بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علی سيدنا و نبينا أبي القاسم محمد و آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيما بقية الله في الأرضين.
أرحب بالإخوة و الأخوات الأعزاء المسؤولين الدؤوبين المخلصين في البلاد، عسی أن يبارك الله هذا الشهر الشريف عليكم جميعاً و علی الشعب الإيراني. نحمد الله أن أتاح لنا الفرصة و المهلة عاماً آخر لنستطيع إقامة هذه الجلسة الصميمية‌ الحميمة مرة أخری و نستمع و نذكر بعض الأمور حول القضايا المهمة التي تعني البلاد.
أقسّم ما أريد أن أقوله إلی ثلاثة أقسام: القسم الأول نقاط تذكرة أحتاج أنا بالدرجة الأولی إلی التنبّه لها، و ستكون مستلهمة إن شاء الله من معنوية شهر رمضان. و هناك قسم أخر حول قضايا البلاد بنظرة‌ أعمّ و أشمل. و سنشير في القسم الأخير إذا بقي لنا من الوقت شيء‌ إن شاء الله إلی القضايا الجارية في المنطقة أطرافنا.
يقول المرحوم الحاج الميرزا جواد آقا ملكي التبريزي - العارف ذائع الصيت و الشهير و الفقيه الجليل - في كتابه الشريف «المراقبات»: الصوم هدية إلهية قدمها الله تعالی لعباده و للمؤمنين. و عبارته هي: «الصوم ليس تكليفاً بل تشريف».. لا تنظروا للصوم علی أنه تكليف بل علی أنه تشريف و تكريم «يوجب شكراً بحسبه».. هذا التوجه لفريضة الصيام - و هي تكريم إلهي للعباد - تستوجب بحد ذاتها شكراً، و يجب تقديم الشكر لله عليها. و يذكر للجوع و العطش الذي يری المؤمنون أنفسهم في شهر رمضان المبارك ملزمين به فوائد متعددة مستمدة من الروايات و منتهلة من القلب النيّر لذلك الرجل الجليل. و من جملتها أو أهمّها - و هو يقول إن هذه الخاصية ‌أهم خصوصيات الصيام - أنه يقول إن الجوع و العطش يمنح القلب صفاء و نقاء يمهد الأرضية للتفكر، و «تفكر ساعة خير من عبادة سنة» (1). إنه تفكر من نوع التفكير في باطن الإنسان و روحه و فؤاده و مراجعة الذات التي تجلي الحقائق و تفتح أمام الإنسان باب الحكمة. لذا ينبغي الاستفادة من هذه الفرصة.
لنفكر في العمر. العمر هو الرصيد الرئيسي لكل إنسان. كل الخيرات تحصل بواسطة العمر، و هو هذه الساعات السريعة الانقضاء. هذا الرصيد هو الذي بوسعه تحقيق السعادة الأبدية و جنة الخلد للإنسان. لنفكر في هذا العمر، و لنر انقضاء العمر، و لنشعر بعدم ثبات ساعات الحياة و الأيام و الليالي في هذا العمر. لننتبه إلی مضي الزمن. إنه رصيد ينقص لحظة بعد لحظة، و الحال أن هذا الرصيد هو كل ما لدينا لاكتساب السعادة‌ الأخروية، فكيف ننفقه و أين ننفقه و في أي سبيل ننفقه؟
التفكر في الموت، و العبور من هذا العالم، و في لحظة خروج الروح من البدن، و ملاقات ملك الموت. إنها لحظة تحصل لنا جميعاً.. «كل نفس ذائقة الموت» (2).. كلنا نذوق هذا الطعم، فما سيكون حالنا في تلك اللحظة؟ و كيف سيكون حال فؤادنا في تلك اللحظة؟ هذه نقاط جديرة بالتدبر و التأمل. التفكير في هذه الأمور من أنواع التفكير اللازم و الأساسي و الضروري.
و المجال الآخر للتفكر هو هذه الأدعية. المضامين التي نجدها في الأدعية المأثورة خارقة للعادة. يقول في نفس كتاب المراقبات: الحقائق و المعارف الموجودة في الأدعية التي وصلتنا عن المعصومين (عليهم السلام) لا يوجد عشرها في كل الروايات و الخطب الواصلة عن المعصومين (عليهم السلام)، باستثناء تلك الروايات و الخطب التوحيدية. هذه الأدعية مهمة جداً.
و قد اخترت فقرة من أحد الأدعية سأذكر بعض جملاتها لدقائق لتكون تكراراً للذين سمعوها و تذكرة‌ للذين لم يسمعوها: الدعاء العشرون من الصحيفة السجادية، و هو الدعاء الشريف المعروف بدعاء مكارم الأخلاق.
يقول عليه السلام في بداية هذا الدعاء: «اللهم صل علی محمد و آل محمد و حلني بحلية الصالحين، و ألبسني زينة المتقين».. اللهم منّ علي بزينة عبادك الصالحين و امنحني حلية المتقين. أي اجعلني من عبادك الصالحين المتقين الورعين. ثم يذكر للمتقين خصوصيات ليتضح ما معنی ألبسني زينة المتقين. ما هي الأمور التي تجعلنا نتزين بزينة المتقين و الورعين و نقترب منهم؟ حينما يجري الحديث عن التقوی يتبادر إلی الذهن اجتناب المعاصي الفردية و أداء العبادات و ما شابه، و هذه يقيناً من التقوی و لا شك في ذلك - لكن الإمام السجاد (عليه الصلاة و السلام)‌ يذكر هنا ثلاثة‌ و عشرين صفة‌ تابعة لهذه الفقرة تنبهنا إلی أبعاد جديدة من معنی التقوی و مفهومها و مصداقها.
«و ألبسني زينة المتقين» أمر يتحقق بهذه الأمور: أولاً‌ «في بسط العدل» أي في نشر العدالة.. لنكرس العدالة في المجتمع.. العدالة القضائية، و العدالة بمعنی توزيع المصادر الحيوية للبلاد بين جميع أبناء الشعب، و العدالة بمعنی التوزيع الصحيح للفرص بين الناس. العدالة المتوقعة منا من أسس و مباني هذه التقوی.
«و كظم الغيظ».. أي السيطرة علی الغضب و كبح جماحه. مرة يكون الإنسان فرداً عادياً يتوجّه غضبه صوب أخ له في الدين أو أحد أبناء عائلته، أو أحد العاملين معه.. و كظم الغيظ له فضيلة كبيرة، «و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس» (3). و مرة يكون الإنسان مسؤولاً اجتماعياً و له مكانته و يكون لنفيه أو إثباته و قوله و فعله تأثيراته في المجتمع.. عندئذ لا يكون غضبه مساوياً لغضب الإنسان العادي، إنما سيغضب علی أفراد أو تيار و يتحدث ضدهم. آثار مثل هذا الغضب تختلف كثيراً عن آثار غضب عادي يصدر عن إنسان قد ينهال علی أحد بالضرب.. كظم الغيظ.. و كبت الغضب.. و عدم التصرف بدافع الغضب. قد تختلفون مع شخص أو تيار أو جماعة، هنا يجب أن يسود الاستدلال و المنطق، و إذا تلوث هذا الاستدلال و المنطق بالغضب فسوف يفسد الأمور و يؤدي إلی تجاوز الحدود و الإسراف.. «ربنا اغفر لنا ذنوبنا و إسرافنا في أمرنا» (4).. الإسراف معناه التمادي و الإكثار.
«و إطفاء النائرة».. من الأمور اللازمة لنكون أتقياء هو إخماد النيران. تصاعد ألسنة هذه النيران - و المراد بها نيران الخلافات بين الجماعات و التيارات و الأجهزة و المؤسسات - هو بحكم النيران المحرقة المدمرة. يجب أن يحاول الجميع إطفاء هذه النيران. يجب عدم صبّ الزيت علی النار و تأجيج اللهب. حينما نوصي كراراً و مراراً الأصدقاء و المسؤولين و أصحاب المنابر و الذين ينعكس كلامهم علی عموم الأجواء في البلاد أو في جزء من البلاد، حين نوصيهم بالسيطرة علی أقوالهم و ألسنتهم و تصريحاتهم، فهذا هو السبب. أحياناً قد يكون الكلام ليس مجرد عملية مضادة لإطفاء النائرة، بل یکون تأجيجاً للنائرة، ليس إطفاء بل ضد الإطفاء.
«و ضمّ أهل الفرقة».. الذين ينفصلون عن جماعة المسلمين و عن مجموع البلاد حاولوا أن تقرّبوهم و تضمّوهم. الذين هم في وسط الطريق حاولوا أن تأخذوا بأيديهم و توصلوهم إلی المقصد. يجب أن لا نسمح لسلوكنا و أعمالنا و تصريحاتنا و طباعنا بأن تنفّر ذوي الإيمان المنقوص من الإيمان كلياً، و تقطع الذين لهم صلة منقوصة بالنظام عن النظام تماماً. لنعمل بالاتجاه المعاكس لهذا. لنستقطب الذين هم في وسط الطريق. هذه من مصاديق التقوی و شعبها.
«و إصلاح ذات البين».. أن نصلح بين الأشخاص إذا كان بينهم خلافات. «و إفشاء العارفة و ستر العائبة».. أن نفشي إيجابيات الأشخاص و حسناتهم. إذا كنتم تعرفون لمسؤول أو شخص عملاً حسناً فاذكروه. و في المقابل إذا كنتم تعلمون عنه نقطة سلبية فلا تفشوها. و عدم الإفشاء لا يعني أن لا تنهوا عن المنكر، بلی، يجب أن يُذكر الأمر لنفس ذلك الشخص الذي يرد عليه الإشكال و يجب أن يؤاخذ، لكن إفشاء هذه الأمور ليس من المصلحة. و ثمة‌ الكثير من الكلام في هذا الخصوص. هذا جانب من هذا الدعاء. هناك إثنتان و عشرون أو ثلاث و عشرون فكرة ذكرنا منها علی وجه الإجمال ستاً أو سبعاً. لنأخذ قلوبنا إلی ذلك الاتجاه. و نطلب من الله أن «ألبسني زينة المتقين».. و لا سبيل سوی هذا. و الصوم في القرآن بدوره من أجل «لعلكم تتقون» (5). أوجب الله الصوم من أجل أن نتقي. هذه من جملة مصاديق التقوی. هذا هو القسم الذي أشرنا إليه في بداية الحديث.
القسم الثاني تقييم كلي لأوضاع البلاد. التقرير الجيد جداً و المفصل الذي قدمه رئيس الجمهورية المحترم كان بليغاً. و كانت فيه نقاط مميزة و مشرقة، و ما أحسن أن تصل هذه المعلومات إلی أسماع الناس ليعلم الجميع ما هي الجهود التي تبذل و ما الخدمات التي تمّ تقديمها. إنني أطرح قضايا البلاد العامة من زاوية أخری،‌ و هذا مهم بالنسبة لنا. لماذا هو مهم؟ أولاً الاطلاع علی الوضع العام للبلاد، و أين نقف نحن، و إلی أين وصلنا و في أي اتجاه يجب أن نذهب.. هذا أمر علی جانب كبير من الأهمية دوماً، لكنه يكتسب أهميته في الوقت الحاضر علی وجه الخصوص، و ربما أمكن القول إن ذلك بسبب الأوضاع التي تسود العالم. أولاً الوضع في المنطقة وضع غير مسبوق تماماً. الصحوة الإسلامية‌ و الحدث الهائل الذي وقع في المنطقة شيء لا شبيه له و لا نظير علی الإطلاق في حياة الجمهورية الإسلامية منذ بداية الثورة و إلی اليوم. لقد تمّ إنجاز عمل كبير و وقع حدث عظيم. أن يقوم شعب كالشعب المصري بهذه الحركة العظيمة و يسقط نظاماً و يرفع شعارات إسلامية، و أن تهدد أوضاع المنطقة وجود الحكومة اليهودية الصهيونية الزائف بهذه الصورة‌ فهذه أمور لا تفهم إطلاقاً بالتقييمات العادية الدارجة. إنها شيء‌ عظيم جداً. إننا نعيش مثل هذه الظروف التي ترسم للجمهورية الإسلامية‌ أفقاً مشرقاً عجيباً.
و وضع العالم خارج نطاق المنطقة أیضاً وضع غیر مسبوق. الأزمة الاقتصادیة العجیبة التی استولت علی الحکومات الغربیة المستکبرة و راحت تزلزلها.. هذا أیضاً شیء استثنائی و لا یمکن المرور به مرّ الکرام. هذه التحلیلات التی تلاحظون الغربیین یطلقونها بخصوص الأزمة الاقتصادیة فی أمریکا و بعض البلدان الأوربیة، و الخطر الذی یقرعون أجراسه إزاء المستقبل إنما هو جزء من القضیة، و الأمور کلها لا تذکر. غرف الأفکار و العملیات و صناع السیاسة خلف الکوالیس و مخططو القضایا العالمیة فی البلدان المقتدرة - و معظم وسائل الإعلام بأیدیهم - لا یرتضون أن تتضح جمیع أبعاد هذه الأزمة للرأی العام العالمی، و إلا فأبعاد الأزمة أکبر و أوسع من هذا بکثیر. و إذا تبقی لنا من الوقت شیء فسأذکر بعض النقاط المختصرة حول هذا الموضوع إن شاء الله فی ختام حدیثی.
و قضیة أخری هی تنامی التیارات المتطرفة الإرهابیة فی الغرب و خصوصاً فی أوربا، ابتداء من النازیین الجدد فی أوربا إلی «النیوکانیین» فی أمریکا الذین کانت الحکومة الأمریکیة السابقة منهم. هؤلاء یعلنون التطرف صراحة. لقد أعلن رئیس الجمهوریة الأمریکی الأبله السابق صراحة و علناً أن حرباً صلیبیة علی الأبواب.. أعلن بدء حرب صلیبیة! و لا معنی لتطرف فوق هذا التطرف. ثم هاجموا بلدین إسلامیین. و کانت هناک مهمات أخری فی أجندتهم، لکن الله لم یمهلهم و حلت بهم الهزیمة. هذا قضایا علی جانب کبیر من الأهمیة. الحدث الذی وقع فی النرویج یجب أن لا ینظر إلیه کحالة خاصة. مثل هذه الأحداث غالباً ما تکون نتیجة سیاقات طویلة تفصح عن نفسها فجأة. و کم سیستطیعون السیطرة علیها و صدّها و الحؤول دون استمرارها فهذا ما سیفصح عنه المستقبل. ینبغی النظر و التأکد، و سوف لن یستطیعوا. کما أن النازیین الجدد بدأوا عملهم من منطقة معینة فی أوربا ثم تناموا و انتشروا تدریجیاً، و الیوم تعلن هذه التیارات النازیة الجدیدة عن وجودها فی الکثیر من البلدان الأوربیة بأسالیب إرهابیة عنیفة.
فی مثل هذه الظروف یجب أن نعید معرفة أنفسنا و نری ما هو وضعنا. تسود العالم ظروف مهمة یمکن أن توفر لنا فرصاً کبیرة. إذا لم نر هذه الفرص و لم نعرفها و لم نستفد منها بصورة صحیحة و لم نسارع إلیها فی الوقت المناسب فسوف نخسر. و أحیاناً یکون تفویت الفرصة بحد ذاته مما یخلق التهدید و الخطر و التأخر. لذلک لا بأس أن نلقی من هذه الزاویة نظرة عامة لقضایا البلاد. طبعاً یجب أن تکون نظرتنا العامة هذه واقعیة و یجب أن لا نوقع أنفسنا فی الخطأ و لا نلقی نظرة أحادیة الجانب. لدینا نقاط إیجابیة و نقاط أخری سلبیة، و یجب أن ننظر لکلا الجانبین. أحیاناً یجری تغلیب النقاط السلبیة. یشاهد المرء فی الوقت الحاضر للأسف بین بعض المسؤولین و النخب السیاسیة و کأن هناک موضة بأن تکون النظرة سلبیة متشائمة لا مکان فیها للنقاط الإیجابیة، بل یجری التأکید علی النقاط السلبیة. یطلقون الکلام السلبی باستمرار فی وسائل الإعلام و غیرها. و ما أن یسألهم سائل لماذا هذه السلبیة یقولون إنکم تمانعون من ذکر الواقع، و تسمون هذا نظرة سوداویة، و نحن نرید ذکر الحقائق. لا، هذه نظرة أحادیة الجانب. لو افترضنا أن وحدة إنتاجیة تعانی من مشکلة، و تریدون من باب النظرة الواقعیة أن تعبروا عن هذه المشکلة.. حسناً، إلی جانب تلک المشکلة هناک وحدتان إنتاجیتان أخریان تم تأسیسهما. إذا ذکرنا هذه النقطة الإیجابیة سنفهم قضایا البلاد بطریقة، و إذا لم نذکر هذه النقطة الإیجابیة سنفهم قضایا البلاد بطریقة أخری. إذا شاهدنا النقاط السلبیة فقط - و هناک طبعاً نقاط سلبیة - فهذا لن یکون من النظرة الواقعیة فی شیء و لن یمنحنا تقییماً صحیحاً لأوضاع البلاد، بل سیؤدی إلی الیأس و الأضرار الاجتماعیة.
إننی أراجع فی الیوم عشر صحف إلی عشرین صحیفة عادة. بعض هذه الصحف تحتوی کل یوم أربعة أو خمسة عناوین یکفی واحد منها لبث التزلزل فی قلب إنسان ضعیف.. سلبیات، سلبیات، سلبیات، سلبیات! یحبون هذه الممارسات، و قد تکون وراءها أغراض سیاسیة أو أغراض جذب الزبائن، لا أدری، و لا أرید توجیه التهمة لأحد، لکن هذا هو الواقع و هو خطأ. تغلیب النظرة السلبیة بخلاف النظرة الواقعیة و مما یؤدی للیأس.
و کذا الحال بالنسبة للاتجاه المقابل، أی تغلیب النظرة الإیجابیة من دون التبصر بالنقاط السلبیة.. هذه أیضاً ممارسة مضللة و تؤدی إلی حالة رضا لدی الإنسان قد تکون أحیاناً کاذبة.. هذا أیضاً غیر صحیح. یجب مشاهدة النقاط السلبیة أیضاً إلی جانب النقاط الإیجابیة. هذا شیء استطاع البلد و النظام إنجازه، و ذاک الشیء لم یستطع البلد إنجازه، لنشاهد هذین الشیئین إلی جانب بعضهما. و هکذا إذا أردنا أن نقیّم أوضاع البلد بصورة صحیحة فیجب أن نشاهد النقاط السلبیة و النقاط الإیجابیة إلی جوار بعضهما.
هذه فکرة تتطلب نقاشاً طویلاً. ما أرجوه هو أن یجتمع المسؤولون و النخب و الجامعیون و الحوزویون و یناقشوا هذا الأمر و یبحثوه. سوف أطرح الیوم رؤوس نقاط مختصرة لکن الأمر یستدعی بحثاً و عملاً مطولاً. لیجتمعوا و یعدّوا لائحة للنقاط الإیجابیة و لائحة للنقاط السلبیة. هذه النقاط الإیجابیة تشیر لنا إلی الإمکانیات و ما نمتلکه فی البلد من إمکانیات و قدرات. أما لائحة النقاط السلبیة فتشیر لنا إلی الأولویات و ما یجب أن نقوم به. حینما نضع هاتین اللائحتین إلی جانب بعضهما فسیضیء ذلک لنا الطریق و نفهم ماذا یجب أن نفعل.
سجلت هنا بضع نقاط تشیر إلی ما هو حصیلة حرکة مستمرة و مترابطة فی نظام الجمهوریة الإسلامیة طوال إثنین و ثلاثین عاماً، و قد کانت هناک منعطفات طبعاً. أی إن بعض الأعوام کانت أفضل من بعض، و بعض الدورات أفضل من بعض، و بعض الحکومات أفضل و بعضها أقل، و لکن علی العموم کان لنا طوال هذه المدة هذه النقاط الإیجابیة.
النقطة الإیجابیة الأولی للنظام هی أن النظام أثبت أن لدیه القدرة علی التغلب علی الأخطار و التهدیدات. و هذا شیء علی جانب کبیر من الأهمیة. لقد واجهنا طوال هذه الأعوام الإثنین و الثلاثین الکثیر من التهدیدات - تهدیدات سیاسیة و تهدیدات أمنیة و تهدیدات عسکریة و تهدیدات اقتصادیة - و کان من المفترض و الحال هذه أن یتلقی النظام ضربات. طبعاً کان هدفهم إسقاط النظام - و قد کان هذا بعید المنال بالنسبة لهم - و هدفهم التالی هو أن یفرضوا التأخر علی النظام و البلد فی الأقل. لقد انتصر النظام علی کل هذه التهدیدات، و من نماذج ذلک الحرب المفروضة، و من النماذج أیضاً التحرکات الأمریکیة، و من النماذج أیضاً فرض الحظر الاقتصادی. بعض هذه التهدیدات کانت من قبل الأعداء مباشرة کالحظر الاقتصادی. کان الحظر قائماً منذ سنوات طویلة لکنه اشتدّ فی الأعوام الأخیرة. هم أنفسهم سموه حظراً شالاً. فرضوا أنواع الحظر سواء بمساعدة الأمم المتحدة - التی کانت تحت تصرفهم - أو بشکل مستقل. هذا ما یتعلق بالأجانب و تدخلهم المباشر. و کانت هناک تهدیدات لها أرضیات داخلیة، مع أن العدو کان یمکن أن یستفید منها، مثل قضیة القومیات فی البلاد. و قد انتصر النظام علی کل هذه التهدیدات و التحدیات. القومیات المتنوعة فی بلادنا الیوم تعیش إلی جوار بعضها کالإخوة، و الشعور بالاتصال بالنظام و حب النظام محسوس و مشهود فیها جمیعاً. أعتقد أن هذه من أهم نقاط القوة، و علینا أخذها بنظر الاعتبار فی حسابات نقاط قوة النظام. نظام وحید بدون سند دولی تعادیه أقوی القوی المادیة فی العالم یواجه طوال اثنین و ثلاثین عاماً تهدیدات متوالیة متتابعة، لکنه یتغلب علیها جمیعاً، هذه نقطة مهمة جداً. أعتقد أن هذه هی أهم نقاط قوة النظام.
ثانیاً: الثقة بین الشعب و النظام. قلّ ما یوجد بلد فی العالم له بین الشعب و نظام الحکم من الثقة ما للشعب الإیرانی من الثقة بنظام الجمهوریة الإسلامیة. و مؤشرات هذه الثقة هی هذه الظواهر القائمة أمام أنظار الجمیع. و هناک من لا یرونها و یواصلون الحدیث عن عدم ثقة الناس، کلا، الشعب یثق بالنظام. من علامات ذلک الانتخابات التی أقیمت قبل سنتین و التی شارک فیها أکثر من ثمانین بالمائة من الذین لهم حق التصویت. أین یوجد فی العالم مثل هذا؟ و من نماذج ذلک المظاهرتان التی نقیمهما کل عام، مظاهرة الثانی و العشرین من بهمن و مظاهرة یوم القدس. إنها مظاهرات النظام و لیست ملکاً لأیة حکومة أو تیار خاص.. إنها للنظام. لاحظوا ما یفعله الناس فی هذا التحرک العظیم. فی البرد فی الثانی و العشرین من بهمن، و فی شهر رمضان و هم صائمون، و سواء کان الجو بارداً أو کان حاراً کما هو الآن، سوف ترون إن شاء الله أیة عظمة یبدیها الشعب عن نفسه فی یوم القدس. هذا دلیل حب الناس و انشدادهم للنظام. لا یمکن أن تکون الثقة بالنظام أفضل و أوضح من هذا. هذه المشارکة مشارکة لها مغزی عمیق. مضافاً إلی ذلک ففی الحالات الخاصة مثل التاسع من دی سنة 88 بمجرد أن شعرت الجماهیر أن التحرک الذی بدأ یرید استهداف النظام و الثورة، و لا یستهدف شخصاً أو حکومة معینة، أبدت عن نفسها تلک الحرکة الهائلة. و لم یشارک الشباب المتحمس فقط بل شارک الجمیع. کانت حادثة التاسع من دی حادثة عجیبة و سببها حب الجماهیر للنظام. هذا دلیل علی ثقة الشعب. للأسف نسمع البعض فی تصریحاتهم المصلحیة یکررون أنه ینبغی إعادة ثقة الشعب المفقودة! أیة ثقة مفقودة؟! الشعب یثق بالنظام و یحبه و یدافع عنه، و قد کانت تلک الدلائل التی ذکرناها.
ثالثاً: التقدم فی ظروف الحظر من نقاط القوة المهمة فی البلاد. لقد تقدمت البلاد فی أصعب ظروف الحظر. فی أی مجال کان التقدم؟ من المجالات مجال العلم و التقنیة، و قد أشار السید رئیس الجمهوریة لهذه النقطة فی تقریره. لقد تقدمنا فی المجال النووی، و تقدمنا فی مجال تقنیات الأحیاء، و تقدمنا فی تقنیات النانو، و تقدمنا فی تقنیات الأشکال الجدیدة من الطاقة، و تقدمنا فی الصناعات الجویة و الفضائیة، و تقدمنا فی صناعة الحواسیب العملاقة، و تقدمنا فی مجال الخلایا الجذعیة و هو مجال علی جانب کبیر من الأهمیة، و کذا الحال بالنسبة للاستنساخ، و کذا الحال بالنسبة للأدویة الرادیویة، و کذا الحال بالنسبة لأدویة النانو المضادة للسرطان، هذه کلها من المجالات العلمیة الراقیة فی العالم. هذه المجالات التی ذکرتها و بعض المجالات الأخری من العلوم الراقیة و الأولی فی العالم، و بعضها لا یمتلکه إلا خمسة بلدان أو عشرة بلدان فی العالم، و قد تقدمنا نحن فی هذه المجالات. و قد کان هذا فی حال أغقلت علینا أبواب نقل العلوم من کل الجهات فی العالم.
قرأت فی مقال منقول عن صحیفة أمریکیة و قد نشر قبل یومین أو ثلاثة أیام. یقول المقال بأن إیران تعدّ استثناء فی المجال النووی. الصین وصلت للطاقة النوویة، فمن من أخذتها؟ و باکستان وصلت لهذه الطاقة فمن من أخذتها؟ و الهند وصلت إلی هذه الطاقة و حازتها فمن من أخذتها؟ و إیران من من أخذتها؟ یکتب صاحب المقال: لم تأخذها من أحد. و کان هذا فی ظروف الحظر، و لم یکن ثمة من یمنح إیران الإمکانیات النوویة المتقدمة، بل کانوا یحاربونها، علی غرار هذه الفایروسات الکومبیوتریة التی دسّوها فی أجهزتنا. و قد تصدی علماؤنا و شبابنا لها و تقدموا إلی الأمام و أحبطوا مخططات العدو. و قد أشار المقال حتی إلی اغتیالات علمائنا الذریین. هذه أمور یذکرها أعداؤنا. نشر هذا المقال فی صحیفة الواشنطن بوست. هذا بالتالی تقدم فی العلم و التقنیة.
و هناک التقدم فی تشیید البنی التحتیة للبلاد - هذه الإحصائیات التی استمعتم لها - فی الطرق و الطرق السریعة و السدود و البیادر و المعامل و إنتاج المواد الصناعیة المهمة و الفولاذ و الإسمنت و ما إلی ذلک. و توفیر البنی التحتیة للبلاد، و رفع القدرات التقنیة و الهندسیة فی مختلف الصناعات یعدّ تقدماً.
التقدم فی الثقة بالذات الوطنیة. الیوم علی وجه الخصوص یتحلی شبابنا بثقة بالذات تفوق ما کان للشباب قبل عشرة أعوام و عشرین عاماً. لقد صدق إذ قال و أنا علی اطلاع بأن شبابنا مستعدون لإنجاز أیة مهمة فی المجالات العلمیة تکون بناها التحتیة متوفرة فی البلاد. أی لا یوجد شیء نقول لشبابنا العلماء تابعوه و أنجزوه و لا یستطیعون ذلک بعد مدة قصیرة شریطة أن تکون البنی التحتیة لذلک الشیء متوفرة. إننا و الحمد لله نعیش مثل هذا الواقع. لقد تم إنجاز مشاریع عمرانیة واسعة فی البلاد، و هذا تقدم. لقد حققنا فی هذه المجالات تقدماً کبیراً جداً.
النقطة الرابعة من بین النقاط الإیجابیة هی الاعتبار الدولی. إننی لا أوافق الرأی القائل إن وضعنا من الناحیة الدولیة حالیاً هو وضع سلبی. إنه لیس سلبیاً أبداً. أحیاناً یسمع هذا الرأی فی بعض التصریحات. کلا، إن وضعنا من الناحیة الدولیة الیوم جید جداً. الجمهوریة الإسلامیة الیوم تعتبراً فی المناخ السیاسی الدولی بلداً محترماً مؤثراً معتبراً و متنفذاً فی العالم. هذه العزة الدولیة الناتجة عن أسبابها الخاصة - مشارکة الشعب و صموده و الشعارات الواضحة للثورة البادیة علی أفعال و ألسن الشعب و المسؤولین - لا یمکن أن تنال منها هذه الحکومة أو تلک، فی هذا الصوب من العالم أو ذاک، بقول أو بشیء آخر. لقد کانت مثل هذا التصرفات موجودة دوماً. یتصور البعض أنه لو صرحت الحکومة المستکبرة الفلانیة فی أوربا أو غیر أوربا ضد الجمهوریة الإسلامیة أو قالت شیئاً مهیناً للجمهوریة الإسلامیة فمعنی ذلک هبوط منزلة الجمهوریة الإسلامیة، کلا، لقد فعلوا ذلک متی ما استطاعوا. و للأسف حینما تنازلنا نحن بمقدار معین أمام العدو لم یترکوا هذه الممارسات. لیس الأمر بحیث نقول لأننا صامدون صابرون فقد دفعناهم إلی اللجاجة، لا، ذات یوم کانت مناقب أمریکا تذکر فی خطابات مسؤولینا، و فی ذلک الحین ذکر رئیس جمهوریة أمریکا الأبله إیران بأنها محور الشر! ذات یوم کانت إحدی الحکومات الأوربیة تبدی رغبتها تجاه الجمهوریة الإسلامیة و تودّ تعزیز العلاقات و ما شاکل، لکن هذه الحکومة نفسها أقامت محکمة لأجل قضیة مقهی میکونوس و وجهت التهم هناک لمسؤولی بلدنا الکبار! و تعاضدت معهم الحکومات الأوربیة فاستدعوا کلهم سفراءهم من طهران. هذه أمور لم ننسها. أرادوا توجیه صفعة، لکنهم تلقوا صفعة أقوی. من نفس هذه الحسینیة تلقوا صفعة بقوا لفترات طویلة یعالجونها! عملوا علی توجیه ضرباتهم متی ما استطاعوا إلی ذلک سبیلاً. و متی ما تنازلنا و تعاملنا بمقدار معین من الهشاشة ازدادت وقاحتهم. کلا، صمود الجمهوریة الإسلامیة و التصریح بشعارات الثورة و التصریح بمبانی الثورة زادت من عزتنا فی العالم.
اعتبارنا الدولی الیوم جید جداً و الحمد لله. و فی المقابل فإن الحکومة الأمریکیة - عدونا المتعسف الصریح الواقف أمامنا - هو أکثر البلدان کرهاً فی المنطقة الإسلامیة الیوم. یعملون الاستبیانات فی العالم - و هذا ما یعلنونه هم أنفسهم - و یقولون إن اعتبار أمریکا و سمعتها فی البلدان الإسلامیة و فی هذه المنطقة تتراجع و تسقط یوماً بعد یوم. طبعاً، إذا أدرکت الشعوب الأوربیة أن مشکلاتها هی بسبب أمریکا و بسبب هیمنة الکیان الصهیونی علی سیاساتهم فإن تراجع الشعبیة هذا سیکون مضاعفاً فی أوربا أیضاً، و سوف تتعبّأ کل هذه الطاقات ضد أمریکا، و هذا ما سوف یحصل فی المستقبل غیر البعید.
النقطة المشرقة الأخری هی حالة الاستقرار فی بلدنا علی الرغم من کل هذه المؤامرات و الدسائس. طبعاً الاستقرار یختلف عن الرکود. لیس لدینا فی بلدنا رکود، بل لدینا حرکة و تقدم و توثب، لکن النظام نظام مستقر ثابت رصین. هذه نقاطنا الإیجابیة. و توجد طبعاً نقاط إیجابیة کثیرة أخری منها أن إیران مصدر إلهام للآخرین فهی نموذج لهم، و منها أیضاً الضعف الذی أصاب أعداءنا علی الساحة الدولیة، و یأس العدو من فرض الانفعال علی الثورة. مع أن أسالیب أعدائنا قد تعقدت و إمکانیاتهم قد ازدادت - هذه الانترنت و هذه الأنظمة المتنوعة العجیبة فی العالم و الشبکة التی تسود الدنیا - لکنهم فی الوقت نفسه یأسوا من فرض الانفعال علی الجمهوریة الإسلامیة.
و هناک التجارب المتراکمة فی التشریع و فی التنفیذ، و هذه أیضاً من النقاط المشرقة فی بلدنا. عدد سکان البلاد خمسة و سبعون ملیون نسمة. و أقولها هنا طبعاً.. إننی أعتقد أن بلدنا بما له من إمکانیات یمکن أن یستوعب حتی مائة و خمسین ملیون نسمة. إنی أؤمن بکثرة السکان، و أی خطوة أو تدبیر یراد تطبیقه لإیقاف النمو السکانی لیتم تطبیقه بعد المائة و خمسین ملیون نسمة.
هذه هی النقاط الإیجابیة المشرقة التی نتوفر علیها و الحمد لله. و نقاطنا الإیجابیة طبعاً أکثر من هذه. لکن لدینا نقاط ضعف أیضاً. و إذا لم نر نقاطنا السلبیة و مواطن ضعفنا فسوف نتلقی الضربات یقیناً. نقاط ضعفنا تتوزع علی المجالات الاقتصادیة، و علی المجالات الثقافیة أیضاً. لقد کانت لدینا أخطاء و نقاط ضعف و لم نستطع الانتصار علی بعض التحدیات. هذه حقیقة. حتی فی هذه التهدیدات التی فرضت من قبل العدو مباشرة إذا تلقینا بعض الضربات فقد کان ذلک بسبب تقصیرنا و تقاعسنا. یقول القرآن الکریم بخصوص حرب أحد: «أ و لما أصابتکم مصیبة قد أصبتم مثلیها قلتم أنّی هذا قل هو من عند أنفسکم» (6).
فی واقعة أحد حدث ذلک الشیء المرّ، حیث انتصر المسلمون فی بدایة المطاف، و بعد ذلک نسی البعض واجباتهم و مأموریاتهم و ترکوا المضیق و ساروا صوب جمع الغنائم، و استطاع العدو الالتفاف علی قوات الإسلام و ضربها و قتل عدداً منهم و فرض الهزیمة علیهم، حتی أن المسلمین اضطروا من خوفهم للجوء إلی الجبل. و تعرضت حیاة الرسول المبارکة للخطر و تلقی بعض الضربات. بعد ذلک قال المسلمون: لماذا حدث هذا؟ لقد وعدنا الله النصر. یقول الله تعالی إننا نصرناکم و قد تحقق الوعد الإلهی، لکنکم أنتم الذین أفسدتم أمرکم. أولاً إذا کان العدو قد وجّه لکم بعض الضربات فإنکم أیضاً وجّهتم له ضربات. «قد أصبتم مثلیها».. لا تتعجبوا فساحة الحرب بالتالی ساحة ضراب متقابل. فی ساحة الحروب الکبری فی میادین السیاسة و الاقتصاد العالمی یوجّه المرء الضربات و یتلقی الضربات، و یجب أن یکون هذا متوقعاً. و لکن «قلتم أنّی هذا».. یقولون من أین تلقینا هذه الضربة و لماذا؟ یقول القرآن بعد ذلک: «قل هو من عند أنفسکم». السبب هو أنتم، فقد ارتکبتم الأخطاء.
لقد أخطأنا فی بعض المواطن - «إن الله علی کل شیء قدیر» (7) و لم نعمل فی بعض الأحیان بواجباتنا، و فی بعض المواقع لم نعمل بالمراقبات و الحیطة و الحذر اللازم، و فی بعض الأحیان لم نسحق أهواءنا و میولنا، و قد أدت هذه الأمور إلی بعض الإشکالات، و یجب ملاحظة هذه الأمور. أحیاناً انشغلنا بأشیاء کان یجب أن نحذر منها و نتحاشاها.. انشغلنا بالنازعات السیاسیة و الشجارات و السعی وراء الرفاه، و بالحیاة الارستقراطیة.. هذه من نقاط ضعفنا. حینما نجعل أنا و أنتم حیاتنا حیاة ارستقراطیة مرفهة فإن الناس سیتعلمون منا. البعض یترصدون الذرائع، ینظرون إلینا و یقولون: لاحظوا کیف یعیش هؤلاء، نحن أیضاً نرید أن نعیش هکذا. هؤلاء هم الذین یستطیعون العیش بهذه الطریقة. و هناک أناس یعتقدون أنه یجب الاقتصاد فی الحیاة و عدم الإسراف و عدم الإفراط، هؤلاء حینما ینظرون إلینا و یجدوننا أنا و أنتم نسرف سیقولون: إننا لسنا أعلی من هؤلاء فهؤلاء رؤساؤنا.. هذه الممارسات خطیرة. منهج الثورة و الثوار تبعاً لتعالیم الإسلام هو الإعراض عن حیاة الرفاهیة للذات. وفروا الرفاه للناس بأی مقدار استطعتم. زیدوا الدخل الوطنی ما استطعتم. أنتجوا الثروة فی البلاد ما استطعتم إلی ذلک سبیلاً. و لکن لا لأنفسکم. المسؤولون طالما کانوا مسؤولین - علی الأقل - یجب أن لا یتجهوا صوب حیاة الرفاهیة. الغفلة عن روح الجهاد و الإیثار، و الغفلة عن الهجوم الثقافی للعدو، و الغفلة عن کمائن الأعداء، و الغفلة عن نفوذ العدو فی الأجواء الإعلامیة فی البلد، و عدم الاکتراث لحفظ بیت المال.. هذه من ذنوبنا و نقاط ضعفنا.
المیول للسلوکیات القبلیة فی المیدان السیاسی و فی المیدان الاقتصادی هی أیضاً من نقاط ضعفنا. السلوک القبلی معناه أن لا تکون التخطئة أو التأیید لأعمال هذا و ذاک بسبب ماهیة الأعمال نفسها بل ناجمة عن طبیعة علاقة الفاعل بنا. إذا ارتکب شخص من قبیلتنا خطأ نغض الطرف عنه بکل سهولة، لکن إذا ارتکب شخص من القبیلة المقابلة لنا نفس ذلک العمل فیجب متابعة الموضوع و ملاحقته. و العمل الجید إذا صدر عن شخص من قبیلتنا فیجب تشجیعه و تقدیره أما إذا صدر عن القبیلة الأخری فلا. هذا هو السلوک القبلی. هذا لیس سلوکاً إسلامیاً و لا ثوریاً. لدینا للأسف الشدید مثل هذه السلوکیات بیننا. و لا نقول إنها شاملة عامة لکنها موجودة.
علی الصعید الاقتصادی أنجزت الکثیر من الأعمال و النشاطات القیمة، لکن قضیة البطالة لم تعالج، و قضیة التضخم لم تحل، و قضیة الثقافة لم تعالج، و قضیة ساعات العمل المفیدة لم تحل. یجب أن تکون ثقافة العمل فی البلاد بحیث یعتبر الناس العمل عبادة. یضیفون ساعة من العمل بکل شوق و رغبة لفترات عملهم. یجب العمل، فالبلد لن یتقدم بالبطالة و الکسل و التقاعس و عدم الرغبة للعمل.
و لدینا مشکلاتنا أیضاً فی مضمار الثقافة و الأخلاق العامة و عدم رواج الفضائل الأخلاقیة. یجب أن تتنامی الفضائل الأخلاقیة بیننا یوماً بعد یوم. صبرنا، و شکرنا، و ذکرنا لله، و إحساننا، و مروّتنا مع الآخرین، و تحاشینا لإیذاء الآخرین، و میولنا لخدمة الآخرین یجب أن تتنامی یوماً بعد یوم فی أوساط مجتمعنا. و هذه أمور لا تحصل تلقائیاً، بل تحتاج إلی عمل و سعی. و قد قصرنا فی هذه المجالات. شیاع ثقافة الإسراف و البذخ فی المجتمع و نمو أو عدم توقف المیل للعنف فی بعض أجزاء الکیان الشاب فی البلاد أمور و ظواهر مضرة. إننا نبث أفلاماً یحذر منها نفس الذین أنتجوها و یریدون السیطرة علی مخاطر هذه الأفلام المتمثلة بإنتاج العنف فی المجتمع. و نحن الآن نبثها! هذه أحوال مضرة. أن یتعرف أطفالنا منذ نعومة أظافرهم علی الخناجر و السیوف و الأسلحة الناریة - البلاستیکیة منها طبعاً - و یصاحبوها و یتعودوا علیها فهذا خطر طبعاً و فیه إشکالات و له تبعات، و نحن نری آثار ذلک فی المجتمع.. هذه من نقاط ضغفنا.
قبل عدة سنوات رأیت فی إحدی المجلات الأمریکیة أن بعض المصلحین اقترحوا التقلیل تدریجیاً من الأفلام الهولیوودیة الشائعة الملیئة بالشهوات أو العنف، و ترویج الأفلام العائلیة البریئة مکانها. إنهم یفکرون بهذا، و نحن نتعلم منهم تلک الأمور لتوّنا!
عدم المواجهة الصحیحة و المنطقیة لضیاع الجیل الشاب واحدة أخری من مشکلاتنا. من مخططاتهم إفساد الجیل الشاب. و لم تکن لنا لحد الآن مواجهة صحیحة لهذا المخطط و لم ننجح فی ذلک. و کذا الحال بالنسبة للمخدرات الصناعیة و إثارة الغریزة الجنسیة و ما إلی ذلک. الطرح الصحیح للمبانی العقیدیة سواء المبانی العقیدیة المتعلقة بالإسلام أو تلک المرتبطة بالثورة و نظام الجمهوریة الإسلامیة. ذکرنا أن نقاط القوة تزید من آمالنا و تشیر لنا إلی الإمکانیات و القدرات، و النقاط السلبیة تدلنا علی الأولویات و ما یجب أن نفعله.
و قد فات الوقت کی نتحدث بخصوص قضایا المنطقة، و أعتقد أن الوقت قد شارف الآن علی الأذان. أقول فی کلمة واحدة إن أوضاع المنطقة تسیر علی العکس تماماً من سیاسات القوی الغربیة و أمریکا و الصهیونیة الدولیة. کان لهم مخططاتهم لإیران، و قد قدر الله تعالی علی العکس تماماً مما أرادوا، و حدث ما قدّر. لقد فرضوا الحظر علی إیران لکن الأزمة الاقتصادیة أحاقت بهم. و لقد عززوا فتنة عام 88 من أجل إسقاط الجمهوریة الإسلامیة - أو خططوا لها، و لا أقل من أنهم عاضدوها و عززوها - لکن الأنظمة التابعة لهم راحت تتساقط أو تتزلزل الواحد تلو الآخر. هاجموا العراق و أفغانستان من أجل أن یحاصروا إیران - کبارهم قالوا إنهم تواجدوا هنا لمحاصرة إیران - لکنهم هم الذین حوصروا و انغمست أقدامهم فی الوحل و وقعوا فی الفخ. ما دبّروه لنا و عملوه قدّر الله تعالی عکسه و لم یحصل ما أرادوه.
و بخصوص المنطقة فإن الأحداث کما ذکرت أحداث استثنائیة. الواقع أن أبعاد ما یقع فی مصر و فی تونس و فی الیمن و فی بعض المناطق الأخری مما لا یمکن حسابه و دراسته الآن، فأبعاد ذلک عظیمة جداً. المجئ باللامبارک إلی القفص و إدخاله المحکمة حدث عجیب زاخر بالمعانی. لیست القضیة قضیة أن نظاماً ذهب و جاءت مکانه سلطة أخری، إنما الأمر أعمق من هذا بکثیر. الکیان المحتل للقدس محاصر فی الوقت الحاضر بین بلدان لدیها المحفزات لمواجهته. الأحداث أحداث عجیبة. طبعاً یحاولون دوماً أن یرکبوا أمواج الأزمة فی هذه المنطقة و یسیطروا علی الصحوة بشکل من الأشکال، لکنهم لم یستطیعوا و لن یستطیعوا إن شاء الله ببرکة صحوة الشعوب. کما أن الشعارات الإسلامیة التی ترفع فی مصر حرمتهم النوم مرة أخری.
أنا طبعاً قلق بالنسبة للأحداث فی لیبیا. سیاسیة الغرب فی لیبیا سیاسة جد رذلة و خبیثة. لقد أساءوا استغلال نهضة الشعب. من المهم جداً بالنسبة لهم البقاء و توفیر محط أقدام لهم فی لیبیا. أولاً من المهم بالنسبة لهم النفط فی لیبیا. ثانیاً المساحة الواسعة لهذا البلد و التی یمکنهم إقامة قواعد فی مناطق مختلفة منه. و ثالثاً الإطلال علی بلد مصر و تونس هذین البلدین الثوریین. مصر فی شرق لیبیا و تونس فی غرب لیبیا. فضلاً عن أنهم یستطیعون من هناک الإطلال علی السودان و الجزائر و کل بلدان المنطقة. یریدون أن یکرسوا محط أقدامهم هناک. یریدون تدمیر البنی التحتیة لهذا البلد حتی إذا لم یتحقق ما یریدون بطرق أخری یثبتون أقدامهم فی لیبیا عن هذا الطریق. إنهم یهدمون البنی التحتیة هناک باسم دعم الشعب. الطرق تتدمر، و المصافی تتدمر، و المعامل القلیلة الموجودة تتدمر. و یجب إعادة بناء کل هذا. و الشعب اللیبی لیس لدیه القدرة علی ذلک بنفسه. فیدخلون هذا البلد بحجة البناء. إننی قلق للقضیة اللیبیة.
اللهم أنقذ الشعب اللیبی. أنقذ الشعب الیمنی، إنقذ الشعب البحرینی، زد یوماً بعد یوم من وعی و صلابة الشعوب و المسلمین فی المنطقة. ربنا اشملنا برضاک و کن راضیاً عن ما فعلناه و قلناه و سمعناه و تقبله منا. اللهم أرض عنا القلب المقدس لإمامنا المهدی المنتظر. إجعل حیاتنا و موتنا للإسلام و فی سبیل الإسلام.

و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:

1) المستدرك، ج 11، ص 183 .
2) آل عمران: 185 .
3) آل عمران: 134 .
4) آل عمران: 147 .
5) البقرة: 183 .
6) آل‌عمران: 165 .
7) م س .