بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السّلام على سيّدنا و نبيّنا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين المكرّمين سيّما بقية الله في الأرضين.
إن الأيام الفاطمية و ذكرى سيّدة العالمين الكريم، و سيّدة النساء من أولهن إلى آخرهن، فاطمة الزهراء (سلام الله) عليها تعتبر مناسبة تدعو القلوب و الأذهان إلى التأمل في القضايا الكثيرة التي تواجهها الأمة الإسلامية اليوم، و ما يرتبط بهذه المحافظة و هذه المنطقة على وجه الخصوص.
يصادف اليوم ذكرى استشهاد الشهيد كاوة، أحد القادة الأعزاء المؤمنين الأتقياء الشجعان لهذه المنظومة الخدومة و المتحَمّسة. طبعاً لا نستطيع أن نتحدث كثيراً عن الشهداء الذين يعتبر كل واحد منهم نجماً متألقاً في تاريخ و في سماء معارف هذا الشعب، أو نبيّن الحقائق التي لا سبيل لنا لإدراكها. مكانة الشهداء أعلى كثيراً من أن يمكن لأذهاننا و قلوبنا و ألسنتنا أن تبلغها، لكن مجرد ذكر اسم هؤلاء العظماء، يُعَدُّ من الواجبات اليوم، كما يعتَبَر علامة و معياراً لمحبي الحركة الإسلامية و النظام الإسلامي.
قبل أي حديث، أرى من الضروري عليّ أن أشكر كل واحد من الإخوة و الأخوات الأعزاء الذين عقدوا اليوم هذا الاجتماع العظيم، و أنتم أيها الشباب من التعبويين و الحرس و المؤمنين الذين قرنتم هذا الوعي بالشعور بالمسؤولية و الحب و الشعور. أنتم تمثّلون الصفوة و الزبدة من بين شباب هذا العهد و شباب مجتمعنا، كما أن شباب بلدنا - على حد علمنا - هم من أفضل شباب بلدان العالم. و علي أن أقدّم شكري و إخلاصي إليكم أيها الشباب الأعزاء و إلى هذه المنظومة المؤمنة و المتحمّسة. طبعاً ذريعتنا للقاء الإخوة التعبويين و الحرس في هذه المنطقة من الحدود الطويلة هي أنهم تمكّنوا من القيام بخدمات عظيمة، كما استطاعوا أن يكرّسوا الأمن. قضية الأمن، قضية مهمة و رأيت من الضروري أن أقدّم شكري إلى القوات التي تمكّنت من إعادة الأمن على مدى الأشهر السابقة بفضل المتاعب الكثيرة و التضحيات القيمة و البارزة و أن يكرّسوا الأمن في هذه المنطقة بفضلهم. إن اجتماعكم العظيم هذا، يُفرِضُ عليّ أن أذكر بعض النقاط حول قضية الأمن التي تمثل إحدى القضايا الرئيسية لمجتمعنا و بلدنا.
الأمن نعمة كبيرة. و القرآن الكريم يتحدّث عن الأمن أيضاً. إن الأرضية الضرورية لحالات التقدم المادية و المعنوية في كل مجتمع هي الأمن. طبعاً، هناك الكثير من الشخصيات البارزة التي تقوم بأعمال عظيمة في أجواء غير آمنة و تحت ضغوط خناق النظم الظالمة و الجائرة - كما كان الوضع هكذا في هذا البلد قبل انتصار الثورة - كان هناك أشخاص يقومون بأعمال كبيرة في ظروف انعدام الأمن، لكن شرط الحركة الاجتماعية العظيمة لكل الشعب هو الأمن بالدرجة الأولى. و للأمن أنواعٌ، واحد منها هو الأمن العسكري و الشرطي حيث تلاحظون أن هناك في بعض مناطق العالم انفلاتاً من الناحية العسكرية و الشرطية، هذا جزء من قضية الأمن. لدينا أيضاً الأمن السياسي و الاقتصادي و الفكري و العقائدي، و جميعها من المواضيع المهمة للغاية. إنني أذكر رؤوس النقاط و الموضوعات و ينبغي عليكم أيها الشباب الأعزاء أن تشغلوا أذهانكم و أفكاركم بهذه القضية لتستفيدوا منها لاستنتاجاتكم العامة إن شاء الله.
لو أردنا أن نفهم بشكل صحيح مدى أهمية الأمن لتقدم أي بلد، فيمكن أن يدرك هذا من مواجهة العدو قضية الأمن. حينما انتصرت الثورة ارتفعت في الحقيقة عقبة كبيرة من أمام الشعب الإيراني، لكي يتمكّن من تعويض تخلفه في الماضي في الساحات التي بقي متخلّفاً فيها على مدى مائة عام. كان النظام الإسلامي مستعدّاً لكي يأخذ على عاتقه هداية الناس للتقدم في جميع هذه الساحات، و أن يقوم الشعب الإيراني بحركة عظيمة و يبدأها في مجال العلم و الصناعة و الإكتفاء الذاتي و على صعيد القضايا الفكرية و العلمية و المادية و المعنوية. أوّل ما قام به الأعداء لوضع العقبات في هذا الطريق، كان إيجاد الانفلات الأمني، أي جعلوا حدودنا غير آمنة. لاحظوا، هذه النقطة كانت نقطة رئيسية و مهمّة. نفس الأعداء الذين كانت الثورة ضدهم، و نفس القوى التي كانت قد بذلت قصارى جهدها لكي لا تسمح بانتصار هذه الثورة، بعد أن انتصرت الثورة، تستخدم حربة إيجاد الانفلات الأمني ضد هذا الشعب و هذه الثورة لمواجهتها.
بالدرجة الأولى، قاموا في هذه المنطقة القريبة من محافظة خراسان - حدود تركمنستان - و في منطقة كردستان و غرب البلد و شماله و مناطق أخرى في الجنوب - أي منطقة خوزستان - بإشاعة الفساد و إيجاد الانفلات الأمني و ذلك عن طريق إثارة القوميات، لكن النظام الإسلامي استطاع أن يتغلب عليها. في ذلك اليوم انطلق نفس هؤلاء التعبويين و هؤلاء الشباب المؤمنين من أمثالكم إلى هذه المناطق المختلفة - سواء في محافظة خراسان أو في المناطق الأخرى - و واجهوا الموت و ضحّوا بأنفسهم و تمكّنوا من إعادة الأمن، أي استطاعوا في الحقيقة أن يقلعوا جذور الفتنة في بعض المناطق. كان الأعداء في الماضي بأنهم سيتمكنون من إخضاع الثورة بإيجاد الانفلات الأمني، لكنهم وجدوا أن هذا الأمر لم ينجح. لذلك فرضوا الحرب علينا. الانفلات الأمني الذي يحدث في البلد إثر حرب عظيمة، من أفدح حالات الانفلات الأمني خسارة و من أشدها و أجسمها. هؤلاء قاموا بهذا العمل. دفعوا الحكومة العراقية إلى الحرب و إضرام النار و الهجوم على الحدود من غرب البلد. و لم تنحصر القضية بالحرب بين شعبين و إمكانيات بلدين، بل أرسلوا إلى العراق كافة الإمكانيات التي كان بإمكان العراق استقبالها في هذا الحرب!
لاحظوا، يا أعزائي! أيها الشباب. هذه المواضيع التي أقولها لكم من ضمن الأشياء الواضحة و البيّنة لأجواء البلد العامة قبل خمس عشرة سنة. هذه الأحاديث التي أقولها الآن لم تكن أمراً جديداً لأي شخص قبل خمس عشرة سنة، لأن الجميع كانوا يلمسونها بكل كيانهم، أمّا اليوم، فإن جيل الشباب ممّن لم يلمسوا و لم يدركوا ذلك اليوم بشكل صحيح هم المتواجدون في الساحة. الانفلات الأمني الإعلامي و السياسي من جانب الأعداء شديد إلى درجة يريدون أن يمنعوا جيل الشباب اليوم من قبول هذه الحقائق التي كانت من الحقائق البيّنة قبل خمس عشرة سنة.
إنني أريد أن أجعل أذهانكم اليوم أنتم جيل الشباب متوجهة إلى هذه الحقيقة و هي أن الأعداء يريدون أن يكتموا حتّى حقائق بهذا الوضوح و ذلك عن طريق هجومهم الإعلامي و السياسي الجسيم. جميع القوى الكبرى في العالم و التي كان بوسعها القيام بعمل في هذا المجال دخلت الساحة لصالح العراق الذي دخل ميدان القتال ضدّنا ليزعزع أمن حدودنا. هناك البعض - عن الجهل أو الخيانة - يريدون أن يصرفوا ذاكرة الشعب عن مدى الخسارة التي أوجدتها و توجدها لهذا الشعب عداوة الحكومة الأمريكية ضد هذا الشعب. إنهم يريدون إنكار هذا الأمر. هذه الحكومة الأمريكية نفسها كانت تدعم العراق - سواء الدعم الالكتروني أو دعم الأسلحة و المعدات أو الدعم في أساليب الحرب و الدعم المالي و الدعم المباشر و غير المباشر - حيث كنا نتحدث عن هذا الأمر بشكل تحليلي ثم انتشرت أخباره و إحصائياته و معلوماته التفصيلية بعد الحرب! إن حلف الناتو أيضاً مدّ يد العون إلى العراق، كما دعمه الكثير من البلدان العربية، ليتمكنوا من هزيمة الحكومة الثورية أو إخضاعها و ذلك عن طريق ضغوط انعدام الأمن. إن عزم شباب هذا البلد و القلوب الطاهرة و المؤمنة لهذا البلد و قوات التعبئة و الحرس الثوري و الجيش و هؤلاء الناس المؤمنين الطاهرين الذين حافظوا على عزيمتهم، تمكّنوا مرّة أخرى من التغلّب على كافة مؤامرات الأعداء، و استطاعوا أن يضربوا بقبضتهم فم النظام المهاجم و جميع مناصريه - من أمريكا و الاتحاد السوفيتي السابق و الآخرين - و أن يجعلوا الشعب الإيراني بطل تلك الفترة أمام أعين العالم، و أن يعيدوا الأمن الذي يعتبر من أكبر النعم إلى هذا البلد، و أن يجعلوا الحدود هادئة و أن يعيدوا الأمن للمدن التي كانت تحت القصف - ففي فترة الحرب كانت نصف أراضي هذا البلد تقريباً تحت القصف - و أن يكرّسوا الأمن للرجال و النساء و الكسبة و العلماء و الطلاب و السياسيين و الرؤساء و المرؤوسين و لجميع الذين يحتاجون إلى الأمن، حتى للذين يتنكرون لهذا الأمن و لا يشكرونه. إذن، القلوب المؤمنة و العزم الراسخ و المقترن بالإيمان لهؤلاء الشباب كرّس الأمن لجميع الناس.
طبعاً لم يكن العدو قانطاً، كما أنه ليس قانطاً و لا منصرفاً عنّا الآن. لو أننا تصوّرنا بأن فترة تكريس الأمن العسكري و الشرطي قد انتهت، فهذا ليس تصوراً صحيحاً. إن العدو يمارس المساس بالأمن مهما أمكنه ذلك. و أينما تمكن العدو، فإنه يفرض انعدام الأمن العسكري و الشرطي على هذا الشعب، و قد لاحظتم أنّهم وجدوا ذريعة صغيرة أو أوجدوها و زعزوا الأمن في طهران خلال أيام شهر تير هذه. إمّا أن يوجدوا الذريعة بأنفسهم أو لو افترضنا أنهم لا يوجدوها بأنفسهم فيجدون ذريعة صغيرة ليزعزعوا الأمن، و ينطلقوا إلى الشوارع و يكسروا الشبابيك و يحرقوا المحال التجارية و السيارات و يهددوا الناس! لذلك فالعدو ليس قانطاً و لا منصرفاً عن زعزعة الأمن. و ربما يأتي البعض و ينكر ضرورة تواجد و أهمية العناصر المؤمنة التي ضمنت الأمن منذ بداية الثورة إلى يومنا هذا، و ينكر إنها توفّر الأمن لهذا الشعب، و هذا نابع من جهل أو خيانة. فلا يخرج الأمر عن هاتين الحالتين. وجود القوات التي تستطيع أن تكرّس الأمن لهذا الشعب و لهذا البلد و لكل نشاط بنّاء و حيوي في هذا البلد، ضروري للشعب كالماء و الهواء. هناك البعض يريدون إنكار هذه الأمور. قواتنا العسكرية و قوات الشرطة و تعبئتنا الشعبية، يتمتعون بالإيمان و الإخلاص و يعتبرون رصيداً لا يتضعضع أبداً. قواتنا العسكرية المخلصة - سواء في الحرس الثوري أو الجيش - ليسوا قليلين و الحمد لله. إن هذه المنظمات تقوم على الإيمان، ولا خلاف في ذلك. لكن هناك فرقاً بين تلك القوات التي تخوض ساحة الدفاع كواجب تنظيمي و بين القوات التي تدخل الساحة على أساس الواجب الإيماني و الحب و الأمر القاطع النابع من مشاعر أعماق النفس. هذه هي قوات التعبئة. إنكار التعبئة هو إنكار أكبر الضروريات و المصالح للبلد. لو لم تكن لدينا قوات التعبئة في ساحة الحرب، لكنا احتجنا الى من يمدّنا بقوات إضافية. في فترة ما بعد نهاية الحرب لو لم تكن قوات التعبئة و لو لم تكن اليوم أيضاً، لکانت هناک ثغرة فی قوات هذه الثورة و هذا النظام و جميع التحركات البناءة لهذا البلد. إنكار قوات التعبئة و عدم تكريمها ينبع عن جهل أو عن خيانة. ما دام الأمن ضرورياً لهذا البلد و ما دام هذا البلد و هذا الشعب بحاجة إلى الأمن - أي في جميع الأحيان، لأنه في جميع الأحيان بحاجة إلى الأمن - فإنه بحاجة إلى قوات التعبئة و حوافزها و تنظيمها و حبها و إيمانها.
الأمن السياسي أيضاً نوع من الأمن. طبعاً يطرح موضوع الأمن الاقتصادي في هذه الأيام أيضاً، و هو كلام صحيح و نحن أيضاً نؤيده، إذ إننا نعتقد اعتقاداً راسخاً بأهمّية الأمن الاقتصادي لبلدنا و نرى ضرورة الأجواء الكفيلة بتحقيق العمل الاقتصادي و النشاط الاقتصادي و البناء الاقتصادي و الازدهار الاقتصادي من أي نوع كان ليمكن للذين يتحلّون بالعزم على القيام بهذا العمل ممارسة نشاطاتهم في هذا المجال بأمان. و قد اتّفق - و الحمد لله - كلّ من الجهازين القضائي و التنفيذي على النهوض بهذه المسؤولية، و سأساعدهما أنا أيضاً على تحقيق هذه الغاية التي تعتبر ذات أهمّية كبيرة للبلد. و عليّ أن أؤكّد هنا بأن لا يتصوّر البعض أن توفير الأمن الاقتصادي يعني فتح الأبواب أمام الانتهازيين و النفعيين و الطفيليين الاقتصاديين؛ فالأمن الاقتصادي لا يعني تجاهل القوانين و الأنظمة الصحيحة، و إنّما معناه تطمين أيٍّ من أبناء الشعب يريد أن يمارس نشاطاً اقتصادياً - سواء في مجال الصناعة أو الزراعة أو الاستثمار أو التجارة - إلى أنه لن يتعرّض للمضايقة من أي أحد. لكنه لا يعني أن الذين استفادوا على نحو غير مشروع من المنعطفات و التقلبات الاقتصادية في فترة الحرب أو في فترة البناء و كسبوا ثروات غير مشروعة، سيستطيعون القيام بمثل هذا العمل غير المشروع تحت غطاء الأمن الاقتصادي؛ فالأمن الاقتصادي لا يعني فوضى و انفلات الوضع الاقتصادي، و لا يعني فسح المجال أمام أهل الدهاء و الانتهازيين الذين يتربّصون بكل فرصة لملء جيوبهم بطرق غير مشروعة. كل استثمار يجيزه القانون يجب أن يحظي بالأمن. و يجب أن لا يتصوّر عدم وجود أمن اقتصادي حتّى الآن من قبل المسؤولين أو من قبل الأجهزة القانونية المختصّة. بل إن انعدام الأمن الاقتصادي أكثر ما كان يسبّبه الانتهازيون و النفعيون؛ فحيثما وجد انتهازي تجد هناك خللاً في الأعمال مع وجود حالة من انعدام الأمن. و معنى هذا أن الأمن الاقتصادي قضية مهمّة و نحن نعتقد بمدى ما يتّسم به من أهمّية.
أما الأمن السياسي فمعناه أن التفكير و المعارف السياسية في المجتمع يجب أن تكون واضحة و بعيدة عن النفاق و الازدواجية، و يعني الأمانة من قبل القائمين على بيان القضايا السياسية للشعب بحيث لا يقع منهم كذب أو خداع أو زيف في كتابة و توزيع و نشر المعارف الفكرية للمجتمع، و أن لا يمزجوا سمّاً بالطعام الذي يبدو في ظاهره لذيذاً؛ فالذي يسخّر قلمه ليجحد عشرين سنة من السعي و الجهاد المرير و التضحيات السخية لهذا الشعب ضد القوى المتغطرسة الناهبة المعادية، إنّما يبث الفوضى في الأمن السياسي للبلد، و يوجد فيه نوعاً من البلبلة الفكرية. و الذي يستفيد من الإمكانات التي يوفّرها له القانون و بيت المال و يسخّر قلمه لتبرير مآرب رؤساء و ساسة دولة معادية فلانية و يقدّمها للقراء بقوالب مقبولة على الظاهر، فهو في الحقيقة يساعد على انعدام الأمن السياسي و الفكري. و مثله كمثل قاطع الطريق أو الأشرار الموجودين على الحدود؛ لأن هؤلاء يأتون بالبضائع المهرّبة التي توقع الشباب في المهالك و في الأمراض و في الإدمان على المخدّرات؛ و الذي يمارس هذا العمل لا يقلّ خطورة عنه إن لم يكن أكثر خطورة منه، لأن هؤلاء يضلّلون الناس و يحرفون الأذهان. لقد تحدّثت كثيراً عن الصحافة و الكتابات، و لا يمكن لأحد إنكار مناصرتي لحرية الفكر و حرية الأقلام و حرية التعبير عن الرأي و نشر مختلف أنواع المعارف في هذا البلد، و هذا ما اعتقده. فإنني أقول إنه يجب نشر الأفكار و الآراء و الأذواق المختلفة في هذا البلد بشكل صحيح و سليم؛ إلّا إن نشر المعارف المختلفة شيء، و الكذب على الناس و التلفيق و تحريف الحقائق و أداء دور البوق الدعائي للعدو شيء آخر. و الذي لا استطيع أن أؤيّده في ما يخص الصحافة هو المسلك الثاني.
لا ضير في صدور مائتي صحيفة بدلاً من عشرين صحيفة؛ فإذا كان هناك عدد من الأشخاص لديهم القدرة و لديهم آراء يودّون طرحها فهم لا بد و أن يجدوا قرّاء لما يكتبون؛ و لا مانع من هذا. أمّا إذا أخذت الصحيفة التي تستفيد من إمكانات الشعب و من بيت مال المسلمين و من مساعات هذا الشعب تكتب ضدّ مصالح الشعب - و ذلك عن طريق الزيف و الخداع، و ليس من باب نشر الآراء و المعتقدات - و تجعل من نفسها بوقاً دعائياً لإسرائيل أو لأمريكا في هذا البلد، فهذا أمر لا يمكن تقبّله. أما الذين يحاولون إنكار أحكام و ضروريات الإسلام - كأن ينكروا القصاص على سبيل المثال - فهذا أمر آخر، و يمثّل نمطاً آخر من أنماط زعزعة الأمن. و الحقيقة هي أنني لم يتسنّ لي في هذه الزيارة و ما يكتنفها من مشاغل أن أسبر غور هذه المطالب على نحو دقيق، و لكنّني أمرت بمتابعة هذه القضية، فإذا وُجد هناك من يتجاهر بإنكار ضروريات الدين - التي يعتبر القصاص الشرعي من جملتها قطعاً - فهو مرتدّ، و حكم المرتد في الإسلام معروف. إذا كان هناك من يظنّون أن بوسعهم تمشية أمورهم في هذا البلد من خلال دعم و مؤازرة الأجهزة الإعلامية الاستكبارية و الإمبراطورية الدعائية للصهاينة في العالم، فهم مخطئون، فهذا غير ممكن. ففي هذا البلد و في ظلّ وجود هذا الشعب الواعي الحيّ و هؤلاء الشباب المؤمنين يجب أن يجري كلّ شيء وفقاً لإرادة الشعب و إيمانه. و ليعلم الذين عقدوا الآمال على عملائهم المحليين، و الذين عقدوا الآمال أيضاً على دعم و حماية أسيادهم الأجانب أن ما يصبون إليه لن يتحقّق. فهذا الشعب شعب مسلم و مؤمن و قدّم التضحيات في سبيل الحفاظ على أمن هذا البلد و هذا النظام ليستطيع رجال الدولة العمل فيه، و ليتمكّن العالم و الطالب و المتعلّم و كلّ ذي عمل بنّاء من ممارسة عمله. فهل من الممكن أن تسود إرادة الأجهزة و العناصر الاستخباراتية و السياسية المعادية مصير هذا البلد بدلاً من الإرادة الدينية العظيمة لهذا الشعب؟! ليعلموا أن هذا البلد بلد الإسلام و إن هذا الشعب قد نهض من أجل الإسلام، و إرادته اليوم تقضي بإقرار النظام الإسلامي.
النظام الإسلامي له بيّنات و واضحات، و له أوامر و نواه. النظام الإسلامي هو نظام العدالة، و كل جور فيه مرفوض. و النظام الإسلامي نظام القسط و أي تمييز فيه مرفوض. و النظام الإسلامي هو نظام استقلال الشعب، و أيّ نوع من أنواع التبعية مرفوض. و النظام الإسلامي هو نظام التآخي و التآلف بين قلوب أبناء الشعب، و أيّ نوع من التفرقة فيه مرفوض. و النظام الإسلامي هو النظام الذي يكون فيه المسؤولون بمثابة خدم لأبناء الشعب و منهم و لهم، و أي فصل بين الشعب و المسؤولين مرفوض. فلا يمكن أن تعمل حفنة من الأشخاص وفقاً لإرادة أعداء هذا الشعب و بما يخالف الاتجاهات العامّة لهذا النظام و هذا الشعب و حركة هذا الشعب في سبيل الإسلام، ثم يبقى النظام الإسلامي ساكتاً و مكتوف الأيدي أمامهم ؛ فهذا أمر غير ممكن؟! يجب على جميع أصحاب الفكر و الرأي تركيز فكرهم و اهتمامهم على هذه القضية. إن مصلحة البلد بكل ما فيه من إمكانات هائلة، و ما يوجد بين سكّانه من جموع شابّة، و ما ينتظره من آفاق مستقبلية مشرقة، و بكل هذا التقدّم الذي أحرزه - و الحمد لله - في مختلف الميادين على مدى عشرين عاماً، و ما فيه من أرضيات مهيئة لإحراز مزيد من التقدّم و العطاء، توجب عليه أن يواصل السير بتعقّل و حكمة و شجاعة على طريق الإسلام الذي يضمن له دنياه و آخرته. إن العدو لا يكفّ عن زيفه و دعاياته المضلّلة، و لكن يجب عدم الاستسلام أمام دعايات العدو المغرية. و الذين يسعون من خلال بثّ الشعارات المضلّلة بين أبناء الشعب لعزل أذهانهم عن حركتهم الإسلامية و الإيمانية العامّة، إنّما يصبّ عملهم هذا في مصلحة الأعداء، سواء علموا ذلك أم جهلوه.
إن الوحدة تحت ظلّ لواء الإسلام، و الحركة في اتجاه البناء الإسلامي و توطيد ركائز استقلال البلد، و السير في اتجاه التهذيب الروحي و المعنوي أمور ضرورية اليوم. أيها الشباب الأعزّاء، عليكم أن لا تغفلوا عن التهذيب و التزكية الروحية و القلبية؛ فكلّ ويلات الشعوب و مصائب المسؤولين، كباراً و صغاراً، نابعة من الأنانية و حبّ الذات و تضخيمها و غرس نزعة التفرعن فيها. فقد لا تلاحظ على ظاهر الإنسان أية مؤشرات دالّة على النزعة الفرعونية، إلّا أن هذه النزعة قد تكون مغروسة في ذاته. فالأنانية و حبّ الذات و تضخيم ميولها و أهوائها و شهواتها و مصالحها هي مصدر معظم مفاسد الحياة. و لهذا يجب عليكم السير في اتجاه تهذيب النفس. إن العمل، سواء في سبيل بناء أجواء البلد في المجالات المختلفة أم في سبيل إعمار القلوب، واجب مفروض على عواتقنا جميعاً.
أسأل الله تعالى أن يوفقكم و أن يشملكم جميعاً بأدعية الإمام المهدي المنتظر ( أرواحنا فداه).
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.