بسم الله الرحمن الرحيم
استفدنا كثيراً من كلمات الإخوة الأعزاء. ليت الوقت كان أطول و كان بمستطاعنا الانتفاع من كلمات سائر الإخوة. حينما نسمع هذا الكلام منكم تتجسّد لنا مرة أخرى عظمة الإسلام و شموليته و انتصاره.
اجتماع اليوم و اجتماعاتكم الأخرى انعقدت تحت عنوان الوحدة.. الاتحاد بين العالم الإسلامي و الوحدة بين المسلمين. و بالطبع فالوحدة هي القضية الرئيسية. إذا تحقق الاتحاد بين المسلمين بشكل واقعي و بالمعنى الحقيقي فسوف تعالج معظم مشكلات المسلمين. و علينا جميعاً أن نسعى، و يجب علينا نحن أيضاً أن نسعى حتى تتقرب القلوب من بعضها إن شاء الله، و ليس الألسن فقط. إذا تقربت القلوب من بعضها تقاربت الأيدي و الأعمال تبعاً لها.
يعيش العالم الإسلامي اليوم مقطعاً تاريخياً، و علينا أن نعرف هذا المقطع و لا نغفل عنه. طوال الأعوام الثلاثين الماضية - من بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران - لم يحدث مثل هذا الوضع في العالم الإسلامي على الإطلاق. و حينما نقول هذا المقطع فليس معنى ذلك أن العالم الإسلامي كان هادئاً و ساكتاً و غير مكترث طوال هذه الأعوام الثلاثين، لا. أعتقد، و الواقع هو هذا بالتأكيد، بأن نشاطات العظماء‌ على مرّ الأعوام، و تحركات المصلحين، و دماء المضحين، و تعليمات أصحاب الفكر، و بالتالي الثورة الإسلامية في إيران، تركت جميعها تأثيراتها في العالم الإسلامي، و قلّبت القلوب، و دلت على الاتجاهات، و تراكمت المحفزات تدريجياً و راحت هذه المحفزات تتجلى الآن في فرصة معينة. هذا المقطع مقطع مهم، و يمكنه أن يفضي لحل مشكلات العالم الإسلامي، و إذا لم نعرفه بصورة صحيحة، و لم نستفد منه بصورة صحيحة، فقد يخلق لنا مشكلات أخرى.
ما حدث هو تحرك مليوني للجماهير في الساحة. و هذا شيء‌ منقطع النظير. هذا التحرك في الجمهورية الإسلامية‌ هو الذي أنقذ إيران. لو نزلت الأحزاب و الجماعات و الشخصيات و ما إلى ذلك للساحة بدل الجماهير لما حدث هذا التأثير. ثمة‌ في تواجد الجماهير المليونية تأثير لا يوجد في أي شيء آخر. و بالطبع فإن التواجد المليوني للجماهير غير متاح من دون الإيمان القلبي. أن يحضروا و يتواجدوا أولاً، و أن يبقوا إلى حصول النتيجة ثانياً، و أن يحافظوا على النتيجة ثالثاً. هذا ما يحتاج إلى الإيمان الديني و الإسلامي.
ذكرت الثورة ‌الفرنسية الكبرى هنا. كانت الثورة‌ الفرنسية الكبرى حركة شعبية انتهت إلى النصر، لكن ذلك النصر لم يجر الحفاظ عليه و صيانته. وقعت الثورة‌ الفرنسية الكبرى في سنة 1789 ، و في سنة‌ 1800 ، أي بعد أحد عشر عاماً ظهرت في فرنسا حكومة ملكية أخرى، حيث تولى نابليون زمام السلطة.. و كأن لم يكن شيئاً مذكوراً! ثم مات نابليون و عادت العائلة التي ذهبت بالثورة الفرنسية الكبرى إلى السلطة، أي عائلة البوربون. و استغرق الأمر سنين طوالاً إلى عام 1860 حيث كانت سلالات الملوك و السلاطين تتعاقب في فرنسا. إذن، انتصرت الثورة على أيدي الناس، لكن الناس لم يستطيعوا الاحتفاظ بالثورة. و هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. و قد استطعنا نحن الحفاظ على ثورتنا ببركة الإيمان و بفضل الإسلام و بفضل البث المتعاقب لروح القرآن الكريم في جسد هذا الشعب و في قلوب هؤلاء الجماهير. هذا ما بوسعه ضمان بقاء الحركات و استمرارها و انتصارها. و هذا ما يجب أن يحصل.
الجماهير اليوم في الساحة، في مصر و في تونس و في مناطق أخرى. و هذا ما يجب أن يوجّه و تجري هدايتُه و توجيهُه. العدو يحاول تصوير هذا التحرك على أنه غير إسلامي، و هذا خطأ. أنه تحرك إسلامي بالتأكيد. ماضي مصر يدل على هذا. و التحرك المصري اليوم يدل على هذا. شعارات الجماهير و تواجدها في صلوات الجمعة تدل كلها على هذا. إذن هو تحرك إسلامي بلا شك، رغم أن الأعداء يحاولون عدم السماح بتثبيت هذه الإسلامية في مصر أو في الأماكن الأخرى. ينبغي تعزيز هذه الحركة.
أمريكا هي أساس المشكلة في العالم الإسلامي. تواجد المستكبرين و المستعمرين في العالم الإسلامي وجّه دوماً أكثر و أعنف الضربات للهوية الإسلامية و الشعبية للشعوب، بدءاً من شرق العالم الإسلامي حيث اندونيسيا و ماليزيا و الهند و إلى أفريقيا. كان هناك دوماً تواجد المستعمرين الذي أضعف الشعوب و امتص دماءهم و أضعف إرادتهم. و ذلك المستكبر و المستعمر اليوم هو أمريكا. و الباقون على الهامش. تواجد أمريكا هو المشكلة الأكبر. يقول: «وجودك ذنب لا يقاس به ذنب». تواجد أمريكا هو في الوقت الراهن أكبر المآسي في العالم الإسلامي. و هذا ما ينبغي معالجته. و يجب إبعاد أمريكا عن الساحة و تضعيفها، و لحسن الحظ فقد أصبحت ضعيفة. أمريكا اليوم ليست أمريكا قبل عشرين سنة و ثلاثين سنة. أمريكا اليوم غدت ضعيفة جداً. و هذا ما ينبغي الحفاظ عليه و عدم الركون لليأس.
لاحظوا أن مشاهد صدر الإسلام هي نماذج لنا. لا أريد الادعاء أن جميع أحداثنا تشبه بصورة عينية أحداث صدر الإسلام، لا، فالعالم قد تغيّر، و المحفزات و الأشكال قد تغيرت، لكن صدر الإسلام لوحة جد معقدة و فنية و مندمجة يمكن أن نشاهد في أجزائها الجوانب المختلفة لتاريخ الأمة الإسلامية إلى يومنا هذا و إلى الأبد. أي جزء من هذه الأجزاء لاحظه المرء و طابقه مع زمانه استطاع أن يفهم.
لاحظوا أن هناك نوعين من الأفراد في مواجهة الأعداء.. «و إذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله و رسوله إلا غروراً، و إذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا» (1). هذه نظرة و رؤية في مواجهة هذه الأحداث. و هناك نظرة أخرى تقول: «و لما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله و ما زادهم إلا إيماناً و تسليماً» (2). و هذه بدورها نظرة. و كلا النظرتين في حادثة واحدة. كلاهما تعود لحادثة الأحزاب. البعض حينما يرون الأحزاب يقولون: «ما وعدنا الله و رسوله إلا غروراً»، و البعض الآخر حينما يرون الأحزاب يقولون: «هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله و ما زادهم إلا إيماناً و تسليماً». هذا شيء مهم. و هو شيء‌ يعرض علينا وضعنا الحالي.
لدينا نوعان من الأفراد، نوع من الأفراد حينما يرون هيمنة أمريكا و قدراتها العسكرية و الدبلوماسية و الإعلامية و أموالها الوافرة، يفزعون و يقولون إننا لا نستطيع فعل شيء، فلماذا نهدر طاقاتنا دون فائدة؟ و مثل هؤلاء الأفراد موجودون الآن، و كانوا موجودين في زمن ثورتنا. لقد واجهنا أفراداً من هذا القبيل كانوا يقولون: لماذا تجهد نفسك دون فائدة يا سيدي، اقنعوا بالحد الأدنى، و أنهوا القضية. هكذا هم البعض.
و البعض الآخر لا، يقارنون قدرة العدو بقدرة الله تعالى، و يضعون عظمة العدو مقابل عظمة الخالق، و عندها سيرون أن العدو تافه على الإطلاق، و ليس بشيء. و سيحسبون الوعد الإلهي حقاً و صدقاً، و يحسنون الظن بالوعد الإلهي.. هذا مهم.. لقد وعدنا الله تعالى:‌ «و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز» (3). هذا وعد قاطع و أكيد. إذا أحسنا الظن بالوعد الإلهي سوف نعمل بطريقة معينة، و إذا أسأنا الظن بالوعد الإلهي فسوف نعمل بطريقة أخرى. و لقد شخّص الباري تعالى الذين يسيئون الظن بالله فقال: «و يعذب المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء و غضب الله عليهم و لعنهم و أعدّ لهم جهنم و ساءت مصيراً» (4). هؤلاء «الظانين بالله ظن السوء» موجودون اليوم أيضاً. و يقول بعد عدة آيات: «بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول و المؤمنون إلى أهليهم أبداً و زيّن ذلك في قلوبكم و ظننتم ظن السوء و كنتم قوماً بوراً» (5). سوء الظن بالله يجعل الإنسان يقعد و تعجز عن التحرك و السعي و العمل. و إذا أحسنا الظن بالله استطعنا العمل و التقدم.
نحن نحسن الظن بالله، و قد تعامل الله تعالى معنا طبقاً لحسن ظننا به. طوال هذه السنوات الثلاثين و نيّف تعامل معنا الله تعالى طبقاً لحسن ظننا به. كانت لنا مشكلات عديدة و قد خرجنا من جميعها منتصرين. الحظر الاقتصادي لم يكن و ليس بالشيء القليل. لكننا سحقنا الحظر بأقدامنا. في الفترة الأخيرة قالوا إننا لن نبيعكم البنزين. و نحن بلد ينتج النفط لكننا نستورد البنزين، و قالوا لنا سوف لن نبيعكم البنزين. هذا نموذج صغير جداً. و هناك المئات من النماذج الأخرى من هذا القبيل. لكن طاقاتنا سعت على أمل الله، و استطعنا في ظرف أقل من سنة أن نستغني عن استيراد البنزين. فرضوا علينا الحرب ثمانية أعوام. وضعونا مقابل عدو عنود سيئ خبيث جداً مثل صدام حسين، و دافعوا عنه و دعموه بكل طاقاتهم. و استطعنا و الحمد لله التغلب على تلك الحادثة.
تقدمنا على أمل الله في كل الميادين. و نتقدم اليوم في الميدان العلمي. و قد أشاروا إلى قضيتنا النووية. لقد استطعنا بتوفيق من الله و بقدرة الله أن نحل قضيتنا النووية و نتقدم بها إلى الأمام. و اليوم يثير الغربيون الضجيج، لكنهم متخلفون عن القضية، و يوجهون التهم، و يتكلمون، و يثيرون الإعلام، و يضغطون، لكنهم لا يستطيعون فعل شيء. مضيّ الوقت لصالحنا. إننا نتقدم باستمرار و هم يقرعون رؤوسهم باستمرار و يثيرون الضجيج. هكذا هو الحال حينما ندخل متوكلين على الله.
الشباب الذين يعملون في المجال النووي أصروا قبل سنتين أو ثلاث و طلبوا أن يأتوا للقائي. و أقاموا هنا في هذه الحسينية معرضاً لأشاهد عن قرب أعمالهم. و ذهبت و رأيت أنهم كلهم شباب، هذا أولاً، و ثانياً كلهم مؤمنون متدينون. ذات يوم كان التصور أن كل من يدخل حيّز العلوم الحديثة و يتخصص فيها ينبغي أن يكون عديم الدين أو غير مكترث للدين. لكنني وجدت أن الأمر غير ذلك، فكلهم شباب متدينون مؤمنون مندفعون و مخلصون. هكذا هو الحال الآن في مختلف قطاعات البلاد. هذه هي تجربتنا. و هي تجربة نضعها تحت تصرف العالم الإسلامي.
طبعاً الشعب المصري و الشعوب الأخرى غنية و الحمد لله بالمفاهيم و المعارف الإسلامية. نحن على معرفة بالمعارف الإسلامية التي كانت شائعة في مصر على مرّ الأزمنة. و في صلاة الجمعة التي أشرتم إليها قلتُ إن الشعب المصري كان أول شعب تعرف على الثقافة الغربية - نابليون نقل الثقافة الغربية‌ إلى مصر - و كان أول شعب أدرك معايب هذه الثقافة و واجهها. و قد كانت مصر مقر الشيخ محمد عبده و السيد جمال و آخرين. و قد كان هؤلاء أول من واجه الثقافة الغربية مباشرة و كافحها. و بعد ذلك أيضاً كانت مصر و الكثير من البلدان العربية - و الحمد لله - مركزاً لتفجّر الأفكار الإسلامية، و بلداناً مفيدة لكل الإسلام.
و اليوم فإن هؤلاء الجماهير قد نزلت إلى الساحة، و ينبغي السعي لكي لا يستطيع العدو مصادرة حركة الشعب المصري، و لا يستطيع تحريفها، و لا يتمكن من إبقاء‌ بقايا النظام الطاغوتي و الفرعوني في مصر، ثم ينشرها بعد ذلك تدريجياً في كل مكان. ينبغي الحذر من هذه الحالات. هذا من واجب المصريين أنفسهم، و هو كذلك من واجب كل العالم الإسلامي.
يجب أن لا تكون هناك فوارق بين الشعوب. الأثر الأول للوحدة الإسلامية يجب أن يكون الشعور بالتعاطف و التضامن بين الشعوب. حينما يفرح شعب تفرح له باقي الشعوب، و حينما يكون حزيناً تحزن له باقي الشعوب. و حينما يكون في مأزق يرى الآخرون أنفسهم أصحاب سهم في ذلك المأزق، و حينما يستنصرهم شعب يهبّ الآخرون لنصرته و يأتوا إليه. هذا هو واجبنا. و هو ما سوف يحصل و يتقدم. إننا مؤمنون بهذا الوعد الإلهي، و على يقين منه، و نعتقد «و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» (6)، و أن الله تعالى سيعين المؤمنين بلا شك.
كلنا يجب أن نعرف قدر هذه الجلسات و الاجتماعات. تقارب القلوب هذا مهم جداً. مسائل السنة و الشيعة و صراعات السنة و الشيعة أمور يريد أعداء الإسلام اليوم التركيز عليها. الذين يتحدثون حول التشيع و الذين يتحدثون حول التسنن لا يؤمنون بالسنة‌ و لا الشيعة و لا عظماء‌ الإسلام و لا علماء‌ الإسلام المعاصرين، إنما لهم أهداف أخرى. يجب التغلب على كل هؤلاء، و تأمين الوحدة، و ستكون الوحدة إن شاء الله رصيداً و دعامة لانتصار العالم الإسلامي.
أرحب بالإخوة الأعزاء مرة أخرى.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة الأحزاب، الآيتان 12 و 13 .
2 - سورة الأحزاب، الآية‌ 24 .
3 - سورة الحج، الآية 40 .
4 - سورة الفتح، الآية‌ 6 .
5 - سورة الفتح، الآية 12 .
6 - سورة العنكبوت، الآية 69 .