بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية أرحّب بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء الذين شرّفتم من أطراف و أكناف هذه الأرض الإسلامية المقدسة إلى هنا و عقدتم هذا الاجتماع الحافل بالصميمية و الشوق. خدمة الشعب مفخرة كبرى، و حينما تسنح لشخص فرصة أن يكون في خدمة الشعب، فعليه أوّلاً أن يشكر الله على هذا التوفيق و على هذه الفرصة، و يجب عليه ثانياً تكريس كل وقته لهذا العمل المهم. فإننا جميعاً قد أوصينا مراراً في الأحكام الشرعية و الروايات الأخلاقية بخدمة الناس، و نعلم مدى الثواب الجزيل الذي يجزي به الله كل من يفعل للناس خيراً و يخطو خطوة لهم. هذا العمل الذي يقع على عواتقكم اليوم يمثّل مصداقاً كاملاً لما ورد في الروايات. من الطبيعي أن لا يمنّ الله على الجميع بالتوفيق، لكن الذي تتوفر له فرصة الخدمة، عليه أن يشكر الله على مثل هذا التوفيق الإلهي.
المشكلة الأساسية التي تعاني منها الشعوب - حيثما تكون هناك معاناة لدى الشعوب - تعود إلى انعدام أو قلة المسؤولين الحريصين الذين يکون همّهم الأول حل مشكلات الناس. فالذين اجتازوا مرحلة الشباب منكم و يتذكرون عهد النظام البهلوي الطاغوتي الفاسد، يعلمون أن الشيء الوحيد الذي لم يكن مطروحاً حينذاك هو خدمة الشعب، فكل من كان يتحمّل مسؤولية، كان همّه نفسه. و جاءت الثورة الإسلامية و غيّرت ذلك البناء الأعوج، فصار رئيس الجمهورية من أبناء الشعب و نواب مجلس الشورى من أبناء الشعب، و أصبح مسؤولو القطاعات المختلفة من أبناء الشعب و يقفون إلى جانب أبناء الشعب. اليوم أيضاً منّ الله على المسؤولين بالتوفيق لكي يتمكّنوا من تشكيل المجالس البلدية بهذا المستوى العالي، و المجالس البلدية أيضاً في خدمة الشعب. تتمتعون اليوم بمثل هذه النعمة، فاخلصوا لله نيّاتكم. أعزائي! ما من عبادة أفضل من خدمة الشعب، سواء في المدينة أو في الناحية أو في القرية، لأن الواجبات التي رسمها القانون للمجالس البلدية هي ذات الواجبات التي إذا ما تمكّنت منها المجالس البلدية بشكل كامل إن شاء الله، لوجدت الكثير من المشاكل الجارية التي يعاني منها الشعب حلاً مناسباً و هذه الحالات حدّدها المشرّعون بدقة في الدستور و في القانون العرفي.
هذا الإنجاز إنجاز عظيم و من مفاخر النظام الإسلامي. هكذا هو شأن الإسلام. فهو في الوقت الذي يعترف فيه بتأثير الأحكام الإلهية و الإرادة الإلهية لهدایة و صلاح الناس، يأخذ في الحسبان أيضاً إرادة الناس و تواجدهم أفراداً و جماعات في جميع الأعمال. أحد النماذج هو المجالس البلدية هذه. فالله تعالى ذكر من جملة علائم المؤمنين (و أمرهم شورى بينهم)(1). طبعاً یمکن أن تکون الإستشارة على أنماط مختلفة، و هذا واحد من أشكال التشاور، حيث تجلسون و تتشاورون - سواء في المدن أو في النواحي - حول المشاكل و النواقص الموجودة و ما يرتبط بالمجالس البلدية - طبعاً يمكن أن تكون هناك نواقص لا ترتبط بواجبات المجالس البلدية - و تعالجونها و تعملون بها، هكذا تبدو إيران الإسلامية من خلال وجود هذه الظاهرة و كأنّها أخذت دماءً ثورية و إسلامية جديدة تسري في عروقها و تتحرك. إن مسؤولي كل مدينة و قرية، يفكرون في معالجة مشاكل الناس في نفس تلك المدينة و القرية. المجالس البلدية هذه فرصة جيدة للغاية. فإذن اقصدا خدمة خلق الله باسمه و ذكره.
طبعاً أعداء الإسلام لم يعترفوا أبداً بأن نظام الجمهورية الإسلامية نظام يعتمد على الناس. بالرغم من أنهم يرون الحقيقة و يدركونها، إلّا أنهم لا يعترفون بها. كما أن أعداء الحقيقة كانوا يعرفون الحقيقة دوماً، فإنّهم يعرفونها اليوم، لكنهم لا يريدون أن يعترفوا بها! إلّا أن الحقيقة حقيقة، سواء اعترف بها العدو أم لم يعترف. لقد مرّ من عمر الثورة حتى الآن عشرون سنة جرت خلالها عشرون ممارسة انتخابية، أي بمعدل ممارسة انتخابية واحدة سنوياً. هذا يعني أن الناس كان لهم دور فاعل في ساحات العمل و ميادين اتخاذ القرار. في الوقت نفسه، نلاحظ أن الأبواق الاستكبارية في كل مكان تتهم بلدنا و نظامنا بالدكتاتورية و الاستبداد دوماً، كما تصفه بأنه نظام غير جماهيري! إنهم غير مستعدين للاعتراف و الإذعان للحقيقة. العدو لا يعترف لكم بأية نقطة إيجابية. ينبغي عليكم عدم المبالاة لحديث العدو. عليكم أن تعملوا بواجبكم من أجل رضى الله و أداءً للواجب و في سبيل إصلاح مصير هذا الشعب العظيم.
كانت الأبواق الاستكبارية تمقت هذه الثورة منذ يومها الأول، و وجّهت دعاياتها ضدها. سبب ذلك هو أن هذه الثورة قطعت أيدي الأعداء عن هذا البلد. كانت أمريكا و سائر مصاصي دماء الشعوب و المتغطرسين و المستكبرين يجولون في هذا البلد و يقتاتون من مائدته التي غاب عنها حاميها، و في الوقت الذي كان فيه أبناء الشعب يعيشون عيشة فقيرة للغاية، كان أولئك هم ينهبون ثروات هذا الشعب. كان يُنهب نفط هذا البلد و مصادره و مواهبه و خيراته و طاقاته البشرية التي كانوا يختارون ما ينفعهم منها. في مقابل ذلك كان يشاع الفساد و الفحشاء و التبعية للأجانب. و قد قطعت تلك الأيادي، و هؤلاء الآن في حالة غضب. هدف العدو هو أن يتمكن من إعمال نفس تلك السلطة الطاغوتية على هذا البلد، لكنه عدوّ يتصف بالغفلة. هؤلاء الناس، يتميزون بالوعي و يعرفون الإسلام و يتواجدون في الساحة، و يقطعون رجل العدو الذي يقصد تدنيس هذا البلد و لا يسمحون له بذلك. العدو غاضب من هؤلاء الناس و المسؤولين ومن هذا النظام، لذلك ينكرون كل ما هو حسن في هذا البلد. إنهم ينشرون ما هو كذب و خلاف الواقع.
على كل من يحمّل عبئاً على عاتقه في هذا البلد و على أي مستوى كان، أن ينهض بذلك العبء، أعني عبء خدمة الشعب. لقد ذكرت مراراً أن كل من يتحمّل مسؤولية - سواء المسؤوليات التنفيذية أو شبه التنفيذية - لو كرّس منهم كل وقته من أجل النهوض بهذه المسؤولية، فلربّما استطاع العمل بذلك الواجب على أفضل نحو ممكن إن شاء الله. أما إذا استغل الوقت المخصص لهذا العمل في شؤون أخرى، فسيبقى العمل مطروحاً على الأرض و ناقصاً. إنني أوصيكم يا أعزائي - كما أوصيتكم في البيان الذي وجهته لكم - أن تكرّسوا وقتكم للعمل و لخدمة الشعب و أن تخلصوا نيّاتكم لله و أن تعملوا بالواجب الذي على عاتقكم - الذي ألقي على عواتقکم إثر انتخاب الشعب لكم بكل إخلاص و بأفضل ما يمكن إن شاء الله. و سوف يعينكم الله و تستطيعون إن شاء الله القيام بما يبيّض وجوهكم و يؤدّي إلى عزتكم لدى الله تعالى و لدى عباده.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الهوامش:
1) سورة الشورى، الآية 38.