بسم الله الرحمن الرحيم
مرحباً بكم كثيراً أيها السادة المحترمون و خبراء الأمة الأجلاء، و أشكر جهود الإخوة الأعزاء و السادة المحترمين، سواء خلال هذا الاجتماع الجاري، أو على امتداد العام في اللجان الخاصة التي يشارك فيها السادة و يبذلون جهودهم، و نحن ندعو لكم.. تقبل الله منكم إن شاء الله و وفقكم و سددكم.
نشكر جميع السادة، و خصوصاً حضرة الشيخ هاشمي رفسنجاني لأنه أحبط توقعات الأعداء بوجود خصومة. كانوا يتوقعون وقوع خلاف بين خبراء الأمة، و أن تبدو التنافسات على غرار التنافسات الدارجة في العالم المادي، و يتحول سباق الخدمة إلى تنافس سلبي لشغل المواقع و المراكز، و هذا ما لم يحصل و الحمد لله. و قد كان هذا هو المتوقع من حضرة الشيخ هاشمي في ضوء سوابق عقلانيته و شعوره بالمسؤولية التي شهدناها فيه دائماً. و الانتخاب الذي قمتم به أيها السادة كان انتخاباً حقاً و في محله. فسماحة الشيخ مهدوي شخصية بارزة و مميزة سواء في عالم رجال الدين أو في عالم السياسة أو في قضايا البلاد الجارية أو في قضايا الحوزة و الجامعة منذ بداية الثورة و إلى اليوم. ما حصل سيكون لخير الإسلام و المسلمين ببركة إخلاص السادة و إخلاصكم و العقل و التدبير الذي يشاهده المرء في السلوك و الأقوال، و هذا هو المتوقع.
ظروف البلاد الحالية ظروف مهمة و حساسة جداً في ضوء قضايا المنطقة. أحداث المنطقة أحداث تتجاوز أبعادها الحدود المألوفة للقضايا الجارية تماماً. ما يحدث له أبعاد عظيمة‌ جداً. أما الشيء الذي يريده الأعداء و الانتهازيون و الاستغلاليون الدوليون و المستكبرون و ما سوف يقومون به فبحث آخر. ما حدث له ميزتان مهمتان جداً. و هاتان الميزتان ما يتمناه كل المسلمين الصادقين و الأفكار السامية في الثورة الإسلامية و في الجمهورية الإسلامية و في سائر مناطق العالم. هذان الأمران هما المشاركة الشعبية و الشعارات الإسلامية. هذا الشيئان مهمان للغاية.
التواجد الشعبي معناه أن تتواجد الشعوب بأجسامها و بمشاركتها و حضورها الشخصي في ساحات الكفاح و تتحمل الأخطار على غرار ما حدث في إيران. حينما يحصل هذا لا تتكمن أية قدرة من الوقوف بوجهه. و أمريكا و من شاكلها سهلة، بل حتى لو اجتمعت و اتحدت كل قوى العالم فلن تستطيع المقاومة أمام الشعب الذي نزل إلى الساحة بكل وجوده. طبعاً قد يمارسون القتل و سفك الدماء لكنهم سينهزمون و سينتصر الدم على السيف كما قال الإمام الخميني في تلك الأعوام. لقد حصل هذا الشيء. نزل الشعب بجسمه و وجوده إلى الساحة و لم يبعثوا ممثلاً و لم يكتفوا بالكلام، و ليس في بلد واحد بل في عدة بلدان، و الأرضية متوفرة في بلدان أخرى. هذه نقطة مهمة جداً. ليس بوسع شيء إيجاد مثل هذا الوضع سوى يد القدرة الإلهية. تتوفر الأرضيات و يمارس الأفراد دورهم - لا شك في هذا أبداً - لكنها يد القدرة‌ الإلهية التي تمتلك القلوب، و «قلب المرء بين إصبعي الرحمن». الله تعالى هو الذي يبث العزيمة في القلوب و يعبّئ الإرادات. و يد القدرة الإلهية محسوسة في هذه الأحداث. و لأن يد القدرة الإلهية موجودة فالنصر أكيد.
النقطة الثانية في هذه الأحداث هي الشعارات الإسلامية. الجماهير في هذه البلدان و في سائر البلدان الإسلامية جماهير مسلمة و جزء من الأمة الإسلامية. و حتى في المواطن التي كانت فيها المظاهر الإسلامية محدودة كان ذلك بفعل الضغوط، فالجماهير مؤمنة متدينة و مسلمة و الإسلام متجذر، فهذه من خصوصيات الإسلام. في البلدان التي حاول فيها الماركسيون بكل ما أوتوا من قوة إزالة الإسلام و محوه، بمجرد أن سقط النظام الشيوعي السوفيتي خرج الناس و رفع الشباب الذين لم يدركوا الفترة الإسلامية أصلاً شعارات إسلامية. هذه خصوصية تتعلق بعمق الإسلام و تجذره في القلوب.
و كذا الحال هناك.. طبعاً توجد حوافز و لا تزال - حوافز ليبرالية و ربما بدرجة أقل اشتراكية و قومية و ما إلى ذلك - لكن عموم الشعب مسلم و الشعارات إسلامية. خصوصاً في بلد مثل مصر حيث الإسلام هناك عريق و عميق جداً و القرآن سائد و محبة أهل البيت سائدة.
إذن، الحدث حدث عجيب يقع حالياً. و لا يزال هذا الحدث في بداية‌ الطريق . حسناً، نحن بصفتنا جمهورية إسلامية، و نحن الحاضرون هنا بوصفنا مسؤولين في الجمهورية الإسلامية، و كذلك باقي المسؤولين، تقع على عواتقنا واجبات يجب التنبه لها و ينبغي أن لا نمرّ مرور الكرام بهذا المقطع الزمني.
من الأمور التي كانت مؤثرة في هذه الأحداث بلا شك النموذج و الخطاب الذي وفرته الثورة الإسلامية. لقد أضحت الثورة الإسلامية نموذجاً للمسلمين، أولاً بظهورها، ثم بتأسيسها الناجح لنظام الجمهورية الإسلامية حيث استطاعت عرض نظام بدستور كامل و تكريسه و تحقيقه، و من ثم بقاء هذا النظام على مدى 32 عاماً حيث لم يستطيعوا توجيه ضربة له، و من ثمّ تمتين و تقوية هذا النظام باستمرار - حيث لا يمكن مقارنة نظام الجمهورية‌ الإسلامية اليوم من حيث العمق و التجذر بما كان عليه قبل عشرة أعوام أو عشرين عاماً أو ثلاثين عاماً - ثم هناك حالات التقدم المختلفة في هذا النظام حيث التقدم العلمي و التقدم التقني و الصناعي و التقدم الاجتماعي و نضج الأفكار و ظهور أفكار جديدة و الحركة العلمية الهائلة في البلاد و الأنشطة المختلفة و العمران الحاصل في البلد حيث بلغ البلد في بعض المجالات درجة البلدان المعدودة الأولى في العالم. هذه كلها أحداث وقعت و هي أمور محسوسة لدى الشعوب المسلمة فهم يرونها و يشاهدونها. جاءت هذه الثورة و أسست نظاماً، و قد بقي هذا النظام و تعزز يوماً بعد يوم و تقدم باستمرار. هذا هو النموذج. صناعة النموذج هذه أوجدت خطاباً هو خطاب الهوية الإسلامية‌ و العزة الإسلامية. الشعور بالهوية الإسلامية بين شعوب العالم حالياً لا يقبل المقارنة بما كان عليه قبل ثلاثين سنة. الشعور بالعزة الإسلامية‌ و المطالبة بها حالياً مما لا يمكن مقارنته بالسابق. هذا شيء حصل.
حسناً، من الطبيعي أن تكون نتائج ذلك هزيمة‌ الجبهة المخالفة المقابلة. المستبدون الفاسدون العملاء كانوا يمسكون زمام الأمور في بعض الأماكن. و قد وعد الله تعالى: «سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله و عذاب شديد بما كانوا يمكرون» (1). مكرهم لن ينفعهم شيئاً، أنما بسبب نفس هذا المكر سيصيبهم الله تعالى بالذلة و الهوان. هذا ما حدث و هو أمام أنظارنا.
هذه من الأحداث الأخرى التي شاهدنا فيها آيات القرآن الإلهية أمام أنظارنا و جربناها، و هي حالة تنتمي لزماننا و تعدّ قيّمة جداً. ما وعد به الله في القرآن نراه نصب أعيننا و في تجاربنا.
جانب كبير من الإعلام المعادي للجمهورية الإسلامية يركز على هذه المسألة، أي على أن لا يتوفر النموذج و المثال، و لا تغدو الجمهورية الإسلامية نموذجاً ناجحاً في أنظار الشعوب المسلمة. أعتقد أن هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية و يجب أن نتنبّه لها كلنا. محاولات الأعداء‌ منصبة على أن لا تتحول الجمهورية الإسلامية إلى نموذج ناجح في أعين الشعوب، إذ حينما يتوفر النموذج تتحرك الجماهير نحوه، و حينما يعلم الناس بنجاح هذا النموذج فسوف يتشجعون.
كتب أحد الكتاب المصريين قبل خمسين أو ستين سنة في أحد كتبه إننا إذا استطعنا أن ندير منطقة من مناطق العالم بحكومة‌ إسلامية لكان ذلك أكبر تأثيراً في تقدم الإسلام من آلاف الكتب و العمليات الإعلامية. و قد كان على حق. مع أن نموذجنا ليس كما نتمنى من حيث انطباقه مع الإسلام - و لا تزال المسافة كبيرة للأسف بيننا و بين الشكل المنشود من تطبيق الإسلام - و لكن بهذا المقدار الذي استطعنا أن ننجح فيه و أن ندخل الإسلام إلى المجتمع و الحياة فإننا نشاهد آثار ذلك و ما أدى إليه من عزة و قدرة و تقدم و استقلال. هذه أحوال يشاهدنا الناس. و الأعداء لا يريدون انطلاق هذا النموذج، لذلك يحاولون تخريبه في أنظار المتلقين. هذه من الممارسات التي دأبوا عليها منذ بداية انتصار الثورة و لحد الآن. إذا كان لدينا نقطة ضعف ضخّموها في الأنظار و إذا لم يكن لدينا ضعف اختلقوه لنا كذباً. هذه مسألة ينبغي أن نتفطن لها. إنها من الأمور الأساسية التي يركز عليها العدو في إعلامه ضد الجمهورية الإسلامية‌، و جهوده كلها منصبة على هذا المعنى.‌
ثمة عاملان يساعدان بعضهما في إضعاف هذا النموذج، أحدهما العامل الداخلي و المتمثل في النواقص الموجودة و تقصيراتنا و تقاعسنا و كسلنا و الابتلاء بأمور مضرة بالحركة - كالاختلافات و المخالفات المتنوعة و الميل للدنيا و الانجرار إليها و التعطش للسلطة و عدم التدبير السياسي و ما إلى ذلك - هذه أمور ناجمة عنا و نحن الذين نوجد هذه النواقص و العيوب. هذا العامل الداخلي يضرّ بهذا النموذج.
العامل الآخر يرتبط بالعدو، و هو أن يعمل العدو على تضخيم نواقصنا مئات المرات و يعرضه أمام أنظار الآخرين، مضافاً إلى اتهامه لنا بالعيوب التي ليست فينا. فماذا يجب علينا أن نفعل الآن؟ علينا أولاً أن نهتم لوضعنا الداخلي و نتدارك تقصيراتنا و نواقصنا. فإذا أصلحنا هذا الجانب سوف يكفينا الله تعالى العامل الثاني، أي إنه تعالى سوف يحبط إعلام العدو.
في مناجاة الشاكين المنسوبة للإمام السجاد (سلام الله عليه)‌ نجد أن أول شكاية يبثها الإمام هي شكواه من نفسه: «إلهي إليك أشكو نفساً بالسوء أمّارة و إلى الخطيئة مبادرة». ثم بعد أن يشكو نفسه بعض الشيء يقول: «إلهي أشكو إليك عدواً يضلني». الشكاية‌ من أنفسنا أولاً ثم الشكاية من العدو. ينبغي أن نراقب و نحذر هذا الجانب.
طيب، من الذي يراقب و كيف نراقب؟ الجواب هو أن على المسؤولين و الشخصيات البارزة و المثقفين و العلماء‌ و رجال الدين و أصحاب التأثير في محيطهم.. يجب عليهم قبل غيرهم أن يراقبوا. كما ذكرنا فإن طلب السلطة و الميل للدنيا و النزوع للخلافات و إثارة القلاقل و الضجيج بخلاف أخلاق المسيرة و الحركة. و أريد هنا التشديد على مخالفة‌ أخلاق المسيرة.
مناخ الإهانات و هتك الحرمات في المجتمع من الأمور التي يمنعها الإسلام. يجب أن لا يحدث هذا. مناخ هتك الحرمات بخلاف الشرع و بخلاف الأخلاق و بخلاف العقل السياسي. لا إشكال إطلاقاً في النقد و المخالفة‌ و التعبير عن الآراء بجرأة، و لكن بعيداً عن هتك الحرمات و الإهانات و الشتم و السباب و ما إلى ذلك. و الجميع مسؤولون في هذا الباب. هذه الممارسات فضلاً عن أنها توتر الأجواء و تسبب اضطراب الأعصاب الهادئة للمجتمع - و الهدوء‌ اليوم مما نحتاج إليه - فإنها تغضب الله تعالى عنا. أريد أن تكون هذه رسالة لكل الذين يتحدثون أو يكتبون سواء‌ في الصحافة أو في مواقعهم الالكترونية‌ الشخصية.. ليعلموا جميعاً أن ما يقومون به ليس صحيحاً. المعارضة‌ و الاستدلال و إدانة‌ الأفكار السياسية أو الدينية‌ الخاطئة شيء، و الابتلاء‌ بهذه الممارسة‌ المنافية للأخلاق و المخالفة للشرع و المتناقضة‌ مع العقل السياسي شيء آخر. إننا نرفض هذه الثانية رفضاً كاملاً قاطعاً، فهي شيء يجب أن لا يحصل. و للأسف فإن البعض يفعلون ذلك. إنني أوصي الشباب خصوصاً و بعض هؤلاء‌ الشباب هم بلا شك أفراد مخلصون مؤمنون و صالحون لكنهم يتصورون أن هذا واجب، لا، بل أقول إن هذا بخلاف الواجب و على الضد من الواجب.
طبعاً يجب أيضاً عدم الغفلة عن المندسين و إغراءات الأعداء الشيطانية و تدخلاتهم. و كما كان يقول الإمام الخميني مراراً: أحياناً يدخل هؤلاء الأفراد التجمعات الحماسية الإيمانية‌ المخلصة و يجرونها نحو اتجاه معين. يجب عدم الغفلة عن هذه النقطة أيضاً. الغفلة الناجمة‌ عن الانفعال العاطفي و عن عدم مشاهدة أيدي الأعداء. لذلك أطلب من الشباب خصوصاً أن لا يسمحوا باستمرار مناخ الغيبة و التهم و الشتائم و السباب و هتك الحرمات. و إذا استمر هذا المناخ فسوف يسري و ينتشر - كالمرض المسري - و تجدون فجأة‌ مثل هذه الأمور أحياناً في صلوات الجمعة،‌ و هي أماكن للخشوع و الذكر و التوجه إلى الله، و هذا خطأ في خطأ. إذا كان الشخص يرفض خطيب صلاة الجمعة‌ فلا يحضر خطبته أساساً و لا يقتدي به و ليخرج. و حتى في الدورس أحياناً و في المناخات العلمية و الدراسية تلاحظ أمور من هذا القبيل. و هذا خطأ و مضر و بخلاف مصلحة الثورة. إنها ضربات توجه و أيجاد شقاق و فواصل و تصديع لصرح النظام الإسلامي العظيم الشفاف الهائل الذي يسير و يتقدم بكل اقتدار.
و لدي نصيحتي للأكابر أيضاً. كانت تلك نصيحتي للشباب، و الكبار أيضاً بحاجة إلى نصيحة، و هم أيضاً يجب أن يتنبهوا. اتخاذ المواقف الصحيحة و التصريحات الصائبة و عدم التأثر بالأخبار الكاذبة.. هذا أيضاً واجب. هناك الآلآف في النظام الإسلامي يبذلون الجهود و يتحملون المشاق من أجل رضا الله و يشقون على أنفسهم ليل نهار من أجل إنجاز الأعمال و إدارة‌ النظام و النهوض بالواجبات الجسيمة جداً طبقاً للمسيرة الإسلامية، ثم يسمع المرء خبراً كاذباً فيشكك في كل هذه الجهود و في المسؤولين الحكوميين و غيرهم و غيرهم. هذا أيضاً ليس من المصلحة في شيء و هو خلاف. أولئك الشباب يجب أن يراقبوا و هؤلاء الشيوخ أيضاً يجب أن يراقبوا. إننا بحاجة‌ للنصيحة في فترة شبابنا و الآن أيضاً حيث بلغنا سن الشيخوخة.
نتمنى أن يعيننا الله تعالى جميعاً لنستطيع إن شاء الله الحفاظ على هذا النموذج الناجح و العظيم جداً، و هو نظام الجمهورية الإسلامية، و تسليمه إن شاء الله للأجيال القادمة، فنكون بذلك مرفوعي الرأس عند الله تعالى.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة‌ الأنعام، الآية 124 .