها أي غاية من غاياتها المرجوّة.
إنّنا غالباً ما نجد قادة الولايات المتحدة الأمريكية يشكون من استياء الشعب الإيراني منهم. بالحقيقة ليس الشعب الإيراني وحده مستاء من الإدارية الأمريكية. إنّ كل العالم مستاء منها، كل شعوب العالم مستاءة منكم. لستم مكروهين في أمريكا اللاتينية وحدها؟! و لا بين شعوب قارة آسيا فقط؟! إنّ الشعوب الأوربية مستاءة منكم أيضاً! فأي فعل سیئ لم تقترفوه و أي جريمة لم ترتكبوها، حتی لا تستاء منكم البشرية؟ و يا ترى كيف يرجو نظام مستكبر متكبر تعسفي جامح مستهتر بالأعراف و القوانين أنْ تنجذب له الشعوب؟ فهل هذا معقول؟!
نعم، إنّ الشعب الإيراني ليست له عداوة مع أحد، لكنّه في الوقت نفسه يرفض التدخل في شؤونه، يرفض المحتل و الطامع، يرفض كل من يريد مصادرة حقوقه من أجل مصالحه، يرفض كل من يرفع شعار الديمقراطية و حقوق الإنسان، و في ذات الوقت يدعم نظاماً مستهتراً بحقوق الإنسان أشد الإستهتار كالنظام الصهيوني، و يقوم بما قام به في افغانستان، و يمارس تلك الممارسات مع أسراه، و مع شعوب العالم.
إنّ الشعب الإيراني شعب واع. يتمتع أفراده بقلوب و أفئدة مفعمة بالإيمان و متماسكة بعضها مع البعض الآخر. للشعب الإيراني مبادئ سامية و أهداف عليا. لقد ذاق هذا الشعب على مدى سنوات طويلة طعم الذل و الهوان على يد النظام البهلوي العميل. فمن المستحيل إعادته بواسطة هذه القوى إلى تلك الحقبة. لقد أفاق هذا الشعب و بدأ يستشعر طعم العزّة في ظل الثورة و النظام الإسلامي، لذلك، فإنّه سيقف بوجه كل من يريد التعرّض لحيثيته و هويته الوطنية.
و ليعلم العالم أجمع بأنّ الشعب الإيراني لن يبادر بالتعرّض لأحد، لأنّنا نعتبر الطمع بالسلطة أمراً مرفوضاً و معيباً حاله حال الاستئثار بالسلطة. نحن لا نستأثر بالحكم و لسنا طامعين به. لكن إن كان هناك من يريد التعرّض لهذا الشعب أو يقوم بتهديد مصالحه، فسيكون رد الشعب قوياً و حاسماً.
لذلك أود أن أوصيكم أحبتي، بأنْ تحرصوا على أداء مهامكم التي كلفتم بها و ألقيت على عاتقكم قانونیاً و عقلیاً و شرعیاً، بكل عزّة و افتخار و وعي. لا تدعوا الغفلة تقعد بكم عن مهامكم التي أنيطت بكم. هذا ليس واجبكم فقط، بل هو واجبنا جميعاً. على الشعب بأكمله أن يكون واعياً.
طبعاً لا يخفى إنّ للقوات المسلحة بشكل عام أدوار محدّدة و خاصة و للقوات الجوية تحديداً، دور مهم و مختلف. لذلك أرجو أن تلتفتوا جيداً، و تحرصوا على أن يكون أداؤكم صالحاً و صائباً و دقيقاً، و اعلموا أنّ الله تبارك و تعالى هو دائماً إلى جانب الذين آمنوا و عملوا بجد و إخلاص و تفان و تعقّل و وعي. إنّ هذه سنة من سنن التأريخ. فمَن يتلقّى الضربات، إنّما يتلقّاها بسبب غفلته و سوء تصرفه و تخاذله. إنّ الشعب الذي تستشري فيه روح الإخلاص و التفاني، هو شعب منتصر مقدام.
إنّ هذه حقيقة لم نقرأها في كتاب أو نقف عليها بالبرهان العقلي فحسب، إنّما لمسناها و شاهدناها على أرض الواقع. فعلى مدى ثلاث و عشرین عاماً [من عمر الثورة الإسلاميةًً] لاحظنا أنّه كلّما عملنا بجد و تفان و إيمان و توكّل و وعي و تعقل كان النصر حليفنا، و كلّما تخلفنا عن أحد هذه الأركان، تلقينا ضربة موجعة. إنّ هذا درس كبير و مهم للغاية، ربما قد تلقّاه البعض من خلال صفحات الكتب، لكنّنا لمسناه من خلال تجربتنا على أرض الواقع.
لقد اكتسبت قواتنا الجوية تجارب ثمينة للغاية طيلة هذه المدة. لقد كنت بنفسي حاضراً يوم التاسع عشر من بهمن سنة 57 إلى جانب نخبة من قواتنا الجوية الباسلة في مدرسة (علوي) لدى لقائهم سماحة السيد الإمام (الخميني الراحل). و اليوم أيضاً ها أنا أقف إلى جانبكم، و الله تبارك و تعالى معنا.
علينا جميعاً أن نسعى بجد و تفان من أجل اجتياز الطريق القويم الواضح، طريق العز و الفخر الذي رسم لنا.
و اعلموا أنّه سيأتي يوم تشاهدون بأمّ أعينكم، كيف يقف عدوّكم أمامكم بمهانة و ضعف و عجز.
أسأل الله تعالى، أن يديم توفيقاته و يضاعفها عليكم و على كافة قواتنا المسلحة و على جميع الشعب الإيراني، و أن يشملنا برعاية المولى بقية الله الأعظم أرواحنا فداه، و لا يحرمنا من أدعيته الزاكية.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.