من حديث لسماحة آیة الله العظمی السید الخامنئي قائد الثورة الإسلامیة في بداية العام الشمسي 1390 لدى لقائه رئيس الجمهورية، و أعضاء مجلس الوزراء، و أعضاء هيئة رئاسة مجلس الشورى الإسلامي.
و قد تم هذا اللقاء بتاريخ 4/4/2011 م حیث تحدّث فيه سماحته حديثاً تضمّن مجموعة توصيات حول (اغتنام الفرص).
في ما یلي هذه المقتطفات من کلمته:
يجب أن لا ننسى ذكر الله. إنّ كل ما لدينا هو من التوسّل و التوجّه إلى الحضرة الربوبية. فهو الذي يأخذ بقلوبنا و يسمو بها إلى الأهداف العليا، و هو الذي يأخذ بمجامع القلوب و يشدّها إليها، و هو الذي يجمع القلوب و يؤلّف بينها. فالإنسان مهما بلغ غير قادر على أن يجمع القلوب و يشدّها نحو جهة ما، وحدها القدرة الإلهية هي من يقدر على ذلك.
لا بدّ لنا من اغتنام الفرص. و بصفتنا مسؤولین فإنّ الله سبحانه و تعالى قد منحنا فرصة، و هي فرصة الحياة و فرصة المسؤولية ـ فقد أوكلت لكل منّا مسؤولية ما لمدّة محدّدة من الزمن ـ تنتهي عندها. فعلينا أن نغتنم الفرصة التي أتيحت لنا و نستثمرها بأقصى ما يمكن، لأنّ الإنسان عندما يغادر هذه الحياة، توصد خلفه جميع أبواب العمل و الحركة. نعم، قد يكون هناك من يستغفر لنا و ينفعنا ذلك، أو قد نترك خلفنا أعمالاً تحسب كصدقة جارية، لكنّ المهم في الأمر هو أنّنا سنغدو غير قادرين على فعل شيء و قد غلّت ايدينا و انقطع عملنا. و ما دمنا في الحياة الدنيا، فأيدينا مبسوطة، و بمقدورنا القيام بالكثير و الكثير من الأعمال. فبنظرة، أو بابتسامة، أو بكلمة، أو بحركة يد، أو بحركة قلم، بإمكانكم أن تجمعوا حسنات يتجاوز حجمها حجم السماوات و الأرض ـ فهذا هو ما عليه الأمر في الحياة الدنيا، فاليد مبسوطة و الإنسان قادر على فعل ما يريد ـ لكن ما إن يغادر الإنسان هذه الحياة، حتى تغل يده و يغدو غير قادر على فعل أي شيء، سوى فتات حسنات قد تصله من استغفار الآخرين له أو تصدّقهم عليه بعد رحيله، و هذا لا يوازي بأي حال من الأحوال ما كان الإنسان قادراً على فعله و لم يفعله لدى حياته و قبل مماته، من هنا لا بدّ للمرء أن يعي ثمن الفرصة و يحرص على اغتنامها.
و إذا أردنا أن نعي ثمن الفرصة و نحرص على اغتنامها بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فعلينا أن نزج و نحشد كل قوانا في ميدان العمل، علينا أن نشدّ حيازيمنا و نلج ساحة العمل الدؤوب، و هنا لا بدّ لنا أيضاً من العودة إلى أنفسنا و مراجعتها و ملاحظة مواطن الخلل و النقص فيها. فلكلٍّ منّا ثغرات و نواقص، و هي ليست بالقليلة. و غالباً ما تكون عيوبنا نحن البشر أكثر بكثير من محاسننا من غير أن نكون مدركين لذلك. و لو لم يكن الأمر كذلك لما دفع بالرسول الكريم (ص) و بما له من مقام عظيم ـ نور خالص مجرّد من كلّ ظلمة ـ إلى الاستغفار. فالنبي كان يستغفر أيضاً و هو القائل: «لأستغفر اللَّه في كلّ يوم سبعين مرّة». و قال: «إنّه ليغان على قلبي». فهذه طبيعة البشر. فنحن مجموعة من الضعف، لكن الله سبحانه و تعالى أودع فينا القدرة على التطوّر و التحسّن اللامتناهي بما يمكّننا من التغلّب على مواطن الضعف فينا، فنبدأ بتبديل الأصفار إلى أعداد و السوالب إلى موجبات. فالله تبارك و تعالى لا يظلمنا بتاتاً. فنحن قادرون على تحويل جميع الأصفار إلى أعداد، و كلما قمنا بذلك تقدّمنا، و ما نخفق فيه، فلا بدّ من الالتفات و التركيز عليه. بمعنى لو أنّ المرء غفل عن إدراك مواطن الضعف في ذاته، و أخفق في تحديد مواطن الخلل و النقص في فعله و في ذاته، فسيغدو متخلّفاً. و هذه إحدى فوائد السباق. ففي السباق حيث يقف إلى جانب المرء من ينافسه، فإنّه يدرك على الدوام مواضع النقص و الخلل فيه و يسعى لتلافيها، و لكن عندما يكون وحيداً في الميدان و يعدو لوحده، فإنّه قد يجد نفسه مضطراً للتوقّف أحياناً، فيقف برهة من أجل السعال مثلاً، لكنّه بما أنّه لوحده لن يدرك كم جعله هذا التوقّف متأخراً، أما إذا كان هناك من يعدو إلى جانبه و لم یتوقف حتی لثانيتين ـ و ليس لخمس ثوان ـ فسيجعله ذلك مذهولاً من طول المسافة التي تقدّم فيها خصمه عليه. إذن فحياتنا العملية مهدّدة بثوان و دقائق و ساعات من التخلّف، علينا الانتباه لها جيّداً ليتسنّى لنا تعويضها. و إنْ لم يسعنا تعويضها فعلى الأقل نقرّ بذلك أمام الله سبحانه و تعالى: «و إن كان قد دنا أجلى و لم يدنني منك عملي فقد جعلت الإقرار بالذّنب إليك وسيلتي».(1) فهذا من جملة الطرق التي يتقرّب بها العبد إلى الله سبحانه، أي الإقرار بالذنب، الإقرار بالتقصير و الإخفاق و النقص و الظلمات التي تعاني منها نفوسنا. علينا الالتفات لهذا الأمر، فجميع ذلك من الممكن التغلّب عليه بتوفيق الله و عنايته سبحانه و تعالى.
إنّنا نعيش في زمن جيّد و علينا أن نشكر الله سبحانه على ما حبانا، و نثني عليه على هذه النعمة الكبيرة، على هذه الفرصة العظيمة التي أتاحها لنا إذ جعلنا مفيدين لمجتمعنا و لبلدنا و لإسلامنا العزيز و لتاريخنا. فقد مرّ بنا زمن لم نكن قادرين على فعل شيء، و لا سوانا من ذوي الهمم و العزائم. لكن اليوم أصبح بمقدورهم ذلك. فعلينا أن نقدّر هذه الفرصة و نشكر الله سبحانه عليها، و نسأله أن يتغمد روح إمامنا [الخميني] الكبير برحمته و كذلك أرواح سائر شهدائنا الأبرار المجاهدين في سبيل الحق، و الممهدين ذلك السبيل أمامنا.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1) مفاتيح الجنان، المناجاة الشعبانية.