بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطاهرين.
أنا سعيد جداً لأن الله تعالى وفقنا و له الحمد لأن نبقى أحياء و نشهد مرة أخرى هذه الجلسة القرآنية الطيبة المحببة. استفدنا من التلاوات التي قدمها الإخوة الأعزاء. نسأل الله أن يحشر جميع هؤلاء الأعزاء و يحشركم جميعاً و يحشرنا جميعاً مع القرآن في الدنيا و الآخرة، و أن نعيش بالقرآن و نتنفس بالقرآن و يكون القرآن شفيعنا في الآخرة و في يوم القيامة و لا يشتكينا إلى الله. هذا هو أملنا.
ما يمثل أمام أنظار المرء في هذه المسابقات العالمية هو أن القرآن عامل اجتماع و وحدة. لدينا نحن المسلمين عوامل اتحاد عديدة أحدها و ربما أهمها القرآن الكريم. جميع المسلمين و كل الشعوب المسلمة خاضعة أمام القرآن الكريم، و تستلهم الدروس منه، و تروم الاقتراب منه. هذه فرصة‌ على جانب كبير من الأهمية. لقد حاول أعداء الإسلام و أعداء القرآن الكريم إبعاد الشعوب المسلمة عن بعضها و فصلها، بل و جعلها تتواجه و تتعادى فيما بينها بعض الأحيان. هذا ناجم عن الغفلة عن القرآن. حينما تكون جميع الشعوب المسلمة مؤمنة بهذا الكتاب السماوي و هذه الرسالة السماوية و هذه الهدية‌ الإلهية العظيمة فما سيكون أفضل منها وسيلة للاجتماع و الاتحاد؟ لنجلس جميعنا على هذه المائدة المعنوية و نتزوّد منها فهذا من أسباب العزة و القدرة‌ الإسلامية‌ و الإلهية.
لدينا غفلتان: إحداهما الغفلة عن أن القرآن الكريم وسيلة لاجتماع المسلمين. و الثانية الغفلة عن الاعتقاد بالمفاهيم القرآنية و الاعتراف بما وعدنا الله تعالى به في القرآن الكريم. يجب أن نؤمن بالوعود الإلهية. إذا آمنا بالوعود الإلهية فسينفتح الطريق أمام الأمة الإسلامية نحو العزة و الوحدة و الاقتدار و تتخلص من التخلف. الآيات التي تلاها الآن هذا الأستاذ المصري المحترم: «إن ينصركم الله فلا غالب لكم» (1). إذا نصركم الله فلن تستطيع أية قدرة الانتصار عليكم. «و إن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده» (2). إذا لم ينصركم الله و لم يمدد لكم يد العون فيمن سيعينكم؟ إنه سطر مشرق متألق. لتكتب الشعوب هذا السطر و ترفعه راية تضعها أمام أنظارها و فوق رؤوسها. «إن ينصركم الله فلا غالب لكم». إذا نصركم الله فلن تقدر أية‌ قوة على أن تتغلب عليكم. فما نفعل حتى ينصرنا الله؟ هذه مسألة. ماذا يجب أن نفعل حتى تشملنا النصرة الإلهية؟ هذا أيضاً يذكره لنا القرآن الكريم: «إن تنصروا الله ينصركم» (3)، «و لينصرن الله من ينصره» (4). أنصروا الله و أنصروا دينه و قوموا لله و سوف ينصركم الله. حيثما قامت الشعوب لدين الله و أطلقت قدراتها و طاقاتها في الميدان منّ الله تعالى عليها بالنصر. و عندما ينصرها الله لن يستطيع أحد الغلبة عليها. لقد لاحظنا نموذج ذلك في أنفسنا و جربناه و اختبرناه «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» (5). هذا ما اختبره الشعب الإيراني هنا و جربناه عملياً. أوجدنا التغيير في أنفسنا فغيّر الله تعالى أوضاعنا. و العجيب أننا إذا مشينا خطوة واحدة مشى الله عشر خطوات. لقد غيّرنا أنفسنا قليلاً فساعدنا الله كثيراً و غيّر أوضاعنا.
و هذا ما نراه اليوم في العالم. لاحظوا الشعب المصري الآن. نفس شعارات «الله أكبر» و نفس صلاة الجماعة و نفس الشعارات الإسلامية، نزلوا إلى الساحة فنصرهم الله تعالى. و هل كانت أمريكا تريد وقوع هذه الأحداث في مصر؟ و الجبهة الصهيونية‌ الخبيثة المتنفذة في كل القوى الغربية هل كانت تريد وقوع هذه الأحداث؟ و أتباعهم السياسيون في المنطقة هل كانوا مستعدين للتفكير بوقوع ما وقع؟ لكنه وقع. لماذا؟ لأنه «إن ينصركم الله فلا غالب لكم». إذا منّ الله بنصرته عادت جميع القوى فارغة تافهة. هكذا يجب أن تكتسب الشعوب عزتها. «و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين» (6).. العزة لله «تعزّ من تشاء‌ و تذل من تشاء» (7).. هو الذي يمنح العزة، فاطلبوا العزة من الله.
حسناً، ينبغي التعرّف على القرآن. يجب الإيمان بالقرآن من الأعماق و بكل الوجود و لا يكفي الإيمان الظاهري. ينبغي الاعتقاد بالقرآن و الوعود الإلهية من صميم القلب. الإيمان به اليوم أسهل من الأمس. اليوم أي في هذه الفترة‌ التي نعيشها أنا و أنتم هناك الكثير من الآيات و البشائر الإلهية التي تؤلف قلب الإنسان و تجذبه، فهو يرى كما قال النبي إبراهيم: «و لكن ليطمئن قلبي» (8). هذه الطمأنينة‌ تحصل اليوم للإنسان فهو يرى و الأمور أمام أنظارنا. ماذا كانت إيران؟ إيران الطاغوت، إيران أمريكا، إيران المرتبطة‌ بالصهاينة الغاصبين، ماذا كانت إيران و ما هي اليوم: القطب المقتدر في مواجهة الاستكبار و الصهيونية، و الدعامة القوية للشعوب المسلمة. هذا ما نشاهده الآن أمام أنظارنا. هذه معجزة دعوة القرآن و إخبار القرآن و المعرفة التي يزوّدنا بها القرآن. ينبغي أن نحافظ على كل هذا.
ما أروم أن أقوله في هذه الجلسة على نحو الخصوص لحملة‌ القرآن الأعزاء من بلادنا هو أن تتوجهوا أكثر فأكثر صوب حفظ القرآن. الحفظ طبعاً وسيلة.. ليس الحفظ هدفاً. حفظ القرآن وسيلة. وسيلة من أجل أن يقرأ الإنسان و يكرر و يتدبر بسهولة أكبر. ليستفد الشباب من مواهبهم و ذاكرتهم. خذوا بأيدي الأطفال و الشباب نحو حفظ القرآن. واقعنا الراهن طبعاً غير ممكن المقارنة بالماضي، فنحن متقدمون كثيراً لكن هذا لا يزال قليلاً. الموجود في بلادنا حالياً لا يزال قليلاً. ليتجهوا صوب حفظ القرآن. إذا حفظ القرآن ازدادت الفرصة للتدبر، و التدبر هو المفتاح. المفتاح الأصلي هو هذا التدبر و التفكر في القرآن.
على كل حال نرحب بجميع حملة القرآن الأعزاء من بلادنا و كذلك بالضيوف في هذه الجلسات، و نتمنى إن شاء الله أن ينزل الله بركاته عليكم جميعاً بحرمة القرآن، و يحشرنا مع القرآن في الدنيا و الآخرة.
و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته‌.

الهوامش:
1) سورة آل ‌عمران: الآية 160 .
2) ‌م س.
3) سورة محمد: الآية 7 .
4) سورة الحج: الآية 40 .
5) سورة الرعد: الآيه 11 .
6) سورة المنافقون: الآية 8.
7) سورة آل‌ عمران: الآية 26 .
8) سورة البقرة: الآية 260 .