بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. نحمده و نستعينه و نتوكل عليه و نستغفره و نؤمن به و نصلّي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه. سيّدنا و نبيّنا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين. الهداة المهديين المعصومين. سيّما بقية الله في الأرضين. أوصيكم عباد الله بتقوى الله.
أوصي جميع الإخوة و الأخوات المصلين الأعزاء و نفسي بالتقوى و الورع و اجتناب الانزلاق في فخ هوى النفس و الوقوع في أسر مخالب الشيطان. أتمنى أن يساعدنا اجتماع اليوم و هذه الصلاة و ما يقال و يسمع، في بلوغ هذا الهدف السامي.
اليوم هو اليوم الثاني لاستشهاد أمير المؤمنين و إمام المتقين عليه الصلاة و السلام و هو يوم عظيم و مهم للغاية لجميع المسلمين بل لجميع أحرار العالم، و من ناحية أخرى، فهو يوم القدس الذي يعتبر قضية المسلمين الأولى في العالم الإسلامي. سأتحدث في الخطبة الأولى حول أمير المؤمنين باختصار و في الخطبة الثانية اتحدث حول قضية فلسطين و الأوضاع الحالية للمسلمين و واجبنا الإسلامي و الإنساني.
إن أمير المؤمنين (عليه السلام) من الوجوه الجذابة في التاريخ. ربّما قلّما يجد الإنسان شخصية تاريخية عشقتها البشرية و ليس الأمة الإسلامية وحدها؛ كشخصية أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام). فهناك الكثير من غير المسلمين الذين لا يقبلون الإسلام و حتى نبي الإسلام، لكنهم يحبون علياً (عليه السلام) و يكرّمونه و يثنون عليه. و المسلمون و خاصة الشيعة يكرّمونه و يعظمونه في قلوبهم و أنفسهم و أذهانهم! يوجد بيننا نحن الشيعة و جميع المسلمين، من لا يعملون بالأحكام الإسلامية، لكنهم ينظرون إلى أمير المؤمين بعين الإجلال. فما هو سببه؟ سببه هو أن الخصائص الإنسانية السامية في ذلك الرجل العظيم كانت كثيرة إلى حد جعل كل من سمع شيئاً عن علي (عليه السلام)، يخضع لها، باستثناء جماعة تعرف علياً و لكنها تناصبه العداء. هؤلاء هم الذين يناهضون بشدّة المبادئ التي جاهد من أجلها هذا الإنسان العظيم و انفق عمره من أجلها. طبعاً هم يناصبون جنديها الأول العداء أيضاً. أو أولئك الذين نالهم في تلك الأدوار الأولى سيفه البتار و صلابة ذلك الإنسان الذي لم يكن يتقبل التساوم مع كل ما هو سيئ و قبيح كانوا يناصبونه العداء، و إلّا فإن الناس المنصفين و المجبولين على فطرتهم الإنسانية، يحبّون هذه الشخصية العظيمة و مغرمون بها. هذا ينطبق طبعاَ على الذين سمعوا شيئاً عنه، و أما الذين لم يسمعوا شيئاً و لا يعلمون شيئاً، فخارجون عن هذه القاعدة.
توجد هنا نقطة، و هي حينما ننظر عادة من بعيد إلى الشخصيات أو الخصال بصورة عامّة، فإننا غالباَ ما نثني عليها، لكننا عندما نقترب منها و عندما يصل الدور للعمل و الإتباع، تحدث لنا المشكلات. هنا يكمن عيب أبناء البشرية. لو أن أهل الدنيا كانوا يقتربون عملياً و لو خطوة واحدة نحو تلك الخصال بقدر ما يميلون إلى العدالة و الإنصاف و الشجاعة التي كانت في شخصية أمير المؤمنين، و مناصرة المظلوم التي كانت فيه، و مناصرة الحق التي تمثلت فيه، و مقارعة الظلم التي كانت في شخصيته، لأصبح العالم روضة. لكننا نحن بني الإنسان - أي إننا أنفسنا، من أمثالي، و نحن الذين نثني على أمير المؤمنين هكذا من بعيد - ليس من الواضح أننا نثني في حياتنا اليومية و في أحكامنا العادية على أحد الأعمال التي نثني عليها في شخصية أمير المؤمنين، أو عند ملاحظة الشخص الذي يريد أن يسير على نهج أمير المؤمنين، و إنما نضطرم في قلوبنا و ننهض لمواجهته. و إذا غلبتنا الشقاوة لا سمح الله، نشهر بوجه السيف أيضاً! هذا هو موطن الخلل. لهذا فمن المناسب أن نطّلع أيضاً على تفاصيل خصائصه بقدر ما نتحدث عن الجوانب المستخلصة من خصاله. أمير المؤمنين الذي كان العادل، كيف كان عدله؟ هذا العدل الذي نال كل هذا الثناء، كيف كان على الصعيد العملي؟ ثم نسعى كخطوة لاحقة للاقتراب منه على الصعيد العملي. هذا أمر صحيح و يؤدي إلى الكمال. إنكم سمعتم ما ورد في بعض الروايات (1) من أن أشخاصاً كانوا يقولون للأئمة عليهم السلام إننا شيعة لكم - كما ورد في رواية أن بعضهم جاءوا إلى أمير المؤمنين نفسه و قالوا له ذلك - لكن الأئمة حسب ما جاء في هذه الروايات كانوا يستنكرون ذلك منهم و يقولون لهم أين وجه الشبه بينكم و بين شيعتنا و موالينا؟ فأنتم تتصفون بهذه الخصلة و هذه الميزة و هذا القول و هذه الأعمال. بعبارة أخرى إنهم يطالبوننا بالعمل، و العمل تابع للاعتقاد أيضاً. يجب على الإنسان أن يعتقد بشيء.
طبعاً على الشعب الإيراني أن يشكر الله اليوم كثيراً على توفّر أرضية الاقتداء بأمير المؤمنين و التمسّك بالإسلام في هذا البلد. فالغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب يتمتعون بهذه الميزة. و إن كان يوجد بينهم حالياً أشخاص لا يعملون ببعض الفروع، إلّا أن القلوب و الأرواح و العقائد و الإيمان متوجهة نحو ذلك الصوب الذي يشير إليه أصبع أمير المؤمنين لهداية الناس.
إنني اخترت اليوم رواية أقرأها. وردت هذه الرواية في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد. طبعاً أنقل نصها من كتاب الأربعون حديثاً لإمامنا العظيم - و هو كتاب جيد للغاية - لكنني طابقتها مع ما ورد في كتاب الإرشاد. ينقل الشيخ المفيد أنّ الراوي يقول: كنا عند الإمام الصادق عليه الصلاة و السلام. فجرى الحديث عن أمير المؤمنين. فأثنى الإمام الصادق على أمير المؤنين و مدحه بما هو أهله. و من جملة ما قال - حيث بقى في ذهن الراوي و كتبه في نفس المجلس أو خارج ذلك المجلس - هذه الأمور. إنني نظرت إلى الرواية، فوجدت أن كل فقرة جرى التركيز عليها في هذا الحديث، تشير إلى بعد من أبعاد حياة أمير المؤمنين، كزهد ذلك العظيم و عبادته و الأبعاد الأخرى التي سأقرؤها الآن. يمتدح الإمام الصادق - طبقاً للرواية - أمير المؤمنين. الجملة الأولى التي ذكرها هي: و الله ما أكل علي بن أبي طالب عليه السلام من الدنيا حراماً قط حتى مضى لسبيله(2). أي إنه كان يتجنب الحرام و كان يتجنب المال الحرام و يتجنب المنال الحرام. طبعاً المراد هو الحرام الحقيقي، و ليس ذلك الحرام المنجز حكمه بالنسبة له؛ أي إنه لم يقترب بنفسه حتى مما كان فيه شبهة. لاحظوا، لقد وضعوا أمامنا هذه الأمور كتعاليم و مثال عملي لنا، و الأعلى من ذلك كمثال فكري. و أقر الإمام الصادق و الإمام الباقر و الإمام السجاد بأنهم لا يستطيعون أن يعيشوا هكذا! فما بالك إذا وصل الدور لأناس من أمثالي! البحث لا يدور حول كيفية الحياة التي علينا أن نعيشها أنا أو أنتم، كلّا، فتلك الحياة هي قمّة الحياة، و الإمام يشير إلى تلك القمّة، معنى هذه القمة هو الحركة نحو هذه القمة حيث على الجميع أن يسيروا في هذا الاتجاه. و من الذي بوسعه بلوغ تلك القمة؟! نقرأ في هذا الحديث أن الإمام السجاد قال: إنني لا أستطيع أن أعيش هكذا.
و ما عرض له أمران قطهما لله رضاً إلا أخذ بأشدهما عليه في بدنه فإذا عرض له نوعان من الطعام الحلال كان يختار أدناهما، و إذا عرض له نوعان من الثياب كان يختار أدناهما، و إذا عرض له عملان كلاهما حلال، كان يختار أصعبهما عليه. لاحظوا أن هذا الكلام غير صادر من متحدث عادي. و إنما من يتحدث هو الإمام الصادق، أي إنه كلام في غاية الدقة. لاحظوا مدى أهمية التشدد على النفس في الحياة الدنيا و المتع الدنيوية!
و ما نزلت برسول الله صلى الله عليه و آله نازلة قط إلّا دعاه فقدّمه ثقة به أي إنّ الرسول متى ما حدثت قضية مهم‍ة له، كان يستدعيه و ینتدبه لها و يقدّمه فيها، و ذلك أولاً لعلمه بأنه يتمكن من أدائها على أحسن وجه؛ و ثانياً لأنّه لم يكن يتمرد على الأعمال الصعبة؛ و ثالثاً لأن‍ه مستعد للجهاد و البذل في سبيل الله. ففي ليلة المبيت على سبيل المثال، حين هاجر النبي سرّاً من مكة إلى المدينة، كان يجب أن يبات أحد في ذلك السرير، فقدّم الرسول عليّاً. و في الحروب كان الرسول يقدم أمير المؤمنين أيضاً. كما كان يقدم علياً في الأعمال المهمة و في أية قضية رئيسية و مهمة كانت تعرض للرسول: ثقة به لأنه كان يثق به، و كان يعلم أنه لا يرجع و لا يتزعزع و يعمل على أفضل نحو. لاحظوا، القضية ليست مجرد ادعاء يطلقه أشخاص صغار و ضعفاء من أمثالي، حيث نزعم أننا نريد أن نعيش هكذا؛ كلّا. و إنما القضية هي أننا يجب أن نسير في هذا الاتجاه. و على الإنسان المسلم السائر على نهج الإمام علي أن يسير على هذا الخط و أن يتقدم إلى الأمام كلما أمكن له. ثم قال: و ما أطاق أحد عمل رسول الله صلى الله عليه و آله من هذه الأمة غيره إنه كان يذهب إلى جميع المناطق كالرسول. لم يكن بوسع أي شخص آخر، أن يحتذي حذو الرسول و يضع قدميه مكان الرسول. و إن كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة و النار؛ على الرغم من كل هذه الأعمال الإيمانية العظيمة التي كان يتقبلها الله، كان سلوكه سلوك إنسان يعيش بين الخوف و الرجاء؛ فقد يخشى الله، و كأنّه متأرجح بين الجنّة و النار؛ يرى الجنة من جانب و يرى الجحيم من جانب آخر. يرجو ثواب هذه و يخاف عقاب هذه. خلاصة هذا الكلام هي أنه على الرغم من كثرة جهاده و إنفاقه و عبادته، إلّا أنه لم يغتر بشيء. في حين إذا صلّى واحد منا ركعتي نافلة و قرأ بضع جمل من الأدعية، و أراق دمعتين، سرعان ما يغتر بنفسه و يتصوّر نفسه و كأنّه أصبح (طاووس العليين)! لكن أمير المؤمنين لم يكن يغتر بنفسه على الرغم من كثرة عمله. أما لماذا يخاف أشخاص كالرسول و أمير المؤمنين و الإمام السجاد - و هم الذين خلق الله الجنة من أجلهم - نار جهنم و يستعيذون بالله منها، فهو بحث آخر. نحن أناس صغار و قصيرو النظر و لا ندرك عظمة الله، و مثلنا كمثل طفل صغير يلعب أمام شخصية علمية كبرى و يجيء و يذهب و لا يهتم أبداً بهذا الشخص، لأنه لا يعرف هذه الشخصية؛ فی حین تجد أن والد ذلك الطفل الذي يفوق عقله عقل طفله مائة مرّة يتواضع لتلك الشخصية. هكذا حالنا أمام الله تعالى. فنحن كالأطفال و الجهلاء و الوضعاء، لا ندرك عظمة الله. أما أولئك الذين وصلوا من مرحلة العلم إلى مرحلة الإيمان، و من مرحلة الإيمان إلى مرحلة الشهود و من مرحلة الشهود إلى مرحلة الفناء في الله، هم الذين تتجلى عظمة الله أمام أبصارهم بشكل تتضاءل أمامهم قيمة كل عمل صالح يعملونه، و يقولون إننا ما قمنا بعمل، و يشعرون دوما إنهم مدينون لله.
و لقد أعتق من ماله ألف مملوك، في طلب وجه الله و النجاة من النار، مما كد بيديه و رشح منه جبينه أي إن الأموال التي كان ينفقها، لم يحصل عليها بالمجّان. يقول الإمام الصادق وفقاً لهذه الرواية: مما كد بيديه؛ أي حصل عليها بتعب يده و عرق جبينه و بالعمل الشاق. إنه كان يعمل سواء في عهد الرسول أو في فترة الخمسة و عشرين سنة، أو في فترة خلافته - إذ يُفهم من بعض الآثار أنه كان يعمل أيضاً في زمن خلافته - فقد كان يعمل و يحفر القنوات و يحيي الأراضي و يزرعها و يحصل على المال، و كان ينفق هذه الأموال في سبيل الله. كان يشتري العبيد دوماَ و يعتقهم؛ لقد اشترى و أعتق على هذا المنوال ألف عبد. إن كان ليقوت أهله بالزيت و الخل و العجوة، أي إنّ طعامه العادي الذي كان في داره هو الزيتون و الخل و التمر من الدرجة المتوسطة أو الرديئة، و كان طعامه يشبه الخبز و اللبن أو الخبز و الجبن في مجتمعنا في الوقت الحاضر. و ما كان لباسه إلّا كرابيس؛ إذا فضل شيء عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه أي إنّه لم يكن يرتضي لنفسه حتى الزيادة في الأكمام. كان يقول هذا زائد، يمكن أن يستخدم هذا القماش في خياطة شيء آخر! لأن القماش كان قليلاً جداً في ذلك العصر، و كان يعاني الناس من مشاكل على صعيد الألبسة، لذلك كان يمكن لقطعة من قماش الكرباس معالجة مشكلة.
ثم يتحدث عن عبادته. فقد كان (عليه السلام) ذروة الإسلام و أسوة للمسلمين. و قال في نفس هذه الراواية: و ما أشبهه من ولده و لا أهل بيته أحد أقرب شبهاً به في لباسه و فقهه من علي بن الحسين عليهما السلام. ذكر الإمام الصادق عليه السلام فصلاً في باب عبادة الإمام السجاد، و قال من جملة ما قال: و لقد دخل أبو جعفر ابنه عليهما السلام عليه؛ فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، و يشرح: قد شحب وجهه من السهر، و أختالت عيناه من البكاء، و ورمت رجلاه و غيرها من هذه الأمور. شاهد الإمام الباقر هذه الحالات في أبيه و تألّم: فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء؛ فبكيت رحمة له. كان الإمام السجاد متفكّراً - و التفكرّ عبادة أيضاً - و أدرك بالفراسة سبب بكاء ولده الباقر، فأراد أن يقدم له درساً عملياً، فرفع رأسه: قال يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام؛ و يبدو أن هناك كتابات و مدوّنات في باب قضائه و حياته و أحاديثه كانت لدى الأئمة. و يفهم المرء من مجموع الروايات الأخرى، إنهم كان يستفيدون منها في مواقف مختلفة. و هناك أيضاً طلب الإمام السجاد من ابنه الإمام الباقر أن يأتي له بما يتعلق بعبادة علي بن أبي طالب. فيقول الإمام الباقر: فاعطيته؛ فقرأ فيها شيئاً يسيراً ثم تركها من يده تضجّراً؛ فالإمام السجاد يقدم هنا درساً للإمام الباقر و الإمام الصادق و يقدّم درساً لي و لكم أيضاً. قال من يقوي على عبادة علي بن ابي طالب عليه السلام؟ فالإمام السجاد الذي كان يكثر من عبادة الله إلى الحد الذي جعل الإمام الباقر يرق لحاله - و ليس مثلي و مثلكم، فنحن نستعظم ما هو أقل من ذلك - و الإمام الباقر الذي هو إمام و له مقامات رفيعة أيضاً، يتألم لكثرة عبادة علي بن الحسين و لا يطيق الصبر على البكاء فيبكي لا إرادياً، و مع كل هذا نجد علي بن الحسين مع كل عباداته يقول: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب؛ أي إنه يرى بوناً شاسعاً بينه و بين علي.
علي الذي نعشقه أنا و أنت، و تعشقه الدنيا و يكتب المسيحي كتاباً عنه لحبّه له، و يثني عليه حتى من لا يلتزم كثيراً بالمبادئ الدينية، لماذا تنظرون إلى علي هذا عن بعد؟ اقتربوا منه. كل من ينظر إلى قمة (دماوند)، عن بعد ينبهر بها! اصعد من هذه المنعطفات قليلاً لنرى من أنت! يجب الاقتراب منه، و يجب الانطلاق، و يجب التحرك. و اليوم فإنّ البشرية تحتاج إلى هذه الخصال التي كان أمير المؤمنين حامل لوائها. هذه الخصال لا تندرس بتقدم العلم و التقنية و ظهور أنماط الحياة الجديدة في الدنيا. فالعدالة لا تندرس، و الإنصاف و الدعوة إلى الحق لا يبلى، و مقارعة المتغطرس لا تبلى، و اتصال القلب بالله لا يبلى. لأن هذه الخصال ثابتة في فطرة الإنسان على مدى التاريخ. فقد كان أمير المؤمين رافعاً لواء هذه الخصال. البشرية اليوم متعطشة لهذه الأحاديث و هذه الحقايق. فما هو السبيل؟ السبيل هو الاقتراب. علينا أن لا نستكثر كلمة حق قلناها أنا و أنت في أي مكان؛ كلّا. هذا هو الإمام علي. علينا أن لا نستعظم ساعة من الليل و النهار تمكنّا فيها من عبادة الله و يداخلنا العجب بأنفسنا، كلّا. هذا هو نهج الإمام علي. علينا أن لا نستعظم أنفسنا إذا ما استطعنا الخوض في ساحة خطر؛ كلّا. هذا هو نهج الإمام علي. عليكم الاقتراب من الإمام علي بمقدار ما يمكنكم. يا أيها الصائمون، و يا أيها المصلون، و يا من تصلّون النوافل، و يا أيها المجاهدون في سبيل الله، و يا أيها المقتحمون ساحات المخاطر، و يا أيها الزهاد في العالم، و يا أسود النهار و يا أيها العباد في الليل! هنيئاً لكم؛ فأنتم أقرب إلى الإمام علي، و يمكنكم أيضاً أن تكونوا أقرب فأقرب.
إن العالم الإسلامي بل العالم كلّه يخضع لعظمة الإمام علي عليه السلام. هذه الأمور هي التي تبقى في التاريخ. أي زهده و عبادته و شجاعته و عزمه الراسخ في سبيل الله. متى ما اقتضت الحاجة كان يهوي بسيفه على أعداء الحقيقة و أعداء الدين و أعداء الله و لم يكن يخاف من أي شيء: لا تأخذه في الله لومة لائم(3). فإذا ما كان هناك شخص منحرف و مضر و مخل في طريق السير إلى الله، فإن سيفه كان القول الفصل. و متى ما كان هناك مظلوم، أو مسلوب حق، كان أمير المؤمنين يتحوّل إلى أرق إنسان و أعطف إنسان. جاء في رواية كان أمير المؤمنين يكثر من إطعام الأيتام بيده إلى حد جعل أحد الأشخاص - لعله كان شابّاً على سبيل المثال - يقول: يا ليتنا كنا أيتاماً حتى يكون أمير المؤمنين رؤوفاً بنا إلى هذا الحد! كان يذهب إلى الفقراء و البؤساء و المحتاجين مجهولاً، و من الواضح أنهم عرفوه بعد ما ضرب بأنه هو ذلك الشخص الرؤوف الذي كان يأتي إليهم و هم لا يعرفونه!
كلامه هو نهج البلاغة، أي أفصح كلام إنسان عند العرب. نهج البلاغة ذروة الفن و الجمال، و جمال اللفظ و جمال المعنى. و يبهر الإنسان! لم يستطع أي شاعر عربي كبير، أو كاتب عربي فنان، أن يقول بأنني غني عن الرجوع إلى نهج البلاغة.
على أي حال، لقد فجع أهل الكوفة بالأمس لعزاء هذا الرجل العظيم. لم يشيع جثمان ذلك العظيم في الكوفة. و لم يجتمع الناس حول جثمان أمير المؤمنين. لعل أمير المؤمنين كان يرى فترة هيمنة الأعداء على الكوفة. فما الذي جرى في الكوفة بعد مضي عشرة أعوام أو عشرين عاماً على استشهاد أمير المؤمنين؟ الذين داروا ببنات أمير المؤمنين في أسواق الكوفة، و رفعوا رأس فلذات كبده على رؤوس الرماح، لم يكونوا يتورعون عن نبش قبر علي بن أبي طالب و توجيه الإهانة إليه؟! لذلك كان قبر ذلك العظيم مخفياً و لم يعثر عليه إلّا بعد مضي مدة طويلة.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد و لم يولد. و لم يكن له كفواً أحد.(4)
نسألك اللهم و ندعوك باسمك العظيم الأعظم الأعزّ الأجل الأكرم، و بعلي و أولاده الطيبين الطاهرين، يا الله يا الله يا الله يا رحمن يا رحيم.
اللهم نسألك بحق محمد و آل محمد أن لا تفرق بيننا و بين علي بن أبي طالب في الدنيا و الآخرة، و وفّقنا للاقتداء بهذا الرجل الذي يمثل قمة في العظمة و الجمال و المجد. اللهم! و انصر الإسلام و المسلمين، و انصر المسلمين المجاهدين في سبيلك في أي بقعة من العالم كانوا. اللهم قرّب قلوب المسلمين إلى بعضها، و قرّب الشعوب الإسلامية إلى بعضها. اللهم! و انصر الشعب الإيراني الكبير العظيم في جميع الساحات؛ و أهلك أعداءه. اللهم و احلل عقد هذا الشعب المؤمن العظيم و جميع المسلمين؛ و انصر خدمة هذا الشعب و هذا البلد. اللهم وفّقنا جميعاً للخدمة في سبيلك و لخدمة هذا الشعب. اللهمّ! و أحينا مسلمين و أمتنا أفضل ميتة يمكن أن تكون لأي مسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين المنتجبين. و على علي أمير المؤمنين، و على الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين، و على الحسن و الحسين سيّدي شباب أهل الجنة، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسى بن جعفر، و علي بن موسى، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن بن علي، و الخلف القائم المهدي. حججك على عبادك و أمنائك في بلادك. و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. و أوصيكم عباد الله بتقوى الله و استغفر الله لي و لكم.
الیوم هو يوم القدس، و قد نزل شعبنا إلى الشوارع ككل عام استجابة لدعوة الإسلام و الإمام الراحل و تلبية لاستغاثة مظلومة من شعب مظلوم و مغصوب الحق. حسب ما أخبروني فإنّ مشاركة الشعب في هذه المسيرات كانت حتى الآن مشاركة حاشدة و ملفتة للنظر في جميع المناطق، و لا بد أن أخباراً لاحقة ستصل أيضاً و ستنعكس في وسائل الإعلام. و من المؤكد أن جماعات من المسلمين في سائر مناطق العالم كرّمت هذا اليوم، و لا شك ستصلنا تفاصيل ذلك في ما بعد. إنني أريد اليوم أن أتحدث عن هذه القضية.
أولاً علي أن أقول إن القضية الفلسطينية واحدة من وصمات العار الكبرى في هذا القرن الذي يوشك على نهايته. طبعاً وصمات العار على جبين هذا القرن أكثر من هذا: وقعت حربتان كبيرتان في هذا القرن. و كم من الحكومات نصبت على أيدي مستعمري الأمس، و من جملتها بلدنا. في هذا القرن نفسه ظهرت الحكومة البهلوية العميلة و الفاسدة و الظالمة و المستكبرة و المتغطرسة و غير الإنسانية؛ لكن بين القبائح التي وقعت في هذا القرن - طبعا وقعت فيه محاسن أيضاً و لكن ليس هذا موضع بحثنا الآن - من أشدها قبحاً أو ربما يمكن القول إن أقبحها، هي القضية الفلسطينية. لماذا؟ لأنهم طردوا شعباً من بلده. إنني أرجو من الشباب الذين ليس لديهم اطلاع مسبق بالقضية الفلسطينية أن يتأملوا و يتعمّقوا في هذه الكلمات. إنهم طردوا شعباً من بلده و جمعوا جماعة من الناس من أكناف العالم و أحلوهم محل هؤلاء الأشخاص. لماذا؟ لأن الجماعة التي جمعوها من أرجاء العالم تعود إلى عنصر واحد، و هو العنصر الإسرائيلي أو العنصر اليهودي! أي إنهم مارسوا حركة عنصرية قبيحة لو كان مارسها أحد على نطاق أضيق لكان مدعاة للعار. مارسوها على نطاق بلد كامل. فمن قام بهذا العمل؟ إنها في الحقيقة بريطانيا و من بعدها أمريكا.
طبعاً هناك اليوم بعض من يريدون أن يتوجهوا باللائمة علينا، لماذا تتحدثون عن القضية الفلسطينية، فهذه قضية انتهت! إنني أقول بأن القضية الفلسطينية لم تنته قط. ليس الأمر بحيث تظنون أن على الفلسطينيين - أعني أصحاب أرض فلسطين - أن يبقوا هم أنفسهم أو أولادهم خارج أرضهم أو أن يعيشوا في أرضهم كأقلية مقهورة إلى الأبد، و يبقى أولئك الغاصبون الأجانب فيها. كلّا، هذا غير ممكن. البلدان التي خضعت مائة سنة لهيمنة إحدى القوى - كما هو الحال بالنسبة لكازخستان و جورجيا التي تلاحظونها، هذه البلدان في آسيا الوسطى التي استقلت حديثاً - كان بعضها خاضعاً للاتحاد السوفيتي و بعضها الآخر كان خاضعاً لروسيا قبل ظهور الاتحاد السوفيتي، فهذه البلدان نالت استقلالها من جديد و عادت إلى أهاليها؛ لذلك لا يستبعد و من المحتم أن يحدث هذا الأمر و سيحدث إن شاء الله و ستعود فلسطين إلى الشعب الفلسطيني. لذلك لم تنته القضية بعد، هذا خطأ.
طبعاً الأسلوب الذي ينتهجه الصهاينة و حلفاؤهم اليوم - حيث تعدّ الحكومة الأمريكية من أهم حلفائهم - هو الاستفادة من مصطلح السلام الجميل: فهم يدعون إلى الصلح و ترك الخصام!! أجل إن الصلح أمر جيد للغاية، لكن أين هو السلام و مع من؟! شخص دخل داركم بالعنف و كسر الباب بالعسف و ضربكم، و وجه الإهانة إلى زوجتكم و أولادكم، و احتل غرفتين و نصف من الغرف الثلاثة التي في داركم، ثم يقول لكم: لماذا تشكون مني دوماً إلى هذا و ذاك؛ و تعارضون و تتنازعون دوماً؛ تعالوا لنتصالح معاً. هل هذا سلام؟! السلام هو أن تخرج أنت من البيت؛ و إذا وقعت حرب بيننا، فليأتوا ليصالحوا بيننا. إنكم جلستم في دارنا، و ارتكبتم كل هذه الجرائم هنا؛ و لو كان بوسعكم، لما تورعتم عن ارتكاب أي جريمة. فها هو الكيان الصهيوني الآن يهاجم في كل يوم جنوب لبنان؛ و هو لا يهاجم المقاتلين اللبنانيين، بل يهاجم مدارس جنوب لبنان. كما هاجم قبل عدة أيام مدرسة و قتل عدداً من الأطفال! و هؤلاء لم يحملوا السلاح و لم يعتدوا. لكن هذه هي طبائع المتعدي. في ذلك اليوم الذي دخل الصهاينة لبنان، و ارتكبوا المجازر، و هكذا فعلوا أيضاً في دير ياسين و سائر المناطق، لم يقم أي شخص بعمل ضدهم. أو على الأقل، لم يقم هؤلاء الناس بعمل ضدهم؛ طبعاً جماعة من الشباب العربي الغيارى كانوا يحاربون. و كانوا يقولوا في ذلك اليوم أيضاً، لماذا دخلتم دارنا و تقومون بهذه الأعمال، لكن الناس الذين لقوا كل هذا الاضطهاد منهم، و أخرجوهم من مزارعهم و قراهم عن طريق المجازر، لم يقوموا بعمل. لذا فإنّ طبيعة هذا الكيان طبيعة عدوانية. لقد أقيم الكيان الصهيوني أساساً على العنف و القهر و القسوة و يستمرّ على هذا الأساس. بدون هذه الأعمال لم و لن يكون قادراً على التقدم إلى الأمام. يقولون: تصالحوا مع هذا الكيان؟! فأي سلام هذا؟! هؤلاء إذا اقتنعوا بحقهم و أعادوا فلسطين إلى أصحابها و ذهبوا لحالهم، أو استأذنوا الحكومة الفلسطينية بالعيش على هذه الأرض كلهم أو بعضهم فلن يحاربهم أحد. الحرب سببها أنهم اقتحموا دار الآخرين بالعنف و أخرجوهم منها، و الآن يمارسون الظلم ضدهم. كما يمارسون الظلم ضد بلدان المنطقة برمتها و يشكلون تهديداً للجميع. فهم إنهم يريدون السلم من أجل اتخاذه مقدمة ليتمكنوا من القيام بأعمالهم العدوانية على نحو آخر.
من جملة القضايا المطروحة في الوقت الحاضر من أجل أن يعلو القضية الفلسطينية غبار النسيان و حيلولة دون طرحها على صعيد الرأي العام للأمة الإسلامية، هي المفاوضات المسماة بمفاوضات السلام الجارية حالياً بين فئة من الفلسطينيين - أعني بين عرفات و جماعته - و بين الإسرائيليين، أي موضوع المساومة و ما يسمى بإدارة الحكم الذاتي الفلسطيني و غيرها من هذه الأحاديث. هذه أيضاً واحدة من أقبح ألوان الخداع و التضليل الإسرائيلي التي وقع في فخها و للأسف عدد من المسلمين و عدد من الفلسطينيين أنفسهم. واحدة من الأحاديث التي يطرحونها اليوم هي المفاوضات الجارية بين هذه الجماعة و قادة إسرائيل، و هي من أقبح تلك الأساليب. لماذا؟ لأنه وفقاً لأفضل الفرضيات في آخر مباحثات لهم - حسب تعبيرهم واي ريور 2 - لو تحققت الالتزامات و العهود الإسرائيلية بأجمعها فلن تنال هذه الجماعة الفلسطينية المسكينة سوى أكثر قليلاً من أربعة بالمائة من مجموع الأرض الفلسطينية! أي إن الأرض الفلسطينية التي هي للفلسطينيين، و الشعب الفلسطيني هو مالكها كلّها و هي حقّ من حقوقه سيقدمون له أربعة بالمائة منها. و هذه الأربعة بالمائة منها ليست مجتمعة كلها في مكان واحد، بل هي قطع متفرقة و موزّعة ربّما على عشرة أماكن! و لم يسمحوا أبداً لأولئك الذين دعوهم لتشكيل حكومة هنا - و هم هذه الجماعة المخزية - بأن يعملوا كحكومة. طلبوا منهم أن يذهبوا إلى هناك و يراقبوا الفلسطينيين في هذه المنطقة لكي لا يقوموا بعمل مضاد لإسرائيل! أي قدموا لهم مساحة صغيرة و محدودة و متفرقة و غير قابلة للإدارة و بشكل ناقص ليقيموا بلداً فيها! و ما يجب عليهم أن يقوموا به مقابل هذا، هو أن يقوموا إضافة على الدور الذي تمارسه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هناك بأعمال ضد الفلسطينيين المقاتلين في الأراضي المحتلة! هل هناك خيانة أسوأ من هذه؟!
إن الخيانة التي يرتكبها الذين يمارسون هذا العمل باسم الفلسطينيين، أسوأ و أبشع و أجسم من جميع الخيانات التي ارتكبت ضد فلسطين إلى يومنا هذا! و لم يقدموا للشعب الفلسطيني شيئاً و لن يستطيعوا أن يقدموا له شيء. كتب كاتب فلسطيني عربي مقيم في أمريكا أن جماعة عرفات لم تستطع بعد أن تجمع قمامات مدينة غزة من الشوارع؛ لكنهم استطاعوا خلال هذه المدة إيجاد خمسة أجهزة أمنية و مخابراتية تمارس نشاطها في التجسس على أبناء الشعب! فهل هذه هي الحكومة الفلسطينية؟! هل هذا يعني عودة الشعب الفلسطيني؟! هل هذا يعني إحقاق حقوق الفلسطينيين؟! إنهم عديمو الحياء إلى هذا الحد! لقد قلت عندما دخل هذا الشخص في أول مفاوضات له مع الإسرائيليين، إنه شخص خائن و أحمق! و لو كان خائناً و لكنه عاقل، كان يعمل أفضل من هذا! طبعاً لا أدري على وجه الدقة، لكنني أظن بأن الأمريكيين و الأجهزة الاستخبارية لإسرائيل استغلوا نقاط ضعفهم. فهم يعانون من نقاط ضعف كثيرة، لأنهم يحبون الدنيا. حينما لا يكون للدين دور ستجري الأمور على هذه الشاكلة. و الله وحده يعلم بمدى المشكلات التي تورّطوا فيها مالياً و أخلاقياً طول هذه السنوات التي كانوا فيها منهمكين بإدارة منظمة تحرير فلسطين، و يبدوا أن أولئك قد ركّزوا على تلك النقاط. من جانب آخر، التعب و التوقف و التراجع عن المبادئ أدى بهم إلى الوقوع في هذه الورطة الرهيبة و هذا المستنقع المهلك و هذا الشقاء و اللعنة الأبدية. هل تظنون أنّ هناك شخصاً فلسطينياً لا يلعنهم من أعماق قلبه، إلّا أن يكون من عملائهم و شريكاً لهم في المصالح. يوجد ما بين أربعة إلى خمسة ملايين فلسطيني مشرد خارج أرضه، و حوالي ثلاثة ملايين يعيشون داخل فلسطين. يجب أن تؤخذ وجهة نظر هؤلاء حول فلسطين بنظر الاعتبار. هؤلاء قبضاتهم مشدودة و قلوبهم مليئة غيضاً.
هذه التحديات كنت قد عرضتها على بعض البلدان العربية منذ عهد رئاستي للجمهورية. طرحت في أحاديثي، لكن حكومات تلك البلدان كانت تقول نحن لسنا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين! يجب أن يتم تنفيذ ما يريدونه هم. طبعاً لم تكن مفاوضات السلام مطروحة حينها بهذا الشكل؛ إلّا أن ملامحها كانت واضحة. أوّلاً القضية الفلسطينية هي قضية العالم الإسلامي. و فضلاً عما فيها من أبعاد سياسية و أمنية و اقتصادية، فهي قضية واجب إلهي و إسلامي. و الأهم من كل ذلك هو أنها قضية إلهية؛ لكن حتّى إذا كان الشخص لا يؤمن بالله و يريد أن يعمل للشعب الفلسطيني فحسب، فعليه أن يأخذ بنظر الاعتبار إرادة أبناء الشعب الفلسطيني. الشعب الفلسطيني اليوم هم أولئك المعتقلون في سجون الكيان الغاصب و عشرات الأضعاف منهم يطلقون الشعارات في الشوارع و في المسجد الأقصى و كافة أنحاء الأرض المغصوبة. و إذا كانت هناك أقلية صغيرة دفعتها الأطماع إلى الدخول في مفاوضات السلام، فهي لا تمثل الشعب الفلسطيني حتّى نقول إننا لسنا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين. إنني أتذكر منذ ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة أن واحدة من الحكومات العربية - و لا أريد أن أذكر اسمها الآن- لم يكن يبدو أنها آيلة إلى الفساد، لأنها كانت صاحبة ماض ثوري، طرحت هذا الرأي. و قد شعرت منذ ذلك الوقت إن هذه البلدان ستنحرف، ثم أخذ انحرافها يتجلى أكثر فأكثر. طبعاً لا أريد أن أذكر بعض الأمور و الخصائص الأخرى.
ما هو أساس القضية الفلسطينية؟ أساسها هو أن حفنة من اليهود المتنفذين في العالم فكّروا في تأسيس بلد مستقل لليهود. و قد استغلت الحكومة البريطانية هذه الفكرة من أجل معالجة مشكلتها. طبعاً كان اليهود يفكرون قبل ذلك في الذهاب إلى أوغندا و جعلها بلداً لهم. ثم فكّروا في التوجه إلى طرابلس عاصمة ليبيا؛ لذلك تحدثوا مع الإيطاليين - الذين كانت طرابلس في أيديهم حينذاك - لكن الإيطاليين رفضوا طلبهم، و في نهاية المطاف اتفقوا مع الإنجليز. و كانت للإنجليز آنذاك أغراض استعمارية مهمة للغاية؛ و رأي الإنجليز حينذاك أن من المناسب أن ياتي هؤلاء إلى هذه المنطقة، فيدخلوا كأقلية في البداية، ثم يزدادوا تدريجياً و يتخذوا لهم بقعة من الأرض في موقع حساس - لأن فلسطين تقع في منطقة حساسة - و يقيموا لهم دولة و يكونوا حلفاء للإنجليز و يحولوا دون اتحاد دول الإسلام و خاصة دول العالم العربي. صحيح أن الآخرين إذا كانوا واعين سيصبح العدو سبباً لاتحادهم، لكن العدو الذي يتمتع بكل هذا الدعم من الخارج، يستطيع بث بذور الاختلاف عن طريق أساليبه الجاسوسية و الأساليب المختلفة، و قد قام بهذا العمل فعلاً، فهو يقترب من جهة، و يضرب جهة أخرى و يقمع جهة أخرى و يشدد على جهة أخرى. لذلك كانت هناك مساعدة الحكومة البريطانية و بعض البلدان الغربية الأخرى بالدرجة الأولى. ثم انفصلوا تدريجياً عن بريطانيا و ارتبطوا بأمريكا. و قد احتضنتهم أمريكا حتى يومنا هذا. بهذا المعنى أوجدوا بلداً و احتلوا فلسطين. كان الأسلوب الذي اتبعوه لاحتلال فلسطين بهذا الشكل: لم يأتوا في بداية الأمر عن طريق الحرب؛ بل جاءوا عن طريق الحيلة و قاموا بشراء الأراضي الفلسطينية الواسعة التي كان يعمل فيها الفلاحون و المزارعون العرب، و كانت تلك الأراضي خصبة للغاية. اشتروها بأسعار مضاعفة على السعر الحقيقي من أصحابها الأصليين الذين كانوا يعيشون في أمريكا و أوربا. و قد كان أصحابها الأصليون يتمنون ذلك فباعوا أراضيهم لليهود. طبعاً كان لهم سماسرة حيث يُنقل أن أحد سماسرتهم هو السيد ضياء شريك رضا خان في انقلاب عام 1299هـ.ش، حيث ذهب من هنا إلى فلسطين، و عمل هناك كسمسار لشراء الأراضي من المسلمين و بيعها لليهود و الإسرائيليين! اشتروا الأراضي، و حينما أصبحت هذه الأراضي ملكاً لهم، أخذوا تدريجياً بإخراج المزارعين منها مستخدمين في ذلك أساليب وحشية و قاسية للغاية. كل مكان ذهبوا إليه، كانو يضربون و يقتلون أهاليه، ثم كانوا يعملون على استمالة الرأي العام العالمي إلى جانبهم بأساليب الكذب و الخدعة.
لقد كانت لهيمنة الصهاينة الغاصبة على فلسطين ثلاثة أركان: أولاً استخدام أسلوب القسوة مع العرب. حيث كان يتصف تعاملهم مع أصحاب الأرض الرئيسيين بالعنف و الهمجية الشديدة. و لم يكونوا رؤوفين على هؤلاء أبداً.
الركن الثاني هو الكذب على الرأي العام العالمي. و أسلوب الكذب هذا من الأمور العجيبة للغاية. و لقد كذّبوا عن طريق وسائل الإعلام الصهيونية التي كان يديرها اليهود - سواء قبل اغتصابهم أرض فلسطين أو بعد ذلك - إلى درجة أن بعض الرأسماليين اليهود اعتقلوا بسبب هذه الاكاذيب! و الكثيرون منهم صدّقوا تلك الأكاذيب. حتى إنهم خدعوا بها أشخاصاً كالكاتب و الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي جان بول سارتر الذي كنا في فترة شبابنا ولهين به و بأمثاله. فهذا الشخص جان بول سارتر ألف كتاباً قرأته قبل ثلاثين سنة. كتب یقول: شعب بلا أرض و أرض بلا شعب! أي إن اليهود كانوا شعباً بلا أرض و جاءوا إلى فلسطين التي كانت أرضاً بلا شعب! ما معنى لا شعب لها؟ كان فيها شعب و كان يعمل. و هناك شواهد كثيرة أيضاً. يقول كاتب أجنبي: كانت في كافة أنحاء أرض فلسطين مزارع الحنطة كبحر أخضر على امتداد البصر، فما معنى أرض بلا شعب؟! لقد صوّروا للعالم و كأن فلسطين أرض بائرة و بائسة و مهجورة و هم جاءوا و عمّروها! هذا هو الكذب على الرأي العام! كانوا يحاولون دوماً أن يصوّروا أنفسهم كأنهم مظلومون، و هذا هو الحال اليوم أيضاً! في هذه المجلات الأمريكية - كالتايم و النيوزويك - اللتين أراجعهما أحياناً، إذا وقعت أدنى حادثة لعائلة يهودية، يضخّمون صور و تفاصيل و عمر القتيل و مظلومية أطفاله، لكنهم لا يشيرون حتى أدنى إشارة إلى المئات و الآلاف من الممارسات القاسية التي ترتكب ضدّ الشباب الفلسطينيين و العوائل الفلسطينية و الأطفال الفلسطينيين و النساء الفلسطينيات في داخل فلسطين المحتلة و في لبنان!
الركن الثالث هو أسلوب الاتصالات و المفاوضات و حسب تعبيرهم اللوبي. يقوم هذا الأسلوب على مبدأ الاتصال بهذه الحكومة أو تلك الشخصية أو أحد الساسة أو ذلك المثقف أو ذلك الكاتب أو ذلك الشاعر!
عملهم كان يقوم على ثلاثة أركان تمكّنوا بواسطتها من احتلال هذا البلد عن طريق هذه الخدعة. و قد وقفت القوى الأجنبية إلى جانبهم أيضاً في تلك الفترة، و أهم تلك القوى كانت بريطانيا و الأمم المتحدة، و قبل الأمم المتحدة عصبة الأمم التي أنشئت بعد الحرب لإقرار ما يسمى بقضايا السلام، كانت تدعمهم إلا في حالات معدودة. في عام 1948 م أصدرت عصبة الأمم قراراً و قسّمت فلسطين بدون أي سبب. و قالت إن سبعة و خمسين بالمائة من أرض فلسطين هي ملك لليهود، في حين لم يكن لهم قبل ذلك التاريخ سوى خمسة بالمائة من الأراضي الفلسطينية! و قد أقاموا دولة هناك، ثم حدث قضايا متنوعة و شنّت الهجمات على القرى و المدن و البيوت و المواطنين العزل الأبرياء. طبعاً الحكومات العربية أيضاً قصّرت في القيام بواجبها. وقعت عدة حروب. في حرب 1967م تمكّن الإسرائيليون أن يحتلّوا بمساعدة أمريكا و الحكومات الأخرى مساحات من أراضي مصر و سوريا و الأردن. ثم في حرب 1973 التي بدأها هؤلاء استطاعوا بمساعدة تلك القوى أن يكسبوا نتيجة الحرب لصالحهم و يحتلّوا أراض أخرى.
هدف إسرائيل هو التوسّع. الكيان الصهيوني لا يقنع بأرض فلسطين الحالية. في بداية الأمر كانوا يريدون شبراً واحداً، ثم احتلوا نصف فلسطين، ثم احتلوا فلسطين كلها، ثم اعتدوا على البلدان المجاورة لفلسلطين - كالأردن و سوريا و مصر - و احتلوا أراضيها. و الهدف الأساسي للصهيونية هو إنشاء إسرائيل الكبرى. طبعاً قلّما يذكرون هذه التسمية في هذه الأيام، و يسعون للتكتم عليها. إنهم يكذّبون على الرأي العام من جديد. لماذا؟ لأنهم يحتاجون في هذه المرحلة التي نحن فيها الآن، إلى التستّر على أهدافهم التوسّعية! المشكلة التي يعاني منها الصهاينة اليوم هي أنهم بحاجة ماسة للسلام. لماذا؟ لأنه بعد عام 1947 إلى 1967 م لم يكن هناك كفاح و نضال و لم تمض تلك الأعوام على ما يرام. ثم بدأ بعد ذلك الكفاح المسلح خارج أرض فلسطين، كان مركز منظمة التحرير الفلسطينية و سائر الفصائل في الأردن أو سوريا أو في أماكن أخرى. كانوا يرسلون فصائل و كانوا يهاجمون و كانوا يوجهون الضربات ثمّ ينسحبون. لم تشكّل آنذاك أي منظمة عسكرية في الأراضي الفلسطينية. أن الناس كانوا يعيشون في حالة من الرعب و لم يكن بوسعهم القيام بأي عمل؛ لكن وقعت حادثتين مهمتين بعد انتصار الثورة الإسلامية. الحادثة الأولى هي أن نهضة فلسطين - التي كانت نهضة غير الدينية - تحوّلت إلى نهضة إسلامية و ظهرت المقاومة الإسلامية و اتخذت طابعاً إسلامياً. أولئك الذين كانوا يقاتلون من الخارج - كالأشخاص الذين كانوا يهاجمون إسرائيل و يوجّهون الضربات لها من لبنان أو سائر المناطق الأخرى - خاضوا غمار الساحة بالدافع الإسلامي و هو دافع قوي جدّاً. ثانياً انبثقت الانتفاضة في داخل الأرض و الوطن المغصوب. إنهم يخافون من هذه الانتفاضة لأنها تحظي بأهمّية فائقة. طبعاً يسعون للتعتيم على القضية كما هي في الواقع، لكن كفاح الشعب الفلسطيني في داخل أرض فلسطين مؤثّر و فاعل و قاضم لظهر الكيان الصهيوني. لماذا؟ لأنهم قدموا الوعود لليهود الذين جمعوهم من كافة أنحاء العالم في هذه المنطقة بأن هناك حياة رغيدة و آمنة تنتظرهم، و قالوا لهم تعالوا لتكونوا أسياداً هنا و الآن لا طاقة لهم على مواجهة الجيل الجديد الناهض و أصحاب هذه الأرض الرئيسيين الذين استيقظوا اليوم. إن قواعد الكيان الصهيوني متزعزعة، لذلك فهم يجبرون الآن على إقرار السلام مع بلدان المنطقة بأي نحو كان، لكي يمكن لهم متابعة قضاياهم الداخلية. القضية المسمّاة بالتصالح مع منظمة التحرير الفلسطينية و قضية عرفات هي امتداد لهذا الاتجاه. إنهم أرادوا أن يجيئوا بعنصر فلسطيني إلى مشروع التساوم، لعلهم يستطيعوا من خلال ذلك إخماد صوت المقاتلين الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، لكنهم لم يتمكّنوا من ذلك. و في ضوء هذه التفاصيل، لا يتجرأ الكيان الصهيوني الغاصب اليوم على أن يطرح قضيته الرئيسية و هي التوسع من النيل إلى الفرات. فأرض الميعاد للصهاينة تمتد حسب مزاعمهم الباطلة من النيل إلى الفرات. و كل ما لم يحتلّوه منها، يجب عليهم احتلاله في ما بعد؛ هذه هي خطتهم! فهم لا يتجرأون الآن أن يطلقوا هذا الكلام.
حديثنا و قضيتنا اليوم هي أن القضية الفلسطينية تعتبر من وجهة النظر الإسلامية قضية رئيسية و فريضة على جميع المسلمين و من جملتهم نحن. فجميع علماء الدين الشيعة و السنة، الماضين منهم و الحاضرين، يصرحون إذا وقع أي جزء من أرض الإسلام تحت سيطرة أعداء الإسلام، يجب هنا على الجميع أن يدافعوا لكي يتمّكنوا من استعادة الأراضي المغتصبة. يقع على كل شخص متمكّن واجب إزاء القضية الفلسطينية. أوّلاً من وجهة النظر الإسلامية الأرض أرض إسلامية، و هي تحت احتلال أعداء الإسلام و يجب استعادتها. ثانياً، هناك ثمانية ملايين مسلم، بعضهم مشردون و بعضهم الآخر يعيشون في الأراضي المحتلة و أوضاعاً أسوأ من المشردين. إنهم لا يتجرأون أن يمارسوا حياتهم اليومية، و لا يتجرأون أن يقولوا كلامهم، و لا يسمح لهم بانتخاب ممثل عنهم لإدارة شؤون بلدهم؛ و في الكثير من الحالات يُمنعون من أداء صلاتهم. لقد هدّدوا مسجد الأقصى و هو أول قبلة للمسلمين، و أحرقوه ذات يوم في الأعوام الماضية، ثم أخذوا لاحقاً يحفرون أرضه و يرتكبون أعمالاً غير قانونية و يريدون أساساً أن يخرجوا المسجد الأقصى من طابعه الإسلامي. هذا ما يلقي واجباً على عاتق المسلمين. لا يمكن لأي مسلم أن يتنصّل من هذا الواجب، بل يجب عليه العمل بواجبه بما يستطيع.
إن ما يمكن للشعب الإيراني القيام به في الوقت الحاضر - هو أهم من كل الأعمال الأخرى - هو الخروج في تظاهرات كتظاهرات اليوم. هذا عمل مهم للغاية. من جملة أهدافهم أن يضعوا اسم فلسطين على رفوف النسيان، و يقوموا بأعمال ينسى الناس معها أساساً أن مثل هذه القضية كان لها وجود، لكنكم لا تسمحون لهم بتحقيق هذا الهدف، و يوم القدس لا يسمح لهم بذلك، و لم يسمح لهم بذلك إمامنا العظيم بحكمته و تدبيره. هذا عمل عظيم. من وجهة النظر الإنسانية فإن مظلومية العوائل الفلسطينية تلقي على عاتق كل إنسان واجب، أعني مظلومية الناس الذين يعيشون في فلسطين، حيث لاحظتم بعض الأفلام و الأشرطة في هذه الأيام، مدى سلوكهم الظالم ضد الشعب الفلسطيني، و من العجيب أن منظمات حقوق الإنسان، ميتة أيضاً! إن الأمريكيين و بعض هؤلاء الغربيين، و هؤلاء الذين يزعمون أن رسالتهم هي نشر الديمقراطية في العالم، أراقوا ماء وجهم في هذه القضية؛ ذلك لأن هناك اليوم شعباً ليس له أدنى دور في أي شأن من شؤون بلده، و لا يُسمع رأيه في أي مكان، و هو شعب فلسطين. فمن الوجهة الإنسانية هناك شعب مظلوم و مقابله حكومة عنصرية تمارس كل هذا الظلم؛ و هذه كذبة كبيرة تطلقها أمريكا و المنظمات العالمية و المفكّرون الغربوين الذين يدعون الديمقراطية!
و من الجانب الأمني، قضية إسرائيل تشكّل خطراً أمنياً لا فقط لشعبهم بل لكافة أنحاء المنطقة؛ إذ لديهم في الوقت الحاضر ترسانة نووية و هم لا يزالون يقومون بإنتاجها! و قد وجّهت منظمة الأمم المتحدة تحذيرات عديدة، لكنهم لم يهتموا بها. طبعاً السبب الأساسي وراء هذا التمادي هو الدعم الأمريكي، أي إن قسماً كبيراً من آثام الصهاينة يقع على عاتق أمريكا. عليكم أن تعلموا أن مجلس الأمن أصدر على مدى الأعوام الخمسين التي ظهر فيها الكيان الصهيوني، أصدر تسعة و عشرين قراراً ضد إسرائيل و قد استخدمت أمريكا حق الفيتو إزاء كل القرارات! و الآن مضت عشرة أعوام - بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق إلى يومنا هذا - لا تسمح فيها أمريكا أساساً أن يُصدر مجلس الأمن أي قرار ضد إسرائيل! إذن إثم كل هذه الجرائم يقع على عاتق أمريكا. إن أمريكا التي تتظاهر بحب السلام، و قد تبدي لجميع الشعوب - من جملتها شعبنا العزيز المظلوم - ابتسامات مسمومة، هي المجرم الأول في القضية الفلسطينية؛ إحدى جرائمها هي أن يديها ملطختان حتى المرفق بدماء الفلسطينيين. هؤلاء يهدّدون بلدان المنطقة. طبعاً الحكومات السورية واللبنانية و سائر البلدان التي تقع هناك، تعاني بعض الصعوبات و المشكلات. أمر الحكومات بمعزل عن أمر الشعوب. فالشعوب في كل مكان قلوبها مليئة غيظاً، أما الحكومات فهي مضطرة تحت وطأة بعض الضغوط لأن تطلق أحاديث أو تقوم بمفاوضات و تتخذ مواقف. من الجانب الاقتصادي أيضاً، تشكّل إسرائيل تهديداً للمنطقة. الصهاينة المسلّطون على فلسطين طرحوا منذ مدة مشروعاً تحت عنوان مشروع الشرق الأوسط الجديد. فما معنى الشرق الأوسط الجديد؟ معناه أن يتشكل الشرق الأوسط على محور إسرائيل و يمكن لإسرائيل أن تمارس تسلّطها الاقتصادي تدريجياً على البلدان العربية و بلدان المنطقة و المناطق النفطية في الخليج الفارسي. هذا هو هدف الإسرائيليين. بعض البلدان غافلة. و عندما تواجه احتجاجات، تقول بأننا لم نقم علاقات، بل سمحنا لتجّارهم أن يأتوا! و الحقيقة هي أن هذا هو هدفهم. إنهم يريدون أن تستغل إسرائيل بإسناد أمريكا و ترسانتهم النووية الخطيرة، غفلة و ضعف بعض الحكومات و تتغلغل فيها و تتحكم في المراكز الاقتصادية و المصادر المالية. هذا يمثل خطر عظيم جداً للمنطقة. هذا من أكبر المخاطر. عسى أن لا يأتي الله بذلك اليوم و لن يأتي و لن تسمح الشعوب المسلمة أن يقع هذا الحدث؛ لكن خطتهم هي أن يستطيعوا عن طريق الاقتصاد التحكّم في جميع مراكز السلطة في هذه البلدان. لذلك، وجود إسرائيل يمثل خطر كبير للشعوب و بلدان المنطقة، إسلامياً و إنسانياً و اقتصادياً و أمنياً و سياسياً.
ليس هناك سوى سبيل واحد لقضية الشرق الأوسط و هو انحلال الكيان الصهيوني و زواله. ينبغي عودة المشردين الفلسطينيين إلى بلدهم. هؤلاء الملايين الثمانية هم أصحاب فلسطين الرئيسيين. طبعاً غالبية الشعب الفلسطيني مسلمون، و يوجد بينهم عدد قليل من الفلسطينيين اليهود و المسيحيين. على أصحاب فلسطين و شعبها أن يشكّلوا حكومة و أن تتخذ تلك الحكومة قراراً بشأن بقاء المهاجرين الذين جاءوا إلى فلسطين من سائر البلدان، و يعيشون فيها حالياً، أو حول الظروف التي تريد أن يبقوا وفقها، أو حول خروجهم من فلسطين. الاتجاه المعاكس لهذه القضية هي وجوب إقامة حكومة فلسطينية في كافة أنحاء أرض فلسطين. و ألاعيب من قبيل الحكم الذاتي و غيرها من هذه الأحاديث لا تستطيع اليوم خداع أحد؛ إلّا الناس السذج جدّاً! هذه الأمور لا تحظي بأهمّية، هو هذا العمل الرئيسي الذي يجب القيام به. لقد استيقظت الأجيال الفلسطينية الشابة اليوم و هي تدرك فاعلية كفاحهم. و هم عاكفون على الكفاح في فلسطين و خارجها و في لبنان و الأردن و سوريا و في المناطق الأخرى، و يدركون أن لكفاحهم فاعليته و أن الشعوب قلوبها معهم؛ خاصة المواقف الجيدة الشامخة جداً التي اتخذها الشعب الإيراني و الحكومة الإيرانية و نظام الجمهورية الإسلامية كانت مواقف باعثة على الأمل. هؤلاء يواصلون المكافحة و سيصلون لنتائجهم الرئيسية المطلوبة.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الهوامش:
1) بحار الأنوار، ج 68، ص 192، كنز الفوائد، ج 1، ص 89.
2) الإرشاد، ج 2، ص 142.
3) الإقبال سيد بن طاووس، ج 1، ص 507.
4) سورة الإخلاص، الآيات 1-4.