بسم الله الرحمن الرحيم
أشکر الله تعالی شکراً کثیراً لتوفیقه إیانا لإقامة هذه الجلسة و حضورکم أیها الإخوة و الأخوات، و للکلمات المفیدة جداً و ذات المغزی العمیق التي ألقاها المتحدثون المحترمون. هذه کلها من نعم الله، و علینا جمیعاً - و علي أنا شخصیاً - أن نشکر الله تعالی علی کل واحدة من هذه النعم، و أن نری هطول رحمة الحق. کل کلمة طیبة تخطر ببالکم و تجرونها علی ألسنتکم مظهر لهطول رحمة الحق، و الحمد لله علی کل هذا. إنني في هذه الأیام بمشاهدتي الأوضاع و الأحوال في بلادنا و مجتمعنا أشکر الله لحظة لحظة علی هذه النعم الکبری.
طیب، إنه شهر رمضان، و الیوم هو الیوم الثالث و العشرون منه، و کانت اللیلة البارحة لیلة عبادة و ذکر و مناجاة، و القلوب یفترض أن تکون متنوّرة بنور لیلة القدر. لنطلب من الله تعالی أن یبارك شهر رمضان هذا لنا و لشعبنا و لبلادنا و للشعوب المسلمة، و خصوصاً الشعوب الثائرة في المنطقة.
حقاً لقد كان الوقت الممنوح للأخوة قليلاً جداً. و أودّ بدوري أن أعقب بكلمتين أو ثلاث على بعض ما تفضل به الإخوة و الأخوات الذين تحدّثوا قبل قليل. فالدقائق الخمس التي خصصها المقدم المحترم لكل واحد من المتحدثين الذين لم يلتزموا بها فيما بعد و تم تذكيرهم من قبل المقدم العزيز مرات عديدة هي قليلة فعلاً. فلقد كان للسادة و السيدات كلام كثير، و بدون أي مبالغة أو مجاملة كنت أتمنى أن يكون هناك وقت كاف و يكون هناك إقبال و نشاط يتيح للمرء للجلوس و الاستماع على الأقل لمدة نصف ساعة لكل واحد من الإخوة و الأخوات؛ لأن الكلام الذي طرح كان كلاماً مهماً و جيداً للغاية. فالمواضيع التي تطرق لها الإخوة، كانت مواضيع موزونة، و مدروسة جيداً. و قد تضمن بعضها كلاماً جديداً، كان بالنسبة لي ملفتاً و جديداً في الوقت ذاته؛ إن ذلك يبعث على السرور حقاً. فقد كان هناك مقترحات في مجال الصناعة، و العلم، و الجامعات، و الإعمار، و إنشاء المدن، و الفن و العلوم الإنسانية.إنها مقترحات لطالما كنت أتمنى سماعها من أفواه نخبنا العلمية و الجامعية، و اليوم بحمد الله أرى أن هذه الأمنية قد تحققت.
إن ما لمسته بوضوح في لقائي بالإخوة هذا العام هو أن التوجه السائد في أطروحاتهم كان توجهاً يميل إلى الفکر و التنظیر أكثر مما يميل إلى الناحية العملية التنفیذیة - طبعاً هذا الجانب بدوره مهم و مفيد أيضاً - و هذه هي الركيزة الاساسية لكل حركة علمية. و كما أشار إلی ذلك بعض الاخوة و هو صحيح تماماً، إننا بحاجة اليوم إلى فكر، إلى فلسفة، تمكننا من النهوض بالعلم، بالتكنلوجيا، بإدارة البلد، و حلحلة القضايا و المسائل الاجتماعية. الحاجة إلی الفکر تسبق الحاجة إلی العلم، و أنا قد لمست هذا التوجه في طروحات الإخوة. إن بعض ما طرحه الإخوة، قد بدأ يأخذ مجراه في مراكز القرار و هناك إنجازات قد تمت في هذا الإطار ستلمسونها تدريجياً إن شاء الله، كما بالنسبة لقضايا صناعة العلم، و إنتاج الأفکار،و النهضة العلمية، و النهضة التكنلوجية و التقنية التي كانت یوماً ما قضايا تطرح بشكل خجول كأنّها غريبة عن المجتمع، فيما أصبحت اليوم خطاباً سائداً في المجتمع، سيأتي إن شاء الله اليوم الذي تتحول فيه هذه المواضيع أیضاً من مواضيع تطرح بشكل مقتضب في أماكن محدودة أو تقابل بالإهمال، إلى مواضيع هي الأكثر تداولاً في المجتمع.
أشار أحد الإخوة إلى أنّنا نعاني من نقص في مؤسسة تنظر للمستقبل نظرة شاملة. حسناً، إنّ عقد ملتقيات الأفكار الاستراتيجية بإمكانه أن یسد هذا الفراغ. فلا بد إذن من تعزيز آفاق التعاون بين رواد الفكر إن شاء الله، ليتسنّى إنجاز المشاريع الكبرى شيئاً فشيئاً.
و هناك نقاط أخرى أيضاً وردت ضمن حديث الأخوة، سأتجاوزها لضيق الوقت؛ إلاّ إنني أوصي، مكتبنا، و المسؤولين المحترمين الحاضرين، أن يهتموا بجمع هذه المقترحات. إنّ من بركات هذا اللقاء، هو هذه الآراء التي يطرحها الأخوة. إن أحد أبرز متطلبات المجتمع هو أن يجلس أصحاب الرأي و الفكر، و يقوم من لديه فكرة أو تجربة ما بطرحها و خصوصاً أن بعض التجارب هي حصيلة أرصدة إنسانية و تفكير طويل و عميق. فتبدأ هذه الأفكار شيئاً فشيئاً بالخروج عن الإطار الشخصي لتتحول إلى الدائرة الأكبر و هي الدائرة الاجتماعية لتشكل في نهاية المطاف الخطاب الاجتماعي. فأدعو الأخوة لجمع هذه المقترحات؛ فهي مقترحات جيدة، بعضها يصلح للعمل بدءاً من الآن، بمعنى أنّه قابل للتطبيق فوراً، و بعضها يسهم في التطوير و التقدّم للمراحل القادمة. إنّ ما أريد قوله يتلخّص في عدة نقاط.
إنّ أحد الأركان و الركائز الأساسية لصمود الشعب الإيراني في الوقت الحالي تتمثل في التقدّم العلمي للبلد؛ و تبعاً للتقدّم العلمي يكون التقدّم العملي و التنفيذي في كثير من المجالات. كما أنّ ثبات الشعب الإيراني، يمثل على الصعيد العالمي حدثاً مهيباً. فنحن في صميم الحدث. لكن الذي يشاهد من بعيد، يدرك جيداً و يلمس عظمة هذا الثبات.
فلو تأملتم؛ لوجدتم أن القوى الإقتصادية و القوى العلمية الرائدة في العالم، و القوى العسكرية و الأمنية المتقدّمة في العالم، اصطفت جميعها اليوم لمواجهة هذا الشعب. أليس كذلك؟ و بالتالي هم يفعلون كل ما يسعهم فعله. إنّهم يهددون أمنياً، و إجتماعياً، و سياسياً، إنّهم يغتالون علماءنا، يفرضون علينا حصاراً اقتصادياً، يمارسون تجاهنا ضغوطاً سياسية مختلفة، يهددون و يتوعّدون بالهجمة العسكرية، و حيثما یتاح لهم في الداخل يحاولون بث الفتن و الشغب؛ لكن الشعب الإيراني و الجمهورية الإسلامية وقفا بكل ثبات إزاء ذلك؛ و لم يمنحاهم كلمة (نعم) التي طالما أراد العدو أن يحصل عليها من هذا الشعب. إنّ هذه الـ (نعم) تمثل التعظيم و التبجيل للسلطة العالمية - لنظام الهيمنة - فالشعب لن يفعل ذلك. إننا نقول للسلطة العالمية (كلا)، و هذه الـ (الكلا)، ليست (كلا) للعلم، و ليست (كلا) للتمدن، و ليست (كلا) للتقدّم، و ليست (كلا) للتجارب البشرية المتراكمة؛ إنها (كلا) للهیمنة و الطمع و الاستعباد و التمييز؛ و قد قلنا (كلا) و نحن ثابتون عليها؛ «إنّ الّذين قالوا ربّنا اللَّه ثمّ استقاموا». (1) إنّ ثبات الشعب الإيراني ثبات مهيب جداً.
و العلم، يمثل أحد أبرز الركائز الأساسية للثبات و الاستقامة. فالعلم هو الذي منحنا الثقة بأنفسنا. فلو كانت الشركات الأجنبية اليوم هي من يتولّى عمليات استخراج و تصفية النفط، و مد أنابيب الغاز، و لو كان نظامنا الصحي معتمداً على الكوادر الصحية الأجنبية و تحديداً الغربية، و لو كان غذاؤنا مرهوناً بهم، أو كانت زراعتنا و صناعتنا بيد الإسرائيليين، و لو كانت صناعتنا النووية ـ في حال تقرر أن لا نموت في حسرتها و أن یکون لنا شيء منها - بيد الفرنسيين و الألمان و الآخرين، لما كانت هذه الثقة بالنفس التي نمتلكها اليوم، و لما كانت هذه القدرة على الثبات، و لما كان هذا العز و الشرف. فلو كنا نلجأ إلى الكفاءات الشرقية أو الغربية في تشييد سد ما، أو بناء مفاعل ما، أو إنشاء طريق سريع، أو شق نفق، أو إنشاء صومعة للقمح، ما كان لشعبنا أن يشعر بالعزة؛ كما لم يكن باستطاعة مسؤولينا أن يقفوا مرفوعي الرأس مقابل الإستكبار العالمي، و لم تكن هذه الثقة بالنفس، و لم تكن قوة الإرادة هذه، و لم تكن مثل هذه العزيمة. من الذي عبّد لنا الطرق و شق لنا الأنفاق و بنى لنا محطات الطاقة و السدود و الجسور و الطرق السريعة و المخازن الاستراتيجية و الطاقة النووية؟ ألم تكن الجامعات. الجامعات هي التي ساعدت الشعب الإيراني ليحفظ عزته، و ماء وجهه، و يقف بتحد و إباء إزاء أطماع الأعداء. فمسؤولو البلد مدينون للجامعة من هذه الناحية أيضاً.
طبعاً لا أقصد من ذلك استعراض مناقب و إيجابيات الجامعة في حضور الأخوة الجامعيين؛ إنني أبتغي من وراء ذلك استنتاج أمر ما. فعدونا ليس بغافل عن مراكز الرفد و التعزيز هذه [أي الجامعات] و لن يكون غافلاً عنها؛ على جميعنا أن يعي هذه الحقيقة. فكل ما من شأنه المساهمة في ضمان عزة البلد و عزّة الشعب، و ثباته و إستقامته، لا شك أنّه سيكون هدفاً من أهداف العدو. فالشعور الديني، و الشعور الثوري، و التطلع للاستقلال و غير ذلك ممّا له صلة بهذا الشأن ـ كالجامعات، من الزاوية التي تحدثنا عنها ـ يعتبر هدفاً للعدو. فيا ترى ما الذي يخططون لفعله في الجامعات؟ بطبيعة الحال هناك أمران يخطط لهما العدو لاختراق الجامعات: الأول التسطيح العلمي؛ و الثاني التسطيح الديني. أمّا كيف يتم التسطيح العلمي؟ لا شك أن أحد الأوجه البسيطة لذلك هو اغتيال العلماء؛ و التي كان آخرها إثنين أو ثلاثة من علمائنا الذريين الذين فقدناهم مؤخراً. و المشروع أكبر من ذلك؛ و تمثل هذه الاغتيالات أحد جوانبه البسيطة. و الأهم منها، هو إلهاء بيئتنا الجامعية، و أساتذتنا، و طلابنا بقضايا بعيدة عن العلم؛ و ذلك للحؤول دون تحقق الازدهار العلمي الذي نصبو له.
نعم، إن سرعة تقدمنا العلمي ـ طبقاً لما ذكره الإخوة و طبقاً للإحصائيات التي نملكها و التي ذكرناها مراراً و نذكرها و نفتخر بها ـ سرعة جيدة جداً؛ لكن نقطة البدء بالنسبة لنا كانت متأخرة. نعم، إنّ البلد الفلاني سرعته أشد بطئاً منا؛ لكن النقطة التي بدء منها مقارنة بالنقطة التي بدأنا منها كانت مبکرة جداً. علينا أن نعوض هذا الفارق. علينا أن نسرع، أن نعدو سريعاً؛ نحتاج إلى طفرة إلى تحوّل. هذا أولاً ـ و سوف أشير في ما یتعلق بهذه الفقرة إلى أمرين أو ثلاثة - و ثانياً موضوع التسطيح الديني.
فلو تحولت جامعاتنا إلى جامعات علمية بحتة، و خلت من الدين و الأخلاق، فسيكون مصيرها ذات المصير الذي منيت به المجتمعات العلمية الغربية. فالمجتمع الغربي مجتمع علمي، لكنّه مجتمع يفتقد لعنصر السعادة. مجتمع يعاني فراغاً في الأمن الخُلقي، و الأمن النفسي، و الانسجام الأسري، كما يعاني اضمحلالاً خلقياً و معنوياً. و هذا بلا شك أهم فراغ قد يعاني منه البشر. فهذه ليست سعادة؛ و نحن لا نطمح لذلك. إنّنا نبتغي السعادة، نبتغي الأمن الحقيقي و المعنوي. و هذا لا يتحقق بدون العلم، كما لا يتحقق مع وجود العلم و غياب الدين؛ فالدين ضروري أيضاً. و لا بد أن يصبح المجتمع مجتمعاً دينياً؛ المجتمع الذي تقع الجامعات في طليعته. فلا بدّ أن تكون البيئة الجامعية بيئة متدينة. و أرجو أن لا يُساء فهمي حول مفهوم الـ (المتدين). فالمراد بالتدين المعرفة الدينية العميقة، الإيمان العميق و الاعتقاد الثابت الرصين بالدين و المعارف الدينية، الذي يستتبع العمل ـ طبعاً ـ ؛ لا بد أن يكون هدفنا هو هذا. فهذه مسؤولية الجميع، بما فيهم أنتم أيها الأساتذة الكرام. فكلمة منكم في ساعة الدرس، قد يفوق تأثيرها ساعة أو ساعتين من خطاب هذا العبد الضعیف. و لا دخل للاختصاص في ذلك، فالمعلم أيّاً كان اختصاصه، قد يكون لحديثه في ساعة الدرس أثر كبير على بنية عقل الشاب و فكره و سلوكه و قلبه و عقيدته. تأملوا في ذلك، و فكروا فيه؛ فهذا أمر مهم للغاية.
طبعاً لدي بحث حول العلوم الإنسانية أود طرحه. و قد قدم أحد السادة مقترحاً بهذا الخصوص، و کان ذات المقترح يدور في ذهني أيضاً، و هو أنّنا سنسعى إن شاء الله لعقد لقاء خاص مع أساتذة العلوم الإنسانية نتناول فيه القضايا التي تتصل بالعلوم الإنسانية حصراً. و قد طرحنا في العام الماضي بحثاً يصب في هذا الإطار؛ و هو بحاجة إلى رفد و تسليط مزيد من الأضواء عليه. فالمرء بإمكانه أن يدرك بسهولة و من خلال ردود الأفعال أهمية و ضرورة مواصلة الحديث في هذا المجال، و مواصلة البحث، و الإيضاح، كي نتمكن من إحراز التقدّم و الوصول إلى النقطة الأساسية، و تجنّب القراءة الخاطئة للموضوع.
و أود هنا أن ألفت عنايتكم إلى أنّني قد دوّنت قائمة تضم أبرز التطورات العلمية التي شهدها البلد؛ و لا شك أنّكم على علم بها، و قد ذكرناها مراراً، و تناولها الإعلام أيضاً بكثرة. و لأنّ إحدی الأخوات قد تطرّقت لهذا الأمر و لأهمية الموضوع بالنسبة لي، أكتفي بذكر جانب من جوانب التقدّم المحرز على مستوى البلد: و هو الطب النسائي. و هذا الموضوع يتمتع بأهمية قصوى. فنحن اليوم قد حققنا تقدّماً ملحوظاً في مجال الطب، لدرجة جعلتنا في مصاف الدول المتقدّمة في هذا المجال. و الأهم من ذلك، أنّ المرأة في بلدنا اليوم أصبحت مستغنية عن الرجوع للطبيب الرجل في أي مرض من الأمراض. فالمرأة التي تريد الرجوع إلى الطبيب المرأة، في أي مجال من المجالات أصبح بإمكانها ذلك. ربما إنّكم جيل الشباب لم تشهدوا الأيام التي سبقت عهد الثورة و ليست لديكم فكرة عن تلك الحقبة، و لا تدركون ما أهمية هذا الموضوع. فالأمر لم يكن محصوراً بالأفراد الملتزمين دينياً، إنّما كان يهم أيضاً من لم يكن على درجة كبيرة من الالتزام و التقيّد الديني. و هناك أمثلة تستحضرني الآن لا أجد من الضروري ذكرها. لقد أصبح ذلك متيسراً في بلدنا اليوم، و هذا أمر مهم و ذو قيمة عالية جداً.و أمثال هذه التطورات العلمية أصبحت اليوم في بلدنا كثيرة.
إذن، فالأمر الأول هو أن نحرص على إرفاق العلم بالعقيدة في الجامعات. و هنا يأتي دور الأساتذة؛ من خلال حديثهم، و سلوكهم. فالعدو يريد أن يسوق شبابنا ـ و خصوصاً المتميزين منهم، رادة الفكر و العلم و الإدارة المستقبلية في البلد ـ باتجاه التسيّب المبادئي و التنصّل من العقيدة؛ علينا أن لا ندع ذلك يحصل. و اليوم هناك عمل دؤوب يجري من أجل حصول ذلك. إنّ دفع شبابنا ـ خصوصاً المتميزين و الكفاءات العلمية و الفكرية ـ باتجاه الخواء العقیدي، و التجرد عن الدين و الانحطاط الفكري، هو أحد ممارسات العدو. فحين يتحلى المرء بالإيمان، سيكون لديه خط مستقيم، يمكنه من السير على هدى الإيمان. لكن حين يغيب الإيمان، يصبح حاله حال القش الذي ترمي به الريح يميناً و شمالاً، تائهاً يعاني من الضياع.
طبعاً لا يخفى فشبابنا المؤمن قد تألق في المجالات العلمية؛ فليكن ذلك معلوماً. فحسب معلوماتنا، على صعيد التصنيع العسكري، و في مجال العقم و الولادة و الخلايا الجذعية و مؤسسة (رايان) التي أشير لها، و في مجال الطاقة النووية، و تكنلوجيا الفضاء و الطيران، و الحواسيب العملاقة التي ذكرت، و غير ذلك من الحقول العلمية و آفاق التقدّم التقني، و تجاوز المستحيل، كان شبابنا المؤمن المتدين؛ على أقل تقدير هو من وقف في الطليعة و تقدّم محطماً كل الموانع و العقبات و متجاوزاً المستحيل؛ و من ثمّ التحق به الآخرون. إذن فقد أدى شبابنا المؤمنون المفكرون دورهم.
الأمر الآخر، هو أن يكون أساتذة الجامعات الأعزاء مواكبين و مطلعين على ما يجري في البلد و العالم؛ و هذا لا شك يتطلّب جهداً. كما أنه يشمل كافة المجالات العلمية. فالعالِم هو معلم تنتفع به طائفة من الناس، و لو لم يكن عالماً بزمانه، لالتبست عليه الأمور. «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس»(2) أي عندما يكون المرء ملمّاً بأمور زمانه، بمعنى أنه مواكب للأحداث و مدرك لما يدور حوله محلياً و عالمياً، و مطلعاً على التيارات المختلفة التي تساهم في رسم و تحديد مسار الأحداث العالمية، ما هي، أين هي، ما هي أهدافها، كيف تلتقي و تتقاطع، عندئذ سيكون مصيباً في معظم قراراته؛ و متجنباً للخطأ في مجمل قضاياه. و هذا النمط من الإدراك، ضروري للجميع؛ ضروري لرجل الدين، لرجل الجامعة؛ للمدرس في المؤسسة الدينية، و المدرس في الجامعة الأكاديمية، فهذا أمر مهم للغاية. فعندما يقف المرء على مسار الأحداث و التيارات المختلفة، يصبح بإمكانه استنتاج الظواهر، ما حقيقتها، ما أسبابها، كيف نشأت، عندئذٍ لا يمكن للأخطاء أن تتسرب إلى تحليلاته.
طبعاَ لا يخفى فالعدو مستمر بتكثيف تقاريره و تحليلاته السياسية. فهذا العدد من القنوات الإعلامية، طبقاً للإحصاء الذي وصلنا قبل فترة، مثير للذهول حقاً. و القنوات الإعلامية غير الإعلام الألكتروني المتداول عبر شبكة الإنترنت ـ فالإنترنت أصبح بحد ذاته عالماً لا حدود له و خارج عن القيود ـ بل مرادنا، الفضائيات و القنوات المسموعة و المرئية. فحجم التحليلات التي تبث عبر هذه القنوات بشكل متواصل و تستهدف الجمهورية الإسلامية و النظام الإسلامي و الشعب الإيراني، مريع جداً. و لا شك أن من ينتج هذا الحجم من التقارير يعلم جيداً أن الشعب لن يستمع إليها جميعاً. لكنّه يقول: نحن علينا أن نبذل كل ما بوسعنا، مهما كان المقدار الذي سيصل إلى المتلقي. يخلطون الصواب بالكذب، و يعدون من هذا الخليط تقريراً مغلوطاً و مفبركاً؛ «و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من ذاك ضغث فيمزجان». يقول أمير المؤمنين: «فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين، و لو أن الحقّ خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين، و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من ذاك ضغث فيمزجان».(3) لقمة من الحق، و لقمة من الباطل يمزجون بينهما، فينتج طعام لا يبدو في ظاهره مسموماً، لكنّه ما إن يقع في فم الغافل؛ حتى يترك أثره، و هكذا حال هذه التحليلات فهي تترك أثرها في الأذهان. فبعض التحليلات التي تطرح في المحافل الجامعية، و الطلابية، و التدريسية تترك أثرها، بسبب الغفلة و عدم الاطلاع؛ و لا يمكن لأحد أن يؤاخذ أحداً أو يتهمه بالتقصير. من هنا كان على الأساتذة أن يطلعوا جيداً و يواكبوا مسار الأحداث.
يجب أن تكون هناك ندوات و لقاءات بين المسؤولين من جهة و الأكاديميين من جهة أخرى للنقد و تبادل وجهات النظر و الاستفسارات و الإجابة عنها. فعلى مدى سنوات و أنا أوصي المسؤولين و رؤساء الجمهورية المتعاقبين بضرورة الحضور في الجامعات، و اللقاء مع الطلبة و تبادل أطراف الحديث معهم. كما كنت بنفسي حريصاً على الذهاب دوماً. فمنذ مطلع الثورة الإسلامية بل و قبل الثورة أيضاً كانت لي صلات وثيقة بالطلبة و كنت أوصي دائماً بأهمية وجود هذا التواصل. و الآن أوصي كذلك بأن يكون للمسؤولين لقاءات بأساتذة الجامعات المحترمين لتبادل وجهات النظر فيما بينهم. و هذا التبادل في وجهات النظر و طرح التساؤلات و الإجابة عنها يعد أمراً مهماً للغاية، و داعماً أساسياً ليس للمسؤولين فحسب إنّما لمجمل العملية العلمية و البيئة الجامعية. على المسؤولين أن يتقبلوا الحضور في المجتمعات الجامعية، و يرحبوا بالانتقادات التي توجّه لهم برحابة صدر. فكثير من الكلام الذي قيل هنا، أو قيل في مثل هذه اللقاءات، بإمكانه أن يساهم في تحسين أداء المسؤولين. فالمسؤول مهما بلغ مستواه العلمي و المعرفي و مهما بلغت تجربته، فمن المؤكد أنّه لن يستغني عن آراء ذوي الرأي و النخب و الانتفاع منها. فحقيقة الأمر هي أنّ هناك منفعة تعود على المرء من هذه الآراء. على المسؤولين أن لا يرفضوا هذا المبدأ؛ عليهم أن يرحبوا بالنقد العلمي البنّاء. فعلينا أن لا نتهم كلّ رأي ناقد بأنّه مناوئ للنظام و إنّه كذا و كذا؛ كلا، فكثير من الآراء النقدية الجارحة صادرة عن حرص قائلها و حرقة قلبه. على المرء أن يقبّل الفم الذي يتفوّه بالنقد عن حرقة قلب. هذا من ناحية المسؤولين، فهذه مسؤوليتهم. كما أن على الأساتذة الكرام أن يحذروا مغبة السقوط في براثن التسقیط و التهديم. فالبيان الناقد يختلف عن البيان التهديمي؛ البيان الناقد يختلف عن منح العدو قطعة لتتميم أحجيته؛ البيان الناقد يختلف عن بث روح اليأس بين الناس و يختلف عن تلويث الأجواء العامة بالنظرة التشاؤمية؛ لا بدّ من تجنّب ذلك؛ لا بدّ أن يكون هناك حرص و تفان.
و هكذا أيضاً مواكبة أحداث المنطقة، و أحداث العالم. فالأحداث التي تجري حولنا، تعتبر أحداثاً مهمة للغاية؛ و مؤثرة إلى حد كبير. فهناك حدث كبير جدّاً على وشك أن يقع. و هذا الحدث، له طرفان؛ و كلاهما محتمل: لكن أحدهما أكثر احتمالاً من الآخر. فالأقل احتمالاً هو أن تستغل قوى الاستكبار العالمي الفرصة و تستثمر نفوذها الإعلامي، بغية الإعداد للهيمنة على المنطقة للخمسين أو الستين عاماً المقبلة ـ و هذا الاحتمال هو الأضعف، لكنّه محتمل على أية حال ـ و قد بدأوا يعملون بشكل فعلي على هذا الأمر و بإمكانكم ملاحظة ذلك. و برأيي إنّ أكثر المناطق المثيرة للقلق، هي ليبيا؛ لأنّهم أخذوا يستغلون الفراغ الحاصل هناك لتثبيت مواقعهم و تعزيز بقائهم. طبعاً هذا هو الاحتمال الضعيف. لكن الاحتمال الأقوى هو أن لا يحدث ذلك، و إنّما تتمكّن إرادة الشعوب و بصيرتها من التفوّق على ذلك و البدء بتشكيل حكومات وطنية، لتصبح وطنية إسلامية على رغم أنف الاستكبار و الصهيونية و الولايات المتحدة و من لف لفها؛ و ربّما قد تختلف أشكال هذه الحكومات؛ لكنّ جوهر جميعها هو الإسلام؛ لأن الشعوب شعوب إسلامية.
فقبل فترة وجيزة، أخبرني بعض المطلعين عن عدد حفظة القرآن في ليبيا، و كان عدد غريباً حقاً؛ بحيث لو ذكرت هذا العدد، قد لا يصدقني الكثير؛ و أنا لن أذكره طبعاً، لأنّي شخصياً لست متأكداً منه. حسناً، ألا يعكس هذا الواقع التوجّه الديني الذي يتميّز به الشعب الليبي. فحين ينوي الشعب الذهاب إلى صناديق الاقتراع لينتخب، و حين يكون الانتخاب انتخاباً واعياً، فمن المعلوم كيف ستكون نتيجة الاقتراع؛ لا شكّ أنّها ستكون مطابقة لما أقرّ به الأمريكيون قبل عامين حين ذكروا أنّ أي انتخابات قد تحصل في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، فإنّها ستحسم لصالح الإسلاميين، و لصالح التوجه الإسلامي. لقد صدقوا في هذا؛ فإن أي انتخابات قد تشهدها هذه البلدان ستحسم لصالح التيارات الإسلامية؛ على الرغم من أنها قد لا تبدو كذلك. فمن كان يتصور أنّ الحماس للإسلام في مصر قد يبلغ هذا الحد؟ إنّهم كانوا يتسترون على ذلك. و مهما يكن من أمر، فالحدث الذي شهدته المنطقة لا شك أنّه حدث كبير. فإمّا أن تسير مجريات الأحداث لصالح التكتلات الإسلامية القوية الواضحة ذات الأغلبية العظمى و التي تضم إليها النخب و الكوادر المهمة ـ و هذا هو الأحتمال الغالب ـ و إمّا لا سمح الله قد تختبر الشعوب استعماراً آخر يجثم على صدرها لخمسين، أو ستين، أو مائة عاماً أخرى مليئة بالتخلف و الاضطهاد، حتى يحين الوقت الذي تستفيق فيه الشعوب لتدرك مرّة أخرى أنّها قد أوقع بها و تمت خيانتها. و على أية حال فالحدث حدث مهم. و لا يمكننا تجاوزه بهذه البساطة، فلا يمكننا أن نجلس دون تحليل أو تفسير، و دون إدراك حقيقي لمجمل حيثياته. لا بدّ للأساتذة المحترمین أن يساهموا بدورهم في ذلك.
إنّ أحد نتائج أو لنقل هوامش الأحداث التي شهدتها المنطقة ـ و ربما قد تعد أكثر من هوامش ـ إخفاق المعادلات و المخططات الغربية المرصودة للمنطقة. فسائر المخططات الاقتصادية ـ و أنتم تشاهدون واقعهم الاقتصادي بكل وضوح ـ المخططات السياسية، إدارة السياسات، مدراء السياسات بدأوا یغوصون في المستنقعات. فبعد كل المشاريع التي بُذلت في المنطقة و بعد كل هذا النفوذ، أخذ ينهار حضورهم السياسي و هيمنتهم السياسية شيئاً فشيئاً. و هذا إنّما يعكس النقص و العقم و الخواء الذي تعاني منه منظومة التخطيط الاستراتيجي الغربي على الصعد السياسية، و الاقتصادية و غيرها؛ كما يشجعنا أكثر للعودة إلى الذات و البحث عن الفكر الإسلامي و الرؤية التي يحملها.
الأمر الآخر، أهمية بث نفس جديد و روح جديدة للنهضة العلمية بشكل معمّق و سريع. الحركة أمر جيد ـ و قد ذكرت ذلك من قبل ـ لكن لا بدّ من بث نفس جديد. إن قطّاع مهم من جامعاتنا لم يدخل لحد هذه اللحظة دائرة التطوير العلمي. و لا بدّ لكافة القطاعات الجامعية من دخول هذه الدائرة. الجامعات المختلفة، الأساتذة في كل مكان، الطلبة ـ خصوصاً الطلبة المتميزين الأكفاء الذين قد يبرز من بينهم النوابغ ـ على الجميع أن يقتحم دائرة التطوير العلمي. هذا أولاً. و الأمر الآخر هو ما أشار إليه بعض الأخوة اليوم، و بدوري أوصي به على الدوام: العلم النافع؛ هو العلم الذي يخدم البلد و يصب في مصلحته.
لا بدّ لمنظومتنا العلمية أن تكون منظومة صحيحة و رصينة؛ و هذه الخطة العلمية تتكفّل بهذا الأمر. لا بدّ للمنظومة العلمية للبلد أن تكون منظومة متكاملة؛ تتكفل بتحديد المتطلبات، و مستوى هذه المتطلبات، و تقارن بين القطاعات العلمية المختلفة. و من المهم أن لا يكتسب تقدّمنا العلمي طابعاً كاريكاتورياً؛ لا بدّ أن يسير وفق خطة منسجمة و تطوّر منسجم صحيح. و لا بدّ أن تسود ثقافة التحديث و التطوير في الجامعات. على كل عناصر هذه الطبقة المليونية من أساتذة و طلاب الدخول في معترك التطوير العلمي؛ و لا بدّ أن يتحوّل ذلك إلى ثقافة.
و من الضروري أن يكون ذهن الطالب منذ البدء متوجهاً نحو التعلّم من أجل إنتاج العلم، لا التعلم من أجل التقليد و الجمود على المعلومة المكتسبة ضمن ثقافة المكتسب غير قابل للتغيير. كما لا بدّ من إزالة العقبات التي تقف في هذا الطريق.
الأمر الآخر الذي أجده مهماً، هو زج الجامعات في معالجة القضايا العلمية في البلد. حسناً، لقد شهدنا اليوم من مختلف الفروع العلمية أساتذة محترمین تحدثوا لنا. فحين يتسنى للمرء أن يضيف لجعبته من كل فرع علمي كلاماً جديداً، فهذا أمر جدير بالاهتمام. يا ترى إلى أي حد يمكن للنظم الإدارية في البلد أن تستثمر الجامعات، و تستثمر النتاج الذهني و الفكري للنخب العلمية. فالتعاطي الشكلي البروتوكولي لا يكفي؛ لا بدّ أن يكون هناك تعاطٍ حقيقي. لا بدّ أن نؤسس لواقع تستجيب فيه دراساتنا العلمية لحاجة البلد و متطلباته. و قد اطلعت مؤخراً على احصائية للدراسات العلمية في حقل الطب و الصحة في البلد. فيجب أن يستهدف 90 بالمائة من الدراسات و المقالات العلمية حاجات البلد و متطلباته. و لا بدّ أن يستجيب 90 بالمائة من الأطروحات لمتطلبات البلد. حسناً، لنفرض على سبيل المثال أنّنا ذكرنا موضوعة الجهاد الاقتصادي. و الجميع آمن بأنّ هذا العام هو عام الجهاد الإقتصادي؛ أي لا بدّ أن يحصل جهاد اقتصادي. و السؤال الذي يتبادر إلى ذهني الآن هو: كم ندوة علمية شكلت، و كم دراسة علمية أجريت، و كم مشروع أنجز في البلد في إطار الجهاد الاقتصادي؟ فللجهاد الإقتصادي أبعاد. فهو يشمل كلية القانون، و كلية الإدارة و الإقتصاد، و كلية الصناعة، و كلية العلوم أيضاً. إذن لو أردنا رصد أبعاد الجهاد الاقتصادي، لوجدنا أنّها تشمل سائر الحقول العلمية في البلد و بعضها يدخل معترك الجهاد الاقتصادي بشكل مباشر و بعضها الآخر بشكل غير مباشر. إذن، كل واحدة من هذه الصروح العلمية لديها أمر يتم معالجته ضمن مشروع الجهاد الاقتصادي، لكن هذا لم يحصل. على الجامعات أن تعنی بالقضايا التي تهم البلد. فالهدف من العلم الانتفاع به. لا بد أن يكون العلم نافعاً للناس؛ لا بد أن يلمس الناس الفائدة من هذا العلم.
و لا يخفى أن الحركة العلمية في البلد، كما لديها نقاط قوة كذلك لديها نقاط ضعف. فالأخوة في المكتب قد بذلوا جهداً مهماً، و سجلوا بعض النقاط، لكن لم يسمح لي الوقت أن ألخصها؛ و حتى لو تسنى لي ذلك، لم أكن قادراً على التحدّث بها الآن.
هناك موضوعان لا بد أن لا ينسيا: الأول ما يتعلق بالمنظومة العلمية المتكاملة ـ فلا بدّ أن تكون المنظومة العلمية للبلد منظومة متكاملة ـ و هذا هو المراد بالخارطة العلمية الشاملة. طبعاً لا يخفى أنّ تنفيذ الخارطة العلمية الشاملة يعتبر أهم من الإعداد لها. هذا بالرغم من إن الإعداد للخارطة يتطلّب جهوداً كبيرة. فقد بذل الإخوة في المجلس الأعلى للثورة الثقافية مساعٍ كثيرة، و رفدتهم الأجهزة المعنية الأخرى أيضاً، كما كان لأساتذة الجامعات مساهمة جادّة طيلة هذه السنوات في الإعداد للخارطة؛ حسناً هذا رائع، و الآن لا بدّ من تنفيذ هذه الخارطة. و آلية تنفيذها يمكن ملاحظتها في صميم الخطّة ذاتها. إن أضعاف الجهود التي بذلت من أجل الإعداد للخارطة لا بد من بذلها من أجل تنفيذها. و هذا عمل أساسي و مهم، يتوقف بناء المنظومة العلمية المتكاملة للبلد و بلورتها على المباشرة به. فعلى سبيل المثال: نكثف من حضور الفرع العلمي الفلاني، و نحجّم من الفرع العلمي الفلاني، و ننهي هذا الفرع، و نوجد ذلك الفرع، و كل ذلك وفقاً لسياق المنظومة العلمية المتكاملة.
الأمر الآخر يتعلق بالدورة التي تبدأ من الفكرة العلمية و تنتهي بالتوزيع؛ و هذه بدورها مسألة مهمة للغاية. طبعاً لا شك أنّها تتعلق بالحكومة و واقع التعاون بينها و بين الجامعات، و كمثال على ذلك الحدائق التي أشار لها بعض الأخوة، و غيرها من الأمثلة. و لا يخفى أن فكرة المشروع العلمي تبدأ عندما تأخذ بالتبلور في ذهن النخب، ثم بعد ذلك تتحوّل إلى علم، ثم إلى تكنلوجيا، ثم إلى تصنيع و إنتاج، ثم إلى تسويق. و موقف السوق من البضاعة، هو الذي يدفع باتجاه بلورة أفكار مشاريع أخرى. و هكذا تأخذ هذه العجلة بالدوران. و هذا الأمر يتطلب تعاوناً حقيقياً بين الحكومة و القطاعات الصناعية و الإدارية و الجامعية، و لا بدّ له أن ينجز.
حسناً، يوم القدس على الأعتاب. و يوم القدس، يوم عالمي إسلامي بكل ما للكلمة من معنى؛ يوم يتمكن فيه الشعب الإيراني من وضع يده بيد الشعوب الأخرى المتلهفة ـ التي لحسن الحظ أخذت تنمو بشكل كبير ـ و يتسنى له أن يصدح بكلمة الحق، الكلمة بقيت لستین عاماً و النظام الاستكباري ينفق على كبتها و خنقها ـ طبعاً ستون عاماً هذا على أقل تقدير، أي منذ تأسيس الدولة الغاصبة؛ و إلاّ فإن مقدّمات هذا المشروع كانت قد أعدّت منذ مائة عام ـ إذن ستون عاماً و هم يحاولون بشتى الطرق مسح فلسطين من على خارطة العالم الجغرافية. و لا يخفى أنّهم كانوا قد نجحوا في هذا المشروع إلى حد كبير. لكنّ الصفعة جاءتهم من الثورة الإسلامية. فبزوغ نظام الجمهورية الإسلامية و الإعلان عن يوم القدس العالمي و استبدال سفارة الكيان الغاصب في طهران بالسفارة الفلسطينية، مثّل حركة تحذيرية رادعة و مباغتة وقفت بوجه المشروع الاستكباري. و لحسن الحظ فقد أخذت رقعة هذه الحركة اليوم بالانتشار و الاتساع شيئاً فشيئاً.
إنّ يوم القدس يمثل حماية لأمن و استقرار بلدنا أيضاً. و ليعلم كافة أفراد شعبنا العزيز أنّ كل شخص ينزل إلى الشارع يوم القدس، يساهم بدوره في تعزيز أمن البلد و أمن الشعب و الحفاظ على منجزات الثورة. إنّ يوم القدس يوم عظيم، و يوم مهم للغاية.
آملين إن شاء الله أن يشهد يوم القدس لهذا العام في بلدنا و البلاد الإسلامية الأخرى حضوراً متميزاً يفوق كل سابقاته.
اللهم! اجعل كل ما قلناه، و كل ما سمعناه، و كل ما عملناه، و ما نويناه، خالصاً لك و في سبيلك. اللهم! بارك لنا في جميع ذلك. و ثبتنا على صراطك. و إجعل أعمالنا مرضية لدی المولى صاحب الزمان (عليه الصلاة و السلام و عجل الله فرجه) و اجعلها سبباً لسرور و بهجة أرواح شهدائنا الأطهار و الروح الطاهرة لإمامنا المعظم. و اشملنا بدعائه و خيره.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - فصلت: 30.
2 - الكافي: ج 1، ص 27.
3 - نهج البلاغة: الخطبة 50 .