بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين.. الحمد لله الذي خلق السماوات و الأرض و جعل الظلمات و النور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. أحمده و أستعينه و أستغفره و أتوكل عليه، و أصلي و أسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه، حافظ سره و مبلغ رسالاته حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين سيما بقية الله في الأرضين. و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. أوصيكم عباد الله و نفسي بتقوى الله.
أبارك عيد الفطر السعيد لكل الأمة الإسلامية و لشعبنا الإيراني العزيز و لكم أيها المصلون الأكارم الأعاظم، و أوصي الجميع و نفسي بمراعاة التقوى الإلهية و الورع و الامتثال للأوامر و النواهي الإلهية في القول و الفعل و الظنون.
نشكر الله تعالى أن مَنَّ علينا بالفرصة و العمر لنشهد شهر رمضان آخر، و عيد فطر آخر. إنها لنعمة كبيرة نعمة إدراك شهر الضيافة الإلهية. و قد انتفع شعبنا في الحقيقة انتفاعاً مناسباً من هذا الشهر. عرفوا قدر هذا الشهر الشريف العزيز. هذه المجالس و المحافل و تلاوات القرآن، و الذكر، و الأدعية، و سائر البرامج التي شاركت فيها قلوب الشباب و أرواحهم الطاهرة النقية، هذه البرامج تفتح إن شاء الله أبواب الرحمة الإلهية على شعبنا، و ينبغي معرفة قدرها.
روح المعنوية و الحبّ للذات الإلهية المقدسة راسخة متكرسة عميقة متجذرة في أبناء شعبنا. قد يخطئ البعض و يقع في أخطاء في حياته الفردية، لكن شهر رمضان يمنحهم فرصة العودة إلى الله تعالى و التوجه له و الإنابة إليه و ذكره. روح الارتباط بالمعنوية موجودة لدى جميع البشر.
ليس هذا الحب حباً مادياً تقوده الأهواء و النـزوات. إنه حب الله. حب الذات الأحدية. حب أصل الوجود الراسخ في جميع البشر. »... فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا...«.(1) العوامل المادية و المحفزات المادية أشبه بالأشواك و التبن و الأزبال التي تتجمع حول و فوق هذه الجوهرة، و حينما يحلّ شهر رمضان يحلّ كأنه نسيم يزيل هذه الزوائد و الأوساخ فتتألق تلك الجوهرة و يتصاعد التوجّه إلى الله تعالى. لذلك شهدنا في شهر رمضان هذا و مثل غالب شهور رمضان الماضية، أن جميع الناس بمختلف أذواقهم و سلوكياتهم و أزيائهم يشاركون في هذه المجالس و خصوصاً في ليالي القدر المباركة، و قد انتهلوا و انتفعوا منها و ذرفوا الدموع.
هذه الدموع التي تجري من العيون إنما تتفجر و تجري في الحقيقة من القلوب اليقظة الطاهرة. على شعبنا العزيز أن يعرف قدر هذا. احفظوا الذخيرة و الحصيلة التي اكتسبتموها في هذا الشهر المبارك. لقد استأنستم بالقرآن فحافظوا على أنسكم به. حافظوا طوال العام على صلاة الجماعة في أول الوقت، و الصلاة في المسجد، و الصلاة بخشوع و حضور قلب، و حاولوا ما استطعتم أن لا تعلو العوامل المادية و الأقذار و الأشواك و رماد الماديات هذه الجوهرة المتلألئة. الشعب الذي يحافظ على هذه الخصوصيات في داخله و على هذا العروج المادي و التكامل المعنوي، سوف ينجح في جميع الميادين بما في ذلك الميادين المادية، و المعنوية، و ميدان العزة، و الاقتدار، و التوفر على جميع الأرصدة الوطنية. و هذا ما سيحدث لشعبنا إن شاء الله.
و اليوم يوم عيد الفطر، حيث جاء في الرواية: »فيكون يوم عيد و يوم اجتماع و يوم فطر و يوم زكاة و يوم رغبة و يوم تضرع«.(2) إنه يوم عيد و يوم اجتماع الناس. المسلمون في كافة أنحاء العالم الإسلامي يعيّدون في هذا اليوم. توجّه القلوب نحو نقطة واحدة في زمن واحد. فرصة كبيرة للأمة الإسلامية. »يوم زكاة و يوم رغبة«. اليوم الذي تبدون فيه رغبتكم نحو الله. »و يوم تضرع«. و اليوم الذي يتضرع فيه الإنسان إلى الله. إنه عيد التوجّه و المعنى. نتمنى أن يوفقنا الله تعالى لنستطيع جميعاً الانتهال من الفيض الإلهي في هذا اليوم، و هو يوم عيد و يوم جمعة مبارك.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ** اللَّهُ الصَّمَدُ ** لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ ** و َلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ.(3)

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين سيما عليّ أمير المؤمنين، و الصديقة الطاهرة، و الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة، و عليّ بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسى بن جعفر، و علي بن موسى، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن بن علي، و الخلف القائم المهدي صلوات الله عليهم أجمعين، و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. أوصيكم و نفسي عباد الله بتقوى الله.
النقطة الأولى التي أذكرها في الخطبة الثانية هي تقديم الشكر لشعب إيران العظيم بمناسبة تحركه الهائل في يوم القدس. لقد أثبت الشعب الإيراني حيويته و معنوياته و عزيمته وإرادته و معرفته للظروف في ذلك التجمع الهائل. مضى واحد و ثلاثون عاماً على اليوم الذي أعلن فيه إمامنا الجليل هذا اليوم، و كان الأعداء يتوقعون أن يبهت هذا اليوم و يُنسى تدريجياً. و الشكر لله أن هذا الحافز و هذه الشعلة المضيئة في قلوب الناس و أعمالهم ازدادت توهجاً يوماً بعد يوم. لقد أحيى المسلمون في شتى أنحاء العالم هذا اليوم في آسيا، و في الشرق الأوسط، و في أفريقيا، و في أمريكا، و في أوربا. و الشعب الإيراني الكبير المحور الرئيس لحركة الأمة الإسلامية العظيمة هذه أقام مراسم هذا اليوم بكل عظمة و أثبت أنه ينهض بواجباته في الظروف الدولية الحساسة بحرارة و أندفاع و محفزات و حماس أكبر.
لقد بلغ الكيان الصهيوني بالقسوة أعلى درجاتها، و لم يكترث لأصوات الدعم التي ارتفعت من أكناف العالم و أطرافه، و واصل جرائمه. و الشعب الإيراني المسلم أحيى يوم القدس في مثل هذه الظروف بحرارة و حماس أكبر من كل عام. المساعي المغرضة لأمريكا و الغرب ضد الجمهورية الإسلامية ضاعفت من حوافز شعبنا. قضية فلسطين بالنسبة للاستكبار العالمي و أرباب الهيمنة العالمية قضية يريدون عزلها و تهميشها بأية طريقة من الطرق، و يضعها الشعب الإيراني في المقدمة و في الأصل. بارك الله بهذا الشعب الكبير.
الأمل و التحفز يتموج في سلوك و أقوال شعبنا العزيز. لقد شاهدت انعكاسات هذا الأمل و التحفز هذه السنة في لقاءاتي بالطلبة الجامعيين، و سائر الجامعيين و النخبة و مسؤولي الدولة و مدراء النظام و أرباب العمل و مختلف شرائح الشعب الإيراني خلال شهر رمضان.. في كلامهم و توجهاتهم و وجوههم.. شاهدت و قرأت هذه الآمال و المحفزات. الشعب الذي تتوفر فيه مثل هذه المحفزات، و ينظر نحو المستقبل مثل هذه النظرة المتفائلة الزاخرة بالعزم و الإرادة، سوف يبلغ القمم يقيناً و أكيداً.
فيما يتعلق بالقضايا العالمية و الأقليمية - و هناك الكثير من القضايا المهمة بالنسبة للأمة الإسلامية - فإن القضية الأكثر فوريةً هي مسألة السيول في باكستان. اسمه سيل لكنه في الواقع بلاء عظيم و مصيبة كبرى للشعب الباكستاني و هو من الشعوب المؤمنة المتدينة في الأمة الإسلامية، و قد كان من الرواد و السباقين في كافة قضايا الأمة الإسلامية و هو شعب متدين ذو حمية دينية و التزام ديني. لقد ابتلى هذا الشعب اليوم بمثل هذه المصيبة العظيمة. طغى نهر السند و فاض من شمال باكستان إلى جنوبه. من حدود الصين في شمال باكستان إلى المحيط الهندي في جنوب باكستان، وقع سيل عظيم و فيضان هائل على امتداد هذا الخط قلب حياة الناس بالكامل. زالت أكثر من عشرة آلاف قرية، و تلفت جميع المزارع و الحقول التي تغذي هذا الشعب و تعد مصدر أمله في التصدير و اكتساب الثروة. و محيت عشرات الآلاف من المدارس و المساجد و الحسينيات على امتداد هذا الخط الطويل و زالت.
عرض نهر السند - كما ذكروا لي في التقارير - في الحالة الطبيعية نحو كيلو مترين أو كيلو متر و نصف و يتصل في بعض المواطن بأنهار أخرى، و قد أوجد فيضانات بحدود تسعين كيلومتراً! لقد تدمرت حياة الناس و بيوتهم و دوابهم و آمالهم. التخمينات تقول إن باكستان خسرت بسبب هذه السيول ما يقارب أربعين إلى خمسين مليار دولار! و قد تشرد عشرون مليون إنسان، و قتل عدة آلاف من الأطفال و النساء و الشيوخ.
يحتاج هؤلاء الناس اليوم إلى الماء و الغذاء و الثياب و المأوى و لكل مستلزمات الحياة. صام الشعب الباكستاني شهر رمضان و هو في مثل هذه الحالة. إنه يوم عيد الفطر، و يوم الاجتماع، و يوم الأمة الإسلامية، و على شعبنا أن يبدي همته. لقد قدمت حكومة الجمهورية الإسلامية مساعدات، و قدم بعض الناس مساعدات لكن هذا لا يكفي، و يجب أن نقدم مزيداً من المساعدات. هذا هو واجبنا جميعاً. إخوتنا المؤمنون المسلمون هناك مصابون بمثل هذه المصيبة الكبيرة. هذا ليس خطاباً لكم وحدكم أيها الشعب الإيراني، إنما هو خطاب لكل العالم الإسلامي، و لكل الشعوب، و لكل المسلمين في البلدان المسلمة، و خطاب لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الجميع يجب أن يشدوا عزمهم و همتهم و يساعدوا. اجتمعوا و قالوا نقدم مليار أو مليارين! أين هذا من احتياجات الشعب الباكستاني؟! لقد تلقت باكستان ضربة شديدة. يجب أن نقدم المساعدات بكل ما نستطيع. عسى أن يعيننا الله لنستطيع تقديم المساعدة بكل ما بوسعنا. هذه مسألة مهمة.
طبعاً، نحن قلقون لعدم الاستقرار السياسي في باكستان. القوى المعتدية و المهيمنة تستغل هذا الوضع و الانتهازيون يستغلون هذا الواقع. بعض الحكومات المعتدية تريد تحويل باكستان إلى مقر عسكري لهم. و هذه بواعث قلق أخرى نتمنى أن يتنبه لها الشعب الباكستاني الرشيد. الحكومة الباكستانية عالمة بوظائفها و سيساعدهم الله تعالى ليستطيعوا انتشال أنفسهم من هذه المصيبة على أحسن وجه.
و قضية فلسطين لا تزال قضية العالم الإسلامي الأولى. الجرائم في غزة لا تزال مستمرة. و الجرائم في الضفة الغربية لنهر الأردن لا تزال متواصلة. الكيان الصهيوني يواصل ظلمه و جوره ضد الشعب الفلسطيني المظلوم بكل وقاحة و صلافة. و مع ذلك يعقدون في واشنطن اجتماعاً لمؤتمر السلام! السلام مع من؟! يريدون التغطية على جرائم أعداء الشعب الفلسطيني بهذه المفاوضات التي أطلقوا عليها اسم »مفاوضات السلام«. غاصب جاء و اغتصب ديار شعب من الشعوب، و لم يكتف بهذا بل استخدم كل الإمكانيات لقمع ذلك الشعب، و هؤلاء يجلسون بكل لاأبالية - العالم الغربي و أمريكا و الآخرون - و يتفرجون و يشجعون المعتدي الظالم القمعي، ثم يعقدون اجتماعاً للسلام! أي سلام؟! أي سلام؟! بين مَن و مَن؟ و الصهاينة الوقحون يقفون بكل صلافة أمام الفلسطينيين و يقولون لهم: عليكم القبول بالتهويد. جريمتهم الكبرى أنهم يريدون التهويد. يريدون جعل القدس الشريف قبلة المسلمين، و فلسطين العزيزة قطباً لظلمهم و جورهم و مؤامراتهم تحت طائلة التهويد. هذه هي قضيتنا الرئيسية.
نتمنى أن يوفق الله تعالى الشعوب المسلمة و يعين الحكومات المسلمة لكي يعرفوا واجبهم حيال هذا الحدث المرير و هذه الواقعة المرة. الشعب الفلسطيني طبعاً يقف رغم كل هذه الضغوط بمنتهى القوة و الاستقامة. لا يكاد الإنسان يصدق أن يكون الشعب مقاوماً إلى هذه الدرجة! و صاحب همة و غيرة إلى هذا الحد! هذه الضغوط العجيبة الغريبة لم تستطع فرض التراجع عليهم. الفلسطينيون اليوم أقوى و أكثر تصميماً و عزيمة مما كانوا عليه قبل عشرين عاماً و ثلاثين عاماً، و قدراتهم أكثر و الحمد لله، و سيستطيع الفلسطينيون بلا شك أو مراء قطع يد المعتدي، و محو هذا الكيان الزائف الكاذب عن أرض فلسطين.
ربنا، ربنا تقبل عبادات هذا الشعب و جهوده و تضرعه و خشوعه طوال شهر رمضان و في يوم عيد الفطر بكرمك. اللهم افتح أبواب رحمتك و مغفرتك في وجه هذا الشعب. اللهم حل عقد و مشكلات هذا الشعب. ربنا اجعل مسيرة هذا الشعب نحو التقدم و القمم أسهل و أسرع يوماً بعد يوم. اللهم ارحمنا.. ربنا لا تحرمنا من فيض رمضان، و من فيض عيد الفطر، و من فيض التضرع و الخشوع. ربنا انزل لطفك و رحمتك على أمواتنا. اللهم زد من عزة و شموخ الأمة الإسلامية يوماً بعد يوم.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
»وَ الْعَصْرِ ** إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ** إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ«.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1 - سورة الروم، الآية 30.
2 - علل الشرايع، ج 1، ص 268.
3 - سورة الإخلاص، الآيات 1 - 3.