بسم الله الرحمن الرحيم
أهلاً و مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء من العاملين في مجال الكتاب. الجلسة هذه جلسة ثقافية مائة بالمائة، و قد كان هدفي الأول من إقامتها و اللقاء بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء أن أقدم الشكر لجهود مدراء المكتبات و أمنائها في كافة أنحاء البلاد للأعمال الكبيرة و المهمة التي تقومون بها، و الهدف الثاني هو في الواقع التعبير رمزياً عن احترام الكتاب و مطالعة الكتب و أهمية الكتاب في المجتمع.
كلما تقدمنا أكثر ازدادت حاجتنا للكتاب. أن يتصور شخص أن ظهور وسائل الاتصال الجمعي الحديثة سوف يفرض علی الكتاب العزلة فهذا خطأ. الكتاب يزداد أهمية في المجتمع البشري يوماً بعد آخر. الميزة الأهم للأدوات و الوسائل الحديثة هي نقل الكتب و مضامينها و محتوياتها بسهولة أكبر. لا شيء يمكنه أن يحلّ محلّ الكتاب.
إذا أردنا التكامل لنا جميعاً من الناحية الفكرية و من حيث التجارب و الأذواق و الفنون فيجب علينا تقوية أواصرنا بالكتاب. الكتاب مجموعة من المنتجات الفكرية و الأذواق و الفنون.. مجموعة من اكتشافات إنسان أو عدة أشخاص. علينا أن نغتنم بجد فرصة انتفاعنا من النتاج الفكري لأي إنسان. و هذا ما يقدمه و يهديه لنا الكتاب. هذه هدية‌ الكتاب لنا. لذا فالكتاب ظاهرة‌ و موجود ذو قيمة كبيرة. كان كذلك دائماً و سيكون كذلك في المستقبل أيضاً. لذلك ينبغي الاهتمام بالكتاب.
و الاهتمام بالكتاب يقوم في الواقع علی الاهتمام بمطالعة الكتاب. ينبغي إشاعة تقليد مطالعة الكتاب في المجتمع. هذه هي الفائدة المتوخاة من تعلم القراءة و الكتابة. تأثيرات الحركة‌ و النهضة ‌التي تطلق في البلدان لاستئصال الأمية هي أن يستطيع الأفراد الاستفادة من ما تقدمه لهم أفكار الآخرين و أذواقهم و مواهبهم. و هذا غير متاح من دون مطالعة الكتب. أعتقد أن من أسوأ أنواع الكسل و أفدحها خسارة هو الكسل في قراءة الكتب. و كلما أفسح الإنسان المجال لهذه النوع من الكسل كلما استحوذ علیه أكثر. ينبغي ترويج مطالعة الكتاب في المجتمع. و هذه المهمة تقع علی عاتق جميع الأجهزة و المؤسسات المسؤولة في هذا المضمار، ابتداء من المدارس الابتدائية - حيث يجب أن تكون هناك برامج لأطفالنا تعوّدهم منذ طفولتهم علی قراءة الكتب بتدبر و تحقيق و تأمل - إلی وسائل الاتصال الجمعي، إلی الإذاعة و التلفزيون إلی الوسائل الإعلامية المختلفة.
من الأعمال الكبيرة و المهمة علی مستوی المجتمع أن تكون الدعاية لمطالعة الكتاب شاملة واسعة. نری اليوم أن أصحاب البضائع قليلة الأهمية‌ و عديمة التأثير في حياة البشر يطلقون لها دعاية و إعلاماً ملوناً عجيباً غريباً يحتل مكانه في وسائل الاتصال العامة ‌و الصحافة و الإذاعة‌ و التلفزيون، و الحال أن تلك البضائع غير ضرورية أبداً و لا لزوم لها و تعدّ أشياء إضافية و زائدة في الحياة، وجودها قد يكون مفيداً أحياناً و قد لا يكون مفيداً في بعض الأحيان، بل ربما كان مضراً. و نتاج بعظمة الكتاب و قيمته جدير أن تعمل له دعاية و إعلام و يشجع المستطيعون علی قراءة الكتاب، يجب أن نجعل هذا الأمر عادة جارية.
و أقولها لكم إننا غير راضين عن ما في بلادنا و في مجتمعنا من واقع قائم في هذا الخصوص. صحيح أن حجم الكتب التي يتم إنتاجها حالياً يختلف عن الماضي اختلافاً كبيراً، و الكتب تنشر أحياناً بأضعاف مضاعفة، أو أن عدد نسخ كتاب من الكتب يرتفع كثيراً، لكن هذا لا يكفي، فهذا قليل جداً بالنسبة لبلادنا. يجب أن يحتل الكتاب نصيباً مقبولاً في لائحة استهلاك العوائل، و أن يشتري الناس الكتاب لقراءته لا لتجميل غرفة المكتبة و ديكورها و استعراضه علی هذا و ذاك. هذه نقطة‌ تتعلق بمطالعة الكتاب في المجتمع.
و نقطة أخری تتعلق بالمكتبات. أمناء‌ المكتبات يتحملون في هذا الصدد جهوداً و متاعب كبيرة، و هم المتصدون مباشرة لهذه المهام. كنت ألاحظ دور أمناء المكتبات عن كثب منذ حداثتي حينما كنت أراجع المكتبات العامة. كنت أقصد مكتبة الروضة‌ الرضوية المقدسة و أری الدور الذي يمارسه الأمناء هناك و ما يبذلونه من جهود و ما يتميزون به من إخلاص. أمانة‌ المكتبات بحد ذاتها من الأعمال الإنسانية الثقافية المميزة، بيد أن أمين المكتبة ليس مجرد ذلك الشخص الذي يتولی خدمة‌ المجئ بالكتاب و إعطائه للمراجع، إنما بوسع أمين المكتبة أن يكون مصدراً و مرجعاً لتوجيه الراغبين في مطالعة الكتب.
من الأعمال المهمة أن نعوِّد الذهن علی النظام في المجتمع. أحياناً إذا كانت مراجعة كتاب معين في محلها أي إذا تمت قبل قراءة هذا الكتاب الكتب الأخری المناسبة‌ للموضوع لكان تأثير ذلك أكبر و أعمق بكثير مما لو قرئ ذلك الكتاب دون ملاحظة ما يرتبط به. و هذا بحاجة إلی توجيه طبعاً.
بعض الذهنيات ذات قابلية كتابية، بيد أنها تميل إلی الكتب السهلة التي لا تحتاج إلی تفكير. لا إشكال في ذلك، فهذه أيضاً مطالعة كتب، و لا نرفضها، غير أن الأفضل من هذه الطريقة في مطالعة الكتب هو أن يمزج الإنسان في مطالعاته بين الكتب السهلة‌ - الرواية مثلاً أو الخواطر أو الكتب التاريخية السهلة - و الكتب التي تحتاج إلی تفكير و دراسة. ينبغي إشراك هذا النوع من الكتب في عملية المطالعة، و تعويد الذهن علی التأمل و التدقيق، و أن يعمل الذهن و يبذل جهداً و طاقة حيال الكتاب. و هذا بحاجة إلی توجيه.
من الأمور التي نحتاج إليها اليوم أمسّ الحاجة برامج المطالعة لمختلف الشرائح. يحدث مراراً أن نرغب الشباب و الأحداث في مطالعة الكتب فيراجعون و يقولون: ماذا نقرأ؟ ليس لهذا السؤال إجابة واحدة، و ربما كانت له إجابات متعددة. يجب علی العاملين في شؤون الكتاب - كوزارة الإرشاد و منظومة المكتبات - العمل علی هذه المسألة بجدّ، و أن يوجدوا سياقات مطالعاتية لمختلف القطاعات و لشتی الشرائح و بأشكال مختلفة و بالتنوع المناسب.. يبدأوا أولاً من هذا الكتاب، ثم هذا الكتاب، ثم ذاك الكتاب. حينما يدخل الشاب أو الحدث أو الشخص الذي لم يكن لحد الآن من قرّاء الكتاب و يبدأ مسيرته فغالباً ما سيستطيع بهذه الطريقة أن يجد طريقه. هذه أيضاً نقطة.
نقطة أخری هي انتخاب الكتاب و انتقاؤه. الكتاب حصيلة أفكار شخص و عقليته و تجاربه و فنونه و ذوقه، أو هو من إنتاج عدة أشخاص عملوا علی إعداده و إنتاجه. ليس كل كتاب مفيداً بالضرورة، و ليس أي كتاب غير ضار. بعض الكتب مضرة. المنظومة العاملة في شؤون الكتاب لا يمكنها اعتماداً علی فكرة أننا نترك المجال حراً و الناس هم الذين ينتخبون، لا يمكنها اعتماداً علی هذه الفكرة أن تسمح لأي كتاب ضار بالدخول إلی سوق الكتاب و المطالعة - كما أن الأدوية المسمومة و الأدوية الخطيرة و الأدوية المخدرة لا تسمح الجهات المختصة للكل باستخدامها دون قيد أو شرط، بل يبعدونها عن متناول الأيدي و يحذرون منها أحياناً - فهذا طعام معنوي، و إذا كان فاسداً أو مسموماً أو مضراً فليس من حقنا بصفتنا ناشرين أو أمناء مكتبات أو مدراء مكتبات أو مسؤولين عن التوزيع - بأي عنوان نرتبط من خلاله بالكتاب - أن نضع هذه الأشياء تحت تصرف أفراد غير واعين و غير فطنين. و لهذا الأمر في الفقه الإسلامي فصله الخاص. إذن يجب المراقبة و الحذر. ينبغي توفير الكتب الجيدة السليمة. و يجب التنبه أكثر من أي شيء آخر إلی أن هذا الكتاب يستطيع توفير التربية الفكرية و عرض الدرب الصحيح. إذن، من الضروري الاهتمام بهذه النقطة في برامج المطالعة.
إننا كشعب إيران و باعتبارنا شعباً مسلماً لنا بالكتاب صلة أساسية و عميقة و عريقة. لم نتعرف علی الكتاب اليوم أو أمس. في بلادنا، و خصوصاً بعد انتشار الإسلام، كان للمكتبات الضخمة‌ و المجاميع العلمية و المكتوبات القيمة سابقتها التاريخية العريقة. إننا شعب له أواصره القوية جداً بالكتاب. كانت لنا طوال القرون المتمادية صحبتنا للكتاب. و بالطبع لم يكن الحصول علی الكتاب يسيراً في تلك العهود، و كان استنساخ الكتب الخطية عملية صعبة، و مع ذلك فإن المؤهلين كانوا جديرين بالانتفاع من الكتاب، و لطالما جاهدوا و تعبوا من أجل ذلك. قرأنا و سمعنا كراراً أن البعض كانوا بحاجة إلی كتاب، و كان صاحب الكتاب يبخل و لا يعطيه، فيضطرون للتوسل و يحصلون عليه لليلة أو ليلتين كأمانة، فيبقون هذه المدة لا ينامون و لا يستريحون من أجل أن يستنسخوا هذا الكتاب و تكون لهم منه نسخة. الأحداث من هذا القبيل كثيرة جداً. و قد زالت مثل هذه الموانع اليوم حيث أدی تقدم العلم إلی إنتاج الكتاب و استنساخه و نشره بسهولة. علينا اليوم و في ضوء‌ هذه السوابق العريقة أن نرفع من مكانتنا في نشر الكتاب و الاستفادة منه.
و علی منتجي الكتاب أيضاً التنبّه إلی هذا المعنی. في إنتاج الكتاب - سواء كان الإنتاج بمعنی إيجاد الكتاب أو بمعنی ترجمته أو بمعنی نشره و توزيعه علی هذا و ذاك - يجب أن ينظروا إلی احتياجات المجتمع و ثغراته. يجب أن يعرفوا الفراغات و الاحتياجات الفكرية، و ينتخبوا الكتاب علی ضوء ذلك. نلاحظ أحياناً في خصوص الكتاب و سوق الكتاب أن التوجيه يشوبه شيء من الانحراف. يقصدون خصوصاً الأمور الضارة لذهنية‌ المجتمع و ذهنية البلاد إن من الناحية الأخلاقية و إن من النواحي الدينية و العقيدية و إن من الجانب السياسي. يری المرء بوضوح أن هناك في سوق الكتاب و شؤونه أيد ناشطة تستورد بعض الأشياء و تترجم بعض الأشياء لأغراض سياسية و بظاهر ثقافي لكن باطنها سياسي.
و أقولها لكم: الكثير من الأمور التي تشاع ضمن الإطار الثقافي في بلادنا من قبل الأجانب و الأعداء و معارضي الإسلام و النظام الإسلامي ظاهرها ثقافي لكن باطنها سياسي. هذا ما يشاهده المرء. منظومة العاملين في مجال الكتاب- سواء أنتم أمناء المكتبات أو مدراء المكتبات أو المسؤولون في وزارة الإرشاد أو الناشرون المحترمون أنفسهم - يجب أن يتفطنوا و ينتبهوا إلی ضرورة نشر مواد غذائية معنوية سليمة و مفيدة و مقوّية في المجتمع. من حسن الحظ أن مستوی التعليم و إمكانية الاستفادة من الكتاب حالياً رفيع و واسع، و ينبغي الانتفاع من هذه الإمكانية.
أريد في هذه الجلسة التي أقيمت اليوم أن أدعو إلی تجديد في مسائل الكتاب و المطالعة و الكتاب الجيد المفيد السليم.. ليبدأ جميع المسؤولين في البلاد الحركة ابتداء من الذين يبرمجون إلی الذين ينتجون إلی الذين يدعون و يبلغون إلی مخاطبي الكتاب، الشباب و غير الشباب ممن يقرأون الكتاب لتكن لنا نظرة جديدة. أعداد النسخ التي تبلغ الألف و الألفين و الثلاثة آلاف و ما إلی ذلك لا تناسب بلدنا ذا الخمسة‌ و سبعين مليون نسمة بكل هؤلاء الشباب و بكل هذه المحفزات التي فيه. يجب أن تكون أعداد النسخ أكثر من هذا بكثير. في بعض الحالات يشاهد المرء لحسن الحظ أن مرات إعادة طبعة الكتاب كثيرة جداً، لكن حينما نلاحظ المسألة علی العموم نجد مع ذلك أن الواقع غير مرض و غير مقنع، و لا بد من إطلاق حركة.
علی كل حال أقدم شكري لمنظومة المسؤولين عن شؤون الكتاب، و أرجوهم في نفس الوقت أن ينظروا لقضايا الكتاب بجد أكبر. لنعمل ما من شأنه أن تصبح المطالعة أمراً شائعاً و أن لا يسقط الكتاب من أيدي الشباب. حين يقال أن معدل مطالعة الكتب خلال الأربع و عشرين ساعة لكل فرد كذا و كذا فهذه إحصائيات غير مرضية و يجب أن يكون الأمر أكثر من هذا بكثير. الإنسان لا يستغني عن الكتاب أبداً. منذ فترة حداثته و بداية تعليمه إلی آخر عمره يحتاج الإنسان للكتاب و يحتاج إلی إدراك الأمور و اجتذاب المواد الغذائية المعنوية و الروحية‌ و الفكرية.. هذا ما يجب أن يُفهم و يُتابع و يُعمل له علی مستوی عموم المجتمع.
نسأل الله تعالی أن يوفقكم و يؤيدكم. إننا نشكر جهودكم و مساعيكم. نحن مرتاحون لما يحصل و نتوقع منكم أن تزيدوا ما تقومون به إن شاء الله أضعافاً مضاعفة. أعانكم الله و شملكم بأدعية إمامنا بقية الله (أرواحنا فداه) إن شاء الله.
و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته.‌