بسم الله الرحمن الرحيم
أرحّب بكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات الذين شرّفتم إلى هنا و عقدتم هذا الاجتماع المفعم بالصميمية. يوم المعلم و العامل - الذين يشكلان أكبر شريحتين في كل مجتمع و أكثرها تأثيراً - في بلدنا قد فاح بعطر الشهادة، و تزيّن باسم عالم كبير، و مجاهد في سبيل الله و شهيد في سبيل الحقيقة، أعني المرحوم آية الله الشهيد المطهري. همة هذا العظيم في مراحل حياته، بُذلت للدفاع عن الحقائق الإسلامية و مواجهة المعارضات التي كانت تطرح ضد الإسلام في ساحة الفكر. طبعاَ كانت في هذا الرجل ميزات إيجابية و عظيمة للغاية. و اليوم أيضاً، كل شخص یرکز علی جهة من جهات حياة ذلك الشهيد وفقاً لوجهة نظره، و الكل مصیبون فيما يقولون؛ لكن الميزة الممتازة التي كان يتسم بها هي الدفاع عن الحقيقية و عن الإسلام بلا محاباة و لا مداهنة و بلا أي خوف و وجل.
على ما أتذكر، كان الشهيد منذ عام 1334 و 1335هـ.ش و حتى استشهاده في 1358هـ.ش يواجه أي هجوم يستهدف الإسلام و أحكامه و أصوله، في ساحة الفكر و في أية مرحلة زمنية، بما لديه من رؤية عميقة - حيث كان لديه استيعاب كامل للأجواء الفكرية و الثقافية التي كانت سائدة في البلد - و كان يمثّل سدّاً كالجبل أمام الشبهات. إذا ما أراد شبابنا و طلبتنا الجامعيون و المعلمون و العمال أن يتعمّقوا في مجال الأفكار الإسلامية و يعثروا على إجابات لأسئلتهم، يجب عليهم الرجوع إلى كتب الشهيد مطهري و التي وصفها الإمام الراحل بأنها بأجمعها كتب جديدة و مفيدة. هذا تعبير مهم للغاية ورد على لسان شخص كالإمام. صحيح أنه يجب تشجيع الجولات و الإبداعات الفكرية للأشخاص و فتح الطرق الجديدة في آفاق الفكر و الثقافة. لكن يجب أن لا يفضي هذا إلى إطلاق العنان للتحلل الفكري من قبل أعداء الإسلام. ينبغي فتح السبيل أمام أفكار الجيل الشاب و أمام الباحثين عن الحقيقة بنزاهة. إن أحد أفضل السبل لبلوغ هذه الغاية هو الأفكار النقية و البارعة و البارزة و السامية لهذا الرجل المجاهد في سبيل الله و الذي ضحّى بنفسه في هذا السبيل.
لقد اقترن يوم العامل و أسبوع المعلم في بلدنا بهذه الظاهرة الخالدة، أعني شهادة هذا الرجل العظيم. علينا تكريم ذكراه و ينبغي على الجميع - خاصة الشباب - أن يستفيدوا من بركات هذه الشخصية. على الجميع الاستنارة بهذا المشعل في الأجواء الفكرية للمجتمع. الإشادة بشخصية مطهري و تكريم ذكراه بالکلام فقط لا ينفع كثيراً، ما لم يتبعه غور و تعمّق في آثاره. فيجب على الشباب مطالعة كتبه، و تقسيم آثاره و تصنيفها و الاستنارة بها كمشعل في ساحة الفكر و الثقافة.
فيما يتعلق بالمعلمين و العمال علي أن أقول بأن هاتين الشريحتين تعتبر أشرف، أو تدخلان على الأقل في عداد أشرف الشرائح في كل مجتمع، و خاصة في مجتمعنا. إن المعلّم في الحقيقة عامل. يقوم المعلمون بأفضل و أرقى عمل، و هو التعليم و التربية و بناء الإنسان الكامل. كما أن العمال هم بدورهم أصحاب العلم و أصحاب العمل، لأن العامل إذا لم يكن عالماً و خبيراً بعمله، فلن يتحقق أي عمل. إن هاتين الشريحتين تتألفان من منظومة من العلم و العمل، أي إنهم يحملون قيمتين نبيلتين. إن الخدمات التي قدمتها هاتان الطبقتان تعدّ من الخدمات التي قلما نجد لها نظيراً. إنّني أتذكّر الدور الذي قام به المعلمون و العمال في مرحلة ما قبل الثورة و كذلك في السنوات الأولى لانتصار الثورة، حيث لو لم يكن عمالنا المؤمنون، لوقعت في هذا البلد عشرات المؤامرات التي كانت كل واحدة منها تستطيع أن تخلق مشاكل كثيرة للبلد. و هكذا كان المعلمون أيضاً. في فترة الحرب أيضاً كان المعلمون و العمال يمارسون أفضل الأدوار في رصّ الصفوف الأولى لجبهات القتال و دعم الجبهات و تشجیع الجماهير للمشاركة في جبهات القتال. إن الشريحتين اللتين تؤديان مثل هذا الدور في أشد الظروف حساسية للبلد خليقتان بالتكريم و الثناء، و هكذا هو الحال اليوم أيضاً. إذا كنا نطمح اليوم إلى العمل، فهناك من يتحدث دوماً حول الاستثمار، و أنا أوافق مع دور الاستثمار، فلا يمكن تحقيق أي عمل من دون الاستثمار، لكن الاستثمار ركن واحد من العمل و الركن الأساسي الآخر هو عمل العامل. العمل الذي لا يقترن بالإخلاص و الحرص و الخبرة و المثابرة و تحمل الظروف الصعبة لا يمكنه أن ينقذ البلد. لا يبلغ البلد المكانة التي ينبغي أن يصل إليها بدون وجود مثل هذا العمل.
إننا نطمح اليوم إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي و تحرير البلد من الاعتماد على النفط. نريد اليوم إيجاد التدابير الضرورية في اقتصاد البلد، لكي لا يتأثر البلد كثيراً، عند حصول أي انخفاض في أسعار النفط. كيف يمكن تنفيذ هذه الأعمال؟ إذا ما أردنا الاستغناء عن النفط، فهل يمكن ذلك من دون إبداء الاهتمام الخاص ببيئة العمل و الشريحة العاملة و التدريب على العمل؟ طبعاً الحكومة منهمكة بهذه الأعمال و الحمد لله. فالحق أن إخوتنا في الحكومة يقومون بأعمال قيمة، لكنني أريد أن أقول بأن هذا من أهم إنجازات البلد. على المجلس و الحكومة و سائر المسؤولين أن لا ينظروا إلى قضية العمل و العامل كقضية تعرض لهم بين حين و آخر و تتداخل معها في بعض الأحيان ظروف صعبة. إن عمالنا من غير شك أناس شرفاء و مؤمنون و واعون و يدركون مؤامرات العدو. لو لم يكن هذا الحشد الكبير من عمالنا أناساً واعين و لم يكونوا يحبون ثورتهم و دينهم و حكومتهم و نظامهم، لتمكن أعداؤنا من خلق الكثير من الكوارث في ساحات العمل. و هم يحاولون هذا اليوم أيضاً، لكن عمالنا أقوياء. عمالنا - هذه الشريحة الرئيسية و المؤمنة و الكادحة - تتحلى بالوعي و الانتباه و الحمد لله، و لا يقعون في أحابيل مثل هذه المؤامرات. هكذا يجب أن تتعزّز و تتواصل هذه المساعي، و إن التنمية الاقتصادية لا يمكن أن تتحقق بدون تقوية قضايا العمل و النظرة إلى العمل. الشخص الذي يوظف نفسه لهذا العمل يجب عليه أن يعلم أن النظام يدعمه.
هناك نقطة رئيسية مشابهة لهذا فيما يتعلق بالمعلمين الأعزاء يدور الحديث في هذه الأيام عن الانفتاح السياسي. ما معنى التنمية السياسية و الاقتصادية؟ التنمية السياسية و الثقافية تعني أن يشعر الناس في المجتمع بالقدرة على التفكير الصحيح و الفهم السليم و التعلم السليم. إذا ما استطاع بلدنا بلوغ هذه المرحلة، فلن تؤثر فيه عندئذ أيّة مؤامرة أو تضليل. هذا أمر جيد، لكن هذا لا يتحقق بالضوضاء و الضجيج و الألاعيب التي تتبعها الصحف و غيرها، إنما يتحقق على يد المعلم، فالمعلم هو الذي يرسي أسس التنمية السياسية و الثقافية. أنتم تستقبلون الطفل في مدارسكم، منذ السنة السابعة من عمره، ثم تسلمونه إلى الجامعات و هو في الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة من عمره. أهم مراحل حياة هذا الطفل يقضيها معكم أيها المعلمون. يجب على البلد و المجتمع أن يحسب لهذه القضية حسابها، فالمعلم هو الشخص الذي بوسعه أن يغرس السجايا الأخلاقية الحسنة لدى الطفل و يعلّمه المعلومات المفيدة و كيفية التفكير السليم و استقلال الرأي، و الوقوف بوجه الباطل و الجهاد في سبيل الحق.
أعزائي، أيها المعلمون و المعلمات الأعزاء! اعلموا أن عملكم لا ينحصر في الدرس الذي تعلمونه للتلاميذ، بل حتى النظرة التي تلقونها إليه، أو الإشارة أو الابتسامة أو العبوس أو الحركة التي تصدر عنكم أو الثياب التي ترتدونها لها تأثيرها الفاعل على التلميذ، نحن لو راجعنا ذواتنا و بحثنا عن جذور أعمق مشاعرنا و عواطفنا و حالاتنا النفسية، للاحظنا عند نهاية الخط معلماً يقف وراءها. المعلم هو الذي يمكنه أن يجعل كل واحد منا شخصاً شجاعاً أو جباناً أو كريماً أو بخيلاً أو أنانياً، و من رواد العلم و الثقافة و الفهم أو جامداً و متحجراً و ملتزماً بالأفكار الجامدة. المعلم هو الذي بوسعه أن يربّينا على التدين و التقوى و العفة أو يربّينا - لا سمح الله - على التحلل و التهتك. هذا هو دور المعلم. هذه هي قيمة المعلم و هذا هو تأثيره. هذه هي المهمة التي يضطلع بها المعلّم في القضايا الأساسية لحياتنا و لأجيالنا المقبلة و لمجتمعنا و أطفالنا و تاريخ مستقبلنا. في ضوء هذا الدور الذي يقع على عاتق المعلم، كيف ينبغي لبلدنا و مجتمعنا و حكومتنا و نظامنا النظر إلى قضية المعلم؟ إننا لا نريد من وراء كلامنا هذا - سواء عن المعلمين أو عن العمال - إلقاء العبء على كاهل هاتين الشريحتين، كلّا، إننا كلنا مكلفون و مسؤولون، حتى الناس العاديون الذين لا يدخلون في عداد هاتين الطبقتين، يتحملون تكليفاً إزاءهما، فالحكومة أيضاً تتحمّل قسطاً من التكليف، و النظام برمّته يتحمّل بعض هذا التكليف، الكل مكلفون مقابل هاتين الشريحتين. طبعاً لا أريد حصر القضية في جانب الشؤون المعیشية فحسب، فالمعيشة ضرورة، و لكنها ليست كل شيء. إن الشيء الأهم من الجانب المعيشي هو قضية التقدير و التثمين و الشكر. يجب أن تكون منزلة المعلم في المجتمع بحيث إذا سئل الشباب عمّا يحب أن يكون في المستقبل، يقول أحب أن أصبح معلماً. يجب أن تكون للعامل منزلة و مکانة و شرف، بحيث إذا سئل الشباب أو الطفل عمن هو أكثر شعوراً إزاءه بالامتنان، يقول العامل.
على الناس أن يعرفوا قدر العامل. طبعاً عليكم أن تعلموا أن الله يعرف قيمة العمل: و سيرى الله عملكم و رسوله (1) الله و رسوله و الكرام الكاتبين يعرفون قدر العمل. إعلموا أيّها الأعزّاء أن كل لحظة من لحظات عنائكم لا تضيع عند الله و في السجل الإلهي. و الدقائق الأخيرة التي تشعرون فيها بالتعب، لكن تواصلون فيها العمل بدافع التكليف القانوني و الديني الذي على عاتقكم، هذه الدقائق لا يعلمها بصورة دقيقة ربّ العمل، و لا المدير، لا صاحب المعمل و لا إدارة المدرسة، لكن الله تعالى يسجّل لكم تلك اللحظات. هذه قيم فاضلة. لا تظنوا أن هذا إرجاءً للمستقبل. طبعاً حتى و إن كان إرجاءً للمستقبل، و ليوم القيامة، فهو مهم للغاية. و لو كان إرجاءً إلى أول ليلة في القبر، فله أيضاً أهمية بالغة، بيد أن دوره لا ينحصر في هذا الإطار فحسب. هذه هي القيم التي تصنع البلد و النظام و الشباب. هذه هي القيم التي تصنع مطهري. فمطهري ( رضوان الله تعالى عليه) تربّى في أحضان عدة معلمين خيّرين كان أولهم والده. أجل، أن بعض الآباء معلمون، بل و من أفضل المعلمين. ذلك المعلم الفاضل هو الذي بنی هذا الرجل العظيم. فاق الشهيد مطهري أباه كثيراً - و إنني رأيت أباه - و قد كان الشهيد مطهري إنساناً فريداً و بارزاً في زمانه حيث فاق أباه كثيراً، لكن ذلك الأب هو الذي استطاع أن يخلق هذا الرجل العظيم و يربّيه في كنف تربيته. و هكذا هو الحال بالنسبة لمعلميه أيضاً. نقل لي الشهيد مطهري معايشته للمرحوم نجفي قوجاني، ذلك الرجل العظيم الذي كتب سياحة في الشرق و سياحة في الغرب خلال شهر واحد أو شهرين من أشهر رمضان المبارك. كان من الواضح أن المقامات المعنوية و التربية أو المنهج و السلوك الذي تحلّى به ذلك الرجل أثّر على روح المرحوم مطهري رضوان الله عليه. كان المرحوم العلامه الطباطبايي و المرحوم الحاج ميرزا علي الشيرازي و آخرون كثيرون غيرهم، و على رأسهم الإمام العظيم أصحاب تأثيرات عظيمة عليه. و المعلم هو الذي يستطيع أن يقوم بمثل هذه الأعمال.
أيها المعلمون الأعزاء، أيها العمال الأعزاء! إن البلد بحاجة إليكم؟ و اعلموا إنه من الممكن أن لا يُعرف الآلآف منكم باسمائهم و صورهم، لكن تأثير كل واحد منكم على مستقبل هذا البلد - ليس المستقبل البعيد، بل على مدى عشرة أو عشرين عاماً قادماً - تأثير واضح. كل واحد منكم يمكن أن يؤثر، فإذن عليكم أن تعملوا، فإن رسول الله كان يقول لعلي (عليهما الصلاة و السلام): (إياك و الكسل و الضجر) (2). الملالة تعني أن لا يكون لدى الإنسان دافع للعمل، وهذا يعني الكسل. كما نقل من النبي الأكرم : رحم الله امرء عمل عملاً فاتقنه(3). اعلموا اليوم أن أعداء هذا البلد ممن اتضحت دعاياتهم ضد الإسلام و القيم الإسلامية و الثورة و الإمام و الأشخاص و الشهيد مطهري - إلّا أن يكون الإنسان أعمى فيلاحظ الأجواء الثقافية و لا يلاحظ هذه العداوات - أخذوا يعقدون الآمال اليوم على مجتمع المعلمين، و على الطبقة العاملة و طبقة الطلاب، أو على طبقة علماء الدين - هذه الطبقات الحساسة و المؤثرة في المجتمع - لكي لا تقوم بأدوارها. لو أن هذه الطبقات بأجمعها عملت بواجباتها بإتقان و على نحو كامل و عن علم و معرفة، فاعلموا أن هذا البلد و هذا النظام من أتقن و أقوى و أرسخ الأنظمة التي حكمت البلد في هذه القرون التي نعرفها، و سنستطيع أن نقف بوجه أدهی المؤامرات، مثل هذه الأحاديث و الأقوال و الأعمال و الدعايات و الحصار و هذه المؤامرات لا يمكنها تحقيق شيء أمام الشعب الذي وقف متحلياً بالعزم الراسخ و يعلم ماذا يفعل، و ماذا يريد أن يفعل، و هو ماضٍ على طريقه بإيمان و وعي.
أسأل الله تعالى أن يوفقكم جميعاً و أن يوفق المسؤولين الأعزاء للنهوض بالواجبات و الأعمال التي تقع على عواتقهم بأفضل ما يمكن، و أن تستطيع شرائح الشعب الإيراني بأجمعها، خاصة شريحتا المعلمين و العمال المهمتان و الحساستان، أن تبقى بيضاء الوجه أمام الله و في تاريخ و مستقبل هذا البلد، كما كانوا حتى الآن بيض الوجوه دوماً.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الهوامش:
1) سورة التوبة، الآية 94.
2) رياض السالكين، ج 2، ص 455 ( الإمام موسى بن جعفر عليه السلام).
3) بحار الأنوار، ج22، ص 157.