بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين المعصومين سيما بقية الله في الأرضين. السلام عليك يا سيدتي و يا مولاتي يا فاطمة المعصومة يا بنت موسى بن جعفر سلام الله و سلام ملائكته و عباده المنتجبين عليك و على آبائك المطهرين.
تجمع التعبويين الأعزاء بقلوبهم الدافئة و الوفية و إراداتهم الراسخة و عزائمهم المتينة في هذا المكان المقدس و بحضور الروح الطاهرة للسيدة الجليلة المعصومة أبنة موسى بن جعفر يعدّ بحد ذاته مؤشراً و علامة و راية لإبراز عظمة النظام الإسلامي و تقدمه إلى الأمام.
لو لم يكن لنا من دليل على حياة النظام الإسلامي و نشاطه و إرادته القوية و أهدافه و تقدمه إلى الأمام سوى تواجد الملايين من الشباب المتحمس المؤمن الصادق ذي البصيرة من كل أنحاء البلاد، تحت عنوان التعبئة، لكفى ذلك للدلالة على أن هذا النظام و هذه الحركة العظيمة للشعب الإيراني منيعة محصنة مقابل أعقد المؤامرات و أخطر تحركات الأعداء. و هذا بالطبع ليس شعاراً إنما هو كلام مستند إلى الأدلة المنطقية.
التعبئة أحدى الآيات الإلهية التي أعطاها الله تعالى لذلك العبد الصالح و الرجل الكبير و الشخصية النادرة المنقطعة النظير في تاريخ الإسلام من بعد الأئمة (عليهم السلام). فكرة إطلاق التعبئة العامة و تعبئة المستضعفين التي طرحها الإمام الجليل و عمل بها و وقف بكل قوته إلى جانبها و سقى هذه الغرسة إلى تحولت إلى شجرة طيبة «تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها» (1) هو من الألطاف الإلهية على ذلك الرجل الكبير و العبد الصالح الخاشع لله. العين البصيرة للإمام كانت ترى علامات القدرة و المعونة الإلهية هذه. عيبنا أننا نلمس بعض الأحيان المعونات الإلهية لكننا لا نراها بصورة جيدة و لا نشخصها و لا ندرك أية مساعدة كبيرة هذه يقدمها الله لنا، لكنه كان يرى ذلك.
في أحدى الأحداث التي رويتها مراراً قال لي الإمام الخميني إنني منذ بداية الثورة و إلى اليوم - كان ذلك في حدود سنة 1365 [1986 م] - كنت أشاهد يد قدرة تمتد لمعونتنا و تأخذ بأيدينا إلى الأمام. كان يرى يد القدرة هذه. نظرة الإمام لشعب إيران كانت مختلفة عن نظرة‌ الآخرين. في ذلك اليوم لو أردنا استطلاع آراء الكثير من النخبة العلمية الدينية و غير الدينية و السياسية و سوى ذلك حول الشعب الإيراني لوجدنا أنها آراء عجيبة غريبة. البعض لم يكونوا يعتبرون هذا الشعب مؤمناً و البعض لم يكونوا يعتبرونه صادقاً، و البعض كانوا يشكون بقوته و وفائه - و هذه آراء كثيراً ما سمعناها - لكن الإمام في سنة 1341 [1962 م] و في نفس مدينة قم هذه، يوم لم يكن ثمة‌ أي أثر لهذه التجمعات الهائلة، قال في مسجد أعظم هذا: إننا لو دعونا الناس فسوف تملأ الحشود صحراء‌ قم و لسوف يلبّون نداءنا. كانت نظرته للشعب مثل هذه النظرة. كان يعرف الناس و قد اكتشف ذلك العنصر الثمين الأكسيري الذي يبدل النحاس إلى ذهب في أرواح الناس و قلوبهم و استخدمه. لذلك انتصرت الثورة الإسلامية‌ رغم العقبات الكبرى التي اعتورت طريقها. ما من محلل كان بوسعه أن يصدق أن يقع هذا الحدث هنا. لكنه اعتمد على‌ الله و توكل عليه و خاض في العمل و تواصل مع قلوب الناس و نزل الناس إلى الساحة و وقع هذا الحدث العظيم، ثم أطلق فكرة‌ التعبئة.
و أنتم الثمار الحلوة الطيبة لتلك الشجرة الطيبة الطاهرة التي غرسها الإمام الجليل في الأرض بيديه. و سوف يتواصل هذا العطاء و هذه الثمار في المستقبل أيضاً. و قد قال الله تعالى:‌ »ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها» (2). حينما تكون التربة صالحة و جيدة و البذور طاهرة فلن تكون هناك نهاية‌ للنبات و النماء، أي لن يكون ثمة عامل بوسعه الإضرار بذلك النبات. و التعبئة مثل هذه الشجرة الطيبة الطاهرة.
لقد خرجت التعبئة ناجحة من امتحانات عديدة. في فترة ‌الدفاع المقدس أنجز جيل الشباب من قبلكم أعمالاً كبيرة في ساحة القتال. و قد شاهدنا ازدهار ورود المواهب العطرة ‌في أولئكم الشباب. كان الشاب ذو الأثنين و عشرين سنة أو الثلاثة و عشرين سنة يجمع الجنود كقائد متبحر و صاحب تجربة و يوجههم و يرشدهم و يستعين بهم في الموضع المناسب و يحقق الانتصارات. هذا ليس بالشيء العادي. لقد مارست التعبئة دورها خلال فترة الحرب. و قد كان الجيش و الحرس يعترفان أن تواجد التعبئة في كافة القطاعات المتنوعة لهذه الجبهة الطويلة الشاقة تواجد مصيري.
و انتهت الحرب المفروضة. و ظن ذوو النظرات السطحية أن التعبئة أيضاً انتهت لكن التعبئة بقيت لأن الجهاد كان لا يزال باق و لأن ساحة الجد و العمل و الجهود كانت لا تزال باقية. أينما كان ثمة‌ جهاد تواجدت التعبئة‌ هناك.. الجهاد في ساحة العلم، و الجهاد في ساحة السياسة، و الجهاد في الميادين الاجتماعية، و الجهاد في الميادين و السوح الدولية الواسعة.. هذا الجهاد متواصل و سوف يتواصل في المستقبل أيضاً.
معنى التعبئة هو التوفيق بين الإيمان و العمل. العمل الجهادي و ليس مجرد العمل الشخصي. الإيمان المجرد عن العمل إيمان بمستوى دان من وجهة‌ نظر الإسلام. الإيمان الكامل و الحقيقي هو المصحوب بالجهاد في ميادين العمل. «و الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله و الذين آووا و نصروا أولئك هم المؤمنون حقاً» (3). المؤمن الحقيقي هو الذي يرفق الإيمان بالجهاد و الهجرة و النصرة. بهذا يمكن تشخيص التعبئة و معرفتها. الفكرة‌ الخاطئة و المنحرفة القائلة بالاكتفاء بالإيمان بعيداً عن العمل و الجهاد من أجل التقرب إلى الله، تردّ عليها هذه الآية و الكثير من الآيات الأخرى. التعبئة قائمة‌ بالإيمان المصحوب بالعمل و العمل هنا هو العمل الجهادي. و إذن، فللجهاد مجالات مختلفة‌ ذكرناها.
حققت التعبئة لحد الآن نمواً و تطوراً. تقدم التعبئة في الأبعاد المختلفة هو التقدم الذي يتوقعه أي إنسان يعرف التعبئة. فقد سجلت نمواً كمياً، و كذلك نمواً نوعياً و معنوياً، و كذلك وقوفاً بوجه العقبات و المعارضات المؤثرة في قلب الإنسان و المزعزعة لفؤاده.. أي الوساوس.. لقد خرجت التعبئة من هذه الامتحانات مرفوعة الرأس.
ما ينبغي أن يكون معياراً لنا جميعاً و لكل التعبويين الأعزاء و لكل الشباب العاملين في أية رقعة من هذه الساحة الكبيرة هو العناصر الثلاثة: البصيرة، و الإخلاص، و العمل في الوقت المناسب و بالمقدار المناسب. اربطوا دوماً بين هذه العناصر الثلاثة و خذوها بنظر الاعتبار. يجب أن تكون هذه العناصر الثلاثة معياراً و مؤشراً بالنسبة لنا: البصيرة و الإخلاص و العمل في الوقت المناسب و بالمقدار المناسب.
الشيء الذي يهدي إلى الطريق هو البصيرة. ما أصوب ما قال هذا القائد العزيز المحترم (4) من أن التعبويين استطاعوا حيال تعقيدات الأوضاع أن يوجدوا تعقيداً في أذهانهم و أفكارهم و شخصياتهم، و يعرفوا بذلك الأمور، و هذا ما دلت عليه أحداث عام 88. كان من الممكن للكثيرين أن يخطئوا و قد أخطأ الكثيرون. مع أن معظم الذين أخطأوا صححوا خطأهم بعد مدة قصيرة، لكن حركة التعبئة العظيمة احتفظت لنفسها بمؤشر البصيرة، و براية البصيرة، و لم تخطئ، و كما قال الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة‌ و السلام): «لا يعرف الحق بالرجال». لا يمكن معرفة‌ الحق بالشخصيات. قد تكون الشخصية محترمة‌ و مقبولة و مكرمة لكنها لا يمكن أن تعتبر مقياساً للحق. أحياناً قد تخطئ بعض الشخصيات المعتبرة مثل صحابة‌ النبي و تسير في الطريق الخطأ. يجب معرفة الحق و تشخيص الدرب لكي نعرف هل هذا الشخص على حق أم على باطل. كل من سار في هذا الدرب حق، و كل من لم يسر في درب الحق فهو مرفوض. ينبغي معرفة الحق. الجماعة ‌الشابة‌ المؤمنة المجتمعة‌ تحت مظلة التعبئة‌ و رايتها أبدت عن نفسها هذه البصيرة و أثبتت أنها تتحلى بالبصيرة. البصيرة هي العنصر الأول. و يجب أن يكون الحال كذلك في المستقبل أيضاً. يتعين التوفر على القدرة‌ على التحليل و القدرة على التشخيص. قال الإمام الخميني - و هو رائد و مؤسس كل هذه الحركة و التيار، و له حق الحياة في عنق هذا المجتمع و هذه الحركة العظيمة - حتى لو انفصلتُ أنا عن الإسلام فسوف يعرض الناسُ عني. المعيار و المؤشر هو الإسلام و ليس الأشخاص. هذا هو كلام الإمام (رضوان الله عليه).
هو الذي علمنا أن نميّز الطريق و نعرفه و نشخص المسيرة الصائبة و ندرك مخططات الأعداء‌ و نقرأها لنستطيع أن نفهم أي الأعمال لصالح العدو و في خطه و أي الأعمال على الضد من العدو. إذن البصيرة هي العنصر الأول. ينبغي عدم نسيان البصيرة.
العنصر الثاني هو الإخلاص. قيل إنه لو كان المرء يتطلع في ساحة الجهاد في سبيل الله إلى غاية‌ شخصية كأن يطلب الغنيمة و يقتل، فلن يعدّ شهيداً في سبيل الله. شرط الشهادة و شرط الجهاد في سبيل الله هو أن يكون تحركه في سبيل الله و لله، بمعنى أن يتحلى بالإخلاص. إذا أثرت الدوافع الشخصية و المحفزات الفئوية و العائلية و حالات الخجل من الأصدقاء في مسيرتنا و حركتنا لكان هذا الإخلاص مشوباً و غير نقي و لوقعت لنا مشاكل. عدم الإخلاص سيفصح عن نفسه في موضع من المواضع.
و العنصر الثالث هو العمل في الوقت المناسب و بالمقدار المناسب. ينبغي معرفة اللحظات. إذا لم يعرف المرء الوقت و لم يدر أي شيء يقوم به في أي وقت فقد تصدر عنه أخطاء كبيرة. و شبابنا التعبوي - سواء البنين أو البنات - يعملون في مجالات شتى.. المجالات الفكرية و العلمية و السياسية و الاجتماعية.. كل هذه الأعمال إذا كانت لله و من أجل أداء‌ الواجب كانت جهاداً في سبيل الله. التعبوي هو الذي يقوم بهذه الأعمال، و ينبغي في جميعها الحفاظ على ذلك الخط الواضح المشرق الصحيح، أي خط الثورة و خط النظام و خط إحياء الدين. لو أردنا تأمين هذه العناصر الثلاثة فعلينا مجاهدة أنفسنا، و هذا هو الجهاد الأكبر. جهاد النفس مسعى نحتاجه كلنا اليوم.
من الأشياء الضرورية لفهم القضايا و الأمور بشكل صحيح هو أن ننظر ما الخط و الطريق الذي يسير فيه العدو. و من الخطوط الرئيسية للعدو حالياً - و الذي يعدّ من العناصر المهمة للحرب الناعمة - هو أن يعرض العدو الحقائق بنحو مختلف و يقدمها مشوهة متغيرة. الإعلام نفسه الذي يطلقه العدو في هذا المضمار دليل على ضعفه. أينما واجه العدو مشكلة على صعيد الواقع و عازته الحجج ضاعف من حجم إعلامه. لو لاحظ المرء ممارسات العدو حالياً على مستوى الأساليب الإعلامية من وسائل الاتصال الانترنتية إلى الوسائل الصوتية و التصويرية إلى منابره في الأماكن المختلفة - و لهم منها في الداخل أيضاً - لوجد أن من الأساليب المهمة أنه يقلب أحداث البلاد و يصور وضع البلد على أنه باعث على اليأس و القنوط و سائر نحو الزوال و الانحطاط و الطرق المسدودة. جهودهم الحثيثة في هذا المجال تدل بحد ذاتها على ضعفهم في مضمار الواقع.
كان للعدو طوال فترة ‌الأعوام الثلاثين المنصرمة مثل هذه الجهود. و قد ضاعف جهوده هذه في الوقت الراهن. لأن مسؤولي البلاد و الحكومة التي تتولى زمام الأمور حالياً تركز أكثر على شعارات الثورة و تطرحها بجدّ أكبر، فخط الإمام و خط الثورة و خط العمل من أجل الناس خطوط بارزة اليوم جداً، و المسؤولون يشعرون أنهم مع الجماهير و من الجماهير، و الجماهير يشعرون في المقابل بنفس الحالة، لذلك يضاعف العدو من إعلامه.
لو نظرتم اليوم لإعلام العدو لوجدتم أنهم إذا تحدثوا في الشأن السياسي كان كل كلامهم أن هناك طريقاً مسدوداً و عقداً مستعصية على الحل و مشكلات كثيرة و غداً سوف يحدث كذا و كذا. و البعض يصدقون هذه الأقاويل و يكررونها في الداخل. قبل بدء الانتخابات و أحداث الفتنة كان بعض الذين برزت معادنهم بعد ذلك في الفتنة يراجعوننا و يقولون: سيدي السنة القادمة سنة صعبة - أي سنة 88 نفسها - و ستكون كذا و كذا من الناحية الاقتصادية، و يصورون الأجواء مستعصية و حالكة و صعبة و لا يمكن تجاوز المشكلات كانوا يريدون بث اليأس في نفوس المسؤولين بشكل و في نفوس الشعب بشكل. و هذا الإعلام دليل على أنهم متخلفون عن المسيرة العظيمة و المتسارعة للمسؤولين و الشعب. عليه، إذا تم تشخيص و معرفة توجهات العدو ستكون نظرة الإنسان للواقع نظرة صحيحة و نافذة.
أو على صعيد السياسة الخارجية و السياسة الدولية تلاحظون حتى في صحافتنا، و قد لاحظتم في تصريحات بعض أصحاب الفتنة في السنة الماضية حيث كانوا يكررون: إننا صرنا إذلاء في العالم، و سمعة الجمهورية الإسلامية هتكت في العالم، و سقطت مكانتها، و كذا و كذا.. و اليوم حين ننظر إلى الواقع نجد أن سمعة الجمهورية الإسلامية تتصاعد و تعظم يوماً بعد يوم في أنظار شتى شعوب العالم من المسلمين و غير المسلمين. أعداء الشعب الإيراني يعلمون ذلك و يفهمونه و يشعرون به لكنهم يتكتمون عليه طبعاً.
لماذا يجب الاستهانة بقضية زيارة رئيس الجمهورية إلى لبنان؟ كانت حدثاً مهماً. إذا حصل مثل هذا الشيء لرئيس أي بلد و خصوصاً رؤساء الاستكبار لفتحوا له فصلاً طويلاً عريضاً في إعلامهم و في استنتاجاتهم السياسية. شعب ليس من جيراننا، و ليس كله من المسلمين، بل هو تركيبة من المسلمين و المسيحيين، و المسلمون فيه بدورهم تركيبة من الشيعة و السنة، هذا الشعب بهذه التركيبة المتنوعة و المتعددة يخرج كله هكذا لاستقبال رئيس جمهورية الشعب الإيراني و يبدي حبه له.. هذا شيء نادر و منقطع النظير. شيء لا يحدث لأي بلد في العالم. أي رئيس جمهورية في العالم تقع له مثل هذه الأحداث حينما يزور بلداً آخر؟ و الأمر لا يختص بلبنان. لو زار مسؤولونا الكبار اليوم مصراً و لو سمحوا لهم لحدث الشيء نفسه. و لو ذهبوا إلى السودان لحدث نفس الشيء. لو زاروا أي بلد إسلامي و فسحوا المجال هناك لحدث نفس هذا الشيء. هذا يدل على عظمة الشعب الإيراني. هذا هو ما فعلتموه و حققتموه أنتم. أنه فخر لكم. لو كانت حكومتكم حكومة منقطعة عن الشعب، و لا يحميها ملايين الشباب المندفعين المتحفزين، لما حدث هذا. هذا من فعلكم أنتم الشباب. و لكن تلاحظون مع ذلك إعلام العدو كيف أنه يقف في النقطة المقابلة لهذه الحقائق. حين يضطرون لذكر الحقيقة يفسرونها بشكل مقلوب، و حين لا يضطرون لذكرها فإنهم بالطبع يكتمونها و لا يذكرونها أصلاً.
و مثل هذه الحالة بالضبط تصدق على ظاهرة التعبئة. ركز العدو في برهة معينة من الزمن - و لا تزال امتداداتها مستمرة إلى الآن بدرجات متفاوتة - إعلامه ضد التعبئة. و قالوا كل ما استطاعوا. قصفوا التعبئة قصفاً إعلامياً ليسقطوها من أعين الناس، لكنهم لم يفلحوا، « يحق الله الحق بكلماته»(5)، لن يسمح الله تعالى بكتمان هذه الحقيقة الساطعة. لذلك تألقت و الحمد لله سمعة التعبئة في بلادنا يوماً بعد يوم. في كافة أنحاء ‌البلاد ينظر الشباب في القطاعات المختلفة للتعبئة بأنها هوية متألقة يجب تعزيزها، فعززوها في ضوء هذه العناصر الثلاثة التي ذكرت: عنصر البصيرة، و عنصر الإخلاص، و عنصر العمل في الوقت المناسب و بالمقدار المناسب. لا يكن ثمة إفراط أو تفريط. دققوا في أن الإفراط يضرّ بمقدار ما يضرّ التفريط. عدم العمل و ضعف النشاط يضرّ يقيناً لكن العمل المفرط يضرّ بمقدار ما يضرّ عدم النشاط. كونوا دقيقين حذرين. ينبغي عدم خفض الحماس الثوري حتى بدرجة قليلة. و يجب ارتقاء المحفزات الثورية في قلوبنا أنا و أنتم باضطراد. هذه الجبال الهائلة من المشكلات التي تعتور سبيل المستضعفين في العالم لا يمكن رفعها إلا بقدرة العزيمة و الإرادة الفولاذية و الإيمانية. ليس الهدف مجرد ترتيب أمور البلد. فعالم الإسلامي بل المجتمع الإنساني بحاجة إلى مساعدة الإسلام و الأمة الإسلامية.
ثمة الكثير من المشكلات في الطريق و لا بد من العزم و الإرادة، و لا مندوحة من النظر للآفاق البعيدة. يجب لهذه العزيمة و الإرادة أن تبقى، و ينبغي لهذا الحماس الثوري أن يتصاعد يوماً بعد يوم. التوسل إلى الله و التوجه إليه، و التمسك بالأولياء الإلهيين، و طريق العبادة، و طريق الخشوع، و طريق التفكر، يجب أن يكون مفتوحاً لنا جميعاً و يتوجب أن نقوي أنفسنا عن هذا الطريق. يجب لهذا الحماس الثوري أن يبقى، و لكن دققوا في أن تستخدموا هذا الحماس و الهياج الثوري القيم في مكانه، و لا تستخدموه في غير محله. هذا شيء بحاجة إلى التأمل و التفكر و الوعي و البصيرة.
لا تنتابكم الشكوك في أن غد الشعب الإيراني و الأمة الإسلامية أفضل من حاضرها. كما أن هناك فرق بين ما كان عليه الشعب الإيراني قبل ثلاثين سنة و ما هو عليه اليوم - أي منذ بداية الثورة و إلى اليوم - و لكم أن تلاحظوا كم تقدم الشعب الإيراني على كافة الصعد السياسية و العلمية و الاجتماعية و غيرها، و اعلموا أن الفرق بين التقدم الذي سيتحقق في السنوات المقبلة قياساً إلى اليوم سيكون أكثر حتى من ذلك. سوف يتقدم الشعب يوماً بعد يوم. حركة الشعب الإيراني على كافة الصعد حركة لا تقبل التوقف، و سوف تستمر إن شاء الله على الخط الصحيح و الصراط المستقيم للهداية الإلهية و الإسلامية و القرآنية. مستقبل الشعب الإيراني مستقبل مشرق، و هذا ما سوف يترك أثره على العالم الإسلامي و الأمة الإسلامية، و سوف تتيقظ الشعوب المسلمة إن شاء الله يوماً بعد يوم.
نرجو أن يعجّل الله تعالى في فرج إمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه)، و يجعلنا من أنصاره في حضوره و غيابه، و يرضي عنا قلبه المقدس.. ربنا اشمل كل الشعب الإيراني و خصوصاً التعبويين الأعزاء بأدعيته عليه السلام.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الهوامش:
1 - سورة إبراهيم، الآية 25.
2 - سورة إبراهيم، الآيتان 24 و 25.
3 - سورة الأنفال، الآية 74.
4 - القائد جباري (قائد جيش علي بن أبي طالب في قم).
5 - سورة يونس، الآية 82.