بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین و الصلاة و السلام علي سیدنا و نبینا أبي القاسم المصطفي محمد و على آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین الهداة المهدیین المعصومین سیما بقیة الله في الأرضین.
أبارك المیلاد السعید لسیدنا ثامن الأئمة (علیه آلاف التحیة و الثناء)، و کذلك عشرة الکرامة و ولادة سیدتنا فاطمة المعصومة (سلام الله علیها). أشکر الله شکراً کثیراً أن منّ بتوفیقه للقاء بکم مرة أخرى أهالي قم الأعزاء في هذه المدینة الزاخرة بالخواطر و العظمة. مدینة قم مدینة العلم و الجهاد و البصیرة. بصیرة أهالي قم من النقاط المهمة جداً التي أفصحت عن نفسها دائماً طوال هذه الأعوام التي نیّفت على الثلاثین. و من اللافت أن تأسیس مدینة قم کان نتیجة حرکة جهادیة مصحوبة بالبصیرة. أي إن عائلة الأشاعرة حینما جاءوا إلى هذه المنطقة و سکنوها، جعلوها في الحقیقة مقراً لنشر معارف أهل البیت (علیهم السلام)، و أطلقوا هنا جهاداً ثقافیاً. و کان هؤلاء قد خاضوا غمار الجهاد في ساحة القتال قبل أن یأتوا إلى قم، فقد مارسوا الجهاد العسکري و کان کبیرهم قد حارب مع زید بن علي (علیهما السلام)، لذلك غضب الحجاج علیهم، و اضطروا إلى المجئ إلى هنا، و جعل هذه المنطقة بمجهودهم و بصیرتهم و علومهم منطقة علمیة. و هذا ما جعل سیدتنا فاطمة المعصومة (سلام الله علیها) حینما وصلت إلى هذه المنطقة تبدي رغبتها في النزول في قم.. بسبب وجود هؤلاء الکبراء من عائلة الأشاعرة. و قد ساروا لاستقبالها و جاءوا بها إلى هذه المدینة و ها هو هذا المرقد النیّر یشع و ینیر في هذه المدینة منذ ذلك الیوم و من بعد وفاتها سلام الله علیها. أهالي قم الذین أطلقوا هذه الحرکة الثقافیة العظیمة شکلوا منذ ذلك الیوم مقراً لمعارف أهل البیت في هذه المدینة، و بعثوا مئات العلماء و المحدثین و المفسرین و شرّاح الأحکام الإسلامیة و القرآنیة لشرق العالم الإسلامي و غربه. و سار العلم من قم إلى أقصى خراسان و العراق و الشام. کانت هذه بصیرة أهالي قم في ذلك الیوم. حیث تأسست قم على أساس الجهاد و البصیرة.
و في حقبتنا المعاصرة وقعت نفس الحالة تماماً. بمعنى أن قم أضحت مقراً لأفضل المعارف الإسلامیة و الإلهیة. و تفجرت ببرکة جهاد العلماء الکبار و بصیرتهم و تواجدهم عیون في هذه الناحیة انتهل منها شرق العالم الإسلامي و غربه.
أرید التذکیر بفترتین مهمتین مارس فیهما أهالي قم و الحق یقال دوراً مؤثراً و باقیاً. إحدى الفترتین هي عاشوراء سنة 42 و الخامس عشر من خرداد الذي صادف یومین بعد عاشوراء تلك. في یوم عاشوراء تجمع أهالي قم في المدرسة الفیضیة هذه و استمعوا لصرخات الإمام الخمیني و زئیره و ملأوا به أرواحهم، و بعد یومین حینما سمعوا خبر إلقاء القبض على الإمام الجلیل تجمعوا في الصحن الطاهر لمرقد السیدة المعصومة. و قد أدى تحرکهم العظیم هذا إلى عدم بقاء نهضة رجال الدین بقیادة إمامنا الجلیل حبیسة الحوزة العلمیة بل خرجت إلى المجتمع. و قد کان رواد هذا التحرك هم أهالي قم الذین قاموا بهذا العمل الکبیر.
و الفترة الثانیة هي سنة 56 حیث أدرك أهالي قم عمق مؤامرة العدو في إهانته للإمام الجلیل، فقد فهموا مغزى القضیة، و أن الأعداء لم یکونوا یقصدون مجرد توجیه إهانة للإمام الجلیل. و خرجت في قم أول تظاهرات شعبیة واسعة ضد تلك الخطوة الخیانیة. سفکت دماء الشباب القمیین و سالت على الأرض في هذه الشوارع.. في شارع إرم هذا و في شارع (چهارمردان). قدموا أرواحهم و أثبتوا بدمائهم صدق کلامهم. و طوال هذه الأعوام الثلاثین بعد انتصار الثورة شارك هؤلاء الناس بإخلاص و صدق و صفاء و بصیرة تضرب بها الأمثال في الساحة. کان للعدو مخططاته لمدینة قم، و لو لم یکن أهالي قم یقظین و أصحاب بصیرة لکانت مخططات الأعداء لقم خطیرة. وعي الناس و وجود الحوزة العلمیة في هذه المدینة جعلت من هذه المدینة معقلاً للبصیرة.
کان في هذه المدینة مراجع کبار منذ زمن المرحوم آیة الله الحائري مؤسس الحوزة العلمیة فیها، و في زمن المرحوم آیة الله البروجردي و حتى المراجع في الفترة الأخیرة کالمرحوم آیة الله الگلپایگاني، و المرحوم آیة الله الأراکي، و المرحوم آیة الله المرعشي، و المرحوم آیة الله بهجت. و الیوم أیضاً یوجد و الحمد لله مراجع کبار في هذه المدینة و فضلاء مبرزون، و الحوزة العلمیة مصدر برکة، و قد أثبتت هذه المدینة الصادقة و المتحلیة بالبصیرة و المجاهدة في سبیل الله أنها تعرف قدر الحوزة العلمیة و قدر رجال الدین، و أنها تسجل حضورها و مشارکتها في أوقات الضرورة. و هي المدینة التي غدت معقلاً و أملاً للثورة بسبب نهضة هذا الرجل التاریخي الکبیر.
وقتنا للتحدث إلى هذه الحشود الکبیرة محدود. لقد تأخرنا في الطریق کثیراً بسبب ما أبداه الناس من اللطف، لذلك مضى الوقت. و سوف أذکر بضع نقاط فقط.
أولاً قم هي منبت الثورة. المدینة الدینیة أکثر في البلاد أضحت مقر و منبت أکبر ثورة في الحقبة المعاصرة. ما معنى هذا؟ هذا معناه أن لیعلم العالم بأسره أن هذه الثورة ثورة دینیة. لا یمکن تفسیر هذه الثورة بالرأي و لا بأي تفسیر مادي. قم هي منبت الثورة. و قائدها فقیه و فیلسوف و عالم کبیر و رجل دین معنوي. هکذا عرفت هویة الثورة في العالم کله. هذه نقطة.
و تتمة هذه النقطة هي ما الشيء الذي استهدفه أعداء هذه الثورة حینما أرادوا طوال هذه المدة توجیه الضربات لهذه الثورة و هذا النظام؟ کان المستهدف في هجمات الأعداء شیئان أساسیان: الأول هو الدین و الثاني هو الشعب و وفاؤه. تعلمون أنه لو لم تکن هذه الثورة ثورة دینیة لما کانت لدیها القدرة على المقاومة. لأن الدین هو الذي یمنع أتباعه من الاستسلام حیال الظلم و یشجعهم على مجابهة الظالم و یقترح العدالة و المعنویة و التقدم على حیاة الناس. هذه هي خصوصیة الدین. إذن النظام الإسلامي الذي یقوم على أساس الدین لا معنى لأن یستسلم لضغوط الأعداء و عسف العتاة و الجشعین. لو لم یکن في هذه الثورة عنصر الدین ربما تنازل مسؤولو الثورة و زعماؤها أمام الأعداء بعد حصولهم على بعض الإمتیازات، و فتحوا الطریق ثانیة أمام هیمنة الأعداء. و لکن حیث أن الدین هو العمود الفقري لهذه الثورة لذلك لم یحصل مثل هذا الشیء لحد الآن و لن یحصل بعد الآن أیضاً.
الدرس الکبیر لإمامنا العزیز لنا و لکل الشعب هو آمنوا بقواکم الذاتیة و اسعوا لمضاعفة هذه القوة یوماَ بعد یوم و کونوا واثقین من الله تعالى و الوعد الإلهي. إذا صمدتم و تحرکتم بتدبیر فکونوا واثقین من أن النصر الإلهي معکم. هذه خصوصیة تدین الشعب و الطابع الدیني لهذه الثورة و النظام الإسلامی.
السمة الشعبیة تعني أن هذه الثورة محمیة من قبل الشعب الوفي، و أن النظام الإسلامي یحظى بتأیید و حمایة و إسناد کامل من قبل الشعب. و قد کان هذا الشيء متوفراً طوال هذه الفترة.
لو لا تواجد الجماهیر، و لو کانت ثمة مسافة بین الشعب و النظام لما استطاع النظام المقاومة أمام الأعداء. إنه التواجد القوي للشعب الذي شکل الدعامة لصمود المسؤولین. هاتان هما النقطتان الرئیسیتان. الدین و الشعب. لذلك یستهدفهما العدو في هجماته. یستهدف الدین بشکل و یستهدف وفاء الشعب و عقیدته بشکل. حین تلاحظون الأعداء الخارجيين أو مرتزقتهم و خدامهم المجانيين في الداخل منذ سنوات عقد الستینیات و خلال فترة الحیاة المبارکة للإمام الخمینی ينكرون و يشككون في المقدسات و الحقائق الدينية و البينات الإسلامية فلم تكن هذه الحالة شيئاً بالصدفة، بل شيء متعمد جرى التأكيد عليه. ابتدأت هذه الحالة من قضية سلمان رشدي مروراً بالأفلام الهوليوودية المعادية للإسلام و الرسوم الكاريكاتيرية حتى إحراق القرآن و الأحداث التي تقع هنا و هناك ضد الإسلام، و كلها تستهدف النيل من إيمان الناس بالإسلام و المقدسات الإسلامية. يرومون زعزعة أسس إيمان الناس و خصوصاً الشباب في الداخل، و يستخدمون لذلك إشاعة التحلل و الإباحية و الطرق العرفانية الزائفة - البضاعة المزيفة للعرفان الحقيقي ـ إلى ترويج البهائية و شبكة الكنائس المنزلية.. هذه ممارسات تجري اليوم على أساس دراسات و تدابير و تخمينات يقوم بها أعداء الإسلام، و الغاية منها ضعضعة الدين في المجتمع.
و يقومون بالكثير من الأعمال على صعيد زعزعة وفاء الشعب للنظام: بث الإشاعات من أجل نشر اليأس من مسؤولي البلاد في قلوب الناس.. نثر بذور التشاؤم و سوء الظن. يشككون في وسائل الإعلام المختلفة بأي عمل جيد قيم يتم إنجازه على مستوى البلاد. إذا كانت ثمة نقاط ضعف يضاعفونها أضعافاً مضاعفة، و لا يعرضون نقاط القوة، من أجل بث القنوط في نفوس الناس و خصوصاً لدى جيل الشباب. يصورون الأفق المستقبلي أمام الشباب و الناس حالكاً من أجل إخراج الجماهير من الساحة و عزلهم. لكن النقطة الأساسية هي أن أعداء الشعب الإيراني و أعداء النظام الإسلامي طوال هذه الأعوام الأثني و الثلاثين خسروا كل الاستثمارات و الجهود التي بذلوها من أجل هاتين المسألتين، بمعنى أنهم لم يحصلوا على نتيجة بل نالوا الخسران المبين. توهموا أن بمقدورهم فصل الجماهير عن النظام الإسلامي. و ترون أنه كلما مرّ الزمن أكثر زاد الناس التزاماً بالقيم المعنوية و القضايا الدينية. متى كان يشارك كل هؤلاء الشباب في المراسم المعنوية في بلادنا: في المراسم العبادية في شهر رمضان و في يوم عيد الفطر؟ لا سابقة لهذه البصيرة الجماهيرية في مجال القضايا السياسية. بعد الإهانة التي وجهت للإمام الحسين في يوم عاشوراء سنة 88 من قبل بعض المدفوعين، لم يمض يومان حتى نزل الشعب في يوم التاسع من دي إلى الشوارع و أبدوا موقفهم الصريح علانية. أيدي الأعداء و إعلامهم لم يعجز عن فرض التراجع عن المشاعر الدينية على الناس، بل زادت هذه المشاعر يوماً بعد يوم قوة و عمقاً.
لا مراء أن العدو هزم في فصل الناس عن النظام الإسلامي. في العام الماضي حضر عند صناديق الاقتراع أربعون مليوناً من أبناء الشعب الإيراني. و الواقع أنه كان استفتاء من أربعين مليون نسمة لصالح نظام الجمهورية الإسلامية و لصالح الانتخابات. و هذا ما أغضب العدو. و قد أراد العدو إجهاض أثر ذلك عن طريق الفتنة لكنه أخفق في هذا أيضاً. فقد وقف الشعب أمام الفتنة أيضاً. فتنة سنة 88 أكسبت البلاد المناعة و جعلت الشعب مستعداً و قوياً إزاء الميكروبات السياسية و الاجتماعية‌ التي يمكنها أن تؤثر و تضر. كما أنها زادت من بصيرة الجماهير.
في الأعوام الماضية كان بعض أدعياء العلم و الوعي يكتبون أشياء ضد الدين و المباني الإسلامية في بعض صحف البلاد، و هذه أيضاً لم تؤثر في الشعب. دققوا في أن الأعداء يتابعون في مضمار الدين نقطتين أساسيتين لأنهم لاحظوا مدى تأثير هاتين النقطتين في حياة الناس. الأولى قضية «الإسلام من دون رجال الدين» فقد شاهدوا ما لرجال الدين من تأثير عميق في المجتمع الإيراني و على تحرك الجماهير. و قد كانوا طبعاً يطلقون مثل هذه الزمازم قبل الثورة أيضاً. لكن تواجد رجال الدين في الثورة و ريادتهم لصفوف الثورة أقصى هذا المعنى والمفهوم عن الساحة موقتاً، لكنهم بدأوا زمازمهم مرة أخرى. و النقطة الثانية هي «الإسلام من دون سياسة» أي فصل الدين عن السياسة. هاتان النقطتان من جملة الأمور التي يشيعونها اليوم بأشد الإصرار في صحافتهم و كتاباتهم و وسائلهم الانترنتية. القضية مهمة بالنسبة لهم. دققوا في هذه الظاهرة. كل ما يشدد عليه العدو و يركز عليه في خارطة طريقه و مخططاته العامة يمكنه أن يوفر لنا نحن أيضاً مشروعاً عاماً و خارطة طريق. الأمور التي يشنون عليها هجماتهم يجب أن ندقق و نعلم أن علينا صيانتها و المحافظة عليها و التشديد عليها: تواجد الجماهير في الساحة و المعارف الدينية و الإسلامية.
منذ عام 58 و 59 [ 1979 - 1980 م ] بدأوا الحظر ضد البلاد، لكن تشديد الحظر هذا هو في الحقيقة من أجل الضعط على الناس و الشعب بغية فصله عن النظام الإسلامي. و لحسن الحظ فقد أعلن المسؤولون و كذلك جماهير الشعب - مضافاً إلى أنهم أثبتوا عملياً - أن هذا الحظر لن يترك بتوفيق من الله أثراً يذكر على حياة الناس. الجماهير الذين تحملوا تلك المشاق و المشكلات في عقد الستينات و بدايات الثورة زاد اليوم يقينهم و أملهم بالمستقبل في ظل كل هذا التقدم الهائل الذي حققوه، و سوف يصمدون إزاء العدو و يجهضون مؤامراته.
من أجل أن لا نزاحم صلاة المؤمنين في أول الوقت سأذكر على وجه الاختصار عدة مبادئ لسلوكنا و تصرفاتنا في ضوء مخططات العدو.
من القضايا التي تطرح في هذا المضمار قضية وحدة الكلمة الوطنية. و المخاطب بهذا الكلام هم الخواص و عامة الناس على السواء. ينبغي أخذ قضية الوحدة بعين الجد. لقد تحدثت طويلاً حول وحدة كلمة الشعب و ذكرت بعض الخصائص و المؤشرات. لا يكفي أن يقول الشخص إننا من أنصار الوحدة، فهناك مؤشرات و علامات لذلك.
القضية الأخرى هي التضامن المضطرد بين الشعب و الخواص و بين السلطات الثلاث. يجب ارتقاء التضامن مع السلطات الثلاث في البلاد يوماً بعد يوم و مدّ يد العون لهم، و خصوصاً السلطة التنفيذية التي تتحمل على كاهلها أعباء جسيمة. اختلاق الإشاعات و تجاهل الجهود ليس في صالح البلاد و مستقبل البلاد أبداً.
النقطة الثالثة هي تعزيز الإيمان الديني و تأمين الاحيتاجات الفكرية و الإجابة عن استفهامات الجيل الشاب. و هذا ما يخص في معظمه رجال الدين و الحوزات العلمية. إنهم ينشرون الشبهات دوماً و يجب الردّ على الشبهات بنحو مستمر و متجدد.
النقطة هي التعريف الصحيح و المناسب لرجال الدين. و هذا ليس واجب رجال الدين لوحدهم. بمقدور المثقفين و الواعين أن يشرحوا دور رجال الدين في البلاد و يشرحوا ما هي المنعطفات الصعبة و المشكلات التي استطاع رجال الدين و خصوصاً مراجع التقليد العظام و كبار شخصيات الحوزة العلمية في الظروف الحساسة أن يمروا بها آخذين بأيدي المجتمع.
المسألة الأخرى سعي الشباب لزيادة بصائرهم. على الشباب أنفسهم أن يسعوا و يجدّوا في هذا الدرب. ينبغي معرفة العدو و معرفة أساليبه. هذه مهمة تقع على عاتق الشباب أنفسهم.
النقطة التالية التي ينبغي أخذها بنظر الاعتبار في لائحة الأعمال المهمة هي قضية تقدم العلم و التحرك باتجاه الخارطة العلمية الشاملة للبلاد. المهمة التي اكتسبت و الحمد لله سرعة و حركة أفضل منذ نحو خمسة أو ستة أعوام.. و تم إنجاز تقدم جيد. و يجب طبعاً بذل مزيد من الجهود. ستكتسب هذه الحركة إن شاء الله سرعة أكبر. من الضروري انطلاق حركة سريعة أخرى في داخل الحوزات العلمية و سوف أتحدث في هذا المضمار إن شاء الله مع الأعزاء الإخوة و الأخوات في الحوزات العلمية.
العملية المهمة الأخرى التي أخاطب بها الحكومة، و هي التي تتحمل مسؤوليتها، هي الاهتمام بمعالجة عوامل عدم الرضا و أسباب المشكلات التي يعاني منها الناس: قضية المعيشة و قضية العمالة و قضية التنظيم الإداري و قضية الأشخاص الذين يتم تعيينهم في الأجهزة و المؤسسات و خصوصاً في المستويات العليا، و قضية البلديات و قضية قوات الشرطة، و البلديات و الشرطة مؤسستان تتعاملان مع الناس مباشرة، و بإمكانهما رفع الكثير من مشكلات الناس، أو لا سمح الله خلق حالات عدم رضا. إذن على الأجهزة و المؤسسات أن تبدي اهتماماً و تناسقاً في مهماتها المختلفة و تكون متناغمة و متكاملة و من دون اختلافات و تناقضات. و هذا ما يتعلق بالأجهزة و المؤسسات الحكومية.
و أذكر نقاطاً حول مدينة قم. قم هي منبت الثورة. و هي مسقط رأس هذا الحدث العظيم و الظاهرة الكبرى في تاريخ بلادنا و العالم كله. النظرة العالمية لقم نظرة خاصة مضافاً إلى وجود تردد و ذهاب و إياب إلى هذه المدينة من البلدان المختلفة. الذين لا يسافرون إلى هذه المدينة لأسباب و ملاحظات معينة يبدون حساسيتهم تجاه هذه المدينة، و لهم نظرتهم الخاصة لها، و يتابعون أحداث هذه المدينة. اجتماعكم الهائل اليوم هذا سوف يهتمّون به. و قد لا يذكرونه في إعلامهم، لكن صناع السياسات سوف يرونه و يأخذونه في الحسبان، و لهم نظرتهم العالمية له. توجد في هذه المدينة أكبر حوزة علمية للعلوم الإسلامية في العالم الإسلامي. ما من حوزة علمية بعظمة الحوزة العلمية في قم. هنا قطب للزيارة و الحياة المعنوية. هنا مرقد السيدة فاطمة المعصومة.. هذا الحرم العظيم. و هنا مسجد جمكران، و مراقد الكثير من السادة أبناء الأئمة، و كل واحد من هؤلاء السادة المدفونين في شوارع قم لو كان في مدينة لكان مركزها و محورها. كل هذه إمكانيات وطنية و محلية و عالمية و خصائص لهذه المدينة المقدسة.
لأن قم كانت مغضوباً عليها من قبل الأجهزة الحكومية في عهد الطاغوت فقد تراكم فيها التأخر للأسف. و على المسؤولين المحترمين تلافي هذا التأخر بكل جد و سرعة. طبعاً أنجزت الكثير من الأعمال طوال السنوات التي أعقبت الثورة. منذ سنة 79 تحولت هذه المدينة إلى محافظة و خصصت لها اعتمادات أكثر. كما ذكروا لي في التقارير منذ سنة 84 فما بعد فقد بلغت الاعتمادات المخصصة لهذه المدينة ذروتها. و بالتالي أنجزت أعمال جيدة جداً. و لكن ينبغي تكميل كل هذه الأعمال لتتقدم هذه المدينة بالنحو الذي يليق بأهاليها من حيث تلبية احتياجاتهم و من حيث الشكل الظاهري للمدينة. لا بد من عمل صعب إذا أريد تلافي هذا التأخر المتراكم.
أهم ما تحتاج إليه هذه المدينة هو مياه الشرب. و هي مسألة تتم متابعتها بشكل جاد منذ سنوات. و قد أنجزت أعمال جيدة جداً. تم إنجاز جزء مهم من العمل، و من الضروري تثمين جهود المسؤولين عن هذا العمل، لكننا نطلب من المسؤولين المحترمين عن هذه المهمة أن يوصلوا إلى قم المياه التي يجب أن تصلها من أماكن بعيدة و من ينابيع دز. ينبغي رفع هذه الحاجة الأساسية و الكبيرة لأهالي قم.
و مسألة الزراعة في قم أيضاً من المسائل المهمة. سمعت أنه من المقرر الإتيان بالمياه من طهران إلى منطقة مسيلة لتعاود هذه المنطقة من قم الزراعة التي كانت في يوم من الأيام مزدهرة فيها إن شاء الله.
و يجب دعم الصناعات اليدوية في قم، و خصوصاً السجاد القمي المشهور و سوف نؤكد ذلك على المسؤولين إن شاء الله.
و ما أريد التأكيد عليه أيضاً هو العمارة و البناء في مدينة قم. يتم اليوم إنجاز أعمال كبيرة في مدينة قم، و هناك الكثير من البناء، و ينبغي في هذا البناء بالتأكيد ملاحظة الطراز الإسلامي للعمارة، و يجب ملاحظة الرموز الثورية في العمارة في هذه المدينة فهذه المدينة مدينة الإسلام و الثورة.
و النقطة الأخيرة هي أن المسؤولين المحترمين في هذه المدينة إذا اختلفوا حول شيء فيجب أن لا يسمحوا لهذا الاختلاف بالنيل من حياة الناس و الإضرار بها و خلق المشكلات للناس. ثمة اختلافات بين الأجهزة و المؤسسات المتعددة، و قد يكون لهذا الاختلاف صلته بحياة الناس، و قد سجلت هذه النقطة هنا و لا أعيد أذكرها، لكن توصيتي العامة هي أن يتعاضد الجميع، و يقدم المسؤولون الحكوميون بتعاونهم و تكاملهم فيما بينهم الخدمة للناس، و على الناس أن يدعموهم و يواصلوا تواجدهم العظيم في الساحة، و هو ما أثبتوه دوماً ليستطيعوا إكمال المهمة التي بدأت في هذه الفترة من الزمان في البلاد، و الإشعاع بفوائدها على العالم الإسلامي.
اللهم بمحمد و آل محمد، أنزل بركاتك و رحمتك على هؤلاء الأهالي الأعزاء و على كل الشعب الإيراني. اللهم اجعلنا عارفين قدر الجهاد و المساعي التي بذلها الذين أوصلوا هذه الحركة العظيمة إلى مراحلها الحالية. ربنا بحق محمد وآل محمد اجعلنا جنوداً حقيقيين للإسلام. وفق و أيّد مسؤولي البلاد و خدامها. اجعل بتوفيقك و عونك مساعدة الناس و خدمتهم سهلة في خططهم و برامجهم. أرض عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه). و اجعلنا من أنصاره في حضوره و غيابه.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.