بسم الله الرحمن الرحيم

أبارك من الصميم هذا العيد السعيد العظيم لكم أيها الحضار الكرام و للشعب الإيراني الكبير و للمسلمين جميعًا و لطلاب الحق في العالم.
في رواياتنا ذُكر هذا العيد باسم «عيد الله الأكبر» (1).. نعم الأمر مهم و الحادثة عظيمة. شخصية كبيرة مثل أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) بكل ما يحمل من خصائص فريدة ينعقد له اجتماع تنصيبه لولاية المسلمين. لذلك من المناسب أن يُحتفل بتولّي من تحبّه و تهواه منصبًا و مسؤولية و رئاسة. هذا كما قلت أمر مهم، غير أن مسألة الغدير أكبر من هذا و أهم.
مسألة الغدير لا تكتسب أهميتها فقط من تولّى شخصية مثل أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام - هذا الرجل الفريد في عالم الوجود - ولاية أمر المسلمين، بل - إضافة إلى ذلك - ثمة جانب آخر في هذه الأهمية نريد أن نقف عنده و هو مبدأ الولاية. و لعل هناك جوانب أخرى مهمة أيضًا. مسألة الولاية لا تقل أهمية عن تولية أمير المؤمنين باعتباره شخصاً لإمامة المسلمين. حديثنا عن المضمون الخاص للولاية في الإسلام.
ما يبقى خالدًا على مرّ الأيام و يدرّ بالعطاء و الدروس للبشرية و يرسم طريق حياتها و مستقبلها هو المضمون الذي تحمله واقعة الغدير. أن يصدر من الله سبحانه أمر خاص لرسوله الكريم (صلى الله عليه و آله و سلم) يتعين بموجبه تنصيب «ولي» بهذه الخصوصيات إنما هو مسألة هامة و درس كبير من دروس الإسلام. لعلنا نستطيع أن نقول إن أساس الإسلام و قاعدته هو هذا القسم من القضية. المضمون الحقيقي للغدير تبلغ أهميته درجة بحيث يقول سبحانه لنبيه الكريم:  وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (2).
ماهي حقيقة الغدير و حقيقة هذا التعيين حتى يبلغ هذه الدرجة من الأهمية؟ لهذه القضية أبعاد مختلفة.
إحداها أن إدارة أمور البشر أمرٌ سماوي لا أرضي، لهذا تختلف عن سائر مسائل الإنسان الأخرى. لعلّ هناك أشخاص يستغلون هذا الجانب و يعزون الأعمال المنحرفة و السلوك المنحرف إلى الارتباط بالله سبحانه. طبعًا مثل هذا الاستغلال يمكن أن يحدث في كل حقائق العالم. مسألة النبوة أيضاً هناك من استغلها و ادّعى النبوة و أضلّ جمعاً من الناس. هذا لا يشكل دليلاً على أن نمرّ بسهولة على هذا البعد بما فيه من عظمة. هذه واحدة. أن تكون مسألة إدارة أمور المجتمع و مسيره و مصيره و ما يتعلق بصياغة دنيا الناس مرتبطة بمعدن الإرادة الإلهية و التعيين الإلهي. هذا أحد أبعاد الموضوع.
البعد الآخر الذي أردنا أن نقف عنده اليوم، مضمون كلمة «الولاية» التي تكررت في خطبة الغدير: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» (3).
النبي الأكرم في هذا الحادث التاريخي و في هذا التنصيب الكبير عبّر عن الحكومة بكلمة «ولاية». في اللغة العربية و اللغات الأخرى «الحكومة» تعني أن يكون فرد أو جماعة على رأس النظام يحكمون، و أفراد المجتمع محكومون و مطيعون. و ثمة تعبير آخر هو «السلطنة» أي فرض السلطة و الأخذ بزمام القوة. و في الإسلام الكلمة المحورية في هذا المجال هي «الولاية» سواء في النص المذكور أو في قوله تعالى: إنما وليكم الله و رسوله (4). الحكومة عُبّر عنها بالولاية.
الولاية مفهومها عجيب. أصل معنى الولاية اقتراب شيئين. حين يُبرم حبلين بحيث يصعب انفصالهما تستعمل هنا كلمة «ولاية». الولاية تعنى الاتصال و الارتباط و القرب بين شيئين بصورة متماسّة متماسكة. و ذكرت أيضاً لكلمة ولاية معاني المحبة و القيمومة.. و أمثالها من المعاني التي تشترك في معنى القرب بين جانبين. فالمحبّة على سبيل المثال تعني ارتباط المحبّ و المحبوب بارتباط معنوي يصعب انفصاله.
الإسلام يعبّر عن الحكومة بلفظة «ولاية» و الشخص الحاكم يسميه والي، و ولي، و موالى.. أي من اشتقاق كلمة الولاية. ماذا يعني ذلك؟ معناه أن الحاكم في النظام السياسي الإسلامي على ارتباط و اتصال وثيق بمن تحت حكومته. و كل حكومة ليست على هذا الغرار ينعدم فيها مفهوم الولاية، و تختلف عن السيادة التي قررها الإسلام. الحكومة التي لا ترتبط بالشعب ليست حكومتها بولاية، لو مارست حكومة أسلوب الخوف والإرعاب مع الناس بدلاً من الحبّ و الوئام و الالتحام فليس لها ولاية. لو جاءت حكومة عن طريق انقلاب عسكري فليس لها ولاية. لو استلم أحد زمام الأمور بالوراثة لا بالفضائل و الخصائص التي يجب أن تتوفر في الحاكم، فليس هذا بولاية. الولاية تتحقق حين يكون ارتباط الوالي و الوليّ بمن يتولاهم ارتباط حبّ و قرب. و هكذا كان الأمر بالنسبة لرسول الله (ص): بعث فيهم رسولاً من أنفسهم (5) فالرسول (ص) انبثق من الناس أنفسهم ليتحمل مسؤولية الولاية. هذا أساس الحاكمية و السيادة في الإسلام.
طبعًا ثمة معايير أخرى لا بد من توفرها في الولاية. و إذا كان الارتباط بالناس خالياً من تلك المعايير فليست هذه أيضاً بولاية. الحكومة في الإسلام حكومة ولائية، و الولاية تعني الحكومة، و لكن تعبير الولاية تعبير لطيف يتناسب مع شخصية الإنسان و كرامته. كل الحسابات في النظام السياسي الإسلامي تدور حول الناس و كرامتهم و مصالحهم.. عندئذ تتحقق الولاية الإلهية، إنها الارتباط بالناس.
لذلك ترون أن أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) الذي يمثّل المصداق الكامل للولي و الولاية الإسلامية، لم ينفصل أبداً عن حالة الارتباط و الاتصال بالناس و الانسجام معهم، لا في مرحلة إبعاده عن ممارسة الحكم و الولاية (طبعاً كانت ولايته المعنوية التي يتضمنها مفهوم الإمامة في المعتقد الشيعي قائمة و ليس لها ارتباط بالولاية الظاهرية) و لا في المراحل الأخرى، لم يكن ارتباطه بالناس منقطعاً، بل كان مع الناس و منهم و لم يبتعد و لم ينزو عن الساحة الاجتماعية. و حين يتولى الحكم يتولاه حاكماً شعبياً بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
هذا ما جرّبناه في نظام الجمهورية الإسلامية على مستوى رفيع، و القدرة التي يمتلكها النظام المقدس للجمهورية الإسلامية مستمدة من هذا المعنى. المسؤولون و الماسكون بزمام الأمور في البلد مرتبطون بالناس و متصلون بهم بكل معنى الكلمة. مرتبطون بالناس عاطفياً برباط الحبّ، و مرتبطون فكرياً، أي يمثلون فكر الشعب الإيراني. طبعاً في كل شعب أفراد يحملون أفكاراً شاذة عقدياً و دينياً يختلفون فيها عن أكثرية الناس، غير أن ما يبلور هوية الشعب الإيراني يتجلّى في المسؤولين. المسؤولون هنا في الواقع هم المظهر الرسمي و الكامل لفكر الشعب الإيراني. هذه مسألة على غاية من الأهمية . الشعب يشعر في جميع المراحل بارتباطه و تلاحمه مع النظام السياسي للجمهورية الإسلامية بشكل لا يمكن انفصاله، و من هذا يستمد النظام الإسلامي قدرته.
في هذه الجلسة التي يحضرها غالباً المسؤولون في الوظائف المختلفة سواء في السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية أو في القطاعات المختلفة و المستويات المختلفة أريد أن أؤكد عليكم أيها الأعزّة أن العامل الذي يستطيع أن يشكل الدعامة الحقيقية لهذه المسؤوليات هو هذا الارتباط بالناس. لو رأيتم أن هذا النظام قوي أمام التهديدات الخارجية فذلك يعود إلى أنه يمتلك من أسباب القوة ما يفوق آلة القوة المادية التي تمتلكها القوى الكبرى و أسلحتها المعقدة و ثرواتها الطائلة. إذ مع كل ما تمتلكه أقوى أنظمة العالم فإنها حين تواجه نظام الجمهورية الإسلامية تجد أن هذا النظام قوي، و تقرّ بذلك، لأن هذه الحقيقة من الوضوح بحيث لا يمكن إنكارها.
في هذه القضايا الأخيرة لاحظتم كيف أجلب الأمريكيون و الصهاينة بخيلهم و رجلهم، و عبأوا كل إمكاناتهم، و اتخذوا قراراً لأن يعبئوا أوربا أمام دولتنا، و مثل هذه المواقف عادة تدفع الدول إلى التراجع عن مواقفها، لقد اتفق الصهاينة و الأمريكيون على أن يستثمروا ألمانيا لتحقيق أهدافهم و يسيّروها وفق إرادتهم رغم كل ما كان لها من علاقات مع دولتنا. لو كان نظامنا منفصلاً عن الناس لكانت هذه المواقف قاتلة له، لكن انظروا أن المسؤولين كلهم و أفراد الشعب بأجمعهم قد وُضعوا في صورة تفاصيل هذا الحادث، و وقفوا مثل جبل أشمّ و لم تؤثر عليهم هذه التهديدات إطلاقاً.
أولئك الذين يقفون في الجهة المقابلة يشعرون بالضعف أمام كل هذه المواقف المستحكمة، و يتحيّرون في مواصلة ما بدأوه. يشعرون حقيقة بالعجز أمام شعب و نظام لا أثر فيهما للتهديد و لا لقطع العلاقات و لا لكل ما يلوّحون به من تخويف. أولئك الذين لم يكونوا في خضمّ هذه اللعبة بدأوا يتراجعون، و لعلهم بعد ذلك يعتذرون. و أولئك الذين خاضوا اللعبة مثل الحكومة الألمانية متحيرون كيف يتعاملون مع الجمهورية الإسلامية، و لا بد أن يشعروا بالعجز لأنها أساءت للشعب الإيراني.. كل هذا ببركة عدم وجود انفصال بين نظامنا السياسي و الشعب. إنه نظام الولاية و هذا عطاء نظام الولاية.
أنا أوجه خطابي هذا إلى ساحَتين و مخاطبَين الأول: الناس و قد ذكرت هذه المسائل التي قلتها اليوم كراراً للناس. غير أن الخطاب حين يتوجّه إليكم أنتم المسؤولين هو أنكم أيها الأعزّة أينما كنتم عليكم أن تقدّروا هذه العلاقة بينكم و بين الجماهير حقّ قدرها و أن تحافظوا عليها. ثقة الناس و تلاحمهم معكم لا يمكن أن يكون من جانب واحد. لا يمكن أن يبقى هذا الحبّ و هذا الارتباط إذا لم تلتفتوا إلى أفعالكم. حبّ الناس و تلاحمهم مع المسؤولين أمر ذو جانبين. المسؤولون في المستويات المختلفة يجب أن تكون لهم مواقف مماثلة تجاه الناس بالأسلوب المناسب. لا بدّ من العمل من أجل الناس، و الإنصاف يدعونا أن نقول إن الجهاز الحكومي عندنا يعمل، و هذا ما لا يستطيع أن ينكره أحد، و هو من بركات شعبية هذا النظام و اعتماده على الجماهير. الأعمال و الجهود المبذولة كثيرة.
و من المواقف المطلوبة من المسؤولين تجاه الناس هو أن يشعر الناس أن المسؤولين في البلد بمختلف المستويات أمناء على ثروات البلد. أطلب منكم أن تراقبوا بجدٍ هذه الأمانة في الأداء تجاه ما وضعه الناس تحت تصرفكم. لا يجوز أن يشاهد أي خلل في التصرف ببيت المال و بالمال العام. لا تدَعَوا العدوّ قادراً على أن يقول إن إيران تشهد ظهور طبقة ارستقراطية جديدة. العدوّ يردد ذلك، و لو شوهدت ظاهرة تؤيد كلام العدوّ بشكل من الأشكال فهذه خدمة للعدوّ. العدوّ عدوّ، و مهمّته إلقاء التهم. الأبواق الإعلامية للعدوّ رشقت الجمهورية الإسلامية في هذه السنوات الأخيرة بأنواع التهم. من ذلك حديثهم عن الفساد المالي و أمثاله، قالوا كثيرًا و أطلقوا ما لا يحصى من الأكاذيب. لكن الناس لو رأوا ما يؤيد كلامهم و لو في موضع واحد أو بضع مواضع فإنهم سيقبلون ما يقال. كونوا حذرين في هذا المجال.
في الحملات الدعائية لانتخاب رئيس الجمهورية - و هي اختبار عظيم للشعب الإيراني - عليكم أن تحذروا من الإسراف و الإنفاق غير المتعارف. لحسن الحظ أولئك الذين دخلوا ساحة هذه الانتخابات معروفون و موضع ثقة. نحن واثقون من صدقهم و نزاهتهم، و ليسوا ممن يتجه إلى الإسراف. و لكن قد يظهر هنا و هناك من يتصرف بما لا يناسب و بما لا يرضاه أصحاب القضية. الأمر طبعاً ليس محدوداً بهذا، بل في كل المجالات و في جميع الساحات و على مختلف القطاعات، على المسؤولين أن يتصرفوا بما يحافظ على العلاقة مع الناس، و أن يحافظوا على هذا الارتباط ليتحقق معنى الولاية الذي أراده الإسلام. و لو تحقيق ذلك فإن أسلحة العدوّ كلها عاطلة أمام النظام الإلهي و القرآني للجمهورية الإسلامية. العدوّ يُتعب نفسه و يبذل دون طائل جهوداً تسبب له الصداع. مهما بذل من جهد فلا يستطيع أن يلحق الأذى بنظام شعبي اختار طريقه عن وعي و إرادة، و يطويه بهمّة.
لو أن الشعب الإيراني حفظ وحدته كما حفظها حتى الآن و الحمد لله و صان وعيه و ارتباطه المستحكم بالمسؤولين، و واصل المسؤولون خدماتهم المتناسبة مع النظام المقدس للجمهورية الإسلامية فسيتوفر إمكان وضع أسس الحضارة الإسلامية في هذا البلد بل في جميع البلدان و المجتمعات الإسلامية.
أسأل لله سبحانه في هذا اليوم الشريف أن ينزل السرور على روح إمامنا الكبير و أرواح الشهداء الذين فتحوا لنا هذا الطريق و مهّدوه، وأن يحشرهم مع أوليائه، وأن يبارك للشعب الإيراني بأجمعه هذا العيد الشريف.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الهوامش:
1 ـ بحار الأنوار، ج 95، ص 302 .
2 ـ المائدة/ 67 .
3 ـ أمالي الشيخ الصدوق/ ص 106.
4 ـ المائدة/ 55.
5 ـ آل عمران/ 164.