بسم الله الرحمن الرحيم

أبارك لكم أيها السادة الحضور، و للمسؤولين المحترمين، و لسفراء الدول الإسلامية المحترمين الحاضرين حلول عيد الفطر الكبير المبارك، كما أباركه للشعب الإيراني و للأمّة الإسلامية في كافة أرجاء العالم.
يتخذ المسلمون في شتى أرجاء العالم هذا اليوم عيداً لهم. و واقع الأمر هو أن عيد الفطر يعتبر عيداً حقيقياً لكل إنسان ذو توفيق و ذو إيمان؛ فهذا اليوم هو يوم نيل الثواب من قبل الباري تعالى، الثواب على تحمّل مشقّة الرياضة الروحية الاختيارية طيلة شهر كامل، و على تحمّل الجوع و العطش الاختياريين.. شهر كامل من حبس الشهوات البشرية و الإنسانية ليوم بأكمله؛ و هذا الأمر ذو قيمة سامية جداً. فهو بمثابة تدريب يخضع له الإنسان ليمكنه خلال حياته من التفوّق على ميوله و رغباته المضلّة بإرادة و عزم راسخين. فنحن أبناء البشر بحاجة إلى مثل هذا العزم الراسخ لردع أنفسنا. فتجاوزات النفس و طغيانها هي التي تتسبّب في جعل أيامنا و أيام الآخرين أياماً عسيرة. هذه التمارين التي جعلها الله تبارك و تعالى لكل فرد من أفراد البشر ـ فيستجيب لها المؤمنون، و يمارسون هذه الرياضة و هذا التمرين طوال شهر كامل ـ هي في الحقيقة علاج لألم بشري كبير، فهي تساهم في التغلّب على هوى النفس، و الشهوات، و الاستجابة لأطماع أنفسنا و رغباتها. يجب أن نثمّن هذا التمرين و نقدّره. و المسلمين بحمد الله يبتهجون بشهر الصيام و يعتزّون به. و للحق و الإنصاف فشعبنا الكريم قد بجّل هذا الشهر و احتفى به، و عمل بما ألقي علی عاتقه من تكاليف في هذا الشهر. نسأل الله عزّ و جلّ أن يمنّ على الأمة الإسلامية جمعاء بهدية العيد.
إنّ الأمة الإسلامية اليوم تواجه أحداثاً مهمّة. فما نفهمه و ما نشعر به هو أن التجربة التي كتب لها أن تتحقق اليوم في بعض دول العالم الإسلامي مضافاً إلى الوعي الإسلامي الذي دفع بالجماهير للنزول إلى الشارع و المشاركة في تحديد مصيرها، هي بالتأكيد تعدّ من التجارب المهمّة و القيّمة التي شهدها التاريخ الإسلامي. إنّ ما يجري اليوم في مصر، و في تونس، و في ليبيا، و في اليمن، و في البحرين و في غير ذلك من الدول، من تدخل مباشر للجماهير، من عزم الشعوب و إصرارها على مسك زمام أمورها و تحديد مصيرها بيدها، هو من الأحداث الكبيرة للغاية و المصيرية أيضاً؛ الأحداث التي سيكون لها تأثير طويل الأمد على مجرى تاريخ الأمة الإسلامية، و على مسار المنطقة برّمتها.
و إذا ما تمكنت الشعوب الإسلامية عبر نهضتها، من الحذر إن شاء الله، و من فرض إرادتها على إرادة من يريد التدخّل في شؤون الدول الإسلامية، حينئذٍ ستشهد هذه الدول حركة تطوّر طويلة الأمد؛ لكن لا سامح الله لو تمكن أعداء الإسلام و المسلمين ـ أي دول الاستكبار، و الهيمنة، و الصهيونية العالمية، و النظام الأمريكي الظالم المستكبر ـ من ركوب الموجة، و التفوق على عزيمة الشعوب، و أمسكوا بزمام الأمور و وجّهوا الأحداث بالاتجاه الذي يرغبون به، لا شكّ أن العالم الإسلامي سيبقى لعقود من الزمن يعاني من مشاكل جمّة. يجب على الأمة الإسلامية أن لا تدع ذلك يحصل. يجب على النخب السياسية و الثقافية أن لا تسمح بتغلب أعداء الدول الإسلامية على إرادة الشعوب الإسلامية و عزيمتها.
إنّه يوم امتحان كبير للدول و الشعوب الإسلامية. فقبل الآن لم تكن الشعوب مدركة لهذه الدرجة ما هي قادرة على إنجازه. لكنّها اليوم أضحت مدركةً لحدود قدراتها و إرادتها و ما هي قادرة على تحقيقه. إنّ وعي الشعوب لذاتها نعمة كبيرة. طبعاً لا يخفى أن قوى الهيمنة و النفوذ و الامبراطوريات السلطوية قد أدركت بدورها ما يجري في العالم الإسلامي؛ لذلك لن يجلسوا مكتوفي الأيدي، إنّهم يخططون أيضاً.
اليوم هو يوم عودة الشعوب الإسلامية إلى هويتها الإسلامية الأصيلة، فما نتمتع به من قوة و عظمة و مجد مردّه إلى الإيمان بالإسلام، و الإيمان بالقدرة و الدعم الإلهيين، و التوكّل على الله سبحانه و تعالى؛ و هذا هو الذي يجعل جميع القوى عاجزة عن مجاراة هذه القوة؛ و هذا الأمر لا بدّ من تركيزه أكثر فأكثر في قلوبنا و في سلوكنا.
لقد استطاع الشعب الإيراني إلى الآن الاستقامة على هذا الطريق السوي، على الصراط المستقيم، و هو يلمس آثار هذه الاستقامة. إنّ هذا المقطع الزمني البالغ ثلاثین عاماً من عمر الثورة و البلد، يعتبر ألمع مقطع زمني في تاريخ بلدنا. فعلى مدى العقود الثلاثة المنصرمة كانت الأجيال المتعاقبة، شباب الأمس، شباب اليوم، مراهقو اليوم ـ شباب الغد ـ یسيرون إلى الأمام وسط الميادين الصعبة بهدف واحد، بنفس واحد، بحافز واحد. إنّنا كشعب إيراني نقف منذ ثلاثين عاماً بوجه الخبث و الضغوط التي يمارسها تجاهنا الاستكبار ـ ضغوط الحصار، ضغوط التهديد، التهديد العسكري، التهديد السياسي، التهديد الأمني ـ و قد تمكنا بتوفيق الله سبحانه و تعالى من التغلّب على عدونا. هؤلاء لم يكن يروقهم أن يشاهدوا الشعب الإيراني عزيزاً مقتدراً متقدّماً مفعماً بالأمل؛ لكن على رغم من أنوفهم، فالشعب الإيراني اليوم بات عزيزاً متقدّماً مقتدراً معتمداً على نفسه ممتلكاً لرؤية مستقبلية و مفعماً بالأمل.
نسأل الله سبحانه و تعالى أن يزيدنا و شعبنا الإيراني و كافة الشعوب الإسلامية عزاً. اللهم ارفع مقام الإسلام و المسلمين و زدهم يوماً بعد يوم سمواً و شموخاً.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.