بسم الله الرحمن الرحيم
مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة الأعزاء و القادة الخدومون الدؤوبون في القوة الجوية بجيش الجمهورية الإسلامية و الدفاع الجوي. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى جميعاً و يعينكم لرفع المنزلة السامية للقوة الجوية - التي تحققت و الحمد لله بفضل الكثير من المساعي و الجهود - و كذلك مقر الدفاع الجوي درجاتٍ أعلى يوماً بعد يوم. و اليوم أيضاً نتمنى أن يبقى اجتماعكم العزيز في هذه الحسينية، و الكلمة الجيدة التي ألقاها القائد المحترم، و النشيد العميق و الجميل الذي قدمه شبابنا الأعزاء خاطرة و ذكرى طيبة لكم.
يوم التاسع عشر من بهمن الذي ابتدأ و خلد من تحرك شجاع للقوة الجوية في سنة 57 ، يوم له مضمونه و معانيه العميقة. الإخوة الشجعان الذين دخلوا يومذاك ساحة النضال و مارسوا دورهم إلى جانب الجماهير قاموا في الواقع بعملين مهمين: الأول بناء هوية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و عرض هوية جديدة و حديثة لم يكن الشعب على معرفة بها حتى ذلك اليوم. في الغالب ينظر الشعب إلى الواجهات و الظواهر بخصوص المنظمات و المؤسسات المختلفة، و الواجهات يومذاك لم تكن واجهات جيدة. في داخل جيش الجمهورية الإسلامية و عمقه كان هناك الكثير من الأفراد المؤمنين المستقلين الأحرار يعيشون بنفس مبادئ و أهداف الشعب الإيراني، و يسعون لنفس المبادئ و الأهداف و القضايا، و لكن كان لا بد من فرص حتى يستطيعوا الإفصاح عن أنفسهم. كانت هناك مثل هذه الإمكانية الهائلة في الجيش. و الناس لم تكن تعرف هذه الإمكانية. خطوة شباب القوة الجوية في ذلك اليوم - و التي شهدتها عن قرب - قدمت هوية جديدة للجيش. و هذه قضية على جانب كبير من الأهمية. ثم تعززت هذه الهوية في الأعوام اللاحقة أكثر فأكثر سواء في فترة حرب الأعوام الثمانية و الدفاع المقدس، أو بعد ذلك، أو قبل ذلك. و أريد‌ أن أقول لكم إنه في السنوات اللاحقة تألقت هذه الهوية و برزت أكثر.
الأمر الثاني الذي تم إثباته و تحقيقه عن طريق هذه الخطوة هو خلق تيار.
من خصوصيات الإنسان أن يؤثر في بيئته و محيطه و يخلق التيارات فيه. تحركه إلى الأمام يخلق تحركات أخرى إلى الأمام. و هذا ما حدث يومذاك. لا شك أن هذه الخطوة التي كانت في يوم التاسع عشر من بهمن في مدرسة علوي بشارع إيران بحضور الإمام الخميني كان لها تأثيرها في حادثة الثاني و العشرين من بهمن. في ليالي الحادي و العشرين و الثاني و العشرين من بهمن كنت أسمع و أرى الذين يأتون في الشوارع المفضية إلى مقر الإمام، و يهتفون بأعلى أصواتهم من أجل أن يوقظوا الناس و هم في بيوتهم، كانوا يقولون إن شباب القوة الجوية في خطر، لأنهم تعرضوا للهجوم. و لهذا الأمر معناه العميق. هذه الخطوة أوجدت هذا التيار العظيم، فقد تصاعدت تحركات جديدة و معنويات جديدة.
حسناً، هذا نموذج واحد، و هو غيض من فيض، و جانب من جوانب مجتمعنا يدل على وضع عام و كلي في المجتمع. لقد جرى انقاذ البلد بهذه الخطوة. بلد إيران العظيم بهذه السابقة الثقافية و بكل هذه الإمكانيات المادية و المعنوية كان أسيراً. هذه حقيقة مرة جداً في تاريخنا لم تبحث لحد الآن بصورة صحيحة بسبب وجود تعارضات و اختلافات و قضايا متنوعة و تدخل أيدي مختلفة من هنا و هناك. كان البلد أسيراً و ذليلاً و مهاناً من قبل القوى العاتية المتسلطة في العالم. و قد كان بلداً منسياً. إيران الكبيرة، إيران العظيمة، إيران الفخورة بإيمانها الإسلامي العميق لم يكن لها تأثير في بيئتها المحيطة بها لأن كابوس الهيمنة الأجنبية الثقيل المشؤوم كان يثقل عليها. و قد خرق الشعب هذا الحجاب و حطم هذا الكابوس. تحرك الشعب في الثاني و العشرين من بهمن و القضايا التي أدت إلى الثاني و العشرين من بهمن كان مثل هذا التحرك.
لقد قلت مراراً و كررت ذلك في يوم الجمعة إن أهم قضية بخصوص ثورتنا اليوم حينما ننظر لهذه الأعوام الإثنين و الثلاثين السابقة هو الثبات و الاستقامة. أي إننا صمدنا على كلامنا. الصمود على المبادئ فخر للشعب و لأي منظومة. المبادئ أمور يجب الصمود و الثبات عليها. ينبغي حراسة القيم و حمايتها. و القيمة الأهم التي كانت لشعبنا و لا تزال و ستبقى إلى الأبد هي الإسلام. فالاستقلال موجود في الإسلام، و الحرية في الإسلام، و التقدم المادي في الإسلام، و الوحدة الوطنية في الإسلام، و ازدهار المواهب في الإسلام.. كل هذه مدرجة و موجودة في الإسلام. و هذا هو السبب الذي جعل الإمام الخميني يؤكد على كلمة الجمهورية الإسلامية. التأكيد على الجمهورية كان بسبب أن الاعتماد هو على الشعب و الجماهير. إذا كان ينبغي للإسلام أن يسود المجتمع، فلم يكن هذا ممكناً من دون الإيمان العام. إذن تواجد الشعب و أصواته و إرادته و تدخله صار نقطة أساسية. لذلك كانت الجمهورية الإسلامية. ينبغي أن نحافظ على هذا الشيء و نحييه و نحافظ عليه، و ينبغي أن تبقى هذه الراية مرفوعة. إذا استطعنا أن نقرّب أنفسنا يوماً بعد يوم من أعماق هذه الكلمة العميقة «الجمهورية الإسلامية» فسوف تتضاعف النجاحات أكثر فأكثر. و هذا ما يحتاج إلى همّة عالية و مضاعفة، و عمل مضاعف، و لحسن الحظ فإن آثار هذه الهمة المضاعفة و العمل المضاعف مما يمكن أن يشاهده المرء في أجهزة البلد و مؤسساته المختلفة. إذا كان هذا فسيكون الشعب الإيراني نموذجياً، و ستكون الجمهورية الإسلامية‌ نموذجاً يحتذى. ليس من الضروري أن تقول الشعوب إن إيران هي نموذجنا - فالقول ليس مهماً سواء قالوا ذلك أم لا - إنما المهم هو أن تهبّ هذه النسائم المنعشة على الأماكن و البيئات الأخرى، و تنبّه الناس هناك و تحركهم. و هذا ما حصل فعلاً.
حين ترون حالياً أن هذه التحركات العظيمة تجري في بعض البلدان فإن هذا لم يحصل بصورة دفعية، إنما تراكمت المحفزات و الإرادات و المعارف على امتداد الزمن و برزت في المرحلة المناسبة. و قد كانت البرهة الراهنة وقت بروزها. تراكم هذه المحفزات و تتابع هذه المعارف و الإرادات حصل في الأعوام الماضية، و قد كان لكم أيها الشعب الإيراني و أيها المسؤولون في المؤسسات المسلحة دور كبير في ذلك. ينبغي أخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار حتماً.
نحن اليوم في وسط الساحة، كما أننا في وسط الطريق. و لا نقول إننا في بداية الطريق، و ربما كنا بمعنى من المعاني و بنظرة طويلة الأمد في بداية الطريق. نحن على الطريق في كل الأحوال. الذي يسير في الطريق لكنه لا يصل إلى الهدف و يعود أدراجه، أو يتوقف وسط الطريق أو ينحرف في مسيره، هذا الشخص لا يختلف كثيراً عن الشخص الذي لا يغادر بيته و لا يسير في الطريق أساساً. فهما كبعضهما في النتيجة حيث لا يصلان إلى المقصد و لا يبلغان المطلوب. و إذن فاستمرار الحركة حالة ضرورية. و هذا ما يعتمد على الهمم و على الإيمان و على المساعي و على تواجد الشباب و مشاركتهم. أنتم الشباب اليوم على رأس الأمور في القوات المسلحة لحسن الحظ. الأعمال و الأمور في أيديكم و الأنظار مركزة عليكم. إذا كان الشاب معتمداً على الله و متكلاً عليه و كان واثقاً من نفسه لاستطاع خلق المعاجز. كل أمور حياتنا و كل الأعمال الكبر‌ى التي تحصل هي معجزات إلهية، لكننا تعودنا عليها فلا نفهم جانب الإعجاز فيها. هذه المعاجز تعتمد على القوة و الهمة و الشجاعة و كفاءة الأفراد. لذا ينبغي متابعة الأمور و الأعمال.
لننظر و نرى ما هي الأمور التي تعيق التقدم. يقيناً أن من الأمور التي تزاحم التقدم و تعيقه هو عدم الالتزام و اللامبالاة حيال القيم. ينبغي عدم استبعاد القيم في نظرتنا.
و من الأمور التي تعيق التقدم يقيناً هو الاختلاف و التفرقة. التفرقة بين أبناء الشعب، و التفرقة بين المسؤولين، و التفرقة بين القطاعات المختلفة في النظام، و التفرقة بين النظام و الشعب. هذا الانسجام و التلاحم الذي منحته الثورة لنا يجب أن يُحفظ و يُحمى كناموس مقدس. من أهم الأعمال في الحرب الناعمة للأعداء - و قد كان هذا الشيء موجوداً دوماً و هو موجود اليوم أيضاً - هو أن يضعضعوا هذا الاتحاد و يزلزلوه، و هم يعملون في سبيل ذلك، فيبثون الخلافات الطائفية بين الشيعة و السنة، و ينشرون الخلافات القومية بين الفرس و العرب و الترك و الكرد و غيرهم، كما يزرعون الخلافات الإقليمية و النزاعات المؤسساتية و الخلافات الحزبية.
يتعيّن مجابهة كل هذا بيقظة و وعي. و هو ما نسميه البصيرة. يجب أن نعلم أين نحن. لنعرف هذا الخندق الذي تتواجدون فيه اليوم. ثمة فرق بين جندي يرابط في خندق حساس، و يعلم كم خندقه حساس، و يدري أهمية ما يقوم به و مكانته، و بين جندي في نفس الخندق لكنه يجهل أهمية الأمر، فيأخذه النوم و يغفل و يترك الخندق، و يتشاجر في الخندق مع رفاقه. لنعلم مدى حساسية موقع الشعب الإيراني.
لقد استيقظ الشرق الأوسط اليوم. لقد استيقظ العالم الإسلامي. سنوات هيمنة المقتدرين البعيدين عن هذه المنطقة - هجموا بسبب وجود مصادر هائلة في هذه المنطقة، و جربوا فترات الاستعمار و الاستعمار الحديث و الاستعمار ما بعد الحديث - آخذة على الانتهاء. هذا واقع. ذات يوم كانت القوتان الكبريان التان كانتا آنذاك - أي أمريكا و الاتحاد السوفيتي - تهيمنان على كل الشؤون السياسية في هذه المنطقة. جزء يعود إلى اليسار و جزء إلى اليمين. كان بينهما خلافات و صراعات، و كانا يتوافقان بعض الأحيان، و فجأة نرى أنهما باعا مصراً! كما باعاها في فترة ما، و الواقع أنها كانت حرباً بين معسكرين. ثم جلسا في المستويات العليا و تفاوضا، و سحقت الشعوب و رؤساؤها و مصالحها بالكامل.
و ليس الأمر كذلك اليوم. الشعوب اليوم ترى حالة الأفول التدريجي للقوى الكبرى. و الرائدة على هذا الصعيد هي إيران الإسلامية برصيدها الثقافي الهائل و الإمكانيات الموجودة في هذا البلد. و الكلام هنا عن إيران المعتمدة على الإسلام.. الإسلام الممتزج بروح هذا الشعب و نفسه و فكره. ينبغي المحافظة على هذا الشيء، فهو قيم جداً. و لكل قطاع دوره. للجيش دوره الخاص به. و في أوساط الجيش للقوة الجوية دورها الخاص.
رويت مراراً هذا الحديث المروي عن الرسول الأكرم (ص): «رحم الله امرأ عمل عملاً فأتقنه». التقرير الذي رفع لي عن القوة الجوية، و التقارير تصل، و قد عرض قائد القوة الجوية المحترم اليوم جوانب منها، هذه التقارير جيدة، لكني أريد القول لكم بأن لا تكتفوا بهذا. قضية صناعة قطع الغيار، و القطع الشبيهة، و الإنتاج، و التدريبات المتنوعة هذه أمور جيدة و قيمة، و التنظيم حالة قيمة جداً سواء في القوة الجوية أو في المضادات الجوية، و لكن لا تكتفوا بهذا، و انظروا أين هي النواقص. إذا نظر الرياضي فقط إلى عضلاته المفتولة التي ربّاها بالرياضة و لم ينظر للجوانب الضعيفة و المنسية فسوف يهزم في الظرف الحساس. لاحظوا أين هي نقاط الضعف و الإشكالات و ارفعوها. كلّ في قطاعه و القسم الخاص به. استكملوا هذه النواقص يوماً بعد يوم. و الاستكمال لا نهاية له. كلما تقدمنا إلى الأمام بقي أمامنا مجال لمزيد من التقدم و الكمال.
و قد قلت مراراً للأصدقاء الأعزاء قادة القوى و سائر قادة القوات المسلحة إن هناك نواقص و قيود في القطاعات المختلفة - ثمة حظر و قيود مالية و عقبات و أمور متنوعة - فتجاوزوا هذه العقبات. أفضل الناس و أذكاهم هم الذين يفحصون و يقيمون الظروف القائمة ثم ينظرون ما هي قدراتهم و إمكانياتهم للعمل في مثل هذه الظروف، فيستخدمون قدراتهم و إمكانياتهم على ضوئها. و إلا إذا نظر الإنسان و قال هذا غير ممكن و هذا الشيء لا نملكه و... عندئذ سينتهي كل شيء! هذا غير صحيح. النواقص يجب أن لا تعيقنا، إنما يجب أن تجعلنا نراجع أنفسنا أكثر و نكتشف إمكانياتنا الجديدة. مثلاً قبل عقدين من الزمن من كان يخمّن في القوة الجوية أنها ستستطيع توفير و إنتاج كل هذه الإمكانيات و الأشياء؟ و كذا الحال في القطاعات الأخرى. في قطاع الفضاء، و في قطاع الطب، و في قطاع الأدوية، و في شتى القطاعات العلمية و التقنية من كان يتصور قبل عقدين أو ثلاثة أن بالإمكان القيام بهذه الأعمال؟ لكن شبابنا أبدوا هممهم و أمكنت هذه الأشياء. تم إنجاز أعمال يعترف بها حتى أعداؤنا. و هم طبعاً يواصلون عداءهم. يجعلون هذا وسيلة لسياسات محاربة إيران و التخويف من إيران و التخويف من الإسلام و معاداة الإسلام، لكنها يعترفون بوجود هذه الأشياء.
أريد أن أقول لكم لا تتراجعوا أبداً لوجود نواقص في القطاعات و المجالات المختلفة. توجهوا نحو الاستفادة‌ من الإمكانيات المتاحة الجديدة لديكم و في مواهبكم و في أذهانكم و أدمغتكم و في أيديكم الماهرة، و تلافوا هذه النواقص بطرق أخرى. هذا شيء ممكن عملياً.
لقد عانينا في بعض القطاعات الصناعية من الحظر. و تصور الذين فرضوا الحظر علينا أن هذه القطاعات سوف تموت، و لكن كان العكس. أدى الحظر إلى أن يفكر شبابنا بإنتاج ما لا يريد العدو إيصاله إلينا، فانتجوه، و في بعض الحالات أنتجوا ما هو أفضل من المستورد و أقل كلفة و أخف و أكثر كفاءة و فاعلية. تحركوا في القوة الجوية بهذه الطريقة. و هذا يشمل القادة المحترمين، و المسؤولين المحترمين في القطاعات المختلفة، و منظومة الكادر، و خصوصاً أنتم، و بالأخص الشباب.
نسأل الله تعالى أن يوفقكم. نتمنى أن تكون الروح الطاهرة لإمامنا الجليل - الذي بدأ هذه المسيرة و أخذ بأيدينا إليها و دلنا على هذا الطريق - و الأرواح الطاهرة للشهداء‌ الأعزاء الذين بذلوها في هذا السبيل، و القوة الجوية تفخر بأن فيها مثل هؤلاء الشهداء الكبار، نتمنى أن تكون أرواحهم مسرورة و راضية عنا جميعاً، و أن تشملنا أدعية‌ إمامنا الحجة المنتظر المهدي.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته