بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على النبي الأعظم، و الصراط الأقوم، و أشرف ولد آدم، سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.
أشكر الله تعالى لما منح من عمر و توفيق لكي أدرك هذا الموقع المبارك و المغتنم جداً، اليوم الأول من السنة بجوار عتبة سيدنا علي بن موسى الرضا (أرواحنا فداه و صلوات الله عليه). أبارك عيد النيروز السعيد و بداية العام الجديد لكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات و الحضور الأعزاء في هذا المجلس العظيم، سواء‌ منكم المتواجدون في هذا الرواق الكبير، أو في الصحون المتعددة التي يتواجد فيها أبناء شعبنا الأعزاء و إخوتنا و أخواتنا و يستمعون للكلام. هذا التجمع في الحقيقة نموذج للشعب الإيراني. يتواجد في هذا اليوم، و من مختلف أنحاء البلاد، و من شتى المدن، و من طرق بعيدة و قريبة، أبناء شعبنا الأعزاء في هذا المرقد و تحت الظلال الوارفة لسيدنا إبي الحسن الرضا (عليه السلام) و يتبرّكون. و ثمة‌ في هذا التجمع العظيم أيضاً الإخوة‌ و الأخوات من مدينة مشهد نفسها. أسلم عليهم جميعاً و أبارك لهم.
عيد النيروز الإيراني فرصة مغتنمة لنا جميعاً نحن الشعب الإيراني، و كذلك للمسلمين في البلدان الأخرى ممن يعرفون عيد النيروز و يُحيونه، إنه فرصة مغتنمة للاستفادة‌ من هذا اليوم و من هذه المناسبة للتحرك في الاتجاه الإسلامي. هذا هو دأب الإسلام و ديدنه. استخدام كافة‌ الفرص و كل لحظات الحياة و جميع مراحلها بأشكال مختلفة من أجل تكامل الإنسان و لتقدمه المعنوي و المادي. نستطيع نحن الإيرانيين باستخدام هذه المناسبة للسير باتجاه الممارسات التي دعانا لها الإسلام و على طريق الأحكام و المعارف الإسلامية، فنعرف أنفسنا على الأهداف الإسلامية‌ العليا. صلة الأرحام و التوجه إلى الله تعالى، و الاستماع للكلام الطيب من بعضنا، و التجمع في المراكز الدينية‌ و المعنوية، كلها من الفرص المغتنمة في هذه الأيام و التي يجب الاستفادة منها.
الحقيقة هي أن الشعب العزيز في بلادنا طوال السنين المتمادية، و خصوصاً خلال فترة حكم النظام الإسلامي في البلاد، استخدم عيد النيروز لتكريس الحالة الروحية و المعنوية و للتقرب إلى الله و للمعرفة. و الشاهد على ذلك هو أنكم تلاحظون معظم الناس يشتغلون بالدعاء و الذكر و التوجه إلى الله في المراكز الدينية‌ و المراقد المطهرة و المزارات و المشاهد المشرفة و المساجد في ساعات تحويل السنة. معنى هذه الحركة العظيمة هو أن الشعب الإيراني يستخدم هذا التقليد للأهداف الدينية. ينبغي أن يكون هذا خطاً مميزاً لنا في جميع الأمور حيث نستفيد من كل شيء لأجل تقدمنا المعنوي و لأجل مضاعفة معرفتنا و معنوياتنا و ديننا و تكريس الأحكام و المعارف و الأخلاق الإسلامية. أتمنى أن يوفقنا الله تعالى جميعاً و كل الشعب الإيراني لهذا.
في هذه الفرصة التي منحنا الله تعالى إياها اليوم في هذا اللقاء المبارك سأذكر لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء المشهديون و الزوّار المحترمون ثلاثة مواضيع.
الموضوع الأول ما يشبه التقرير المختصر حول سنة 89 . لننظر برؤية عامة بأي اتجاه سار الشعب الإيراني و مسؤولو البلاد في سنة 89 و كيف ساروا في هذا الطريق. و الموضوع الثاني حول العام الحالي الذي يبدأ من اليوم في ضوء الشعار الذي ذكرته لشعبنا العزيز هذه السنة - أي الجهاد الاقتصادي - و الأمور المناسب القيام بها في هذا المجال. و الموضوع الثالث نظرة نلقيها على قضايا المنطقة و الشرق الأوسط و شمال أفريقيا و ما يجري في هذه المنطقة الإسلامية في ضوء الحيل و الزيف الذي يمارسه أعداء الأمة الإسلامية بهذا الخصوص.
في القسم الأول أستطيع القول إن شعار عام 89 أي الهمة المضاعفة و العمل المضاعف حظي بالاهتمام على امتداد العام، و استطاع أبناء شعبنا في القطاعات المختلفة أن يبدوا عن أنفسهم بحق همة‌ عالية و سامية و أعمالاً مضاعفة. و بالطبع فإن نتائج الهمة العالة و العمل المضاعف ستظهر على المدى البعيد، و لكن حتى بنظرة أولية يجد المرء بالنسبة لأوضاع سنة 89 و ما قام به مسؤولو البلاد و ما أبداه شعبنا العزيز من مواكبة للمسؤولين و لأنفسهم، يجد مؤشرات الهمة المضاعفة و العمل المضاعف، فهذا المعنى و الحالة‌ مشهودة في الكثير من الميادين و المجالات.
لنبدأ من العلم و التقنية. في بداية عام 89 و في أيام العيد توفقت لزيارة‌ و تفقد قطاع صناعي حساس في البلاد، و في الأيام الأخيرة من إسفند توفقت مرة أخرى لزيارة معرض إنجازات علمية و تقنية مميزة، و أن أرى بعيني نتائج هذه الحركة الممتدة على مدى عام واحد و هي بدورها حصيلة أعمال و جهود طويلة. الحالة المتوفرة حالياً على مستوى العلوم و التقنيات العليا في البلاد، و ما يجري على هذا الصعيد أكثر بكثير من المقدار الذي يعلن للناس.. هذا ما استطيع أن أقوله لكم. انطلقت منذ سنوات حركة علمية مميزة في القطاعات المختلفة و هي حركة‌ تتسارع يوماً بعد يوم لحسن الحظ.
سبق أن ذكرت هذه الرواية عن المعصوم (عليه السلام) حيث قال: «العلم سلطان»، بمعنى أن العلم و المعرفة سبب اقتدار للشعب و للفرد. «من وجده صال، و من لم يجده صيل عليه». من يتوفر على هذه المقدرة يكون ذا رفعة و صولة و مكانة منيعة، و من لم يستطع التوفر على القدرة العلمية يبقى في المستويات الدنيا و يتفوق الآخرون عليه. هذه من مميزات العلم و التقنية. و مسيرة البلاد اليوم باتجاه كسب العلم و التقنية في الكثير من الفروع و خصوصاً في الفروع الجديدة جداً و الراقية مسيرة مشهودة. في المجالات و الحقول المتعددة و المتنوعة من قبيل مجال تقنيات الأحياء و في مجال الفضاء و في حقل تقنيات النانو، و في مجال الخلايا الجذعية، و في إنتاج الأدوية الراديوية المهمة جداً، و في إنتاج الأدوية المضادة للسرطان، و في إنتاج محركات التوربينات الهوائية التي تقلل تبعية البلاد للنفط إلى حد كبير، و في إنتاج الحواسيب العملاقة و هي مهمة جداً للبلد، و في تقنيات الأنواع الجديدة من الطاقة، و هذه كلها من العلوم الرفيعة المستوى في العالم، يشاهد المرء لحسن الحظ أن علماءنا و شبابنا يتقدمون بنحو متسارع و متزايد، حتى أنني في ندائي بمناسبة النيروز ليلة البارحة قلت إن تقارير المراكز الدولية المعتبرة تشير إلى أن بلادكم متقدمة‌ في تحركها في هذا المجال على الكثير من بلدان العالم، و سرعة حركة البلاد عدة‌ أضعاف متوسط السرعة العالمية.
ثمة نقطتان أو ثلاثة مهمة تتعلق بقضية التقدم العلمي و التقني هذه أرى من المناسب الإشارة إليها. النقطة الأولى هي أن معظم العلماء الذين ينجزون هذه الأعمال هم علماء شباب. متوسط عمر العلماء الناشطين في هذه الأعمال هو 35 سنة أي إنهم في الغالب شباب و يجب الثقة بهؤلاء الشباب. طبعاً هناك أيضاً الأساتذة القدماء و المتدينون العاملون في هذه المشاريع و وجودهم فرصة مغتنمة‌ جداً.
النقطة‌ الأخرى هي أن المنظومة التي تقوم بهذه الأعمال و المشاريع الهائلة تتمتع بروح قوية و ثقة عالية بالذات و إيمان بالنفس، و هذا هو الرصيد الأصلي. الرصيد الأصلي هو الطاقات البشرية. هذا ما تمتلكه بلادنا. شبابنا يتقدمون في هذا الميدان بروح و معنويات قوية، و هم مؤمنون بأنهم قادرون على إنجاز جميع الأعمال التي تتوفر في البلاد بناها التحتية.
النقطة التالية بخصوص التقدم العلمي هي أن سلسلة العلم و التقنية و إنتاج البضائع و تسويقها - و هي سلسلة مهمة‌ جداً - آخذة في التكوّن. بمعنى أنهم ينتجون العلم و يحولونه إلى تقنية‌ و ينتجون البضائع و المنتجات و يأخذون المنتجات إلى أسواق التجارة العالمية فينتجون بذلك الثروة للبلاد. فهذه العلوم ليست لاختبار الذات و إرضائها فقط و لكي نعلم أننا تقدمنا في هذا المجال أو ذاك، لا، إنما هي علوم تزيد ثروة البلاد و يعمّ نفعها الشعب كله. هذه هي مسيرة‌ أخذ إنتاج العلم إلى إنتاج الثروة الوطنية للبلاد و تلبية احتياجات الشعب. هذا ما يتعلق بالعلم، و الحق أن الهمة المضاعفة و العمل المضاعف مشهود في هذا المجال.
المجال الآخر الذي يشهد فيه المرء الهمة‌ المضاعفة و التي تستتبع وراءها بحراً من العمل هو المجال الاقتصادي، و من النماذج في هذا المجال الخطوة الواسعة بترشيد الدعم الحكومي. من المناسب أن يعلم شعبنا العزيز أن جميع الخبراء الاقتصاديين - سواء الذين يؤيدون الحكومة الحالية في توجهاتها الاقتصادية أؤ الذين يختلفون معها في الآراء الاقتصادية - مجمعون على أن ترشيد الدعم عملية ضرورية و جد أساسية و مفيدة. هذا من الآمال التي كانت الحكومات السابقة تطالب به. و الدخول في هذه الساحة عملية صعبة و عسيرة، و لم تكن الأرضيات ممهدة. و الحمد لله فقد بدأ هذا المشروع حالياً، و قد كان تعاون الشعب مع الحكومة في هذا المجال رائعاً و الحق يقال. كان تحرك الجماهير باتجاه ترشيد الدعم رائعاً، و سوف تتبين آثار هذا المشروع في المستقبل تدريجياً. مع أن بعض آثاره قد تبيّنت الآن. الأهداف المهمة لهذا المشروع هي بالدرجة الأولى التوزيع العادل للدعم. أجهزة إدارة البلاد توزع دعماً بين الناس. و على النحو السابق كان هذا الدعم يصل بمقدار أكثر لمن لديهم أموال أكثر و يستهلكون أكثر، و يصل بمقدار أقل لمن لديهم أموال أقل و يستهلكون أقل. و بترشيد الدعم سيحصل توزيع عادل، أي إنه يصل للجميع بنسبة واحدة. و هذه خطوة كبيرة باتجاه العدالة الإجتماعية.
و الهدف الآخر هو إدارة استهلاك المصادر العامة للبلاد، و منها الماء و الطاقة. قبل عامين أعلنا شعار العام «إصلاح نموذج الاستهلاك». الاقتصاد في الاستهلاك و عدم الإسراف. و هذا من السبل التي يمكن من خلالها إصلاح نموذج الاستهلاك بالمعنى الحقيقي للكلمة، و يمكن ملاحظة‌ آثار ذلك الآن أيضاً. خلال هذه الأشهر التي تم فيها تطبيق ترشيد الدعم انخفض استهلاك الطاقة، و هذا لصالح البلد. كما قلّ الإسراف في الخبز و إهداره و إتلافه - و هو نعمة إلهية كبرى تتوفر بكثير من الجهد - و عموماً فقد تعادل الاستهلاك و تحسّن. هذه من جملة الفوائد التي حصلت لحد الآن، و ستكون هناك إن شاء الله فوائد كثيرة ‌في المستقبل. و كذا الحال بالنسبة لإصلاح البنية الاقتصادية.
و من جملة‌ الأعمال التي دلت أيضاً على الهمة المضاعفة في المجال الاقتصادي زيادة الصادرات غير النفطية. ميزانية بلادنا للأسف منذ عشرات السنين و إلى اليوم تابعة للنفط. و هذا أسلوب يرفضه كل علماء‌ الاقتصاد المخلصين، و هو أسلوب تحول إلى عادة في بلادنا. يستخرجون النفط و يبيعونه و يديرون شؤون البلاد بأموال بيع النفط. هذا أسلوب خاطئ. قلت قبل سنوات عديدة أن من آمالي أن نستطيع ذات يوم إدارة البلاد بحيث لا نبيع - إذا اقتضى الأمر - حتى قطرة واحدة من النفط. هذا شيء لم يحصل لحد الآن. و هو طبعاً ليس بالعملية السهلة، بل هو عملية جد صعبة. زيادة الصادرات غير النفطية تجعلنا نقترب من هذا الهدف. و هي عملية آخذة في التنفيذ. تم قطع خطوة كبيرة على هذا السبيل في سنة 89 .
و من الأمور التي تدل على الهمة المضاعفة في الميدان الاقتصادي المواجهة الذكية و المقتدرة للحظر الذي يفرضه الغرب بزعامة أمريكا و للأسف بالتبعية العمياء لبعض الحكومات الأوربية لأمريكا ضد إيران. منذ بدايات عام 89 شددوا الحظر ضد إيران كما يتوهمون. و كانوا يتحدثون عن حساباتهم - التي تصل أخبارها - و يقولون إن هذا الحظر سوف يفرض على الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني الخضوع في ظرف خمسة إلى ستة أشهر. هذا كان تصورهم. كانوا يظنون أنهم عن طريق الحظر يستطيعون التضييق على الشعب الإيراني و الضغط عليه إلى درجة أن الشعب الإيراني سيعترض على نظامه نظام الجمهورية الإسلامية. هذا كان هدفهم. و لكن كان هنالك تعامل ذكي و مقتدر مع الحظر ردّ كيد العدو إلى نحره. و لم يستطع الوصول إلى أهدافه عن طريق الحظر. لحسن الحظ استطاع المسؤولون في القطاعات المختلفة بمزيد من السعي و الجهد و العمل المتراكم الدؤوب، استطاعوا تجاوز هذه العقبة. و يعترف الغربيون أنفسهم اليوم بأن الحظر ضد إيران لم يعد مفيداً.
قالوا نمنع تصدير البنزين إلى إيران. و قد كانت هذه من مشكلاتنا على مرّ الزمن. نحن بلد ننتج النفط و ننفق أموالاً كبيرة لاستيراد منتج النفط أي البنزين من الخارج. و قال هؤلاء‌‌ إن هذه هي نقطة ضعف الجمهورية الإسلامية فلنمنع تصدير البنزين إليها. و راح مسؤولو البلاد يعدون مقدمات الأمر قبل أن يبادر أولئك لفعلتهم. و وصل الأمر إلى اكتفاء بلدنا العزيز ذاتياً في إنتاج البنزين. و كان هذا بفضل الحظر الذي فرضوه. «إن الله يؤيّد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم». عن طريق الحظر الذي فرضوه فكر مسؤولونا و سعوا و استغنينا عن استيراد البنزين. هذا ما سمعته حتى في المعرض الذي زرته في أواخر شهر إسفند عن لسان العلماء الشباب. قالوا لي أردنا إنتاج هذا الجهاز و كنا نريد استيراد أدواته من الخارج، فقالوا لنا إنكم مفروض عليكم الحظر فلا نبيعه لكم، و علمنا أننا يجب أن نصنعه بأنفسنا، ففكرنا في الداخل و بذلنا الجهود اللازمة و سعينا و صنعناه من دون الحاجة للأجنبي. هذا تعامل ذكي واع. مسؤولو البلاد و أبناء الشعب تعاملوا بهذه الطريقة مع الحظر الذي فرضه الأعداء، أي إنهم حرموا العدو من أمضى أسلحته التي كان يمتلكها. الأمر يشبه ما لو استطعتم في حرب من الحروب نزع سلاح العدو و الاستيلاء عليه. هذا أيضاً نموذج و مثال للهمة المضاعفة.
و على صعيد إيجاد فرص العمل تم إنجاز أعمال جيدة. يقول تقرير الحكومة أنه تم في سنة 89 إيجاد مليون و ستمائة ألف فرصة عمل، و إذا كان هذا التقرير دقيقاً فمعنى ذلك أنه تم توفير خمسمائة ألف فرصة عمل أكثر من التخمين المقدر. في مجال بناء المساكن القروية و بناء المساكن المدينية و مدّ الطرق السريعة و خطوط المواصلات، و الاتصالات الالكترونية و و و - و هذه كلها من البنى التحتية للبلاد - تم إنجاز أعمال جيدة. هذا على الصعيد الاقتصادي.
و على الأصعدة الأخرى أيضاً تم إنجاز أعمال كثيرة لا نذكرها لضيق الوقت. على كل حال ما يشاهد من عام 89 أنه كان و الحمد لله عاماً للهمة المضاعفة و العمل المضاعف بالمعنى الحقيقي للكلمة. و بالطبع لا يمتاز عام 89 بميزة معينة فهذه السنة‌ أيضاً و السنة التي تليها و بعد عشر سنوات أيضاً كلها سنوات الهمة المضاعفة و العمل المضاعف. على الشعب الإيراني و المسؤولين في كل الفترات و الأدوار أن يتحلوا بالهمة المضاعفة و العمل المضاعف لنستطيع إن شاء الله الوصول إلى المكانة الجديرة بشعب إيران.
و أما حول شعار هذه السنة و ما ينبغي القيام به فيها هناك طبعاً عناوين مهمة تتمتع كلها بأولوية عالية. مثلاً تطوير النظام الإداري عملية ضرورية يجب النهوض بها. و تطوير التربية و التعليم عملية تأسيسية هي الأخرى، و مكانة العلوم الإنسانية في الجامعات و في مراكز التعليم و البحث هي أيضاً عملية مهمة، و القضايا ذات الصلة بالثقافة العامة، و الأمور ذات الصلة بأخلاق المجتمع، هذه كلها أمور و عمليات مهمة، و لكن حسب رأي الخبراء فإن القضية الاقتصادية ذات أولوية و فورية أكبر من كل قضايا البلاد في الوقت الحاضر. إذا استطاع بلدنا العزيز القيام بحركة جهادية في القضايا الاقتصادية و إتباع هذه الخطوة الواسعة التي قطعها بخطوات واسعة لاحقة فسيكون لذلك بلا شك تأثيرات كبيرة جداً لصالح البلاد و تقدمها و عزة الشعب الإيراني. علينا إثبات قدرة النظام الإسلامي على حلّ المشكلات الاقتصادية للعالم كله.. يجب رفع هذا النموذج أمام الأنظار لترى الشعوب كيف يمكن للشعب في ظل الإسلام و التعاليم الإسلامية أن يتقدم.
المؤشر المهم في هذا الخضم هو النمو السريع للبلاد حسب المستوى المرسوم في الخطة الخامسة، أي ما لا يقل عن ثمانية بالمائة من النمو. و النصيب الأوفر من هذا النمو يختص بالمردود، بمعنى أن نستطيع استخدام إمكانيات البلاد بنحو أفضل. قبل سنتين ذكرت أموراً في كلمتي هذه بداية السنة حول الاقتصاد و المشكلات الموجودة بخصوص المردود و المنفعة. يجب أن يطلع الناس على هذه الأمور. أوصي مسؤولي البلاد أن يتحدثوا مع الناس حول أهمية رفع مستوى المردود و المنفعة في النمو الاقتصادي للبلاد، و أن يذكروا كم هو مهم رفع مستوى المردود في النمو الاقتصادي للبلاد، و كذلك خفض الفواصل في الإيرادات بين الأعشار العليا و الدنيا في المجتمع، و هذه الفواصل في الإيرادات هي الهوة الاقتصادية بين قطاعات المجتمع المختلفة. هذه الفواصل ليست أمراً محبذاً لدينا و شيء لا يرتضيه الإسلام. ينبغي عليهم السعي و الجهد بالمقدار المرسوم في الخطة الخامسة من أجل تنفيذ هذه الأمور.
خفض معدلات البطالة و زيادة فرص العمل في البلاد من الأمور المهمة و الأساسية جداً. و كذلك مضاعفة استثمارات القطاع الخاص و مساعدته للقيام بهذه الاستثمارات في المجالات الاقتصادية للبلاد.. هذه أيضاً من القضايا الأساسية و المهمة. و من الأعمال المهمة في هذا الباب تأسيس التعاونيات حيث يتم تشكيل و اجتماع رؤوس أموال كبيرة عن طريق التعاونيات يمكن استثمارها في الأنشطة الاقتصادية المهمة للبلاد و حلّ عقد مهمة. يجب توفير البنى التحتية‌ الحقوقية‌ و القانونية‌ لذلك، و هذا معناه دعم ازدهار العمل.
هناك أيضاً الاقتصاد في استهلاك المواد الأساسية و منها الماء. تسعون بالمائة من الماء الذي نستهلكه في البلاد حالياً يستهلك في قطاع الزراعة. إذا استطاعت الحكومة بتوفيق من الله إصلاح أساليب الري في الزراعة، و إذا قلت نسبة التسعين بالمائة‌ هذه بمقدار عشرة‌ بالمائة فانظروا ماذا سيحدث. في غير القطاع الزراعي أي في جميع القطاعات الأخرى - قطاع السكن و القطاع الصناعي و القطاعات التي تحتاج إلى الماء - لا نستخدم من مياه البلاد سوى عشرة‌ بالمائة. إذا استطعنا الاقتصاد في استهلاك الماء في القطاع الزراعي بنسبة عشرة بالمائة فانظروا ماذا سيحدث. الواقع أن إمكانيات الاستفادة من الماء في القطاعات غير الزراعية سوف ترتفع إلى الضعف، و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية و القيمة.
المشاركة المباشرة للشعب في النشاط الاقتصادي أمر ضروري، و هو بحاجة للاقتدار و للمعلومات اللازمة، و هذا ما يجب أن يضعه المسؤولين تحت تصرف الشعب، و نتمنى أن يتنامى هذا السياق يوماً بعد يوم إن شاء الله. طبعاً، لوسائل الإعلام دورها و لمؤسسة الإذاعة و التلفزيون دورها و بوسعها توعية‌ الناس، و على الحكومة أن تتعامل في هذا الجانب بنحو فاعل و تتمكن إن شاء الله من التقدم بالشأن الاقتصادي إلى الأمام.
طيب، إذا أردنا النهوض بهذه الحركة الاقتصادية العظيمة في البلاد خلال سنة 90 فلذلك لوازمة‌ و متطلباته. و سوف أذكر هذه المتطلبات على شكل رؤوس نقاط. أولاً، لا بد من الروح الجهادية. منذ بداية الثورة و إلى اليوم حيثما دخل شعبنا إلى الميدان بروح جهادية استطاع التقدم و الظفر. هذا ما شهدناه في الدفاع المقدس و في جهاد البناء و نشاهده في الحركة‌ العلمية. إذا تحلينا بالروح الجهادية في القطاعات و المجالات المختلفة، أي إذا أنجزنا الأعمال في سبيل الله و بجد و من غير تعب أو كلل - و ليس من باب إسقاط التكليف فقط - فسوف تتقدم هذه المسيرة إلى الأمام بلا شك.
ثانياً لا بد من توثيق المعنويات و الروح الإيمانية و التدين في المجتمع. أعزائي، ليعلم الجميع أن تدين المجتمع و تدين شبابنا يساعد شعبنا و مجتمعنا حتى في الأمور الدنيوية. لا يتصور أحد أن تدين الشباب يؤتي ثماره في أيام الاعتكاف في المساجد و ليالي الجمع عند قراءة دعاء كميل فقط. إذا كان شباب الشعب متدينين فسوف يبتعدون عن الفساد و الضياع و الإدمان و عن كل ما يقعدهم عن المعالي، و بذلك سوف تتفجر مواهبهم و سيعملون و يسعون في مجالات العلم و الأنشطة الاجتماعية و السياسية، و تتقدم البلاد إلى الأمام. و كذا الحال في المضمار الاقتصادي. روح التدين و المعنوية لها دور جد مهم.
ثمة‌ شرط آخر هو أن لا يبتلى البلد بالقضايا الهامشية. في كثير من الأحيان‌ توجد في البلد قضية‌ أصلية على الجميع أن يبذلوا هممهم و يركزوا اهتمامهم عليها. يجب أن تكون هذه القضية قضية البلاد المركزية، و لكن نرى فجأة صوتاً يرتفع من زاوية و يختلقون قضية هامشية تتركز عليها الأذهان. هذا أشبه بقافلة تروم الوصول في سفرة مهمة إلى منطقة معينة، و فجأة يشغلون الأذهان في الصحراء بشيء جانبي هامشي فيتركون المسير، و أحياناً قد يفقدون أساساً القدرة على مواصلة المسيرة. يجب عدم السماح للقضايا الهامشية بالتسرب إلى الأصل. شعبنا يتحلى لحسن الحظ بالقدرة على التحليل، و هو شعب واع و يقظ و بوسعه فرز القضايا الفرعية الهامشية عن القضايا الأصلية. ينبغي التنبّه لئلا تتحول المسائل الهامشية‌ إلى قطب لاهتمام الرأي العام.
الشرط الآخر هو الحفاظ على الاتحاد و الانسجام الوطني. هذا الاتحاد الموجود اليوم بين أبناء الشعب و بين الشعب و المسؤولين، حيث الشعب يحب مسؤوليه و يثق بهم و يساعدهم و يواكبهم، و هناك اتحاد و وحدة بين أبناء الشعب أنفسهم، هذا الاتحاد يجب أن يبقى و يتعزز يوماً بعد يوم. من المخططات الكبيرة لأعداء الشعب الإيراني خلق التفرقة و التصدع في الداخل بذريعة القوميات و المذاهب و الاتجاهات السياسية و التيارات و بذرائع شتى. ينبغي الحفاظ على الاتحاد و صيانته. شعبنا واع لحسن الحظ. كل المحبين لبلدهم و لنظام الديمقراطية الدينية - و هو اليوم فخر للشعب الإيراني - يجب أن يكونوا متناغمين منسجمين. و كذا الحال بالنسبة لمسؤولي البلاد. هم أيضاً يجب أن يحاولوا إذا كان هناك عتاب بينهم - و أحياناً قد يكون هذا العتاب حقاً - أن لا يطرحوا العتاب على الرأي العام لأن ذلك سيوجه ضربة للاتحاد الوطني. ليتنبّه الجميع إلى هذه النقطة. إنني أوجه هذا التنبيه و التحذير لمسؤولي البلاد بجد. قد تكون هناك حالات عتاب بين المسؤولين - و قد كانت مثل هذه الحالات دوماً، و قد شاهدناها منذ بداية الثورة حيث كنا نعمل و على اتصال بالأمور، أحياناً يكون العتاب من السلطة التنفيذية تجاه السلطة التشريعية، و أحياناً من السلطة التشريعية تجاه السلطة القضائية، و أحياناً من السلطة القضائية تجاه السلطة التنفيذية، فهذه من طبيعة العمل و هناك حالات عتاب دائمة - و قد تكون هذه الحالات محقة، و لكن يجب عدم نقلها إلى الرأي العام و إزعاج إذهان الجماهير و قلوبهم و بث اليأس في نفوسهم. إنما يجب على المسؤولين حلّ مثل هذه الحالات فيما بينهم. أهم قضايا العالم ممكنة الحل بالمفاوضات، و هذه القضايا الجزئية لا أهمية لها. إذن انسجام السلطات و تناغمها مع بعضها حالة مهمة.
طبعاً أريد أن أنبّه إلى نقطة هي أن هذه الشعارات التي نعلنها بداية الأعوام نجد فجأة أن كل جدران طهران و المدن الأخرى امتلأت بلوحات كتب عليها هذا الشعار. لا فائدة من هذا. أحياناً تكون هناك أعمال مكلفة لا ضرورة لها. ما أتوقعه من المسؤولين و من شعبنا العزيز هو أن يسمعوا هذا الشعار و يؤمنوا به و يتابعوه. تعليق اللوحات و ملء الجدران باللوحات و الصور و ما إلى ذلك مما لا ضرورة‌ له إطلاقاً. حتى لو لم تكن له تكاليف فهو مما لا ضرورة له. و إذا كانت له تكاليف ففيه إشكال. لا ضرورة أبداً لهذه الأعمال المكلفة.
طبعاً محورية الاقتصاد التي تحدثت عنها لا تعنى الغفلة عن المجالات الأخرى. في المجالات الأخرى و خصوصاً مجالات العلوم و التقنيات يجب مساعدة العلماء الشباب و الثقة بهم ليستطيعوا إنجاز أعمال كبيرة.
أما عن أحداث المنطقة. الأحداث التي وقعت أخيراً في المنطقة - أحداث مصر و تونس وليبيا و البحرين - أحداث مهمة‌ للغاية. ثمة تطور أساسي يحدث في هذه المنطقة الإسلامية العربية. و هذا مؤشر على صحوة الأمة الإسلامية. الشيء الذي ترفع الجمهورية الإسلامية شعاره منذ عشرات السنوات يفصح عن نفسه اليوم في حياة هذه البلدان.
ثمة خصوصيتان في هذه التطورات، الأول عبارة عن مشاركة الشعب، و الثاني هو الاتجاه الديني لهذه التحركات. هذان عنصران أساسيان. تواجد الشعب بجسمه و هو ما حدث في الثورة الإسلامية. لم تستطع الأحزاب و القابعون خلف الطاولات و في أبراجهم العاجية و المحللون الذهنيون فعل أي شيء. كانت الميزة الكبيرة لإمامنا الجليل أنه استطاع الإتيان بالشعب إلى الساحة. حينما يأتي الشعب إلى الساحة بجسمه و قلبه و نيته و همته سوف تحلّ العقد المستعصية و تنفتح الطرق المسدودة. و اليوم يقع الشيء نفسه في بلدان أخرى. في مصر أو تونس نزل الشعب إلى الساحة، و إلا فالمستنيرون و الساكنون في أبراجهم العاجية كانوا دوماً موجودين و كانوا يتحدثون دوماً و كانوا يدعون الناس في أحيان كثيرة و لا يكترث أحد لأقوالهم كثيراً. هنا نزل الشعب نفسه إلى الساحة و توجهاته توجهات دينية، أي صلاة الجمعة، و صلاة‌ الجماعة، و اسم الله و علماء‌ الدين و المبلغون الدينيون و مؤسسو الفكر الديني الجديد في بعض البلدان. هؤلاء نزلوا إلى الساحة لذلك نزل الشعب أيضاً إلى الساحة. هذه ميزة هذه القضية. لماذا نزلوا إلى الساحة؟ الشيء الذي جرّهم إلى الساحة هو بنحو واضح قضية عزتهم و كرامتهم الإنسانية. في مصر و في تونس و كذلك في البلدان الأخرى جرح كبرياء الشعب على يد الحكام الظلمة. مثلاً كان الشعب المصري يشاهد أن على رأس بلادهم شخص يرتكب بالنيابة عن إسرائيل أقذر الأعمال و الجرائم. في قضية محاصرة غزة لو لم يتعاون حسني مبارك مع إسرائيل لما استطاعت إسرائيل الضغط على غزة بتلك الصورة و ارتكاب تلك الجرائم. لكن حسني مبارك نزل إلى الساحة و ساعد و أغلق طريق الدخول و الخروج بين غزة و مصر. ثم علموا أن أهالي غزة قد حفروا أنفاقاً يتنقلون خلالها تحت الأرض فأنشأوا جدراناً فولاذية بارتفاع ثلاثين متراً و دفنوها في الأرض حتى لا يتمكن أهالي غزة المظلومين من الاستمرار في حفر الأنفاق و لإغلاق هذه الأنفاق عليهم. هذه أعمال قام بها حسني مبارك. و الشعب المصري يشاهد هذا، فينجرح كبرياؤه. و مثل هذا كان في البلدان الأخرى.
في ليبيا مثلاً مع أن القذافي أبدى في السنوات الأولى من توليه السلطة ميولاً معادية للغرب، لكنه في الأعوام الأخيرة قدم خدمات كبيرة للغربيين. و قد شاهدوا بأعينهم أن هذا الرجل جمع كل تجهيزاته النووية إثر تهديدات خاوية و وضعها في سفينة و قدمها للغربيين و قال خذوها! لاحظوا ما هو وضع شعبنا و ما هو وضعهم. لاحظ شعبنا أن العالم كله برئاسة أمريكا ثار ضد النشاط النووي الإيراني، ففرضوا الحظر و أثاروا الضجيج و المعارك و هددوا باستخدام الحلول العسكرية، فقالوا سنهجم و نفعل كذا و كذا، لكن مسؤولي البلاد لم يتراجعوا أبداً و ليس هذا و حسب بل على الرغم من العدو زادوا من إمكانياتهم و تجهيزاتهم النووية أضعافاً كل سنة. هناك شاهد الشعب أن مسؤول بلادهم أمر بإنهاء كل ما كانوا يمتلكون من تجهيزات مقابل التهديدات الغربية أو على حد قولهم التشجيعات الغربية. أعطوهم مشجعات كما لو يعطون طفلاً حلوى أو شوكولاتة ففقدوا بذلك كل ما يملكون! الشعب يشاهد ذلك فيُدمي قلبه و يجرح كبرياءه. هذه حالة‌ تلاحظ في جميع هذه البلدان التي ثارت شعوبها.
حسناً، ماذا كان موقف الأمريكان؟ هذه قضية‌ مهمة‌ بالنسبة لنا. في البداية بقي الأمريكان حائرين مقابل هذه الأحداث و لم يكن لديهم تحليلهم و لم يفهموا ما الذي يحدث و لم يكونوا يصدقون. و بعد أن وقعت هذه الأحداث و لأنهم لم يكن لديهم تحليل صحيح لها و لا يعرفون الشعوب راحوا يتخذون مواقف متناقضة. طبعاً ما لوحظ لحد اليوم على سلوك الأمريكان في تعاملهم مع هذه البلدان و بلدان أخرى هو دعم المستبدين دوماً. دافعوا عن حسني مبارك حتى اللحظة الأخيرة و حينما وجدوا أن هذا الأمر لم يعد ممكناً رموه جانباً! و هذا درس عبرة للزعماء التابعين لأمريكا ليعلموا أنهم حينما ينقضي تاريخ استهلاكهم و تنتهي فائدتهم فسوف يرمونهم كما يرمون المنديل القديم و لا يأبهون لهم! لكنهم دافعوا عن الدكتاتور و دعموه حتى اللحظة الأخيرة.
ما حدث للغرب و لأمريكا كان و لا يزال بالنسبة لهم مما لا يطاق حقاً. مصر أحد الأعمدة الأصلية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. لقد كانوا يعتمدون على هذه السياسة، و لم يستطيعوا الاحتفاظ بهذا العمود لصالحهم، بل لقد تفوقت الشعوب، و حاول الأمريكان الحفاظ على هيكلية ذلك النظام. إنه تزوير و حيل أمريكية‌ غربية و هي حيل مؤذية و خبيثة لكنها في الوقت نفسه سطحية، و إذا كانت الشعوب يقظة سيكون بوسعها فضح هذا الزيف و إحباط هذه الحيل. حينما شاهد الأمريكان أنهم فقدوا حسني مبارك في مصر أو بن علي في تونس حاولوا أن يحافظوا على شكل النظام و هيكليته. يتغير الأشخاص لكن النظام يبقى. لذلك أصروا على أن يبقى رئيس الوزراء في تلك البلدان، لكن الشعوب واصلت ثورتها و تغلبت على هذه الحيلة و أسقطت تلك الحكومات. بتوفيق من الله و حول منه و قوة سيستمر مسلسل الهزائم الأمريكية في هذه المنطقة.
بعد أن فقدوا عملاءهم في هذه البلدان انتهجوا حيلتين: إحداهما الانتهازية و الثانية صناعة المثيل. كانت انتهازيتهم أنهم أرادوا مصادرة هذه الثورات أي الاحتيال على الناس و إبداء التماشي معهم و تولية الأمور و المناصب للمناصرين لهم. و لقد هزموا في هذه المهمة. و الحيلة الثانية هي صناعة المثيل، و هي أن يستطيعوا إيجاد مثيل لما يجري في مصر و تونس و ليبيا و بعض البلدان الأخرى في إيران مثلاً - إيران الديمقراطية الدينية، إيران الشعب - و قد حاول عملاؤهم في داخل البلاد و الأشخاص الضعفاء و المنحطون و المبتلون حقاً بأهواء النفس أن يقوموا بهذه المهمة. حاولوا هنا إيجاد تحرك مهزوم كاريكاتيري مضحك، لكن الشعب صفعهم على أفواههم... (1). المنافق الحقيقي هو أمريكا. النفاق الحقيقي هو ما يقومون به من ادعاء الدفاع عن الشعوب. ينافقون في مصر و يقولون إننا نناصر الشعب و هم يكذبون. لقد تعاونوا مع عدو الشعب حتى اللحظة الأخيرة. و بخصوص تونس قالوا الشيء نفسه و ادعوا أننا إلى جانب الشعب. و لا بأس أن يعلم شعبنا العزيز أن رئيس جمهورية أمريكا وجّه نداء للشعب الإيراني يقول فيه إننا نقف إلى جانبكم! يزعمون أنهم يعارضون الاستبداد و الدكتاتورية و يناصرون حقوق الشعوب، و هم كاذبون. أنهم لا يرحمون الشعوب الأخرى، بل و لا يرحمون حتى شعبهم. رئيس جمهورية أمريكا الحالي أنفق آلاف المليارات من الدولارات من جيوب الشعب الأمريكي في ظروف الركود الاقتصادي السيئة جداً في أمريكا من أجل الإبقاء على البنوك و الإبقاء على صناعة الأسلحة و الإبقاء على صناعة النفط، أي الإبقاء على الشركات. ينفقون على الشركات من جيوب الشعب فيملؤن جيوب الشركات و البنوك، لذا فهم لا يرحمون حتى شعوبهم. الشعب الأمريكي يتخبط اليوم في أزمة اقتصادية شاملة عميقة و ليس أمامه سبيل حل. و مقرات تعذيب غوانتانامو و أبو غريب في العراق و باقي مقرات التعذيب لها قصصها المستقلة المفصلة. إنهم لا يفهمون الشعوب. هل يفهم رئيس جمهورية أمريكا الحالي ما يقوله؟‌ هل يدرك حقاً من الذين يقفون وراء‌ سياساته أم أنه لا يفهم و يعيش حالة غفلة و دوار؟ هذا ما لا نعلمه. يقول إن الجماهير في ساحة (آزادي) بطهران هم أنفسهم الجماهير في ساحة التحرير بمصر. إنه على حق، ففي الثاني و العشرين من بهمن كل عام يجتمع الشعب في ساحة (آزادي) و يرفع شعارات (الموت لأمريكا).
موقف الجمهورية الإسلامية من أحداث المنطقة واضح. موقفنا هو الدفاع عن الشعوب و حقوقها. إننا مع الشعوب المسلمة‌ و الشعوب المظلومة في أي نقطة من العالم، و نعارض العتاة و المستكبرين و المستبدين و الخبثاء و المهيمنين و الناهبين في أي نقطة من العالم. هذا هو موقف الشعب الإيراني و موقف النظام الإسلامي. إنه الموقف الواضح الجلي لنظام الجمهورية الإسلامية. هذه هي السياسات و هذه هي القلوب و هذا هو المنطق و التصريح، سواء من جانب الشعب أو من جانب المسؤولين.
ثمة نقطتان جديرتان بالانتباه:‌ إحداها قضية ليبيا، و الثانية قضية البحرين. في قضية ليبيا نحن ندين السلوك الذي انتهجته الحكومة الليبية مع الشعب و لا تزال - قتل الناس و الضغظ عليهم و قصف المدن و قتل المدنيين - مائة بالمائة، لكننا ندين أيضاً مائة بالمائة تدخل الأمريكان و الغربيين. إنهم يزعمون إننا نريد التدخل في ليبيا أو القيام بعمليات عسكرية فيها دفاعاً عن الشعب. و هذا غير مقبول بالمرة. لو كانوا حقاً إلى جانب الشعب الليبي و لو كانوا مخلصين فعلاً لهذا الشعب فالشعب الليبي يُقصف منذ شهر، فلماذا لم تمدوا لهم يد العون، و لم تزودوهم بالسلاح و الإمكانيات و المضادات الجوية. و بدل كل هذا قعدوا مدة شهر كامل و تفرجوا على تقتيل الشعب، و يريدون الآن التدخل! إذن، لم تتدخلوا للدفاع عن الشعب، إنما يهمكم نفط ليبيا و موطئ أقدام لكم فيها. تريدون استخدام ليبيا كموضع قدم لتسيطروا على الحكومات الثورية المستقبلية في مصر و تونس الواقعين على طرفي ليبيا. نيتكم نية فاسدة. إننا لا نوافق هذا التحرك من الغربيين برئاسة أمريكا. منظمة الأمم المتحدة التي يجب أن تكون لخدمة الشعوب أصبحت للأسف أداة بيد هؤلاء توفر لهم كل ما يحتاجون إليه! هذا عار على منظمة الأمم المتحدة. إذن، تواجد القوى الأجنبية و الغربيين في ليبيا غير مقبول بحال من الأحوال. إذا كانوا يريدون مساعدة فالطريق لمساعدة الشعب مفتوح و بوسعهم تقديم المساعدات للشعب و تجهيزهم و سيعالج الشعب نفسه قضيته مع القذافي و الآخرين، فلماذا تتدخلون أنتم مباشرة؟
أما قضية البحرين فهي من حيث الماهية تشبه تماماً القضايا الأخرى في بلدان المنطقة. أي إن قضية البحرين لا تختلف إطلاقاً عن قضية مصر و قضية تونس و قضية ليبيا. إنه شعب تحكمه حكومة تتجاهل حقوقه. ماذا كان يريد الشعب البحريني بثورته هذه؟ المطلب الأساسي للشعب البحريني هو إقامة انتخابات و أن يكون لكل إنسان صوت واحد، فهل هذا شيء كثير؟ و هل هو توقع كبير؟ حسب ظاهر الأمور في البحرين هناك انتخابات، و لكن الشعب لا يتمتع إطلاقاً بحق التصويت بمعنى أن يكون لكل شخص صوت واحد، و هناك ظلم يجري على هذا الشعب. هنا اغتنم الغربيون الفرصة للتدخل في شؤون المنطقة عن طريق إثارة قضية جديدة هي قضية الشيعة و السنة. لأن الشعب البحريني المسكين شيعي جب أن لا يدعمه داعم في العالم! التلفزيونات التي تبث تفاصيل أحداث المنطقة تسكت عن أحداث البحرين و لا تعكس تقتيل الشعب البحريني، و يخرج عدد من الأشخاص في بلدان الخليج الفارسي - سواء كانوا سياسيين أو صحفيين - فيهذرون و يقولون إن قضية البحرين قضية حرب بين الشيعة و السنة! أية حرب بين الشيعة و السنة؟ إنه اعتراض شعب على الظلم الذي يقع عليه، و الأمر تماماً كما في تونس و كما في مصر و كما في ليبيا و كما في اليمن، لا فرق بين ذاك و هذه. و الأمريكان فرحون لأنهم يستطيعون بأبواقهم الإعلامية في المنطقة الترويج لفكرة أن قضية البحرين قضية اختلاف بين الشيعة و السنة، فيحولوا بذلك دون وصول المساعدات التي قد يفكر البعض بتقديمها، و في الوقت نفسه يغيرون ماهية‌ الأمور. يقولون لماذا تدعم إيران الشعب البحريني. نحن دعمنا الجميع. إننا ندعم الشعب الفلسطيني منذ اثنتين و ثلاثين سنة. أي بلد أو حكومة أو شعب قدم مثل هذا الدعم طوال هذه الأعوام الإثنين و الثلاثين؟ فهل الشعب الفلسطيني شيعي؟ كم بذل شعبنا من الجهد فيما يتعلق بغزة؟ توجه شبابنا للمطار ليذهبوا إلى غزة! كانوا يريدون التوجه إلى غزة للقتال ضد إسرائيل، و كانوا يتصورون أن الطريق مفتوح، لكن الطريق كان مغلقاً و لا يمكنهم الذهاب إلى هناك. و قلنا لهم لا تذهبوا.. منعناهم لئلا يبقوا حائرين تائهين وسط الطريق. لم يكونوا يسمحون لهم بالوصول طبعاً. لقد أبدى شعبنا مشاعره في كل مكان حيال غزة و حيال فلسطين و حيال مصر و حيال تونس، و هؤلاء‌ ليسوا بشيعة. إذن القضية ليست قضية شيعة و سنة. يحاولون عن خبث و سوء‌ نية إظهار قضية‌ البحرين و كأنها قضية شيعة و سنة. و للأسف فإن بعض الذين يتصور الإنسان أنهم لا يحملون نوايا و محفزات سيئة وقعوا في هذا الفخ. إذا كان هناك خيرين مخلصين في هذا الخضم فإني أعلن لهم بأن لا يحولوا القضية إلى قضية شيعة و سنة فهذه أكبر خدمة‌ لأمريكا و لأعداء الأمة ‌الإسلامية بأن يحملوا تحركاً عاماً مناهضاً للاستبداد يقوم به شعب على أنه صراع بين الشيعة و السنة. ليس هناك صراع بين الشيعة و السنة.
إننا لا نفرق بين غزة و فلسطين و تونس و ليبيا و مصر و البحرين و اليمن. الظلم ضد الشعوب مدان أينما كان. تحرك الشعوب بشعارات الإسلام و باتجاه الحرية مما نؤيده. ذروة وقاحة الأمريكيين حينما لم يعتبروا نزول دبابات الحكومة السعودية إلى شوارع المنامة في البحرين تدخلاً، و لكن حينما يقول مراجع تقليدنا و علماؤنا و مخلصونا لا تقتلوا الناس، يقولون لنا إنكم تدخلتم! هل هذا تدخل؟! أن نخاطب حكومة أو نظاماً ظالماً و نقول له لا تقتل شعبك فهذا تدخل، لكن نزول الدبابات الأجنبية لشوارع البحرين ليس تدخلاً! هذه ذروة‌ وقاحة الأمريكيين و إذنابهم في المنطقة أن يتصرفوا بهذه الطريقة و يتحدثوا بهذه الطريقة و يتخذوا مثل هذه المواقف الإعلامية. بالطبع نعتقد أن الحكومة السعودية قد أخطأت و ما كان ينبغي لها أن تتخذ مثل هذه المواقف و تجعل من نفسها مكروهة مبغوضة في المنطقة. الأمريكان يبعدون آلاف الكيلومترات عن هنا، فإذا صاروا مكروهين مبغوضين فقد لا يكون الأمر مهماً لهم بدرجة كبيرة، لكن السعوديين يعيشون في هذه المنطقة و من الخسارة الكبيرة أن تكون الشعوب كارهة مبغضة لهم. لقد أخطأوا بفعلهم هذا. و كل من يفعل مثل هذا يكون قد أخطأ.
ما أقوله بنحو حاسم هو أن هناك حركة جديدة في المنطقة قد انطلقت بتوفيق من الله. إنها حركة الشعوب و حركة الأمة الإسلامية، و هي حركة بشعارات إسلامية و نحو الأهداف الإسلامية و مؤشر على الصحوة العامة للشعوب. و حسب الوعد الإلهي فإن هذه الحركة ستنتصر يقينا و بلا شك. الشعب الإيراني شعب مرفوع الرأس و فخور و مرتاح لأنه كان البادئ في هذا الطريق و قد أبدى صموداً و استقامة. الجيل الشاب الذي يتولى الأمور حالياً لم يشهد الثورة، لكنه إن لم يكن أصلب من الثوريين في ذلك العهد فهو ليس بأقل منهم.
ربنا بمحمد و‌ آل محمد احفظ شبابنا الأعزاء. ربنا أنزل رحمتك و فضلك على شعبنا العزيز. ربنا زد يوماً بعد يوم من عزة و شموخ خدام هذا الشعب و هذه الحركة و الإسلام و المسلمين. ربنا أرض القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر عنا. ربنا بمحمد و آل محمد أرض عنا أرواح الشهداء‌ الطيبة و الروح الطاهرة لإمامنا الجليل، و متعنا بالفيض و الرحمة التي مننت بها عليهم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - شعار الحاضرين «الموت للمنافقين».