بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك هذا العيد الكبير و اليوم الشريف للحضور المحترمين في هذه الجلسة، و لمسؤولي البلاد المحترمين، و سفراء البلدان الإسلامية المحترمين، و لعموم الشعب الإيراني العزيز و الأمة الإسلامية الكبری،‌ و لكافة المجتمع البشري.
إذا كانت عظمة الأيام و أهميتها باللطف الذي ينزله الله تعالی‌ فيها علی البشرية فمن المتيقن أن أعظم أيام السنة‌ كلها و أهمها هو يوم المبعث، لأن نعمة البعثة و إرسال الرسول الأعظم للبشرية أكبر من كل النعم الإلهية علی امتداد التاريخ. و عليه يمكن القول بجرأة إن يوم المبعث أفضل و أكبر كل أيام السنة و أكثرها بركة. ينبغي إحياء ذكری هذا اليوم و تجسيد عظمة هذا الحدث في أنظارنا.
يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة و السلام): «أرسله علی حين فترة‌ من الرسل و طول هجعة من الأمم». أي إن بعثة الرسول الأكرم وقعت بعد فترة طويلة من حرمان البشرية من الأنبياء الإلهيين. و كان قد مضی علی ظهور النبي عيسی نحو ستمائة عام. منذ مئات الأعوام و الإنسانية لم تشهد بين ظهرانيها سفيراً إلهياً. فما كانت النتيجة؟ «و الدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور» (1).. كانت الدنيا مظلمة حالكة و الروح المعنوية غائبة و البشرية تعيش جهلاً و ضلالاً و غروراً. في مثل هذه الظروف بعث الله تعالی الرسول الأكرم (ص).
كان الرسول الأكرم العنصر الجدير الذي أعدّه الله لمثل هذه الحركة العظيمة علی امتداد التاريخ الإنساني. لذلك استطاع علی مدی ثلاثة و عشرين عاماً إطلاق تيار تقدم بالتاريخ إلی هذا اليوم علی الرغم من كل العقبات و المشكلات. ثلاثة و عشرون عاماً زمن قصير. و قد انقضت ثلاث عشرة سنة منها في الكفاح و النضال بغربة. بدأ الأمر في مكة أولاً بخمسة‌ أفراد و عشرة أفراد و خمسين فرداً، و استطاعت جماعة قليلة من الناس أن تقاوم تحت ضغوط لا تطاق فرضها عليهم أعداء‌ متعصبون و جهلاء لا يبصرون. أرسيت أعمدة قوية متينة من أجل قيام المجتمع الإسلامي و الحضارة الإسلامية. ثم قيّض الله تعالی ظروفاً استطاع الرسول الأكرم (ص) بفضلها الهجرة إلی المدينة و إيجاد هذا المجتمع و هذا النظام و أرساء أسس هذه الحضارة. كل الفترة التي عمل فيها الرسول الأكرم (ص) علی تشكيل هذا النظام الفتي و بنائه و إعداده و التقدم به إلی الأمام هي عشرة أعوام. أي فترة قصيرة. مثل هذه الأحداث عادة ما تضيع وسط طوفان أحداث العالم و أمواجها، و تزول و تنسی. عشرة أعوام مدة قصيرة جداً، لكن الرسول الأكرم (ص) استطاع في هذه المدة القصيرة غرس هذه الغرسة و إرواءها و توفير الوسائل لرشدها و نموها، و إطلاق حركة أوجدت حضارة ارتقت إلی ذروة الحضارة البشرية في فتراتها المتألقة. أي في القرنين الثالث و الرابع للهجرة لم تكن في العالم آنذاك بكل سوابقه الحضارية و حكوماته المقتدرة و الأنواع المختلفة‌ من التراث التاريخي، لم تكن هناك أية حضارة بعظمة الحضارة الإسلامية و تألقها و رونقها. هذه هي ميزة الإسلام.
هذا في حين وقعت بعد فترة رسول الإسلام الكريم (ص) و بعد تلك الأعوام العشرة أحداث متنوعة و مريرة للأمة الإسلامية، و قامت موانع و عقبات و حصلت اختلافات و اشتباكات داخلية. و لكن علی الرغم من كل هذا و علی الرغم من الانحرافات التي وقعت علی طول الزمن و الشوائب التي دخلت و تنامت في التيار الإسلامي، إلا أن رسالة الرسول الأكرم (ص) و رسالة البعثة استطاعت علی امتداد ثلاثة أو أربعة قرون إيجاد كل تلك العظمة التي لا زالت الدنيا كلها و الحضارات كلها إلی اليوم مدينة لها.. تلك الحضارة التي شيدها المسلمون في القرنين الثالث و الرابع للهجرة.. هذه تجربة.
لو فكرت البشرية‌ و راعت جانب الإنصاف لصدّقت أن خلاص البشرية و حركتها صوب الكمال غير ممكنة إلی ببركة الإسلام. نحن المسلمين لم نشكر النعمة و كفرناها.. لم نعرف قدر الإسلام و لم نحفظ الأسس التي أرساها الرسول الأكرم (ص) لبناء مجتمعات إنسانية مميزة و متكاملة.. لم نشكر النعمة و لم نحمدها و دفعنا الثمن. كان و لا يزال بوسع الإسلام أن يأخذ بأيدي الإنسانية إلی السعادة و الكمال، و ينمّيها من الناحيتين المادية و المعنوية. هذه الأسس التي أرساها الرسول الأكرم - أسس الإيمان و العقلانية و الجهاد و العزة - هي الأسس الرئيسية للمجتمع الإسلامي.
لنعزز إيماننا و قلوبنا و أعمالنا، و لنستخدم العقل الإنساني و هو الهدية الإلهية‌ الكبری للبشر، و لنجاهد في سبيل الله سواء في ميادين القتال العسكري حينما يقتضي الأمر أو في الميادين الأخری من قبيل ميدان السياسة و الميدان الاقتصادي و سائر الميادين، و لنعتبر الشعور بالعزة و الكرامة الإنسانية و الإسلامية حالة ثمينة مغتنمة بالنسبة لنا.
حينما يصار إلی إحياء هذه المشاعر و الأمور في المجتمع فسوف يتابع ذلك المجتمع المسيرة الإسلامية و خط رسول الإسلام العظيم (ص) بلا شك. ببركة رسالة الإسلام و بفضل نداء إمامنا الجليل استطعنا نحن الشعب الإيراني تحقيق جانب من هذه المسيرة في حياتنا، و نحن نشاهد آثار ذلك و ثماره في حياتنا.
لقد تنبه العالم الإسلامي اليوم. هذه التحركات التي تشاهد حالياً في بعض بلدان شمال أفريقيا و منطقة الشرق الأوسط هي الاستفادة و الاستضاءة بنور الإسلام، و الاهتداء بإشارات اليد المباركة للرسول الأكرم (ص). لذا فإن مستقبل هذه المنطقة و مستقبل هذه البلدان مستقبل مشرق بتوفيق من الله و حول منه و قوة.
الغربيون مصابون باللجاجة عن غير وعي و بدون حنكة، و يصرون علی مواقفهم دون داع. ما يحدث راهناً في مصر و تونس و بعض البلدان الأخری و يلاحظه الجميع معناه أن صفحة جديدة انقلبت و ظهرت في تاريخ هذه المنطقة، و بدأ فيها فصل جديد. تلك المعادلات الخاطئة الظالمة التي أوجدها المستكبرون و المستعمرون الغربيون في هذه المنطقة قبل مائة عام أو مائة و خمسين عاماً و أرادوا فرضها علی مصير هذه المنطقة العظيمة الحساسة انقلبت اليوم و زالت، و بدأ فصل جديد.
طبعاً تبدي القوی المستكبرة الغربية في الوقت الحاضر الكثير من اللجاجة و العناد، لا يريدون التسليم لهذه الحقيقة الكبری التي لا تقبل الإنكار و هي أن الشعوب في هذه المنطقة قد استيقظت و عادت إلی الإسلام، لكن هذه هي الحقيقة. النفس الإسلامي انبث و انتشر في البلدان المسلمة. لقد فعل التابعون لأمريكا و الغرب و عملاؤهم بهذه الشعوب ما جعلها تشعر بأنه لا يوجد سبيل لمواجهتهم سوی النهضة و الحركة العمومية العظيمة و الثورة، لذلك راحت تسير في هذا الطريق و هي تتقدم فيه إلی الأمام. و سوف تؤتي هذه التحركات نتائجها يقيناً.
طبعاً يبذل الغربيون قصاری جهدهم. بدأت جميع الأجهزة الإعلامية و السياسية و الاقتصادية الأمريكية و أجهزة بعض مرتزقتها في المنطقة العمل لتحريف هذه الثورات الشعبية و النهضات الكبيرة عن مسارها الأصلي، و التعتيم علی طابعها الإسلامي و كتمانه و إنكاره، و لكي يجدوا أشخاصاً يخدعون الناس و يتسلطون عليهم و يعيدون كل المعادلات تارة أخری لصالح الغرب. إنهم يبذلون مثل هذه الجهود، و لكن لا فائدة منها فالشعوب قد استيقظت. و حينما يستيقظ الشعب و ينزل إلی الساحة و يضع روحه علی كفه فلن يمكن إعادته و لن يمكن خداعه. نتمنی أن يتواصل إن شاء الله هذا المسار الصعب للشعوب التي ثارت و نهضت و تلك التي تتوفر فيها أرضيات النهوض، و أن يكون هذا المسار قصيراً غير طويل. فالنتيجة قطعية و قد يكون الطريق طويلاً و قد يكون قصيراً.
يحاول الأمريكان حالياً بمساعدة الصهاينة و بعض حلفائهم و مرتزقتهم في المنطقة تحريف هذه الثورات و السيطرة عليها و ركوب أمواجها، و لكن لا فائدة من ذلك. طبعاً سيخلقون المشاكل للشعوب - هذه المشاكل طبيعية - و يبثون الخلافات، و قد جربنا منهم كل هذه الأمور، فلقد بثوا الخلافات في ثورتنا و تغلغلوا فيها، و أشعلوا نيران الاحتراب بين القوميات، و أشعلوا الاشتباكات الداخلية، و حرضوا عدواً خارجياً علی مهاجمتنا عسكرياً و احتلال أراضينا.. حدث كل هذا، لكن الشعب صمد و وقف و واصل الطريق باقتدار و انتصر علی كل هذه الصعاب و سينتصر بعد الآن أيضاً. إذن، هذه المشكلات موجودة.
تلاحظون اليوم في مصر و في أماكن أخری أنهم يؤججون الخلافات الداخلية و شعلون الاشتباكات و من المتيقن أنهم سيطلقون سلسلة من الاغتيالات و الفتن. و العلاج هو صحوة الجماهير و النخبة العلمية و السياسية و المسؤولين المخلصين و المحبين لمصير البلاد. هؤلاء يجب أن يكونوا يقظين و يحذروا، و سيتواصل العمل إن شاء الله علی أحسن وجه. و هذه هي مواصلة بعثة الرسول (ص) و الحركة‌ النبوية التي تعبر عن نفسها اليوم بهذا الشكل.
الشعوب المظلومة تنشد كرامتها.. العزة و الكرامة التي كانت من أسس دعوة الرسول (ص). الأعداء و المستكبرون و المحتلون و المتدخلون استغلوا شعوبنا طوال سنوات متمادية، و أهانوها و أذلوها في نفس الوقت. و حينما تنتهل الشعوب من الإسلام فسوف تنشد العزة و الكرامة. هذه هي الحركة الإسلامية‌.. هذا هو معنی الحركة الإسلامية.
علينا نحن الشعوب المسلمة أن نكون يقظين واعين. النخبة في البلدان الإسلامية‌ يجب أن تتحلی بالوعي و اليقظة و لا تشغل نفسها بالسجالات و القيل و القال العبثي أو قليل الأهمية، و يجب عليهم أن لا يسمحوا للخلافات المذهبية و القومية و الذوقية و النقاشات الهامشية‌ باستنزافهم. عظمة ما يحدث في هذه المنطقة أكبر من هذه الأمور بكثير.
نحن الشعب الإيراني مسرورن و سعداء لأننا نری الشعوب المسلمة تتحرك و تحصل علی حريتها و كرامتها. منذ بداية ظهور الثورة في إيران و انتصارها كانت مواقفها واضحة حيال قضايا المنطقة و التحركات في المنطقة و ثورات المنطقة. إينما كانت هناك حركة معادية للاستكبار و الصهيونية و ضد الحكومة الصهيونية‌ الغاصبة في بلد فلسطين العزيز فهي حركة نقبلها و ندعمها و نؤيدها. و أينما كانت الحركة ضد أمريكا و ضد هذه الدكتاتورية الدولية - و قد أوجدت أمريكا اليوم دكتاتورية دولية - و أينما كانت الحركة ضد الدكتاتوريات الداخلية و لإحقاق حقوق الشعوب فنحن نؤيدها.
علی الجميع التحلي باليقظة. علينا نحن التحلي باليقظة و الحذر و علی الشعوب أيضاً التحلي باليقظة و أن تعلم أن حيل الأعداء و دسائسهم متنوعة و معقدة. يجب أن نجعل البصيرة معياراً لعملنا. لتتنبه الشعوب فأمريكا و الصهاينة و مرتزقتهم و أتباعهم يحاولون تحريف الثورات. إنهم يهتمون بالبلدان التي تشهد الصحوة و يحاولون ما استطاعوا تحريف حركة هذه الشعوب.
الشعب البحريني المظلوم كالشعب المصري و كالشعب التونسي و كالشعب اليمني. هناك أيضاً القضية علی نفس الشاكلة، و لا معنی للفصل بينها. و نشاهد للأسف أن البعض بدل التركيز علی هموم الشعوب يسيرون و يتصرفون في الطريق الذي يريده أعداء هذه الشعوب. تعمل أمريكا اليوم علی خلق شبيه لما يحدث في مصر و تونس و اليمن و ليبيا لتزرعه في سورية - التي تقف في خط المقاومة - و تخلق لها المشاكل. ماهية القضية في سورية تختلف عنها في هذه البلدان. في هذه البلدان كانت التحركات مناهضة لأمريكا و الصهيونية، أما في سورية‌ فاليد الأمريكية مشهودة و واضحة، و الصهاينة يقفون وراء القضية. يجب أن لا نقع في خطأ. و يجب أن لا ننسی المعايير. حيثما كانت الحركة مناهضة لأمريكا و الصهيونية فهي حركة أصيلة شعبية و حيثما كانت الشعارات لصالح أمريكا و الصهيونية كانت الحركة منحرفة. سوف نحافظ علی هذا المنطق و هذا البيان و هذا التنوير.
طبعاً نعلم أن أعداء نظام الجمهورية الإسلامية‌ سوف يغضبون و يضاعفون من مؤامراتهم ضدنا. و نحن صامدون ضد هذه المؤامرات و قد صار للشعب خبرته في ذلك. لقد وقف الشعب الإيراني و صمد طوال ثلاثين عاماً أمام أنواع هذه المؤامرات، و استقام و اكتسب الخبرة. و هم يمنّون أنفسهم ببعض الأحداث الداخلية و يفرحون.
لحسن الحظ، فإن مختلف الأجهزة و المؤسسات في البلاد اليوم عاكفة علی أعمالها و مهامها. في هذه الفترات الأخيرة و في السنة الأخيرة لاحظوا كم من الأعمال إنجزت في البلاد. تحولونا من بلد يستورد المنتجات النفطية إلی بلد يصدر هذه المنتجات. البلاد تعمل في المجالات المختلفة و الحمد لله. و قضية تقليص حجم الحكومة - الخطوة التي قامت بها الحكومة و المجلس سوية - عملية مهمة و كبيرة جداً. هذه أعمال يجب أن تتابع و سوف تتابع إن شاء الله.
سيستطيع الشعب الإيراني بصموده و مقاومته و اتحاده و أمله اللامتناهي بالعون الإلهي، و المسؤولون في البلاد بوحدة كلمتهم و تعاونهم، سيستطيعون إن شاء الله تبديل أمل أعداء الشعب الإيراني مرة أخری إلی يأس و قنوط.
نسأل الله تعالی أن يضاعف بركاته الجمّة علی هذا الشعب، و أن يشمل ببركة هذا اليوم الشريف و هذا العيد المبارك و بحرمة الكيان المقدس لخاتم الأنبياء (ص)، أن يشمل الشعب الإيراني و الشعوب المسلمة بفضله و نصرته، و يرضي القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) عنا جميعاً.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - نهج ‌البلاغة، الخطبة رقم 89 .