بسم الله الرحمن الرحیم
أولاً استمتعنا بالأشعار التی قرأها الأعزاء، و خصوصاً بعض الأشعار تضمّنت جمیع المعاییر و الموازین المبهجة و السارّة باتجاه تطوّر الشعر. ثانیاً ما یشاهده المرء فی هذه الجلسة، و جلسات أخری بعض الأحیان، هو وجود مواهب جد رصینة و غنیة و باعثة علی الأمل. إننی أخمّن أن یکون لنا فی المستقبل غیر البعید جداً إن شاء الله ذروة شعریة أخری بفضل هذه المواهب الشابة. و طبعاً یجب علی هؤلاء الشباب أن یتقدموا و یستکملوا مواهبهم.. ینبغی تنضیج هذه المواهب و تعمیقها، و هذا ما سیحصل بالتأکید. سوف ینهض فی فترتنا إن شاء الله صرح رفیع یذکِّر بفترات ذروة الشعر فی بلادنا، فقد کان للشعر علی امتداد الحقب التاریخیة منعطفات و صعود و هبوط، و قد بلغ الشعر فی بعض الفترات ذروته و أوجه. و سوف یتحقق هذا لنا إن شاء الله فی مستقبل غیر بعید جداً.
هناک عدة نقاط أذکرها کتوصیات للإخوة باعتبارها مناسبة لهذه الجلسة. من هذه النقاط أن هذا الشعر الذی أطلقتم علیه اسم الشعر الدینی، و هی تسمیة لیست غیر مناسبة، من أفضل المجالات لتوظیف القریحة الشعریة و هذه الموهبة العظیمة التی منّ الله بها. هذه القریحة نعمة کبیرة یعطیها الله للإنسان، و یجب عدم کفرانها. و شکر هذه النعمة یکمن فی أن یستخدم الإنسان هذه القریحة لإنتاج شیء یعرضه علی الناس و الأفکار، و یکون هذا الشیء مفیداً. و لا أرید أن أقول بتصلب و جمود و بصرف النظر عن انتفاع المستمع و استفادته أن لا یفکر الشاعر باختلاجات فؤاده و لا یعبِّر عن ما یجول فی خاطره و مشاعره، لا، لا إشکال فی هذا. أی إننا لا نروم رفض أن ینظم الشاعر شعره من صمیم قلبه و لأجل قلبه. لکننا نرید القول علی مستوی التقییم إنه إذا کان المفترض أن یکون للشعر مضامین و محتوی فأفضل محتوی هو المحتوی الدینی بمدیاته الواسعة المترامیة.
حتی فی جوانب من الأشعار الغنائیة لحافظ الشیرازی هناک شعر دینی. و بالطبع فأنا لا أعتقد أن کل أشعار حافظ الغنائیة علی هذا الغرار، لکن جزءاً مهماً من أشعاره هو فی الحقیقة شعر دینی بهذا المعنی الذی نقصده. أی التعبیر عن المعارف و الحقائق الإلهیة فی قالب خاص. کما أن المثنوی للمولوی أیضاً کنز من هذه الأفکار و المعارف الإلهیة. إذن تعدّ هذه المضامین تعدّ أفضل موضوع للشعر. طبعاً، حینما ینظر المرء لتاریخ الشعر یجد أن هذا التقید و الالتزام لم یراع من قبل الشعراء علی امتداد التاریخ، أی إنهم بذلوا هذه الجوهرة الفریدة - أو «درّ دری» علی حد تعبیر ناصر خسرو - علی أقدام الخنازیر، و مدحوا و أنتجوا أشیاء تافهة لا معنی لها، و بعضهم استخدمها للتعبیر عن معان مبتذلة و حسیة و شهوانیة. و هذا فی الحقیقة إسراف و توظیف للقریحة الشعریة فی غیر محلها.
طبعاً لیسوا قلائل بین شعرائنا أولئک الذین استفادوا من هذه القریحة إلی أقصی الحدود و أنتجوا أفضل الأشعار. لدینا من هؤلاء الشعراء فی مختلف العصور. لدینا أمثالهم فی زماننا و فی الأزمنة الماضیة و علی شتی الأسالیب و المدارس. منذ العهود القدیمة کان لدینا شاعر مثل سنائی و ناصر خسرو. لقد استخدم هؤلاء هذه القریحة و قاموا للحق و الإنصاف بما یجب أن یقوموا به. و لدینا کذلک سعدی الشیرازی. و کذا الحال بالنسبة للأحقاب اللاحقة، إذ لدینا شاعر مثل صائب التبریزی. طبعاً لیست قلیلة أشعار صائب غیر المتقیدة بالمعانی و المعارف السامیة، لکن لدیه للحق و الإنصاف أیضاً غیر قلیل من الشعر الطافح بالمعارف. نظم هؤلاء أشعاراً أخلاقیة و معارفیة و بأعلی المستویات و بأفضل الأشکال التی یمکن للمرء حقاً أن یذکر بها الشعر الغنائی. و کذا الحال بالنسبة للشاعر بیدل دهلوی. و کل دیوان بیدل تقریباً هو من شعر المعارف. ذات مرة قبل سنوات أوصیت الأعزاء من مداحی أهل البیت بأن ینظروا فی دیوان صائب و یفتشوا فیه عن الشعر الأخلاقی و الشعر المعارفی و الشعر العرفانی، و مثل هذه الأشعار لیست قلیلة فی دیوانه. إنها مضامین جد ناضجة و تنیر القلوب.
یقول مثلاً:
در هیچ پرده نیست نباشد نوای تو
عالم پر است از تو و خالیست جای تو
هر چند کائنات گدای در تواند
هیچ آفریده نیست که داند سرای تو
ما ستار یخلو من صوتک و أنغامک
العالم ملئ بک و مکانک مع ذلک خالٍ منک
مع أن الکائنات کلها فقراء واقفون ببابک
و لکن ما من مخلوق یعلم أین دارک و بابک
لاحظوا أیة ثورة سیخلق المداح فی قلوب المستمعین حینما یقرأ بصوته و لحنه الجمیل هذه الأبیات فی مجلس من المجالس. ینبغی الاستفادة من هذه الأشعار. و کذا الحال بالنسبة للآخرین.
و أضیف هنا - و قد دوّنت هذه النقطة لکننی سأذکرها الآن - أن بعض السادة المداحین یقولون لنا إننا حین نقرأ الأشعار الفاخرة الرفیعة المستوی فإن الناس لا یفهمونها. نعم، بعض الأشعار هی من هذا الطراز فعلاً، أی إنها أرفع من المستوی الفکری العام للناس، و حتی الإنسان الأدیب الشاعر صاحب الذوق یجب أن یدقق حتی یدرک معانیها. نحن لا نوصی بهذه الأشعار، و لکن لاحظوا أن ذهنیات الناس و تلقی المخاطبین یرتفعان بما تقرأونه لهم. هذا ما أقوله لمداحی أهل البیت، فأنتم تستطیعون رفع المستوی الذهنی للناس. لتُقرأ الأشعار الجیدة و الألفاظ الجمیلة و المضامین الرفیعة و المعارف المتینة. و الناس مضطرون بالتالی للاستماع، إذ حینما تقرأون جیداً سوف یستمعون و سوف یرتفع مستوی ذهنیاتهم طبعاً. لا بد أن نجعل هذا من جملة واجباتنا بأن نرفع من مستوی رؤیة الناس و أذواقهم و تأملاتهم.
النقطة التالیة هی أن المناجاة جزء من الشعر الدینی. لیس الشعر الدینی مجرد المدح و المراثی، فالمناجاة أیضاً جزء من الشعر الدینی. و من أجل أن نجد مضامین المناجاة بشکل جید و صحیح فإن الأدعیة هی خیر مرجع و مصدر لنا. لیطالع الأعزاء الصحیفة السجادیة و یستأنسوا بها. هذه القرائح التی أراها فیکم تستطیع أن تستفید بنحو جید جداً من مضامین الصحیفة السجادیة و تصبّها فی قوالب الأشعار الجمیلة جداً. المرحوم بهجتی أردکانی - صدیقنا القدیم - نظم جانباً من دعاء أبی حمزة الثمالی شعراً قبل ثلاثین أو أربعین عاماً، و قد قرأ منظومته لی. و کانت المضامین التی نظمها هی الأجزاء الصعبة من الدعاء - فتعابیر الدعاء هناک صعبة و مضامینه صعبة - و مع ذلک استطاع تحویل ذلک الدعاء إلی منظومة شعریة. و أری الآن بین هؤلاء الشباب قرائح و أذواقاً أعلی من قریحة المرحوم بهجتی. فی نفس هذه الجلسة أری قدرات شعریة أقوی و أحدّ و أقدر من القدرات الشعریة للقدماء و الماضین. بوسعکم تحویل مضامین دعاء عرفة لسید الشهداء (سلام الله علیه) إلی شعر. دعاء عرفة للإمام الحسین دعاء عاشق. و للإمام السجاد أیضاً دعاء فی یوم عرفة - فی الصحیفة السجادیة، الدعاء السابع و الأربعون، دعاء یوم عرفة - و هو أیضاً دعاء عمیق المعانی زاخر المضامین. لکن دعاء الإمام الحسین دعاء عاشق و شیء مختلف. إذا تعرفتم علی هذه الأدعیة و استأنستم بها و دققتم فیها لکان بوسعکم استلهام فقرة واحدة من هذا الدعاء لنظم قصیدة کاملة أو مجموعة أو مقطوعة أو قصیدة غنائیة جد جمیلة. إذن استفیدوا من الصحیفة السجادیة و الأدعیة لنظم أشعارالمناجاة و التوحید.
و استفیدوا من الزیارات و خصوصاً زیارة الجامعة الکبیرة لنظم مناقب الأئمة. و بذلک سوف لن تحتاجوا أبداً لخلق مبالغات فی أذهانکم. ما یجب أن یقال حول الأئمة (علیهم السلام) موجود فی الزیارة الجامعة. بمقدورکم اختیار فقرة من فقرات الزیارة الجامعة - و ربما مئات الفقرات - و إنتاج قصیدة غنائیة جمیلة و أصیلة حسب قریحتکم الشعریة و خیالکم و إبداعکم الذهنی. إمکانیات و استیعاب هذه المعارف کبیر إلی هذه الدرجة.
استخرجوا المعارف الإسلامیة و القرآنیة السامیة من القرآن الکریم نفسه و من نهج البلاغة و من بعض روایات أهل البیت من قبیل روایات أصول الکافی فی بعض أقسامه. و استأنسوا بهذه المصادر، فالشعر الدینی له مدیات واسعة جداً و بوسعکم التأثیر علی ذهنیة المجتمع. ثمة روایة فی تحف العقول هی توصیة من الإمام الصادق (علیه السلام) لعبد الله بن جندب تشتمل علی أجزاء أجزاء یقول فیها الإمام: یا بن جندب یا بن جندب.. و هی روایة زاخرة بالحکمة. الحق أن کل ما نحتاجه لأخلاقنا الشخصیة و لمعاشرتنا الاجتماعیة و لأنشطتنا العامة و لبناء الحضارة الإسلامیة یمکن أن نجده فی هذه الروایة و نظائرها. و هذا الذی ذکرته إنما هو نموذج و مثال. و النماذج من هذا القبیل کثیرة و باستطاعتکم مراجعتها. إذن أقیموا الشعر الدینی علی هذه المعارف الإلهیة الحقة و بهذه المصادر التی ذکرت.
المسألة الأخری هی أن الإنسان حینما یری هذه القرائح و الأذواق المتدفقة یأخذه الشوق و الحماس حقاً. شددوا علی هذه الأمور: أولاً البحث عن المضامین. عندما تریدون التعبیر عن فکرة معینة فیمکن التعبیر عنها بمضامین متنوعة. صناعة المضمون للتعبیر عن حقیقة معینة فن شعری ضخم جداً. و طبعاً فإن قطب هذا الفن و مصدره الرئیسی هو أشعار الأسلوب «الهندی». أشعار صائب، و بیدل، و عرفی، و کلیم. حینما تراجعون أشعار هؤلاء تجدون أن جهاز صناعة المضامین و البحث عن المضامین و العثور علیها واسع جداً. و لحسن الحظ فإن المضامین الجدیدة و الجمیلة لیست قلیلة فی تعابیر الأصدقاء الأعزاء، و هذا ما أراه. یمکن خلع عدة أردیة علی الفکرة، و نسمّی کل ثوب نخلعه علی الفکرة مضموناً. هذا هو المعنی ذو المضمون. إذن أحدی النقاط و المسائل هی مسألة البحث عن المضامین.
المسألة الأخری هی التراکیب الجدیدة. فی الفترة الحالیة بعد الثورة دخلت لغة الکلام المتداولة إلی الشعر- و هذا ما لم یکن موجوداً قبل الثورة - طبعاً بأشکال مختلفة، فبعض النماذج قویة رصینة استخدمت اللغة الدارجة بشکل جمیل جداً و بعضها ذات مستویات أدنی. لا إشکال إطلاقاً فی أن نستخدم لغتنا الحواریة الدارجة العادیة للتعبیر عن تلک المعانی و المعارف، و لکن بتراکیب جدیدة و أشکال و مفردات جدیدة.
المسألة الأخری هی التعبیر الصحیح. علی الأعزاء أن یتنبهوا لهذه النقطة و هی أن الشعر یجب أن یکون صحیحاً من حیث موازین اللغة و قواعدها. یجب استخدام الأفعال بصورة صحیحة و فی المحل المناسب، کما ینبغی أن یکون ترابط أجزاء الجملة ترابطاً منطقیاً قانونیاً.
النقطة التالیة التی أعتقد أنها مهمة لمجموعة الأعزاء الذین ینظمون الشعر الدینی هی مسألة تأثیر المحیط و البیئة علیهم. و طبعاً، لا أقصد البیئة العامة للمجتمع. فمن البدیهی أن تترک البیئة الاجتماعیة تأثیرها علی الفرد. الوضع الاقتصادی و الوضع السیاسی و الوضع الاجتماعی یترک تأثیره علی کل إنسان، و یترک تأثیره علی الشاعر أیضاً، و من الطبیعی أن یترک تأثیره علی شعره کذلک. لا أرید التحدث عن هذا الجانب. البیئات الخاصة و الحلقات الثقافیة الخاصة تترک تأثیرها علی الأذهان. إرید أن أقول لکم أیها الشباب المؤمنون المتدینون الملتزمون المحبون لأهل البیت الذین تتحدثون بحماس و حب عن أهل البیت، و تنظمون الأشعار و تتحدثون بطریقة عاشقة جمیلة عن المعارف الإلهیة و عن التوحید، إحذروا من أن تجرّکم البیئات إلی تجاهات أخری. أی راقبوا أنفسکم بأنفسکم. و شجعوا أنفسکم علی الثبات فی هذا الطریق، و عززوا هذا الثبات یوماً بعد یوم، فالأجواء الشعریة و الفنیة و الأدبیة تترک تأثیرها علی الإنسان.
ثمة فی ذهنی مثال أتذکّره دائماً. الشاعر الذی أقصده و الذی سأذکر اسمه الآن شاعر کبیر هو محمد جان قدسی مشهدی. إنه من الشعراء البارزین فی الأسلوب « الهندی» خلال العهد الصفوی - القرن الحادی عشر للهجرة - و شعره من أمتن الشعر. أعتقد أنه من بعد صائب لا یوجد فی ذلک الأسلوب مثل محمد جان سوی واحد أو إثنین من الشعراء. حینما کان فی مشهد کان خادماً للروضة الرضویة المقدسة و من مداحی الإمام الرضا، و کانت أشعاره أشعاراً دینیة و دیوانه ملئ بهذه الأشعار. أنظروا فی دیوان حاج محمد جان، و ستجدون أن مثل هذه القصائد کثیرة هناک. لکنه فی مرحلة لاحقة هاجر إلی الهند، و جالس أمراء الهند و سلاطینها، و اختلط بالبلاط المتهتک غیر الملتزم هناک، فقلبت تلک البیئة هذا الرجل رأساً علی عقب. و هذا ما یمکن أن یلاحظه المرء فی قصائده الغنائیة. إننی کثیراً ما أفکر بهذه الحالة. هذا الشعر لمحمد جان قدسی:
پارسا در مجلس رندان نشستن خوب نیست
هر که امشب من نمینوشد به ما منسوب نیست
در چنین فصلی که بلبل مست و گلشن پر گل است
گر همه پیمانه ی عمر است خالی خوب نیست
لیس من الحسن الجلوس بورع فی مجلس الشطار
کل من لا یشرب اللیلة لا ینتسب لنا
فی مثل هذا الفصل حیث البلبل سکران و الروض مکتظ بالأزهار
لیس من الحسن أن تعود کؤوس العمر کلها خالیة
أی إن البیئة الشعریة استلمته سکیراً شاطراً معربداً شرّیب خمر، بعد ما کان إنساناً ورعاً طاهراً متعبداً ینظم المدیح للإمام الرضا فی مشهد! تلک البیئة هکذا أنشأته طبعاً. لذلک إحذروا من البیئات، و هذا ما یحصل عن طریق ارتباطاتکم و تواصلکم الدائم مع بعضکم. أعتقد أن جلسات الشعراء المادحین لأهل البیت - سواء الشباب أو الرواد و القدماء - مع بعضهم یجب أن تکون متواصلة مستمرة. و هذا لا یعنی أنها لا بد أن تکون جلسة واحدة فقط، لا، ینبغی أن تکون هناک جلسات من أجل تنمیة و ترشید المواهب المتدفقة الشابة فی هذه البیئة.
و النقطة الأخیرة هی أن الشعر الدینی قلیلاً ما یتطرق لبعض الموضوعات، و منها الموضوعات ذات الصلة بالثورة و قضایا الحرب و الدفاع المقدس. طبعاً کان الحال جیداً جداً فی فترة من الفترات. السید مؤید نفسه، حینما جاءوا بجثامین الشهداء فی زمن الحرب إلی مشهد، ربما کان ینظم فی کل یوم أو فی کل بضعة أیام قصیدة غزلیة یقرؤها المداحون، و یقرؤها الآخرون. و الآن فإن مکان مثل هذه الأشعار خالٍ. ثمانیة أعوام من الدفاع المقدس کانت من حیث الزمن ثمانیة أعوام، لکنها من حیث استمرارها المعنوی و الفکری و الثقافی قد تستمر لعدة قرون. الملحمة التی برزت فی الدفاع المقدس و الدوافع التی کانت وراء هذه الملحمة و الحوادث التفصیلیة التی وقعت خلال هذه المدة لیست أموراً تنتهی فی غضون عشرة أعوام و خمسة عشر عاماً و عشرین عاماً. و أنتم من جملة الأمناء و یجب علیکم صیانة هذه الأمانة و نقلها للآخرین.
طبعاً هناک فی الثورة أحداث متجددة یوماً بعد یوم و یجب التطرق لها جمیعاً، لکن ینبغی فی الوقت ذاته عدم نسیان تلک الأحداث. من الأمور المتعلقة بالحرب و التی تشغل بالی هؤلاء المعاقون الذین یستشهدون بعد مدة، و هذا بحد ذاته موضوع خاص. هذا أمر یختلف عن الشهید الذی استشهد فی الجبهة و نظمت عنه الأشعار. هذا إنسان مرّ بتجربة و تحمل آلاماً و نال بعدها وسام الشهادة. إبحثوا عن موضوعات من هذا القبیل. و کذا الحال بالنسبة لموضوعات تتعلق بالمراثی و مراثی سید الشهداء و واقعة کربلاء. یری الإنسان ألسنة الحال التی تذکر و هی کثیرة، و قد لا تتطابق بعضها مع الواقع، أی إنها لیست من الأمور التی بوسع المرء تأییدها، و لکن ثمة هناک أرضیات. حول مصیبة سیدنا أبی الفضل (علیه الصلاة و السلام) مثلاً یلوح لی أن من الجوانب المهمة و الجذابة التی بمقدورها التعبیر عن هذه المصیبة هو لسان حال والدة سیدنا أبی الفضل.. حیث تقول: «لا تدعونّی ویک أمّ البنین»، أو شعر آخر ینسب إلیها. هذان شعران ترجما، و لم تکن الترجمة لافتة جداً أو قویة. لکن هذا بحد ذاته مجال. أمّ تجلس فی البقیع بالمدینة عند صور قبور أبنائها الأربعة الذین استشهدوا فی کربلاء و تنوح و تنشد و تخلق الملاحم. لیست القضیة کلها ذرف دموع و لطم علی الرؤوس - یوجد أیضاً بالطبع ذرف دموع و لا إشکال فیه - إنما هناک أیضاً ملاحم و حماسة و فخر بهؤلاء الشباب. هذا مجال جید جداً و ینبغی الاستفادة کثیراً من هذه المجالات لذکر المصاب. أو وصف بعض الحالات الروحیة لأبطال کربلاء من قبیل ما قاله عمان سامانی إذ صوّر لحظات سیر الإمام سید الشهداء إلی ساحة الحرب - و لا أدری کم هی واقعیة هذه الصورة لکن قراء التعازی یقرأونها - عندما تأتی السیدة زینب و تقف أمامه و تقطع علیه الطریق و یدور حوار بینهما. استفاد عمان من هذا الحوار لشرح شخصیة السیدة زینب.
کای عنان گیر من آیا زینبی؟
یا که آه دردمندان در شبی؟
هل أنت زینب یا من تمسکین بعنان فرسی؟
أم أنت آهات المعذبین فی اللیالی؟
ثم یقول: «زن مگو مردآفرین روزگار».. لا تقل إمرأة بل هی صانعة الرجال فی عصرها. لاحظوا أنه یستفید من هذه المناسبة - مناسبة الحوار بین الأخ و أخته - لیسلط الأضواء علی شخصیة السیدة زینب (سلام الله علیها) و یشرحها. هذه مجالات مهمة فلا تکون ألسنة الحال مقتصرة علی بیان ما حصل من أحداث و أحوال لأبطال القصة فی تلک الساعات، إنما یمکن شرح خصوصیات الشخصیات و دقائقهم الروحیة و عظمتهم. هذه کلها مجالات.
علی کل حال، أسأل الله أن یوفقکم و یؤیدکم لتستطیعوا التقدم أکثر فأکثر علی هذا الصعید. کان الیوم یوماً طیباً بالنسبة لی. و قد استمتعت کثیراً بالأشعار التی قرأها الأعزاء. إننی أدعو لکم و أرجو أن یجعل الله إذهانکم أنشط یوماً بعد یوم، و قرائحکم أخصبف و ألسنتکم أبلغ، و اتجاهات عملکم أکثر استقامة و أفضل.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.