بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بكم و أشكركم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء الذين تفضلتم بالمجئ من مكان بعيد، و نورتم اليوم حسينيتنا بصفائكم و كلامكم و شعاراتكم و إيمانكم و صدقكم.
ما يمكن أن نقوله على أعتاب يوم التاسع و العشرين من بهمن التاريخي العصي على النسيان لأهالي آذربيجان و تبريز هو أننا نشعر دوماً بالفخر و الشموخ حينما ننظر لهذا الإقليم المنجب للأبطال.. إقليم الإيمان و الإخلاص. في أي حين و في أي مقطع من مقاطع التاريخ حينما ينظر الإنسان إلى آذربيجان و أهالي آذربيجان يشعر بالفخر و العزة.
كان الآذربيجانيون سباقين و رواداً في الأحداث التي مرت على إيران خلال المائة و خمسين عاماً الأخيرة. كانوا أحياناً السباقين، و كانوا أحياناً منفردين. في قضية تحريم التنباك التي أصدر أمرها الميرزا الشيرازي من سامراء كانت تبريز من أول المناطق التي استجاب علماؤها الكبار - المرحوم الحاج ميرزا جواد مجتهد و آخرون - للفتوى و نزلت الجماهير للساحة، و هو ما قصم ظهر الاستعمار لفترة و برهة زمنية معينة، و كذا الحال بالنسبة لقضية الثورة الدستورية، و كذا الحال فيما يتعلق بما بعد فترة الاستبداد الصغير، و كذلك كان الأمر في الأحداث التي أعقبت ذلك حتى فترة الثورة الإسلامية، و قد أضحت أحداث التاسع و العشرين من بهمن راية و نموذجاً. هذا هو المهم. المهم هو أن يستطيع الشعب أو الجماعة أو الفرد أن يقدم نموذجاً يتكاثر و ينتشر. و هذا ما صنعه أهالي تبريز في التاسع و العشرين من بهمن، و إلا ربما نسيت قضية التاسع عشر من دي في قم. أهالي تبريز لم يسمحوا للإعلام أو الغفلة أو النزعات المغرضة بإنساء تلك الحادثة المهمة و الدامية التي حصلت لأهالي قم. أي إنهم قاموا بما قامت به السيدة زينب الكبرى (ع). لو لا زينب لما كانت كربلاء. لو لا زينب لما كان من المعلوم و الأكيد أن تنتشر حادثة عاشوراء كل هذا الانتشار و تخلد في التاريخ كل هذا الخلود. هكذا كانت حركة الجماهير. و لذلك تحولت إلى نموذج. الأربعين الأولى قام بها أهالي تبريز، و الأربعينيات اللاحقة توالت و أفضت إلى هذه الحركة العظيمة.
أصل الثورة على نفس الشكل. قدمت هذه الثورة نموذجاً بفضل الهمة العامة للشعب الإيراني. أعزائي، الضغوط التي مورست طوال هذه الأعوام الثلاثة و الثلاثين ضد إيران الإسلامية و الجمهورية الإسلامية ربما أمكن القول إن سببها الرئيس هو أن لا يسمحوا بظهور نموذج أمام أنظار المسلمين في المنطقة، إذ من دون وجود النموذج سيكون التحرك صعباً، و مع وجود النموذج سيكون التحرك سهلاً. حينما يتحول الشعب إلى نموذج و حينما تصبح الحركة نموذجية ستشجع المواهب على التحرك. و هذا ما أرادوا الحؤول دونه.
يفرضون الحظر ليضعفوا البلد من الناحية الاقتصادية حسب ما يتصورون. و ذلك من أجل أن ينظر الآخرون و يقولوا إن الإسلام تسبب في تراجع الشعب من الناحية الاقتصادية. يغتالون العلماء حتى يوقفوا الحركة العلمية و لا يستطيع الشعب الإيراني مواصلة تحركه العلمي و التقدمي العظيم ببركة الإسلام و الثورة و عرضه على العالم و على الأمة الإسلامية. يوجهون تهم القمع و مناهضة حقوق الإنسان و ما إلى ذلك ليصرفوا الرأي العام في العالم. و لكن رغم كل هذه المساعي و الإعلام و الخبث تألقت الثورة و لا تزال تتألق.
كلما زادوا من هجماتهم على الجمهورية الإسلامية ازدادت قوة. حرب الأعوام الثمانية زادتنا قوة. لو لم تقع حرب الأعوام الثمانية لما ظهر هؤلاء القادة الشجعان و الرجال المميزون بين الشعب، و لما وجد هذا التحرك الشعبي المخلص العظيم مجالاً للظهور و البروز. لو لم يكن الضغط الاقتصادي و الحظر الاقتصادي و الحظر العلمي لما توفرت الفرص لظهور مواهب شبابنا، أي لكان كل شيء حاضراً جاهزاً و لما سعى شبابنا وراءه و لما وصلوا إليه. فرضوا الحظر علينا فتفجرت المواهب الداخلية و ارتفع مستوى الشعب و تحقق له الرشد و النمو و ازدادت رايته رفعة و رفرفةً. و كذا سيكون الحال بعد الآن أيضاً. «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و الله متمّ نوره و لو كره الكافرون» (1).
الشيء الذي أشعر به فيما يخص تقييم تبريز و آذربيجان و هؤلاء الأهالي المؤمنين في هذه العملية العظيمة هو أنهم كانوا دوماً يتحلون بالحماس و الشعور و الوعي و العزم الراسخ إلى جانب البصيرة، فحافظوا على هذا. الحماس و الهياج الذي شاهدته في أهالي تبريز و آذربيجان يجب أن أقول إنه منقطع النظير. و كذا كانت الحال على امتداد الأعوام. هذا ما لاحظته في زياراتي لتبريز و في لقاءاتي بأهالي تبريز و آذربيجان. و لم يكن الحماس مجرداً، بل كان إلى جانب البصيرة و القدرة على التحليل و الفهم الدقيق. و لهذا لم يخطئ الناس الطريق و تواجدوا في جميع الميادين و السوح، فهم متواجدون حيثما يجب أن يتواجدوا. هذا ما يجب أن تحافظوا عليه و تصونوه جيلاً بعد جيل و يداً عن يد.
شبابنا اليوم - و في هذا الاجتماع يوجد الكثير من الشباب - لم يشهدوا الحرب. إنكم لم تشهدوا الشهيد باكري و أمثال الشهيد باكري، و لم تلمسوا فترة المحنة العظيمة، و لم تروا الإمام الخميني، لكن معنوياتكم نفس تلك المعنويات و أفكاركم نفس تلك الأفكار، و طريقكم نفس ذلك الطريق. و تشخيصكم نفس ذلك التشخيص. و هذا على جانب كبير من الأهمية. ينبغي لهذا التيار أن يستمر. إنه تيار أشبه بنهر أو شط يروي منطقة معينة. هكذا هي البصيرة. وجود مدينة عامرة يعود لشريان حيوي من المياه يجري فيها. و هكذا هو الإيمان و البصيرة الإيمانية.. إنها ذلك الشريان الحيوي الذي يحيي الأفكار و القلوب. و هو ما ترك تأثيراته في العالم.
ثمة شعور بوجود صحوة في العالم الإسلامي اليوم. و هذا ما لا نقوله نحن. في هذه الأعوام كنا نقول إن حركة الصحوة الإسلامية قد انطلقت و النهضة الإسلامية قد بدأت. و كان الكثيرون ينظرون لظاهر القضية فيقولون لا، لا يوجد شيء، فماذا يقول هؤلاء؟ أما اليوم فالعيون تنظر عياناً، و الآذان تسمع الهتافات، و المشهد مشهد كل شيء فيه واضح و جلي. قضية مصر على جانب كبير من الأهمية. حفنة من المرتزقة الخونة جعلوا بلد مصر و شعبه العريق المتحضر ذي الفهم العميق و الشباب الصالح تابعاً لأمريكا و ربطوه بالعدو الصهيوني. و كان الناس يتحرقون و لا يستطيعون فعل شيء لأن الضغوط شديدة. التحرك العظيم الذي حصل هناك لم يكن تحركاً دفعياً. التحركات الاجتماعية الكبرى ليست أحداثاً لحظية، بل تتكون على مر الزمن مع تتابع العوامل المختلفة - المعارف و البصائر و الحرق و العقد - و تراكمها و تظهر فجأة بمناسبة معينة و في الوقت المناسب، و قد ظهرت في مصر.
المثقفون و الواعون المصريون كانوا يأتون و يذهبون، و كنا على اطلاع و نعلم ما هي مشاعرهم و كيف ينظرون للأمور و القضايا. و اليوم أيضاً أنظر لكلام هؤلاء الشباب المصريين و الناس في مصر - في حدود ما ينشر و نطلع عليه - و استطيع أن أفهم ما هي خصوصياتهم. العامل الرئيس لتحركهم هو عدم إطاقتهم الذلة التي فرضها ساستهم العملاء على هذا الشعب. حينما تستسلمون لأمريكا و ترضخون لقدرات القوى الكبرى فسوف يستتبع ذلك مثل هذه الأمور. على الشعب أن يصمد مقابل غطرسة و عسف القوى المهيمنة حتى لا يضطر للابتلاء بتبعات الرضوخ. حينما تكون الحكومات ضعيفة و جبانة أو ضعيفة النفس أو خائنة - و ضعف النفس يفضي إلى الخيانة - و تستسلم أمام القوى الكبرى فسوف يستتبع ذلك مثل هذه الأمور. يريدون فرض كيان مزيف باسم إسرائيل في هذا المكان، و ستكونون مضطرين للمسير وراءهم. الشعب المستقل من سماته أن ينظر و يرى ما هو الصحيح و ما هو الطريق الصواب فيتحرك حسب تشخيصه و إيمانه و يسير في ذلك الطريق و يقوم بذلك الفعل. و حينما لا يكون ثمة استقلال فلن يتحقق هذا. التبعية ذلة للبلد. هذا ما جعل الكيل يطفح بالشباب المصري و يؤدي إلى ظهور حركتهم بشكل فجائي.
انظر اليوم فأرى عزيمتهم الراسخة و إيمانهم. يرى المرء المشاركة المؤثرة للشباب في مصر. أنتم أيها الشباب الأعزاء اعرفوا قدر أنفسكم. لقد أصبحتم نموذج الشباب في العالم. الشباب لهم دور حاسم و خلاق و مغيّر و هم داينمو التقدم و مفاتيح الطرق المسدودة. هكذا هي طاقة الشباب. و في مصر أيضاً يقوم الشباب بالكثير من الأمور و الأعمال بالإضافة إلى الذين لمسوا و أحسوا بأجسامهم و أرواحهم و بكل وجودهم آلام و محن سيادة أولئك الطواغيت و ذلك الطاغوت. انطلق التحرك من المساجد و من صلوات الجمعة. إنه تحرك باسم الله و هذا له قيمة كبيرة، و التحرك إلى ذلك تحرك عام شامل.
ما استطيع أن أقوله بشكل قاطع و يقيني هو أن الشعب إذا نزل إلى الساحة تعطلت كل الأدوات العدوانية التي تستخدمها القوى العظمى. أمريكا تستطيع أن تفرض منطق القوة على البلد طالما لم يقف شعب ذلك البلد بوجهها. يمكن فرض منطق القوة على الحكومات بسهولة.. الحكومات غير المعتمدة على شعوبها مضطرة للمجئ بأمر أمريكا و الذهاب بأمر أمريكا. ذات يوم تنصب أمريكا فرداً و تدعمه، و في يوم آخر ترفع دعمها عنه فيضطر للمغادرة. و حينما يغادر فلن تأبه له على الإطلاق، و هذا ما ترونه الآن. و قبل ذلك كان محمد رضا، و قبله بقليل كان بن علي في تونس. حينما لا تكون الحكومات معتمدة على الشعب ستكون هذه هي النتيجة. حينما ينزل الشعب إلى‌ الساحة و يتحلى بالوعي و الشعور و يتخذ قراره، عندئذ لا تستطيع القوى الكبرى فعل أي شيء. و هذا ما حدث حالياً في مصر. طالما كان الشعب في الميدان لم يستطع أولئك فعل شيء.
طبعاً الأمريكان اليوم في صدد أن يحتالوا على الناس في مصر و يصرفوهم و يقنعوهم بمكتسبات جزئية و بدائية و يعيدوهم إلى بيوتهم حتى لا يتواجدوا في الساحة. و من المستبعد أن تؤتي مثل هذه الحيل نتائجها. حينما يستيقظ الشعب و يشعر بقدرته على التأثير لن تعود هناك فائدة من هذه الحيل، بل سينزل الشعب إلى الساحة، و يتابع أهدافه العليا إذا رسمت له، و سيصل لأهدافه إن شاء الله.
إننا نشاهد النتائج و الثمار الحلوة لمقاومة شعبنا العظيم، و هي صلابة وجه إيران الإسلامية و عزة إيران الإسلامية و تأثير إيران الإسلامية في مختلف الأحداث في المنطقة و حتى خارج المنطقة. نشعر أن الإيمان و الإسلام قد منحانا العزة و التقدم و الاقتراب من أهدافنا و مبادئنا. كلما عززنا إيماننا و زدنا من تطبيق الإسلام و القيم الإسلامية في مجتمعنا و أوساطنا، كلما ازدادت هذه العزة و هذا التقدم، و كلما تضاعف إصلاح الحياة المادية و المعنوية. و هذا ما يرتبط بهمة الشباب و همة الشعب و إيمانه. و لحسن الحظ فإن المرء ليشاهد ذلك و يرى هذه العزيمة و الإرادة لدى نسائنا و رجالنا و شيوخنا و شبابنا و في مختلف قطاعات البلاد و قومياته، و ستستمر هذه الحال إن شاء الله، و سترون أيها الشباب إن شاء الله العهد الذي تكون فيه إيران ببركة الإسلام و القرآن قادرة على التألق في ذروة العظمة و قممها.
نتمنى أن ينزل الله تعالى رحمته و فضله و لطفه عليكم أيها الأهالي الأعزاء في آذربيجان و أهالي تبريز و نرجو من الله تعالى أن يعين الشعب الإيراني ليستطيع قطع طريق الشرف و العزة بسرعة و استقامة، و أن يشمل شهداءنا الأبرار برحمته و مغفرته.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة الصف، الآية 8 .