بسم الله الرحمن الرحيم
يسرني كثيراً و لله الحمد أن يكون ختام زيارتي الیوم لهذه المنطقة الحساسة و المهمّة بالنسبة لبلدنا، اللقاء بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء العاملون في هذه المجموعة الصناعية و التقنية المهمّة و من سکان هذه المنطقة. و بهذا اللقاء تنتهي زیارتنا.. و إنّني لسعيد جدّاً باللقاء بكم.
لحسن التوفيق أنّ كل زاوية من زوايا هذا البلد و في كل مجال من مجالاته يمكن بوضوح ملاحظة النمو و الازدهار العلمي و العملي لشعبنا الكريم. و بالنسبة لمحافظة (بوشهر) فإنّها تعد من أعرق و أقدم محافظات البلد، و هي تضم أناس خبروا الحياة جيداً، و كل من له معرفة بالتاريخ يعلم حجم الخدمات الجسيمة التي قدّمها سكّان هذا الساحل الطويل للخليج الفارسي، لبلدهم و لاستقلاله و كرامته. و في فترة من الفترات حاول المستكبرون المعتدون الطامعون، الذين كانوا يعلمون أهمية هذه المنطلقة جيداً، الاستيلاء عليها بشكل كامل و نهب ثرواتها. إنّه ذات الاستعمار الذي داهم شبه القارة الهندية و تركها على هذه الحال و عاث في أهلها فساداً لا يمكن تلافيه، و داهم شمال آفريقيا و شرق آسيا، لكنّه بالرغم من ذلك لم يتخلّ عن هذه المنطقة و لم يقطع دابر أطماعه عنها. و في تلك الحقبة، وقف سكان هذه المنطقة و خصوصاً سكان محافظتي (بوشهر) و (هرمزگان) و استبسلوا استبسالاً منقطع النظير، و جسّدوا كرامة و ثبات الشعب الإيراني، و قد كان هذا حدثاً تأريخياً لم يسبق أن شهدته هذه المنطقة. و بطبيعة الحال فإنّ مثل هذه الأحداث لن تمحى من ذاكرة التاريخ إطلاقاً.
أمّا اليوم فالمرحلة قد اختلفت و أصبحنا في مرحلة جديدة. فالطامعون المعتدون أخذوا اليوم يفكرون بطريقة مختلفة للاستيلاء على كافة أرجاء العالم لتأمين مصالحهم غير المشروعة، و لو كلّف ذلك إبادة هوية الشعوب و سحق كرامتها، كما تشاهدون ما يحصل في أنحاء العالم المختلفة و تحديداً في هذه المنطقة على مدى سنوات من الزمن.
إنّ ما حدث في إيران يشكل بالضبط الجهة المعاكسة لما تنطوي عليه أهداف الاستكبار العالمي و أطماعه. فهنا نجد نظاماً قامت دعائمه على الشعب، على القلوب، على الإيمان، على المشاعر، نظاماً تحرّكه الأهداف الإسلامية و الأهداف القرآنية و الإهداف التي انطوى عليها قوله سبحانه (ولله العزة و لرسوله و للمؤمنين) (1)، فبهذه العقيدة الراسخة التي لا تزعزعها الضغوط نشأ هذا النظام، أي النظام الإسلامي. لقد أثار هذا الثبات، و هذا الصمود إزاء الأطماع الأجنبية غضب مراكز القوى العالمية. فمنذ ثلاثین عاماً و هؤلاء يظهرون غضبهم بنحو أو بآخر، لكنّهم في كل مرة يصطدمون بإرادة الشعب الإيراني ـ المتوكّل على إرادة الله سبحانه و الواثق بالوعد الإلهي ـ الشعب الذي أخذ يطوي مراحل الرقي و التكامل و الازدهار يوماً بعد آخر.
لقد أعلنت هذا العام (عام الجهاد الاقتصادي). و هذا معناه أن جهاد الشعب الإيراني في هذه المرحلة يتمحور بشكل أساسي حول الاقتصاد. لقد قمنا هذا اليوم بزيارة هذه المنطقة عن كثب، و هي منطقة اقتصادية تعتمد على الإنتاج، و كما هو معلوم فإنّ الإنتاج يعد أبرز عنصر يساهم في إيجاد ازدهار مستدیم و مستقر لاقتصاد أي بلد من البلدان، و خصوصاً الاقتصاد الإنتاجي الذي يعتمد على العلم و التكنلوجيا. فهذه المنطقة تتمتع بهذه الميزة، فهي منطقة اقتصادية، إنتاجية، علمية. إنّها تليق بالشعب الإيراني. فإذا كان سكان هذه المنطقة و سائر مناطق البلاد قد وقفوا سابقاً بوجه الطغيان و تصدوا لأطماع الدول المحتلّة المعتدية، فإنّ طبيعة التصدّي للقوى الطامعة لهذه المرحلة قد اختلفت و تعقّدت، و أصبحت أكثر حساسية و تنوعاً، و هي بحاجة إلى حركة جهادية مكثّفة و مركّزة.
لحسن الحظ فإنّ شعبنا خبير بثقافة الجهاد. فالجهاد ليس أمراً غريباً أو جديداً علينا. فشعبنا قد خاض الكثير من ميادين الجهاد، بدءاً بالجهاد العسكري طيلة فترة الأعوام الثمانیة من الدفاع المقدس، و كذلك الجهاد السياسي طيلة المدة المنصرمة، و كذلك الجهاد الاقتصادي و العلمي. لقد ألفنا الجهاد و خبرناه. فالجهاد الذي علينا اليوم القيام به ـ أي الجهاد الاقتصادي ـ ليس أشد على الشعب الإيراني من الجهاد الذي مارسه من قبل، لكن هنا علينا أنْ ندرك ما الذي نريد القيام به.
إنّ الجهاد الاقتصادي لا يعني ممارسة العمل الاقتصادي فحسب. فالجهاد ينطوي على بعد معنوي خاص. إذ لا يمكن إطلاق كلمة جهاد على أي فعل أو ممارسة. إنّ الجهاد يتطلّب حضوراً و مواجهة مع العدو. لكن حينما يقوم الإنسان بشيء دون أن يكون أمامه عدو يتربّص به، فهذا ليس بجهاد. و في المقابل أحياناً تريدون القيام بشيء و هناك عدو يتربّص بكم، فهذا هو الجهاد. و الجهاد قد يتخذ أشكالاً مختلفة، فأحياناً يكون قتالاً، و أحياناً يكون الجهاد جهاداً مالياً، و أحياناً علمياً، و قد يكون جهاداً تقنياً، كل ذلك قد يكون جهاداً و كفاحاً. و إذا أردنا أن نجد في الأدبيات المعاصرة مقابلاً لمفردة (الجهاد) قد يكون مصطلح (الكفاح) هو الأنسب. فالجهاد الاقتصادي يعني: الكفاح الاقتصادي.
و الجميع يتحمل المسؤولية. فهؤلاء الرجال المؤمنون الذي شاهدناهم اليوم و قسم كبير منكم أيضاً من العاملین في هذا الحقل، إنّ عملكم هذا بمثابة جهاد. إنّ العمل الذي يجري في هذه المنطقة الصناعية و الاقتصادية الكبيرة، هو الجهاد بعينه. و نيّة المرء إذا كانت لله، يصبح عمله جهاداً في سبيل الله. فعندما يسعى الإنسان في سبيل إعلاء كلمة الحق، إعلاء كلمة الإسلام، و يساهم في حفظ كرامة الأمة الإسلامية و الشعب الإيراني المؤمن المسلم، يصبح عمله جهاداً في سبيل الله، جهاداً يتضمّن سائر بركات و خيرات الجهاد في سبيل الله.
و رجائي من كافة الإخوة العاملين، المتخصصين، و الكوادر الفاعلة في هذا الحقل ـ مع شكري و تقديري لهم ـ رجائي أن تحرصوا على أن يكون عملكم جهاداً في سبيل الله، و إياكم أن تشعروا بالتعب أو الخيبة، و اعلموا أن الله سبحانه وعد المجاهدين في سبيله بالنصر. فعندما تكون الحركة من أجل الله و في سبيل الله تكون نهايتها النصر و الغلبة. على جميع شرائح الشعب بما فيهم القادة و المسؤولين و رؤساء و كوادر الدوائر و المؤسسات العاملة في كافة أجزاء البلد، لا بدّ أن يكون سعي الجميع في سبيل الله. فإنّ الله تبارك و تعالى يبارك و يسدد كل جهد و سعي و عمل ينطوي على هذه النية، كما كان هذا شأننا طيلة الاثنين و ثلاثين عاماً المنصرمة. فبدون الإرادة الإلهية، لم يكن بمقدور أي شعب الصمود أمام الاستكبار العالمي.
إنّ هذه المنطقة التي تزخر بمعدن الغاز، يشترك معنا فيها طرف آخر، و أنا هنا لا أريد أن أعبّر بالمنافس، لكن حينما تجدون أن هناك أطرافاً لا تريد للشعب الإيراني التقدّم، بل و اجتمعت على مواجهة هذا الشعب، و أخذت تدعم الطرف الآخر، و تضع العقبات في طريق هذا الشعب، هذا يعني أنّ هناك جهاداً، أن هناك كفاحاً قائماً، و ذلك عندما يشاهد المرء مثل هذه العداوة و هذه الخصومة. إنّ كل خطوة تضعونها في هذا الطريق و في هذا العمل و أمثاله، تثيرون بها غيض العدو و غضبه، و بالتالي سيسعى جاهداً لوضع العقبات في طريقكم. فكلما تطلّب تقدّمكم في العمل أمراً ما، حاول العدو تركيز جهوده ليقطع الطريق أمامكم دون نيله.
إذن ما العلاج؟ العلاج يكمن في الاعتماد على الذات، الاعتماد على الطاقات الوطنية، على المعين الخصب للإرادة الإنسانية و المواهب التي ـ بحمد الله ـ تزخر به إيراننا العزيزة، و يزخر به شعبنا، و شبابنا.
إنّ الكلام في هذا المجال كثير. و قد تحدّث في جملة منه السادة المسؤولون عن هذا القطاع طيلة فترة الزيارة، و نحن بدورنا تركنا لهم جملة من التوصيات. و هنا أود أن أوجه كلمة إلى الشعب الإيراني كافة، و هي تتلخّص في أن الجهاد الاقتصادي مسؤولية الجميع. و من أركان إدارة الاقتصاد، الاستهلاك، و الاستهلاك الصحيح الجيد البعيد عن الإسراف و التبذير و الإتلاف هو بالتأكيد ما نوصي به دائماً.
علينا إيجاد ثقافة العمل و السعي لله. فحتى لو كنت معلماً فبإمكانك المساهمة في الجهاد الاقتصادي، و ذلك عن طريق نقل هذه الثقافة إلى الطالب، إلى هذه القوة البشرية. ففي كل مقطع و في كل مفصل يمكنكم المساهمة في هذا الجهاد.
الإعانة على تكريس العدل.. إن هذه السنوات العشر أو العقد من الزمن يعدّ بالنسبة لنا عقداً لتكريس التقدّم و العدل. فالتقدّم من دون العدل، لا يسمّى في العرف الإسلامي تقدّماً.
فعلى سبيل المثال، في منطقة (عسلويه) هذه ـ في هذين المقطعين اللذين يزخران بالموارد البشرية أي منطقتي (عسلويه) و (نخل تقي) ـ لدى الناس متطلّبات عديدة. و المساهمة في تلبيتها تعد جهاداً اقتصادياً، و تنتمي إلى هذا العمل الكبير. لقد تحدّثنا اليوم مع المدراء و المسؤولين المشرفين على المقاطع المختلفة لهذه المنطقة حول البيئة، و التلوث، و المشاكل المختلفة، حول السكّان. و لا بدّ من متابعة هذه الملفات بجدية إن شاء الله. فيجب حلحلة مشاكل الناس. و هذه برمّتها تشكّل أجزاءً ضمن منظومة الجهاد العظيم. فبالتعاون، و التعاضد، و الأخوّة، و النيّة الصادقة لله في العمل، يستطيع هذا الشعب أن يحتل مكانته المرموقة اللائقة به.
إنّ الأعداء المعاندين يريدون أن يستهدفوا الشعب الإيراني من أي منفذ كان، و ذلك بسبب وقوف هذا الشعب إلى جانب الحق، لأنّه شعب يريد الاستقلال، لا يريد الاستسلام للطغيان، إنّهم يريدون أن يفرضوا إرادتهم على الشعب الإيراني، و يسددوا ضرباتهم إليه. لكن بتوحيد الكلمة، و بالتعاون و التعاضد و الجهاد العام بالإمكان الوقوف و التصدّي للعدو، كما هو عليه الحال مع الشعب الإيراني الذي لا يزال إلى اليوم صامداً بوجه الأعداء، و استطاع أن يحفظ كرامته، و سيبقى هكذا أيضاً.
إنّ وصيتنا للكوادر المسؤولة التي ألتقينا بها اليوم في القطاعات المختلفة، هو الإصرار على سلوك هذا الطريق المستقيم، أي الاعتماد على القدرات و الكفاءات الذاتية و الاستغناء عن الآخرين. و ليعلموا أن هذه الجهود و المساعي في عين الله سبحانه و تعالى و هي تمثّل جهاداً في سبيله، فإذا اقترن بنية القربة إلى الله ـ نية خدمة الشعب و خدمة البلد من النوايا الإلهية ـ سيسدد الله سبحانه هذا العمل و يجعله جهاداً مثمراً. عليكم التمسك بهذا الاتجاه، و تكثيف الجهود.
إنّ ما شاهدناه اليوم هنا يبعث على الرضا. طبعاً هناك بعض النقص لا بدّ من التفكير في استدراكه، و على ما يبدو هناك نوايا جادة في هذا الإطار. و في الوقت ذاته فالإنجاز الذي شاهدناه هنا يعدّ كبيراً و مهماً للغاية، و هو يعكس حقيقة أن الشعب الإیراني قادر علی تنفیذ ما يريده. و هذا الشعور بالقدرة على التنفيذ يعتبر أهم ثروة معنوية لأي شعب من الشعوب، و لا يخفى أن شعبنا يتمتّع بهذا الشعور، و الأدلة على ذلك كثيرة يمكن ملاحظتها على أكثر من صعيد.
في هذا العمل هناك أقسام تتطلّب جهداً علمياً، خصوصاً فيما يتعلّق بقضايا النفط و الغاز، فبالإضافة إلى الجانب التقني لا بدّ من العمل على الجانب القانوني و الاقتصادي ـ أي قانون النفط و الغاز، و الاقتصاد النفطي و الغازي ـ علينا العمل، التفكير، و تكثيف الجهد العلمي من دراسات و بحوث علمية. إنّ شبابنا سيتمكن من العمل على ذلك و سيتوفق إن شاء الله. إنّها ثروة تتعلّق بالشعب الإيراني. فالغاز ثروة، و النفط ثروة، لكن الأهم من كل هذه الثروات، هي الموارد البشرية التي تتمتّع بالمواهب و الكفاءة و الاندفاع نحو العمل. فنحن نمتلك هذه الثروة و هذا هو الأصل. و إنّ أي شعب من الشعوب يمتلك مثل هذه الموارد البشرية، يستطيع استخلاص ثرواته و توظيفها لخدمة الشعب، لكنّه إن افتقر لذلك، أصبحت ثرواته الطبيعية لصالح الآخرين، و سيكون مردودها للآخرين أكثر من مردودها له. فنحن بحمد لله نمتلك مثل هذه الموارد.
و لحسن التوفيق فالأجواء العامة السائدة في البلد أجواء مشحونة بالعمل و السعي و التعاون، و هذه من بركة المساعي (الجهادية) التي حدثت من قبل. فمعنا اليوم جمع من أسر الشهداء، شهداء هذه المنطقة، و من الضروري أن نعلم بأنّ كل ثمرة نقتطفها اليوم و كل نجاح نحرزه لهو ببركة صفحات الجهاد التي سطرها الشهداء و خطوها بدمائهم، و إنّها رهينة الشهداء و المضحين من المعاقين و المجاهدين. فالبعض اشترك في الحرب، و جاد بنفسه، و اكتسب أجر المضحين في سبيل الله، بالرغم من أنّ الله قد حفظه، و أصبح اليوم عنصراً مساهماً في خدمة الثورة و البلد. إنّ هذه التضحيات و الصور الجهادية هي التي حفظت لشعبنا كرامته و عزّته و أوصلته إلى هذا المستوى من القدرة و سمحت له بتحقيق هذه المنجزات العظيمة.
نسأل الله سبحانه و تعالى أن يبارك لشعبنا و يضاعف من قدرته و تقدّمه و يحفظ له عزّته و كرامته، و يوفقنا جميعا لأداء مهامنا في هذا العمل الكبير و نسأله رضاه.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة المنافقون، الآیة 8 .