بسم الله الرحمن الرحيم
نتقدم بالشكر الجزيل للإخوة الأعزاء الذين جعلوا تلاوة الآيات القرآنية الكريمة تتعالی اليوم في هذه الأجواء بألحان جميلة، و نوّروا قلوبنا بنور تلاوة آيات الكتاب الإلهي الكريمة. نأمل أن يعرِّف الله تعالی شعبنا و خصوصاً شبابنا علی القرآن أكثر فأكثر.
مصاحبة القرآن الكريم و الأنس به سوف تزيد قلوبنا اطلاعاً علی معارف القرآن. كل النواقص في العالم الإسلامي نتيجة‌ الابتعاد عن المعارف الإلهية و القرآنية. القرآن كتاب حكمة و كتاب علم و كتاب حياة. حياة الأمم والشعوب بالاطلاع علی معارف القرآن و العمل بمقتضی هذه المعارف و العمل بالأحكام القرآنية. إذا كان الناس يطلبون العدالة و ينفرون من الظلم، فعليهم تعلم سبيل النضال ضد الظلم من القرآن. و إذا كان الناس يطلبون العلم و يرومون عن طريق المعرفة و الاطلاع و العلم تطوير حياتهم و تحقيق الراحة و الرفاه لأنفسهم فإن القرآن يدل علی السبيل إلی ذلك. و إذا كان الناس ينشدون الاتصال بالله تعالی و الصفاء المعنوي و الروحي و التعرف علی مقام القرب الإلهي فالسبيل إلی ذلك هو القرآن الكريم.
ضعفنا نحن الأمة الإسلامية و تأخرنا و اعوجاج سلوكنا و عدم استقامتنا في القضايا الأخلاقية و الحياتية نابعة كلها من البعد عن القرآن. الشعوب المسلمة و نتيجة سيادة الطواغيت - و قد حذر القرآن مخاطبيه كل هذا التحذير من كل هؤلاء الطواغيت - جری امتصاص دمائها، و الأمر لا يتعلق بدمائهم الاقتصادية فقط، و ليس القصد مصادرهم الحيوية و المعادن الجوفية و النفط و ما إلی ذلك، إنما صودرت من الشعوب المسلمة أيضاً روح الصمود لديهم و روح المقاومة‌ و طلب العلو و الرفعة و العزة في الدنيا. لقد أدارت الشعوب المسلمة لثقافتها ظهر المجنّ، و تقبلت الثقافة المادية. مع أننا نقول في الظاهر كلمة «لا إله إلا الله» و قد كنا مسلمين علی مرّ الزمان لكن ثقافة الغرب و معارفه أثرت في قلوبنا و أبعدتنا عن الحقائق. و عندها لم نخسر اقتصادنا و عزتنا الدنيوية‌ فقط بل فقدنا أيضاً أخلاقنا و معالمنا الأخلاقية. إذا كنا مصابين بالكسل، و إذا كنا نعاني من الضعف و الخور، و إذا كانت قلوبنا غير مستأنسة ببعضها، و إذا كنا نريد السوء لبعضنا فهذه من آثار الثقافة اللاإسلامية‌ و ضد الإسلامية التي فرضوها علينا و حقنونا بها.
دور القرآن هو أن يرفعنا من حيث المادة و المعنی، و هذا ما يفعله القرآن. الذين لهم علمهم و اطلاعهم علی القرآن لاحظوا نماذج ذلك في التاريخ، و نحن الذين نعيش في هذا الزمن نلاحظ في زماننا نماذج ذلك. و من نماذج ذلك هو أنتم الشعب الإيراني العزيز. لا تتصوروا أنه كان للشعب الإيراني في زمن الأنظمة الطاغوتية - سواء النظام البهلوي أو النظام القاجاري من قبله - ذرة من القيمة‌ و الاعتبار في المحافل الدولية. لم يكن له من ذلك شيء. هذه المواهب المتدفقة و المتراكمة‌ في شعبنا كانت مدفونة في خربة كالكنز المنسي. إلا إذا عبّر شخص عن نفسه بصورة تصادفية، و هذا ما لم يكن يحصل. كل هؤلاء الشباب الفاعلين الناشطين المبدعين المتشوقين لتقدم البلاد الذين تلاحظون اليوم أنهم يحققون المفاخر و العزة و السمعة الطيبة لشعبهم.. لقد كان هناك شباب في ذلك الزمن، لكن مثل هذه الأمور لم تكن آنذاك بسبب غلبة الطواغيت.
بمقدار الخطوة التي تقدمناها نحو القرآن و المعارف القرآنية - و ما تقدمناه نحو القرآن لم يكن في الواقع أكثر من خطوة واحدة - منحنا الله تعالی العزة و الحياة و الوعي و البصيرة و القدرة و القوة. شعبنا اليوم من أكثر شعوب العالم حيوية‌ و قوة. المواهب المتراكمة‌ و المتدفقة و الجاهزية و مشاهدة التقدم المتصاعد في المجالات المختلفة.. هذا هو واقع بلدنا اليوم. حتی الشعوب الأخری تثني علی شعبنا و تمدحه.
لحسن الحظ تلاحظ حالياً الشعارات الإسلامية الباعثة علی تحرك الشعوب بين أبناء الأمة الإسلامية في بلدان عديدة، و أنتم ترون و تسمعون الأخبار. هذه التحركات تزداد رونقاً و طراوة‌ و فاعلية و نفوذاً و تنخفض حالات تأثرها بالأعداء و المنافقين و المعاندين و الدجالين كلما تكرست فيها الشعارات الإسلامية و المطاليب الإسلامية. هذه هي خصوصية المعارف الإسلامية. ينبغي التعرف علی القرآن.
طبعاً لا يمكن مقارنة اليوم بالأمس. لم يكن بالأمس كل هؤلاء التالين للقرآن، و كل هؤلاء الحافظين للقرآن، و كل هؤلاء العارفين بالنص القرآني، و كل هؤلاء العاشقين و المحبين لتلاوة القرآن، و الحال أن البلد كان نفس البلد و الشعب نفس الشعب.
أتخطر أن أحد القراء المصريين البارزين - المرحوم أبو العينين شعيشع - جاء إلی مشهد و كان يتلو القرآن في مسجد گوهرشاد، و كانت قراءته جيدة جداً. و كانت الجلسة تابعة للأوقاف في ذلك الزمان، و قد كانت منظمة الأوقاف في ذلك الزمن منظمة سيئة الصيت خلافاً لما هي عليه اليوم و الحمد لله حيث هي منظمة فخورة مجيدة، لذلك مع أني كنت متشوقاً جداً لسماع تلاوة ذلك المقرئ لكنني لم أشأ الدخول إلی تلك الجلسة، لذلك كنت أنظر من بعيد و أستمع. كل الحاضرين في تلك الجلسة لا أظن أنهم كانوا يتجاوزون الخمسين أو الستين شخصاً. البعض منهم كانوا مأمورين حكوميين، و بعضهم من قرّائنا المعروفين في مشهد.
الشوق إلی القرآن المنتشر في كل مكان حالياً يجب مضاعفته.. يجب زيادة هذا الشوق و الإقبال يوماً بعد يوم. هذه التلاوة الجيدة و هذه الأصوات الحسنة، و النظام الجيد في الجلسات - و أری و الحمد لله أن قرّاءنا يكتسبون خبرة و مهارة متزايدة في تنظيم الجلسات القرآنية و تزيينها - هذه أشياء ذات قيمة و فائدتها أنها تعرفنا علی القرآن و علی المعارف و العلوم القرآنية و علی المعاني القرآنية.
حفظ القرآن من الأشياء التي يمكنها مساعدتنا علی التدبر في القرآن. لدينا حفظة قرآن. سبق أن قلت إنه يجب أن يكون في بلادنا ما لا يقل عن مليون حافظ للقرآن - و الآن فإن مليون شخص عدد قليل بالنسبة لعدد السكان في بلادنا - و لكن، لأن الأصدقاء وفروا و الحمد لله بعض المقدمات و يعملون بعض الأعمال و يضعون بعض البرامج من أجل نشر حفظ القرآن، فقد ازداد أملنا، و نقول بدل المليون حافظ يجب أن يكون في بلادنا عشرة ملايين حافظ للقرآن الكريم.
طبعاً خذوا بنظر الاعتبار أن الحفظ هو الخطوة الأولی. أولاً يجب الحفاظ علی الحفظ. لذلك ينبغي علی حافظ القرآن أن يتلو القرآن باستمرار، و إلا فقد حالة الحفظ و نسيها. ثم أن هذا الحفظ يجب أن يساعد علی التدبر، و هو كذلك. الحقيقة أن الحفظ يساعد علی التدبر. حينما تكررون القرآن و تقرأونه و أنتم له حافظون تتوفر لكم الفرصة للتدبر و التعمق في الآيات القرآنية.
و بالطبع من الضروري جداً مصاحبة التفاسير التي تبيّن المراد من الآيات. حينما يتوفر الحفظ، و تكون هناك مصاحبة للتفاسير، و يكون هناك تدبر فسوف يتحقق ما يتوقع في المجتمع: الازدهار القرآني. تصوروا‌ أن يكون في بلادنا عشرة ملايين أو خمسة عشر مليون من الرجال و النساء مطلعون علی المعارف القرآنية، لاحظوا كم سيكون هذا الأمر قيماً. أن يحمل هؤلاء في إذهانهم التعليم القرآني و الدروس القرآنية و النصائح القرآنية و الإنذارات القرآنية و البشارات القرآنية و يراجعوها و يدعوها إلی قلوبهم، فهذا ما يجعل الشعب شعباً فولاذياً. و لحسن الحظ فإن الأرضيات لذلك متوفرة. عزيمة شعبنا و إرادته اليوم عزيمة فولاذية، بيد أن البنية القرآنية للمجتمع سوف تحصل في تلك الحالة و نتمنی أن تحصل إن شاء الله.
أنتم الشباب المصاحبين للقرآن و حملة القرآن و أهل التلاوة و مستمعي تلاوة القرآن ممن يحسنونها، أو أنكم من أولئك الذين يحسنون التلاوة، إعرفوا قدر أنفسكم. و سوف يجزل لكم الله تعالی الأجر إن شاء الله. أنتم في الحقيقة الصفوف الأمامية لهذه الحركة العامة في المجتمع. قد تكون الصعوبة عليكم أكبر لكن الأجر و الثواب لكم عند الله تعالی أيضاً أكبر إن شاء الله.
اللهم اجعلنا مع القرآن طول أعمارنا. اللهم لا تفصلنا عن القرآن في الدنيا و لا في الآخرة. اللهم اجعلنا في ظل القرآن يوم القيامة. ربنا منّ علينا بالحياة القرآنية الإلهية الإسلامية التي يريدها لنا الإسلام. ربنا بمحمد و آل محمد أرض عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر (عج) و لا تفصلنا عن القرآن و أهل البيت.
و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته‌.