بسم الله الرحمن الرحيم
نبارك يوم الحرس الثوري لكم أيها المنتسبين الأعزاء للحرس و لكل أعضاء هذه العائلة الثورية الكبيرة. ثم إن الأعياد علی طول هذا الشهر المبارك و التي تذكرنا بالمفاخر الكبيرة، و شهر شعبان نفسه الذي يعدّ شهر المغفرة و الرحمة و التوجه إلی الله و التذكر و التوسل، هذه كلها جديرة بالتبريك و التهنئة لكل المؤمنين.
إنها لمبادرة لطيفة أن يسمّوا يوماً باسم الحرس الثوري و يكون هذا اليوم ذا صلة بالولادة السعيدة للإمام سيد الشهداء (سلام الله عليه). إنها مبادرة ذات معنی و اتجاه عميقين. ينبغي تقديم الشكر للذين خطرت هذه الفكرة أولاً ببالهم و لفتوا أنظارنا إليها، ذلك أن طروحات الحرس الثوري طروحات كبيرة.. حراسة الثورة الإسلامية.. و سوف أتحدث عن هذا الجانب باختصار.
هذا المعنی - معنی الحراسة - بكل أبعاده و بكل أدواته و وسائله الممكنة تجسّد في الكيان المقدس للإمام سيد الشهداء (سلام الله عليه). لا أن الآخرين لم يفعلوا شيئاً أو لم يريدوا فعل شيء، بل بمعنی أن البيت العامر و الحافل لهذه الحركة تحقق في السلوك الذي أبداه الإمام سيد الشهداء خلال فترة إمامته (سلام الله عليه) التي استمرت لعشرة أعوام. كافة السبل التي كان يمكن أن يسلكها سبط الرسول لصيانة التراث الإسلامي العظيم - و هو تراث جده و أبيه و أتباعهم الحقيقيين - مشهودة و محسوسة في حياة الإمام سيد الشهداء، من التبيين و الإنذار، إلی التحرك الإعلامي، إلی إيقاظ الضمائر لدی الخواص و تحفيزها - من نسمّيهم بالخواص - في خطبة منی.. هذه كلها مشهودة طوال حياة الإمام سيد الشهداء. ثم هناك الوقوف أمام انحراف كبير بقصد الجهاد بالنفس.. لا أن الإمام الحسين كان عديم الإطلاع بمصير هذه الحركة، لا، لقد كان هؤلاء أئمة، قضية معرفة الإمام و علمه و إطلاعه الواسع فوق هذا الكلام الذي يمكن أن ندركه في أذهاننا، إنما يقف و يصمد بمعنی رسم التعاليم و النموذج، و لا يستسلم، و يطلب من الناس نصرتهم، ثم حين تكون هناك جماعة - و هم أهل الكوفة - يقولون إنهم علی استعداد للسير إلی جانب هذا الإمام الهمام في هذا الطريق يستجيب الإمام لدعواتهم و مطاليبهم و يسير إليهم، ثم لا يندم وسط الطريق. عندما ينظر المرء في كلمات الإمام يجد أنه كان عازماً و جازماً لإنهاء هذه المهمة و الأمر. أن يقف الإمام الحسين (عليه الصلاة و السلام) بوجه التيار المنحرف الخطير جداً يومذاك فهذا درس، و قد كرره الإمام و أعاده، أي إنه نسب عمله إلی تعاليم الإسلام: «إن رسول الله قال: من رأی سلطاناً جائراً مستحلاً لحرمات الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم و العدوان، فلم يغيّر عليه بفعل و لا قول كان حقاً علی الله أن يدخله مدخله» (1). هذا ما قاله الإمام الحسين. أي إن هذا هو واجبي، و يتحتم علي إبداء المعارضة و السير في طريق الاعتراض و الصمود و ليكن المصير ما كان. إذا كان المصير هو النصر فهو الأفضل و إذا كان الاستشهاد فهو الأفضل أيضاً. أي إن الإمام الحسين (عليه السلام) سار و تحرك بهذه الطريقة.
هذا هو الإيثار الكامل و الحفاظ علی الإسلام. هذا التحرك هو الذي حفظ الإسلام. هذا التحرك هو الذي كرّس القيم و أبقاها في المجتمع. لو لم يتقبل الإمام هذا الخطر و لم يتحرك و لم يبادر و لم يسفك دمه، و لو لم تقع تلك الفجائع العظيمة علی حرم الرسول و أبنة الإمام أمير المؤمنين و أبناء أهل بيت الرسول لما بقيت هذه الواقعة في التاريخ. هذا الحدث الذي كان بوسعه الحؤول دون ذلك الانحراف العظيم يجب أن يوجد صدمة في أذهان المجتمع و التاريخ و بنفس عظمة و خطورة ذلك الانحراف. هذه هي تضحية الإمام الحسين.
طبعاً من السهل التحدث بهذا الكلام باللسان. العمل الذي قام به الإمام الحسين (عليه السلام) عمل خارق للعادة، أي إن أبعاده أعلی بكثير مما نحسبه نحن اليوم في حساباتنا. إننا نجهل في الغالب جوانب الأمر و دقائقه. ذات مرة شرحت في أحد أحاديثي صبر الإمام الحسين (عليه السلام). لم يكن صبره أن يصبر علی العطش و حسب، و علی مقاتل أصحابه فقط، فهذا هو الصبر السهل، و الصبر الأصعب هو أن يقول له الآخرون و أصحاب النفوذ و الواعون و المطلعون و الشخصيات المحترمة: لا تفعل هذا، و هذا خطأ، و هذا الفعل خطير، و يبثون الشكوك باستمرار في نفسه. من هم هؤلاء؟ أشخاص مثل عبد الله بن جعفر، و عبد الله بن الزبير، و عبد الله بن عباس. هؤلاء شخصيات بارزة كبيرة في العالم الإسلامي يومذاك، و هم أبناء كبار الشخصيات. هؤلاء أيضاً يقولون له لا تفعل هذا. أياً كان الشخص، لو لم يكن ذا عزيمة‌ و إرادة و ثبات لقال لنفسه: لم يعد علی عاتقي تكليف و واجب، فهؤلاء يقولون هذا و العالم يسير بذاك الاتجاه، فلنقل شيئاً و نتجاوز الأمر. الذي يقف مقابل تلك الأقوال و الوساوس و التشكيكات علی الطريق الشرعي، و لا يرتعد فؤاده، و يسير في هذا الطريق هو الذي بوسعه إيجاد هذا التحول العظيم. و إمامنا الخميني الجليل من هذه الناحية تشبّه بالإمام سيد الشهداء و اقتفی أثره، و هذا ما ذكرته ذات مرة و لا أروم الآن الخوض في هذه المسألة لأن شرحها يطول. هذه هي حراسة الإمام الحسين للإسلام.
الواقع أن الحرس الثوري بهذه التسمية يريد أن يقول بلطف إنني أسير في هذا السبيل. حسناً، مبروك عليهم هذا العمل الكبير و البالغ الأهمية.. و الأمر مناسب جداً.. يمكن للسلبين و الذين يتسقطون العثرات و الذين يدققون بشدة أن يقولوا حصل الخطأ الفلاني في الموضع الفلاني، و وقع الخطأ الفلاني في المكان الفلاني، و فعل فلان كذا و كذا. يمكن تسجيل المؤاخذات علی جميع التيارات و المجاميع و الوحدات و الأفراد و الشخصيات الحقيقية و الحقوقية، لكننا إذا نظرنا لحركة الحرس الثوري بإنصاف منذ يومها الأول و إلی هذا اليوم لوجدنا أن الحرس قد عمل بما قال، و صمد - للحق و الإنصاف - علی هذا السبيل.. الأفراد يأتون و يذهبون، لكن هذه الهوية الجمعية تبقی محفوظة واحدة.
في آخر لقاء لي بالحرس الأعزاء ذكرت نقطة مهمة، و أشير لها الآن علی عجل، و هي أن علی أجيال الحرس المتجددة و المتبدلة و الأجيال القادمة من الحرس أن تحاول أن تكون متقدمة و لو بخطوة واحدة علی الأجيال الماضية. فالعالم متقدم و متطور و يسير نحو التكامل.. الحركة حركة تكاملية. إذن من المناسب للشاب المنخرط في الحرس اليوم أن يكون متقدماً علی الحرس في الجيل الماضي خطوة من حيث المعرفة و البصيرة و الوعي و التضحية و الجاهزية للعمل و إنجاز الأعمال بصورة صحيحة و في الوقت المناسب، و هذه هي السمات التي أبداها الحرس عن أنفسهم طوال هذه الأعوام. حينما ينظر المرء إلی الحرس اليوم يجد أن النوعية و الجودة عالية. و هذا شيء ممكن، لا تقولوا كيف يمكن مثل هذا، لا، إنه ممكن تماماً. أنظروا إلی الظروف التي كانت يومذاك، كانت هناك حرب و العدو موجود علی أرضنا، سواء قبل حرب السنوات الثماني المفروضة حيث كان أعداء‌ الثورة المسلحون أو بعد ذلك حينما اندلعت الحرب. هذا بحد ذاته كان عاملاً و محفزاً قوياً يحرض الأشخاص غير المكترثين و يأتي بهم إلی تلك الساحة العجيبة الحماسية. و اليوم فإن تلك الحرب قد وضعت أوزارها، إنما هناك حرب أدق و طبعاً أخطر. الوعي بأعماق هذه الحرب يتطلب مقدرة أكبر و ذكاءً أكثر. حينما نشاهد اليوم أن البعض يخوضون غمار هذه الساحة و يبذلون جهودهم و مساعيهم و يناضلون و يقفون في الميدان ببصيرة، إذن من المناسب أن نقول إن هؤلاء اليوم ليسوا بأقل من أولئك من حيث المحفزات و العمل. و إذا عملوا بصورة أفضل فهذا هو الأفضل. و كذا يمكن أن يكون الوضع في المستقبل. ينبغي تركيز الهمم علی هذا الجانب.
أقول اليوم إن هوية الحرس و هي هوية حراسة و صيانة و دفاع يجب أن لا تؤخذ بمعنی محافظ.. الحراسة بمعنی الإبقاء علی الشيء كما هو.. يمكن تفسير هذه الحراسة‌ و الحفظ بطريقة محافظة، فنقول يجب أن نحافظ علی الوضع الموجود للثورة. أنا لا أقول بهذا. ليس الحفاظ علی الثورة بمعنی الحفاظ علی الوضع الموجود. لماذا؟‌ لأن الثورة بطبيعتها حركة تقدمية، و التقدم فيها ذو سرعة عالية. إلی أين يقصد هذا التقدم؟ إلی الأهداف المرسومة. الأهداف لا تتغير. الأصول و القيم التي ينبغي الثبات عليها و التضحية بالروح من أجلها هي الأصول و القيم المحددة في هذه الأهداف. الهدف النهائي هو التسامي و التكامل و القرب من الله. و الهدف الأدنی من ذلك هو بناء الإنسان، و الهدف الأدنی من ذلك هو تشكيل المجتمع الإسلامي بكل خصائصه و آثاره و الذي يتوفر علی تكريس العدالة و التوحيد و المعنوية. هذه أهداف، و هي لا تتبدل، أي لا يمكننا أن نعمل علی الانتقاص من هذه الأهداف، فنقول: لا بأس، ذات يوم كنا نريد أن نقيم العدالة و اليوم نقول لا يمكن إقامة العدالة فلنقم نصف عدالة! لا، العدالة.. هذا هو الهدف. التوحيد، و تثبيت الشريعة الإسلامية‌ بنحو تام.. هذه أهداف لا تتغير. و لكن يمكن زيادة السرعة أو نقصانها في الحركة صوب هذه الأهداف. و الأساليب ممكنة التغيير، و التدابير قد تتنوع. الثورة في هذا الاتجاه متقدمة و تقود إلی التقدم. الحفاظ علی الثورة معناه الحفاظ علی حالة التقدم و الأخذ بالأيدي إلی الأمام. حراسة الثورة هي بهذا المعنی. إذا نظرنا بهذا المعنی و فهمنا معنی الحراسة‌ بهذه الصورة فسوف تتضاعف حالات الطراوة و الحماس و الهياج في حركة الحراسة.
الشاب اليوم لا يكتفي بالظواهر المتوفرة إلی حد كبير في مجتمعنا، بل يهتم بالأعماق و اللباب و المضامين و ينشدها و يطلبها. حالات الإيمان العميق و الوعي المضاعف هذه هي الأشياء التي ينبغي أن نسعی إليها. إذن هذه هي الحراسة بالمعنی الصحيح و الكامل و الصائب.. حراسة الحركة الثورية و التقدم الثوري.
و إذا أردنا إنجاز هذه المهمة ينبغي إطلاق حركتين في الحرس الثوري، إحداهما حركة داخلية في الحرس. الحركة في داخل الحرس معناها أن يتكامل الحرس في داخلهم. و حركة أخری بمعنی جزء يحرِّك كل النظام و الثورة، أي التأثير في الخارج. يجب إطلاق هاتين الحركتين و استمرارهما بموازاة بعضهما. إذا غفلنا عن الحركة الأولی و لم نقم داخل منظومة الحرس بتلك الحركة المتقدمة و السائرة صوب الرفعة و التسامي فسوف يكون الإخفاق مصير الحركة الثانية، أي تأثير الحرس في تقدم الثورة علی العموم. و حتی لو جری السعي و المحاولة و التخبط في هذا المجال لكان لذلك سعياً خاطئاً.
و بالتالي لا بد من حركتين. الحركة الداخلية هي تلك التي أشار قائد الحرس المحترم إلی أبعاد منها و هي إشارات صائبة، و أنا أؤيدها، و يجب القيام بهذه الأعمال. لهذه الحركة الداخلية بعد مادي و آخر معنوي. البعد المعنوي هو التركيز علی القيم بالمعنی الحقيقي للكلمة أي تشخيص المؤشرات القيمية للحراسة، و قياس الذات و الآخرين وفقاً لهذه المؤشرات بقصد التقدم و بهدف الصيرورة و التغيّر الصحيح و الكامل باتجاه الأهداف. هذا هو البعد المعنوي، و البعد المادي هو هذه الأعمال و الإنجازات الجيدة التي تجري و تستمر في الحرس علی مستوی التنظيم و العلوم و البحث العلمي و البناء و الإنتاج و التدريبات العسكرية و ما إلی ذلك. يجب القيام بكل هذه الأمور إلی جانب بعضها.. عندها سوف تنبثق عن الحرس منظومة حية نشيطة شابة دوماً لا سبيل للشيخوخة و التهرؤ إليها، و لحسن الحظ فإن أرضيات ذلك مهيئة في الوقت الحاضر، و البنی التحتية لذلك مهيئة و التجارب متوفرة و المحفزات و الدوافع موجودة و الحمد لله. هذه هي الحركة الداخلية. سوف تتوفر هذه المنظومة‌ باعتبارها منظومة بارزة و نموذجاً متألقاً. قد لا يدخل بعض شبابنا و أبناء شعبنا إلی الحرس لكنهم سيختارون هذا النموذج لحياتهم.. نموذج المعنوية الصحيحة و الفكر و التدبير و الطريق الصحيح و الحركة الصحيحة في مجال الإعمار و البناء.
ثم يأتي الدور لتأثير هذه الحركة في الحركة العامة للثورة. و هذا أيضاً شيء سوف يحصل بنحو تلقائي. حينما تكون هناك داخل النظام منظومة حية نشيطة فاعلة‌ متوثبة متقدمة ملتزمة التزاماً شديداً بالمباني و الأصول و القيم و تتحرك بحيوية و تنظر في كل مكان و لها وعيها و بصيرتها و تأثيرها فسيكون لهذا تلقائياً تأثيره الحاسم في تقدم المجموعة العامة - و هذا بالطبع أمر لا يختص بالحرس الثوري، فأنا أقول مثل هذا الكلام بعينه للحوزات العلمية، و للمؤسسات الحكومية، لكن الأوزان و الأحجام ليست متساوية، و لكل من هذه القطاعات مكانتها و وزنها، و نحن نتحدث حالياً عن الحرس - و نحن بحاجة ماسة لهذه الحركة التنموية التقدمية المتكاملة. أي إن الإسلام اليوم بحاجة لهذه الحركة.
لقد تركت حركة نظام الجمهورية الإسلامية تأثيراتها في العالم، و كانت هذه التأثيرات عميقة و تسببت في إضعاف القوی الاستكبارية و الشيطانية، و فتحت طرقاً جديدة أمام الشعوب. لقد بدأ فصل جديد في العالم، و مهما نظر المرء لم يجد نظيراً لما يحدث. أنا طبعاً طوال عمري و في فترة شبابي و في صفحات التاريخ رأيت أو قرأت تحولات و تطورات متنوعة وقعت في أنحاء مختلفة من العالم و منها منطقتنا. الثورات التي حدثت في البلدان الأفريقية و في أمريكا اللاتينية، و الثورات اليسارية في عقد الستينات للميلاد - أي قبل نحو خمسين عاماً - هذه وقائع شاهدتها و لسنا نجهل ما هي السوابق التاريخية لهذه التحولات و كيف هي، لا، لقد شاهدنا هذه التحولات. لكن ما يحدث اليوم لا سابقة له و لا نظير. ما كان يقع في الأحداث التي وقعت في عقد الستينات الميلادية - سواء في أفريقيا، أو أمريكا اللاتينية، أو في بعض البلدان الآسيوية - هو غلبة حزب أو تنظيم علی مصير الشعب بميول مادية و ماركسية لا مكان للمعنوية و لا لله فيها. و كانوا يسمونها حركات شعبية‌، لكن شعبيتها هو أن يأتي حزب واحد للسلطة، و غالباً ما يأتي عن طريق انقلاب. هذه الأحزاب و الأنظمة التي تسمّی ثورية و التي استلمت السلطة في شمال أفريقيا جاءت كلها عن طريق الانقلابات، مثل جمال عبد الناصر، و مثل القذافي و غيرهما. لم تكن تحركات شعبية و ثورية بالمعنی الحقيقي للكلمة. و ما يحدث اليوم هو مشاركة الجماهير بأبدانها و أرواحها.. هؤلاء هم الجماهير، و قد تكون للأحزاب مشاركتها أو تأثيرها بمعنی من المعاني، لكن المتواجدين في الميدان ليسوا جماعة عسكرية و لا هي جماعة انقلابية، إنما هي مجاميع شعبية و كتل الشعب و بميول توحيدية و إلهية ترفع شعارات «الله أكبر» و انطلاقاً من صلوات الجماعة.. و لتنكر الدعايات الأمريكية و الصهيونية هذه الحقيقة، لينكروها، لا يمكن تغيير الحقيقة بالإنكار. هذا هو الواقع. هذا أمر لا سابقة له. في حدود ما شاهدناه و سمعناه و قرأناه بخصوص فترات الثورات لا سابقة لمثل هذا الشيء بهذه السعة و هذا الشمول. هذا شيء جديد. أي إن صفحة جديدة انقلبت في تاريخ المنطقة و تبعاً لذلك في تاريخ العالم، و بدأ فصل جديد. ما هو دورنا هنا؟ إنني لا أريد أبداً أن أدعي و أقول إن الثورة الإسلامية كان لها كل الدور - و البعض يتحسّسون من أن يقال إن الثورة الإسلامية هي مصدر هذه الثورات - لا، لا ندعي مثل هذا الادعاء أبداً، و ليس من اللازم أن ندعي مثل هذا الادعاء، بيد أن المسألة هي أن الحركة التي بدأناها نحن الشعب الإيراني قبل ثلاثين سنة أو إثنتين و ثلاثين سنة نشاهدها اليوم بعينها في عدة بلدان من العالم الإسلامي مع فوارقها الإقليمية و المحلية‌ و الجغرافية و التاريخية. و قد قلت إن الموجة اللاحقة لهذه العملية ستكون في مناطق أبعد، و هذا مما يشجعنا و يبشرنا و يدل علی أن أملنا بالمستقبل يجب أن يزداد.
طبعاً يعمل العدو بكل قدراته علی هذه النقطة. لا يريد أن يمتثل هذا النموذج أمام أنظار الشعوب المسلمة فيقولوا أنظروا إلی أين وصلت إيران. و لكن، شاءوا أم أبوا، و رضوا أم لم يرضوا، فقد وقع هذا الشيء و حصل. هذه الأعمال العلمية و التقنية‌ و البحثية التي تقومون بها و سائر المنظمات في القوات المسلحة و خارج القوات المسلحة، في الجامعات و في مراكز البحث العلمي علی اختلافها.. هي أعمال جارية‌ حالياً في البلاد و ترسم المستقبل بنحو دقيق، أي إنها ترصف أجزاء المستقبل الواحد بعد الآخر، و هذا ما يحدد لمن سيكون المستقبل. و هذا طبعاً بفضل الإسلام و الروح الثورية، و لا بد من تقوية هذه الروح. إذن لنأخذ حراسة الثورة بهذا المعنی.. بالمعنی المتحول و المتطور و المتقدم.
من الأمور التي يجب أخذها بنظر الاعتبار في الساحة هو أن نحذر من انشغال الأجهزة الثورية بالأعمال غير المفيدة و ربما المضرة لهذه الحركة التقدمية، و منها حالة الاختلافات التي أشدد علی اجتنابها. مرة‌ يقف تيار بوجه الثورة من أجل محق الثورة، و هنا من واجب الجميع أن يدافعوا. الثورة تدافع عن نفسها كأي كائن حيّ آخر. الثورة التي لا تستطيع في فترة الفتنة و في فترة الانقلابات المتنوعة - السياسية و العسكرية و ما إلی ذلك - أن تدافع عن نفسها ليست بحية. و هذه الثورة‌ حية، لذا فهي تدافع عن نفسها و تنتصر، و لا شك في هذا. و قد حصل هذا كما شاهدتم في سنة 88 . مرة تكون هذه هي الحالة،‌ و مرة تكون الحالة‌ من نوع آخر و لا تمثل صموداً أمام حركة‌ تريد إسقاط الثورة‌، إنما المسألة مسألة‌ اختلاف في وجهات النظر و العقائد. ينبغي التقليل من هذه الحالات ما أمكن، إذ من المضرّ إشعال هذه الاختلافات.
من المسائل أنه إذا تكلم شخص بكلام خاطئ فهل يجب أن يردّ عليه شخص أم لا؟‌ نعم، هذا واضح. الردّ علی الكلام الخاطئ له أسلوبه و طريقته و فعله الخاص. أحياناً إذا تفوّه شخص بكلام خاطئ نأتي و نرفع هذا الكلام الخاطئ في مائة مكان، و نرفع الشعارات، و نقول إن فلاناً تفوّه بهذا الكلام الخاطئ ليعلم الجميع بذلك. هذا هو الخطأ. إنني لا أعارض أبداً العمل التنويري من قبل أي شخص أو أي مؤسسة، بل أرغب في ذلك و أؤمن به. فالتبيين و التنوير أساساً من استراتيجيات عملنا منذ البداية. التبيين ضروري و لكن ليس معنی هذا أن نؤجّج الاختلافات الداخلية. إحذروا.. و علی الجميع أن يحذر من ذلك، و خصوصاً الحرس الثوري.. يجب علی الحرس الثوري أن يحذر. إشعال الأجواء بين التيارات السياسية و التيارات الفكرية‌ و الذوقية المتنوعة ليس أمراً مناسباً علی الإطلاق. و أنتم و الحمد لله جميعكم من ذوي البصيرة و الوعي، و لا شك أنكم مطلعون علی التيارات، و ترون الآن الوضع القائم في البلاد حيث يتحدث هذا ضد ذاك و ذاك ضد هذا للأسف، و تفرح الأجهزة الأجنبية لذلك أيّما فرح، و تطلق تحليلاتها فتقول:‌ نعم، ثمة‌ اختلاف بينهم و سوف يمحقون و قد محقوا (!) يكررون آمالهم باستمرار. واضح أن هذه من نقاط ضعفنا. يجب أن لا نسمح لنقطة الضعف هذه بالاستمرار أو التفاقم. ينبغي التنبه لهذه الأمور، فالحركة‌ حركة‌ رصينة و قائمة‌ علی الأدلة و الوثائق. إذا كان بين البعض اختلاف في وجهات النظر فليعبروا عنها بالأدلة. و قد ذكرت إنني أؤمن بالتبيين. و في فترة‌ النضال أيضاً كان اختلافنا مع اليساريين و الماركسيين الذين يناضلون آنذاك حول هذه المسألة،‌ إذ كنا نقول إنه لا بد من التبيين، و هم لم يكونوا يؤمنوا بالتبيين، و كانوا يقولون شيئاً آخر و لديهم تفسير آخر. عملية الثورة قامت أساساً علی التبيين و التنوير و البيان المنطقي و المبرهن و البعيد عن الضجيج. إذا انتشر الضجيج و الصخب فسوف يفسد حتی الكلام المنطقي. قد يستقطب الضجيج بضعة أشخاص لكنه ينفر أيضاً بضعة أشخاص واعين. هذا هو كلامنا و ما نقوله.
الحركة حركة متقدمة إلی الأمام، و ثمة حاجة لكثير من الأمور. لقد سجلت هنا بعض النقاط، و منها الحاجة إلی أن نكون صفاً واحداً و هي مسألة‌ الوحدة التي تحدثت عنها. «إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص» (2).. يجب الوقوف أمام هجوم الأعداء كالصف القوي و كالجدار الحصين المنيع.
و الآن عليكم أيها الشباب الأعزاء الذين تخدمون في الحرس، و رجال الدين الأعزاء، و العلماء، و طلبة العلوم الدينية الشباب و المتدينون و الناشطون في مكتب الممثلية، عليكم أن تعلموا أمرين: الأول هو أن لديكم الكثير من العمل و ما تقومون به، سواء الحرس الشباب أو رجال الدين المحترمون.. هناك الكثير من الأعمال بين أيديكم يجب أن تنجزوها. و الأمر الثاني هو أن تعلموا أنكم إذا بذلتم هممكم فإنكم ستستطيعون بالتأكيد إنجاز هذه الأعمال، و إذا مضت فترة من الزمن ستجدون فجأة أنكم تقفون علی نقطة أعلی، أي إن التقدم أمر حتمي. إذا كان ثمة‌ سعي و همة و أمل فسيكون هناك تقدم بالتأكيد. هذا مما لا شك فيه. هذا ما يجب أن تأخذه منظومة الحرس الثوري بنظر الاعتبار. طبعاً البرمجات المتنوعة في صدر تنظيمات الحرس أمر لازم و دائمي و يجب أن يتحقق و هو يتحقق و هذه حالة جيدة. و نتمنی أن يعينكم الله تعالی، و هذا يكفي لليوم. نرجو أن يشملكم الله بألطافه.
و أقول لمسؤولي الحرس المحترمين لأنهم هنا غالباً إن من الأعمال اللازمة جداً و التي ذكرتها الآن للسيد القائد العام للحرس الثوري هو أن تهتموا بعوائل شهدائكم. و أفضل الاهتمام و أهمه هو التلطف و التفقد و سؤال الأحوال، و ليس كل الاهتمام تقديم المساعدة، فالكثيرون لا يحتاجون للمساعدة، لكن الجميع بحاجة للمحبة و الملاطفة و المواكبة و التعاطف. من أعلی المواقع إلی أدناها يرغب الجميع في أن يعاملوا بلطف. البعض من شهدائنا الشامخين و الحمد لله لهم شهرة‌ كبيرة‌ عامة و الجميع يعرفونهم، و الكثيرون منهم ليست لهم هذه الشهرة، و هم طبعاً مشهورون عند أهل السماوات، ملائكة الله يعرفونهم جيداً، و لكن قد لا يكونوا معروفين بيننا كثيراً. إرعوا هؤلاء و اذهبوا إليهم، و نتمنی أن يفكر الأعزاء بعمل منظم و مدون في هذا المجال إن شاء الله.
نرجو أن يحفظكم الله و يبقيكم و يشملكم بأدعية إمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه)، و أن تكون الروح الطاهرة لإمامنا الجليل و أرواح الشهداء‌ المطهرة راضية عنكم و عنا.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - مقتل أبي مخنف، ص 85 .
2 - سورة‌ الصف، الآية 4 .