بسم الله الرحمن الرحيم

أعزتي قادة جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية أهلاً بكم. أسال الله أن يبارك لكم و للشعب و للأجيال القادمة يوم التاسع و العشرين من فروردين (18 أبريل - نيسان) الذي يعتبر للجيش عيداً، و أن نستطيع جميعاً التحرك في الاتجاه الذي نؤدي فيه المسؤولية التي وضعها على عاتقنا الإسلام العزيز و الثورة الكبيرة و متطلبات المرحلة الراهنة، و أن نؤدي ما علينا من واجبات.
العيد يعني أساساً اليوم الذي يعود كل عام ليُحيي في الأذهان مسألة خاصة. و أفضل الأعياد ما كان يحمل مضمونًا و يعطينا درساً و يفتح أمامنا أفقاً. من هنا فإن يوم الجيش هو عيد حقيقي إذ يحيي في أذهاننا مسؤوليات الجيش، و مستقبل الجيش و المعطيات الكبرى للجيش، و الشهداء العظام للجيش، و المشروع الحساس و المهم في إعادة بناء الجيش، و هو الذي نتحمل اليوم جميعاً مسؤولية متابعته.
الجيش - دون مبالغة - حقيقة مليئة بالعبر و تستدعي التفكير في عصرنا الراهن. جيش الجمهورية الإسلامية هو في الحقيقة ظاهرة جديدة. لا يظننّ أحد أن الجيش اليوم هو امتداد للجيش السابق. هذه المجموعة و هذه الهوية الجماعية هي صنع جديد يقوم على أساس إعادة البناء بالمعنى الصحيح للكلمة، إعادة البناء هذه لها ثلاثة أركان، و تمتدّ هذه الأركان إلى مدى ما تبدونه من همّة و قدرة و ابتكار و سطوع و تقدّم. هذه الأركان الثلاثة هي: الأول: الدين و الأخلاق. و الثاني: الاستقلال. و الثالث الفاعلية. هذه العناصر الثلاثة لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيوية و أساسية و تشكل البناء الجديد للجيش.
الأول: الدين و الأخلاق. يجب أن يكون بناء هذه المجموعة الإنسانية و جهازها و توجهها و تعاملها الداخلي مع الخارج يقوم على الدين و الأخلاق. في مجموعة نظام الجمهورية الإسلامية التخلّي عن الدين و الأخلاق ظاهرة سلبية مائة في المائة. كل من كان متحلياً بالدين و الأخلاق أكثر كان إلى لبّ الجمهورية الإسلامية و حقيقتها أقرب. حين ننظر اليوم إلى الجيش نراه قد نال سهماً وافراً من الدين و الأخلاق و الإيمان و احترام القيم في علاقاته و نشاطاته و أعماله.
الثاني: الاستقلال، أي أن يكون التحرك و السعي من أجل مصالح الشعب و الوطن و القيم التي يحملها. أليست هذه الخاصية الجديدة موجودة لدى جيشنا العزيز؟! أيستطيع أحد إنكارها؟! جيش لا يخضع للآخرين، و لا ينتظر الأوامر من الخارج، و لا ينضوي تحت أوامر الآخرين، و لا يتحرك من أجل مصالح الآخرين، كل شيء فيه مرتبط به هو نفسه، و مرتبط بشعبه، و مرتبط بمستقبله، و مرتبط بوطنه، هذا معنى الجيش المستقل.
الثالث: الفاعلية، و قد أظهر الجيش فاعليته بجلاء. خلال الأعوام الثمانية من الحرب المفروضة أبرز الجيش كفاءته باعتباره الركن الركين للدفاع عن الحدود و عن استقلال البلاد.
شهداء الجيش، حوادث الحرب المفروضة، حضور القوات المسلحة في ساحة الحرب، القوات الجوية بصورة معينة، و القوات البرية بصورة أخرى، و القوات البرية بشكل آخر، و الدور العظيم لهذه القوات طوال هذه المدة في الدفاع من الحدود، بحيث أن كل إنسان منصف، لا بل كل إنسان ذي عينين لا يستطيع أن ينكر هذا الدور العظيم.
تحركوا في هذه الاتجاهات الثلاثة و أثْروا حركتكم فيها. في كل ما تريدون أن تفعلوه اجعلوا هذه الأركان الأساسية نصب أعينكم.
أنا أؤيد ما طرحه الجنرال شهبازي من موضوعين. إحياء ذكرى الشهداء، و التعامل الصحيح مع زخارف الدنيا، و هي مسألة على غاية من الأهمية و لا يمكن المرور عليها بعجالة. كونوا جادين في إحياء ذكرى الشهداء، هذا واجبي و واجبكم. أحيوا ذكرى الشهداء العظام، هؤلاء الذين ضحوا بأعز و أثمن ما يملكوه. الأحياء كلها - من إنسان و غير إنسان - أعز ما يملكونه هو الروح. بالنسبة للإنسان الأمر واضح لا يحتاج إلى بيان. مع كل هذا نرى إنساناً يأخذ هذه الروح العزيزة إلى مكان تتعرض فيه للمخاطرة. لو كنت تملك جوهرة ثمينة فإنك لا تصطحبها في سفرة شاقة. لكننا نرى المضحين يحملون أعزّ ما يملكون و هي أرواحهم إلى ساحة الحرب للدفاع عن الحق و الحقيقة و عن الاستقلال، و للدفاع عن كيان الوطن و عن كرامة الشعب و للوقوف بوجه العدوّ و مطامعه و تربّصه. طبعاً: فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر (1). جميعهم لا يفقدون أرواحهم، لكن جميعهم عرضوا الأرواح للمخاطرة. بعضهم غادر و بعضهم بقي. من المهم جداً أن تحيوا ذكرى أولئك الذين قضوا نحبهم. و هم في الواقع قد ربحوا ربحاً عظيماً في هذه الصفقة.
كل ما تلاقونه أنتم و الشعب الإيراني و الثورة الإسلامية من عداء الأعداء إنما يعود إلى هذه الأركان القيّمة الثلاثة التي ذكرتها. الدين و الأخلاق، و الاستقلال، و الفاعلية. يريدون أن يسلبوا الشعب الإيراني إسلامه و مبادئه الدينية و الأخلاقية التي هي ثروته الأساسية، و بعد ذلك يسلبوه استقلاله، و بعد ذلك حين يصبح شعبًا من الدرجة الثالثة و يفتقد مقوماته و قيمته، و يخضع لهم، عندئذ يوجهون فاعليته أنّى اقتضت مصالحهم. يستفيدون منه حين تفرض عليهم مصالحهم ذلك، و حين لا تكون لهم ثمة مصلحة يهملونه و لا يعيرونه بالاً. و هذا ما فعلوه بالشعوب التي سمّيت في العقود السابقة بشعوب العالم الثالث، أو الشعوب التي فرض عليها التخلف. الشعوب في البلدان التي تقع تحت سيطرة الاستكبار و الاستعمار لا قيمة لها عندهم. قيمتها بمقدار ما يستطيعون أن يحققوا بها مصالحهم الخاصة.
هذه التصريحات التي أدلى بها هؤلاء السياسيون الغربيون البائسون قبل أيام يرى الإنسان فيها ما يبعث على الأسف بسبب الأوهام التي يعيش فيها هؤلاء. لاحظتم أنهم يوصون إيران الإسلام أن تعود إلى المجتمع الدولي!! ماذا تعني هذه الدعوة؟ تعني التخلي عن الاستقلال الثقافي، و عن الاستقلال السياسي، و عن ما كسبتموه أنتم بدمائكم، و بدماء أفضل شباب هذا الوطن.. يعني تخلّوا عن المواقف السياسية الحقة المنطلقة من عقيدتكم و إيمانكم و التي اخترتموها عن فهم و عن رعاية لموازين العقل. يعني تخلّوا عن القضية الفلسطينية، عن مواقفكم الحرّة الشجاعة التي تعلنونها بصراحة و تقولون فيها: إننا نرفض تواجد الكيان الغاصب في الأرض الفلسطينية. يعني تعالوا لتكونوا مثل بعض هذه البلدان المتخلفة البائسة التي تفهم القضية الفلسطينية في إطار ارتباط مصالحها بالغرب، و لا معنى لهذه القضية عندهم بغير ذلك، إنما تكرر ما يقوله الغربيون بشأن فلسطين. طبعاً رجال هذه البلدان لا يصرحون بأنهم تابعون ذيليون، بل يضعون لمواقفهم المتخاذلة عنوانًا يتبجّحون به، لكن مواقفهم لا تعدو أن تكون كما ذكرنا. الغربيون يقولون لنا تعالوا ضعوا جانباً قيمكم الوجودية التي كسبتموها خلال ثمانية عشر عاماً باستقامتكم التي ألفتت أنظار العالم، و كونوا مثل ذلك البلد الفلاني الأفريقي أو الآسيوي و مثل تلك الدولة المتخلّفة البائسة التي تخلت عن رؤيتها و اعتقادها من أجل المحافظة على مكانتها، و أصبحت تردد ما يقوله الغرب لها!! إن الغباء السياسي لهؤلاء السادة بلغ درجة أفقدتهم رؤية تجربة الأعوام الثمانية عشرة لإيران، و جعلتهم يهذون بهذا الكلام للشعب الإيراني!
لاحظوا أيها الإخوة، إن مجريات العالم كلها تشكل تجارب للإنسان العاقل الواعي. على الإنسان أن يتعلم الدروس الكثيرة من مسلسل حوادث العالم. أعتقد أن الشعب الإيراني في هذه الأيام قد تلقى واحداً من أجمل الدروس و ألذّها. في هذه المحكمة التي تشكلت في ألمانيا بشأن قضية مقهى (ميكونوس) لفّقوا بعض المسائل متصورين أنهم أجادوا فيها إنشاء مسرح الدُّمى! كان ذلك فرصة جيدة و درساً مهماً جداً للشعب الإيراني كي يفهم طبيعة الاستكبار و طبيعة ما يسمى بالقوى الكبرى في العالم. هذا مهم للغاية. المسؤولون في بلادنا تحدثوا طبعاً عن هذه القضية خلال هذه الأيام على مستوى الدولة و على مستوى مجلس الشورى و وزارة الخارجية، أوضحوا المسألة كل منهم بشكل من الأشكال، و كان ما قالوه جيداً و الحمد لله، لكن ذلك درس.
طبعاً تعلمون أن مثل هذه القضايا ليست بجديدة على الشعب الإيراني و سبق أن مررنا بمثل هذه التجارب. أثاروا ضجة و تصوروا بأنهم اتحدوا بوجه الجمهورية الإسلامية، أحياناً استدعوا سفراءهم، و أحياناً أنذروا، و ليست هذه الأشياء بجديدة، لكن هذا الحادث الأخير كان تجربة جديدة لأوروبا. أعتقد أنه لم يتفق أن استطاعت حكومة الولايات المتحدة الأميركية قبل هذه بمساعدة سماسرة الاستخبارات و السياسة الصهيونية، خلال سنتين أو ثلاث من المساعي المستمرة أن توقع الحكومة الألمانية بالدرجة الأولى، و بعدها الحكومات الأوروبية في ضائقة لم يكونوا يريدونها أبداً. هذه تجربة جديدة لهم، كي يفهموا ما يدور في العالم. أعتقد أنها كانت تجربة مفيدة لهم.
هذه القضية ذات جوانب متعددة، أقل جوانبها أهمية هو أصل هذه القضية. إنها حادثة قتل وقعت في مقهى يحمل اسم «ميكونوس» اشتهر اسمه بفضل الصهاينة! بعدها شكلوا ما يشبه مسرحية الدّمى باسم محكمة و خالوا أنهم قادرون على الاستفادة من هذه القضية، فرفعوا دعوى قضائية و شكلوا مهزلة باسم محكمة، و طرحوا كل ما نعتقد أنه يفتقد القيمة و الاعتبار. و هذا العدد من الشباب المسكين الذين سجنوا هناك، لو كانت الاتهامات الموجهة إليهم موثقة فلا بد من تجديد محاكمتهم في محكمة صالحة. هذا القسم من القضية كما ذكرت لا يستحق الذكر.
القسم الأعظم من القضية يتمثل في الدوافع و الأهداف التي تتابعها الحكومات و الدوائر العالمية، و في الدرجة الأولى حكومة الولايات المتحدة الأميركية، و هي كما ذكرنا أقامت هذه المسرحية الهزلية بمساعدة جهاز التجسس الصهيوني. و من المؤكد أنهم سيكتبون في مذكراتهم بعد عشر أو خمس عشرة سنة أن شخصاً منا - في قضية ميكونوس - قد ذهب و ارتكب هذا العمل أو رأى الشخص الفلاني، سيكتبون ذلك لكنهم الآن حين يقال لهم شيء يصرون و ينكرون، غير أن القضية ستتضح قريباً. و قد تشاهدون أنتم كتاباتهم و مذكراتهم و تقرأونها.
أمريكا في تحليلاتها الوهمية الخاطئة هذه - مثل أغلب تحليلاتها بشأن إيران - تصورت أن إيران تستقوي بأوربا في مقاومتها تجاه أمريكا و في رفضها لمواقفها الظالمة، و لتهديداتها، و للرسائل التي تبعثها بطرق مختلفة، و للغتها اللينة تارة و لخطابها التهديدي تارة أخرى، من هنا سعوا للوقيعة بين إيران و أوربا، و اختاروا - في اعتقادي - حلقة ضعيفة غير فاعلة في أوربا هي ألمانيا. فهذا البلد رغم تقدمه الاقتصادي و العلمي هو ضعيف في المجال السياسي، و ليس له تأثيره بين بلدان الدرجة الأولى الأوربية، كما كان لهذا البلد من جانب آخر علاقات ثنائية قوية و مستحكمة مع إيران. لهذا اختاروا ألمانيا في هذه القضية، ليوقعوها في الفخ، و نجحوا في ذلك. أمريكا بمساعدة الصهاينة قد أوقعوا في هذه القضية ألمانيا في فخ و في ورطة.
وهنا أقول للشعب الإيراني: إن أمريكا في تحليلها قد وقعت في خطأ. تصوروا أنهم إذا استطاعوا فصل ألمانيا و أوربا و غيرها عن إيران اقتصادياً فإنهم سيجبرون إيران على الاستسلام، أيّ فهم خاطئ هذا؟ لم هذه البلادة؟! استغرب من ذلك. ألم تتحد أوربا هذه مع أمريكا و مع الاتحاد السوفيتي السابق و كثير من الدول الرجعية في هذه المنطقة و فرضوا علينا حرب السنوات الثماني ؟! لكن هذا الشعب ثَبتَ.. لماذا يكررون التجارب؟! أي خيال باطل هذا؟! أي خطأ هذا؟! هؤلاء بهذا الفهم السقيم يريدون حلّ مسائل العالم و يستهدفون رسم المصير للمسائل كلها!!
أبهذه التصرفات يستسلم الشعب الإيراني؟! الشعب الإيراني لم يدخل الساحة معتمداً على أوربا و آسيا و على هذا و ذاك، و لذلك لا يشعر بالوحدة بانفصال هؤلاء عنه. الشعب الإيراني لا يستند، في أي ظرف من الظروف و في أي وضع و في أية حالة، إلاّ على ثباته و تواجده في الساحة و مبادئه و إيمانه المستحكم. و لو افترضنا أنهم استطاعوا أن يفصلوا أوربا بأجمعها عن إيران - و طبعاً لا يستطيعون ذلك - لو أنهم حشدوا عشرة أعداء مثل أوربا ضد إيران في أطراف العالم فإن هذا الشعب بإيمانه و بثباته سوف لا يتراجع أنملة أمام تعنت أمريكا و لا أمام أية دولة أخرى. إذن اتضح ما يبيّت هؤلاء من خطة و تبيّن ما يرتكبه الأميركيون من تحليل خاطئ.
ذكرت أن حكومة ألمانيا ضحية هذه المؤامرة الأميركية الصهيونية. و لكن ذلك لا يقلل من ذنب ألمانيا، إذ هم مقصرون، حكومة ألمانيا مرت بتجربة خاطئة للغاية. ألستم تعرفون الشعب الإيراني؟ ألا تعلمون أن الحكومة في إيران غير منفصلة عن الشعب؟ الشعب في هذا البلد قد اختار جهازه الإداري الفاعل من بين أفراده، فهم متلاحمون. لماذا ترتكبون في هذه القضية كل هذا الاشتباه؟ لماذا تجيزون للصهاينة أن يقيموا أمام أعينكم هذه المسرحية الهزلية، و يهينوا الشعب الإيراني؟!
أعتقد أن الحكومة الألمانية قد دفعت و ستدفع ثمناً باهظاً. هذه ليست معاملة مع حكومة قد تكون موجودة آناً و غير موجودة في آن آخر. خلال هذه الأيام صدرت عن المسؤولين في ألمانيا تصريحات متنوعة. قالوا: إننا سنحافظ على علاقاتنا الاقتصادية مع إيران. و قالوا: سنجري محادثات حول المسائل السياسية. خطأهم هو أنهم يتصورون أن المسألة محدودة بالعلاقات بين دولتين. الألمان خسروا في هذه المعاملة ما لا يستطيعون جبرانه بسهولة، و هو ثقة الشعب الإيراني و الحكومة الإيرانية. لقد خسر الألمان ذلك، لم يعد الشعب الإيراني يثق بالحكومة الألمانية في أي مجال، الشعب الإيراني سلب ثقته في الواقع بالألمانيين. هذه مسألة هامة جداً.
لو أن هذه القضية اتفقت للبريطانيين في إيران، لما فقد البريطانيون شيئاً. لأن الشعب الإيراني لم يكن يثق بهم في أي وقت من الأوقات. و الآن أيضاً حين تحدث في البلد حركة سيئة أو عمل قبيح يقولون هذا عمل الإنجليز. البريطانيون هنا ذوو سمعة سيئة لطول مدة استعمارهم و لكثرة ما مارسوه في إيران من فساد. غير أن أمر الألمان ليس على هذه الشاكلة، لدى الشعب الإيراني و الحكومة الإيرانية نوع من الثقة بألمانيا. طبعاً في اعتقادي أن هذا أيضاً كان ناتجاً عن حسن ظن متسرّع، و ما كان ينبغي أن يحدث ذلك. هذه الثقة لم تكن أيضاً ثقة صحيحة، و قد ثبت هذا الآن. على الألمان أن يعلموا أن الشعب الإيراني اليوم لم يعد يثق بهم أبداً.
الحكومة تفعل طبعاً ما تستلزمه الحكمة و العزّة لهذا الشعب، و يجب أن تفعل ذلك. لا بد أن تتابع بيقظة و دقة ما يرتبط بمصلحة الشعب مقروناً بالعزّة، يجب أن لا تتعجّل في الأمر و أن لا تحسّ بالحاجة أبداً، و هي لا تحسُّ بذلك و الحمد لله. نحن لا نحتاج إلى هذا و ذاك. هذا الشعب بملايينه الستين من القوى البشرية يمتلك ذخيرة قيمة من المعنويات و العلوم و التجربة. هذا الشعب يمتلك في داخله الكثير. نحن لو أغلقنا كل أبوابنا فلن ننهار. لقد حققنا الاكتفاء الذاتي الكامل النسبي في جميع المجالات. لو اقتضت الأمور أن يغلق الشعب أبوابه كلها لاستطاع ذلك. اعلموا لو أن مثل هذا اليوم واجه إيران فإنه يوم فَرَح. لماذا؟ لأننا متى شعرنا بأننا يجب أن نستفيد مما عندنا فإننا تقدمنا. رأيتم في سنوات الحرب حين رأينا أن أبواب الأسلحة و المعدات قد سُدت أمامنا عدنا إلى أنفسنا لنؤمّن ما نحتاجه بأنفسنا. هذا التطور الموجود عندنا اليوم في الصناعات العسكرية كان لأجل ذلك، و إلاّ ما كانت إيران قادرة على صنع حتى سلاح خفيف صغير. إيران اليوم تصنع الأسلحة المعقّدة. كان هذا ببركة غلق الأبواب و قطع العلاقات. ببركة هذا أحسّ الشعب الإيراني و قواه البناءة الفاعلة أنهم يجب أن يعودوا إلى أنفسهم. لو أن هذا الإحساس حدث في المجالات الأخرى فهو يوم عيدنا. نحن غير قلقين من أي شيء.
سعوا لعلّهم يستطيعون أن يحثّوا البلدان الأوربية و البلدان المرتبطة بأوربا للاشتراك في هذه المسرحية السخيفة. و لكن الحق أن البلدان الأوربية لم يكن سلوكها على نحو واحد. بعضها أساء العمل كثيراً. لقد طلبت من وزارة الخارجية أن يسجلوا سلوك هذه الحكومات بدقة. لا بدّ أن تبقى في الذاكرة التاريخية لهذا الشعب مواقف هذه الدولة أو تلك أو هذا الحزب الذي يحكم اليوم في تلك الدولة، كيف يتعامل مع الشعب الإيراني في أيام يخالونها أيام اختبار، يجب تسجيلها بدقة. بعضها تعامل بصورة جيدة و متعقلة و متفهمة لمصالحها، و بعضها غير ذلك.
نحن طبعاً لا توجد عندنا مشكلة في رسم علاقاتنا مع أوربا. نحن الذين نرسم هذه السياسة، و لا يمليها علينا أحد. نحن - في علاقاتنا مع العالم - شخّصنا موقع أوربا و كيف نتعامل مع أوربا، و قد فعلنا ذلك من قبل و لا نزال نسير على هذا المنهج. اليوم أيضاً نسير وفق ما تستلزمه الحكمة و العزّة و المصلحة. لسنا بحاجة إلى أن نمدّ يد الاستعانة لأحد. لقد اجتزنا حتى الآن بفضل الله منعطفات صعبة كثيرة. و هذه الحادثة ليست بذات قيمة و لا يمكن مقارنتها بما اجتزناه من قبل. من هنا فإني أعتقد أن الشعب الإيراني قد نال الحظ الأوفر في هذه التجربة.
الشعب ساده شعور بأن العدو يتربص بنا الدوائر، هذه مسألة هامة. أنا أكرر دائماً بأن لا تضعوا في أي وقت من الأوقات وسادة ناعمة تحت رؤوس العناصر الفاعلة، بتصوّر أن الخطر قد زال. دعوا الجميع يشعرون بأن الخطر كامن أمامنا، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من نام لم يُنم عنه» (2) حين تنامون في خندقكم لا تتصوروا أن حارس الخندق المجابه قد نام أيضاً. لا، إنه يراقبكم و ينتظر ساعة نومكم. أكبر عدوّ يواجه الشعب هو نومه. سعدي الشيرازي في كتاب جلستان يصوّر بشكل رائع أولئك الذين كانوا في قمة جبل و العدو استولى عليهم. يقول: العدو الأول الذي هجم عليهم و استولى عليهم هو «النوم». لا يجوز أن تستسلموا للنوم. حين يستسلم شعب للنوم يصبح طوع يد الآخرين، يستطيعون أن يبيدوه، و أن يحقنوه بما شاؤوا. لا بد من اليقظة. الشعب الإيراني يجب أن يتحلّى باليقظة. هذه الحادثة بيّنت ضرورة توصية الشعب الإيراني باليقظة. ترون أن العدوّ متيقّظ و يمكن أن يستغل كل صغيرة ليوجّه - كما يخال - ضربة للشعب الإيراني. طبعاً الشعب أعلن حضوره في الساحة إعلاناً جيداً، و العدو يخاف من هذا الحضور.. حضور الجماهير في الساحات المختلفة. هذا أقوى سلاح يمتلكه الشعب الإيراني. هذه ساحة و أمام الشعب الإيراني ساحة أخرى هي ساحة الانتخابات، يجب على الشعب الإيراني أن يثبت حضوره فيها. و سيكون حضوراً قوياً فاعلاً بإذن الله.
المسألة الأخيرة التي أودّ أن أؤكد عليها يا أبنائي و إخوتي و أعزتي العسكريين، هي أن أكبر مفخرة للقوات المسلحة و المؤسسة العسكرية أن تكونوا مع مثل هذا الشعب متعاضدين و متساندين و متعاونين و منسجمين. المؤسسات يجب أيضاً أن تكون طليعية رائدة في مجالاتها. يجب أن تكونوا طليعيين و أن يكون حضوركم العسكري مقروناً بالتقوى. لقد قلنا سابقاً و لا نزال نؤمن أن القوات المسلحة، في زمن يخلو من الحرب، يجب أن تساهم بأعباء بناء البلد. القوات المسلحة و المؤسسات العسكرية يجب أن تحافظ بالدرجة الأولى و بالدرجة الثانية على فاعليتها العسكرية، و في الدرجات التالية لو رأى كبار المسؤولين أن أعمال البناء لا تتعارض مع العمل العسكري، فليمارسوه في نفس سياق النشاط العسكري. لو افترضنا مثلا أن القوات البرية كانت بحاجة إلى مستودعات أو معسكرات أو مؤسسات تعليمية فليهتموا بإنشائها، و لا ينتظروا بنّاءاً و معماراً يأتيهم من مكان آخر.
و اعلموا أيضاً - و هذه المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق المؤسسة العقائدية السياسية للجيش - أن من الضروري تعليم كل أفراد القوات المسلحة تجنّب الاستفادة غير الصحيحة من الإمكانات الحكومية و الإمكانات العامة. يجب أن تعلّموا بالقول و العمل درسَ عدم التوجه نحو مظاهر الفخفخة و البهرجة في مكاتبكم و سياراتكم و بيوتكم. لو راعيتم هذه الأمور و هذه المعايير من التقوى و هذا الاهتمام بالهدف الأساس، فإن أميركا، لا بل عشرة قوى كبرى مثل أمريكا لو ناصبت العداء للجمهورية الإسلامية فإنها لا تستطيع بفضل الله أن تركب تجاهكم أية حماقة.
أسأل الله سبحانه أن يرزقكم رضاه، و أن يكون ولي العصر أرواحنا له الفداء مسروراً راضياً عنكم، و أن تكونوا مشمولين بدعائه. أسأل الله أن يكون روح الإمام الراحل و أرواح الشهداء الكرام راضية تجاه ما تنجزونه.

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1 ـ الأحزاب/ 23 .
2 ـ نهج البلاغة/ الرسالة رقم 62.