بسم الله الرحمن الرحيم
أسأل الله تعالى بتضرع أن يوفق المسؤولين و العاملين في هذه الحركة العظيمة و الفريضة الباعثة على الفخر فرداً فرداً لأداء الحقوق و التكاليف التي يلقيها هذا الواجب الكبير على عاتق كل واحد من المسلمين و خصوصاً المدراء.
المهم هو أن يرى كل شخص و كل مسؤول و كل حاج نفسه مسؤولاً حيال هذه الحركة العظيمة الجماعية في العالم الإسلامي و الأمة الإسلامية. إذا تحققت هذه الحركة العظيمة المتلاحمة للأمة الإسلامية بنحو سليم و كامل و بلا عيوب فسوف تعمّ آثارها و بركاتها و نعمها كل سنة جميع العالم الإسلامي، بل و كل البشرية بمعنى من المعاني.. «ليشهدوا منافع لهم» (1).
ما ذكره المسؤولون المحترمون في البعثة و في منظمة الحج و قدموا تقاريره، و التمهيدات التي فكروا بها و ذكروها، كانت أفكاراً جد ضرورية و مفيدة، و قد سمعناها، و كانت كلها باعتقادنا مهمة، بيد أن النقطة تكمن في أن المدراء و المسؤولين في المستويات المختلفة يجب أن يتنبهوا إلى أن ما اتخذوه من تدابير و ما اعتبروه لازماً و ما أرادوا تنفيذه يجب أن يتحقق و ينتقل إلى حيز العمل فعلاً. فالتخطيط و البرمجة هي نصف القضية و النصف الأهم هو التنبه إلى أن الأمور التي اتخذ القرار بتنفيذها يجب أن تتحقق في الخارج، ثم ينبغي النظر إلى النتائج و الحصيلة، فإذا كان ثمة عيوب و نواقص في كيفية التخطيط و البرمجة أو في طريقة التنفيذ فلا بد من عقد الهمم على تلافي هذه النواقص من بعد مشاهدتها و تشخيصها بدقة.
لماذا نؤكد كل هذا التأكيد؟ لأن الحج مهم. الحج في قمة اهتمام الشارع المقدس. خصوصاً اليوم، حينما تنظرون و تلاحظون تجدون كأن الحج أهم و أكثر ضرورة و الحاجة إليه أكبر من أي وقت مضى. الحج مهم من زاويتين: من حيث وضعنا الداخلي، أي داخل الأمة الإسلامية.. و من الناحية الدولية. لقد فرضوا القعود و الذلة و الهوان و خور الهمم و القنوط على الأمة الإسلامية على مدى أعوام طويلة، و أرادوا بأدواتهم الجديدة إضعاف القيم الروحية و المعنوية و رجال الدين و التوجه و التضرع إلى الله فيها. و الحج يرمم كل هذه المشكلات و النواقص، و يهب العزة لكل أبناء الأمة الإسلامية، و يبث فيهم الشعور بالاقتدار و الأمل . هكذا هو الحج الصحيح. التأثير الأول للحج هو على داخل الأمة الإسلامية و في قلوبنا. نحن بحاجة إلى الحج من أجل أن نقوي معنوياتنا و نرممها و نشعر بأننا متوكلون على الله و معتمدون عليه و أننا نتمتع بالعظمة و أننا أمة كبيرة. من هذه الناحية فإن التأثير الداخلي للحج مهم، و من ناحية‌ أخرى فإن التأثير الدولي للحج مهم أيضاً، و من أسباب إضعاف العدو و تحطيم معنوياته و استعراض عظمة الإسلام عليه و إجلاء وحدة الأمة الإسلامية حيال الأعداء. و نحن بحاجة إلى هذا.
تقف أمام الإسلام اليوم جبهة هائلة، فلماذا لا نراها؟ لماذا لا يشاهد البعض هذه الجبهة الهائلة؟ إنها كحرب الأحزاب. تعاضدت الفرق المختلفة‌ المعادية للإسلام و المعنوية و الحقيقة و وقفت بوجه الإسلام. يتفحصون و يدققون ليجدوا نقاط الضعف و يستغلوها و ينفذوا منها ليوجهوا لنا الضربات. و بمقدور الحج الوقوف بوجههم.
من الأمور - و هو ما ورد في كلمات السادة المحترمين - قضية الاختلاف بين أبناء الأمة الإسلامية. إنهم يعملون بدقة لتضخيم الاختلافات و تكبير النزعات المنحرفة سواء في الجانب الشيعي أو في الجانب السني. يعززون في الجانب الشيعي و باسم التشيع النزعات القرمطية - كالقرامطة - و ينشرون من خلال ذلك الفساد. و في الجانب السني يعززون النزعات الناصبية باسم التسنن و لكن بباطن الناصبية، و يضعون هذا في وجه ذاك. ينبغي التيقظ و الحذر و الوعي. ينبغي التبصر و النظر و الإدراك. هذا أساس الأمور التي يحتاجها العالم الإسلامي اليوم.
العالم الإسلامي بحاجة إلى التفاهم و التعاطف و التعاون. لماذا يزرعون كل هذا الاختلاف بين الحكومات الإسلامية؟ لماذا الحكومات الإسلامية غير مستعدة حيال قضية عامة‌ الابتلاء كالقضية الفلسطينية أن تتفق على طريق واحد و كلمة واحدة و تتخذ قرارها على هذا الأساس؟ هل القضية الفلسطينية قليلة؟ عدد من البشر بعيدين عن أي دين - و هؤلاء ليسوا حتى يهوداً، فاليهود المتدينون المؤمنون بدينهم يتبرأون من الحزب السياسي الصهيوني - ثاروا ضد الأديان التوحيدية و ضد كل صنوف المعنوية و عملوا ضدها و اغتصبوا قطعة من الأرض الإسلامية‌ هي قبلة المسلمين الأولى و المراكز المقدسة المعنوية الإسلامية، و شردوا أصحاب الدار في هذه الأرض من ديارهم، و راحوا يمارسون ضدهم كل يوم أنواع الضغوط. منذ أكثر من ستين عاماً و العالم الإسلامي مبتلى بهذا البلاء. الفلسطينيون أنفسهم غفلوا و سكتوا لمدة من الزمن، و اليوم حيث ثاروا و استنصروا و طلبوا عون العالم الإسلامي لماذا يسكت العالم الإسلامي حيالهم؟ ألم يقل الرسول (ص): « من أصبح و لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»؟ أليس هذا اهتماماً بأمور المسلمين؟ في مثل هذه القضية الجلية يتعرض المسلمون لكل هذا الظلم - الفلسطينيون في فلسطين من مسلمين و مسيحيين يتعرضون للظلم - لكن العالم الإسلامي ليس له موقف واحد، لماذا؟ من أين جاء هذا الاختلاف؟ هذه هي قضايا الحج.
يجب أن يكون الحج مظهراً للاتحاد و التفاهم و الحوار و التعاطف و التعاون و التقارب بين المسلمين. ينبغي إقامة الحج بهذه الطريقة و التحرك فيه على هذا النحو. و في الحج و هو قطب الاتحاد و الاتفاق قد يعمد البعض إلى بث الفرقة و الاختلاف - في مكة أو المدينة - و يعمل البعض ضد الشيعة و يضغطون عليهم في زيارتهم و في أعمالهم و في أدائهم لتكاليفهم و واجباتهم و معتقداتهم و يوجهون لهم الإهانات - و تصل تقارير ذلك للأسف - و يعمد البعض من هذا الجانب كردة فعل إلى ممارسة‌ بعض المخالفات.. هذا على الضد تماماً من مصلحة الحج، و على العكس من فلسفة الحج.
يتوجب إقامة الحج بصورة صحيحة. حركتنا في الحج حالياً تختلف عن ما كانت عليه قبل ثلاثين عاماً من السماء إلى الأرض، لكن هذا لا يكفي و ينبغي أن نتقدم أكثر حتى من هذا، و نتحرك بطريقة أفضل حتى من هذه. سلوك الحاج الإيراني يجب أن يكون دليلاً على جميع الخصوصيات التي تمثل واجبات الحجاج في الحج، و التكاليف التي تقع على عاتق المسلمين. من الناحية‌ المعنوية: التضرع و التوسل و التوجه إلى‌الله و الأنس بالقرآن و ذكر الله و تقريب القلوب إلى الله و التحلي بالمعنوية و النورانية و العودة إلى الديار بزاد معنوي. و من الناحية‌ الاجتماعية و من الناحية السياسية لا بد من التعاون مع العالم الإسلامي. من المسائل المهمة و الفورية في العالم الإسلامي اليوم مسألة إخوتنا في باكستان. و بالطبع قدم شعبنا المساعدات و قدمت الحكومة المساعدات - و نتمنى أن يتقبل الله أعمالهم و يجيزهم خيراً - لكن هذا لا يكفي.
الذين يتشرفون بالحج - و الحجاج الإيرانيون بالدرجة الأولى و هم جيران و قريبون و يشاهدون مشكلاتهم - باستطاعتهم إلغاء الكثير من هذه التكاليف الزائدة و غير اللازمة، و توظيفها لمسح غبار الهم و الغم عن إخوتهم و أخواتهم المسلمين في باكستان. هذا شيء له أجر عظيم عند الله تعالى. و هو تمرين و تجربة. و من ثم الزوار و الحجاج من باقي البلدان الإسلامية، ابلغوهم هذا النداء و شجعوهم و رغبوهم في هذا الشيء.
و خذوا مسألة الوحدة مأخذ الجد بدرجة كبيرة. يتم في مراكز التفكير و التخطيط و التآمر اليوم العمل بشكل دقيق من أجل أن يقتتل العالم الإسلامي فيما بينه، الحكومات بشكل و الشعوب بشكل. كلما ظهر همس بين الحكومات الإسلامية و زمازم و كلام يدل على التقارب نرى فجأة عاملاً خارجياً، صهيونياً أو أمريكياً يتدخل في القضية و يمنع التقارب. حينما تكون العلاقات بين الحكومات الإسلامية‌ جيدة و قريبة فسوف يعمل أولئك على زرع الفتنة فيما بينهم. و كذا الحال بالنسبة للشعوب. لا توجد محفزات و دوافع لدى الشعوب ضد بعضها، لذلك يستخدمون المحفزات الطائفية و المذهبية‌ و القومية و العصبيات الوطنية لينشبوا الاقتتال فيما بينهم. هذه أمور إذا لم ننتبه لها تلقينا الضربات من العدو. إذا لم نتحل بالحيطة و الحذر و الدقة فسوف يتلقى الإسلام الضربات. العداء ضد الإسلام أصبح اليوم علنياً في أجهزة الاستكبار. و رغم أنهم لا زالوا ينكرون ذلك بألسنتهم لكن من الواضح و الجلي أنهم يعادون الإسلام و يعارضونه. و هذا ما يجعل واجباتنا ثقيلة جداً.
نتمنى أن يوفقكم الله تعالى جميعاً و كل الحجاج المحترمين و جميع الحجاج من البلدان الإسلامية للتقدم كل سنة خطوة أخرى من الحج المتسامي المتكامل.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة الحج، الآية‌28 .