بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية أُرحّب بكم أيّها الأعزّاء الناشطون في مختلف المجالات الاقتصاديّة في بلادنا.
إنّ اجتماعنا اليوم هو اجتماعٌ رمزيٌّ في إحدى جهاته، كونه يعكس اهتمام الجمهوريّة الإسلاميّة بالجانب الاقتصاديّ في الظروف الحساسة الراهنة على مختلف الأصعدة العالميّة و الإقليميّة و الوطنيّة.
و الهدف منه في الدرجة الأولى هو تخصيص أحد أيّام شهر رمضان لبعض الناشطين الاقتصاديّين في القطاعين الحكوميّ و الخاصّ على جميع الأصعدة، حيث كنّا نأمل حضورهم و الاستماع لما لديهم من قضايا بغية طرحها في البلاد كي تكون علامة للاهتمام الجادّ بالنشاط الاقتصاديّ و تطويره من قبل الجمهوريّة الإسلاميّة. كما ينبغي للحكومة بمعناها العامّ، أي الشعب و الجهاز الحاكم، التعاون و بذل الجهود في هذا المضمار لأسباب سنذكرها لاحقاً.
أُنوّه إلى أنّ المقدّم قال: ممثّلو مختلف المجالات الاقتصاديّة. و الأفضل القول: النخبة في مختلف المجالات الاقتصاديّة، إذ لم يتمّ اختيارهم عن طريق انتخابات ليصبحوا ممثّلين عمّن انتخبهم. و الحمد لله هناك شخصيّاتٌ بارزةٌ و عقول مفکرة في جميع المجالات، و النخبة منهم حاضرون الآن في هذا الاجتماع.
حسنٌ، إنّ أوّل أمرٍ يتمخّض عن اجتماعنا اليوم هو توجيه رسالةٍ إلى جميع مكوّنات البلد من مسؤولين رسميّين في المجال الاقتصاديّ و ناشطين اقتصاديّين في جميع أنحاء البلاد و سائر أبناء الشعب، و فحواها الاهتمام بالجانب الاقتصاديّ.
أمّا ثاني أمرٍ يمكن أن يتحقّق في هذا الاجتماع و قد تحقق و الحمد لله، فهو ذكر تقريرٍ يوضّح فيه ناشطو القطاع الخاص للشعب واقع البلد و تطوره و سائر نشاطاتهم. وهذا بالطبع لا يعني اعتقادي بضرورة ذکر الإیجابیات و حالات التقدم دائماً، فالجميع يعرف رأيي في ذلك؛ إذ اعتقد بضرورة ذكر الأمور الإيجابيّة و السلبيّة على حدٍّ سواء. لكنّني اعتقد أنّ الأمر الذي يحظى بأهميّةٍ في هذه الآونة هو معرفة أبناء الشعب للإنجازات الحاصلة من نشاطاتهم و نشاطات مسؤولي البلاد و الناتجة من إنجازات الكفاءات البشريّة العظيمة في البلاد.
و أودّ أن أُعلمكم بأنّ الشعب و أنا علی صلة به لا علم له بهذه التطوّرات. و قد دوّنت خلاصة ما تفضّلتم به الآن، و سيتمّ تدوينه بالكامل فيما بعد بإذن الله، و هي أُمورٌ لا يعلم بعضها معظم المواطنين. و الحقيقة إننا نشهد مشاریع عظیمة فی بلدنا، و هذا فخرٌ لأبناء شعبنا، فهم الذين ينجزونها بفضل عبقريّة النخبة منهم و جهود شخصيّاتهم العلميّة و التقنیة و الأيدي العاملة و أصحاب المبادرة و المخططين. فقد شهدنا تطوّراً جيّداً في مجالات الإنتاج و الخدمات و الزراعة و الصناعة، و كذلك في مجال الصناعات العلمیة المحور و في مختلف المجالات التي ذُكرت هنا؛ و الأجدر أن يطّلع الناس على هذه الإنجازات بشكلٍ مباشرٍ من مسؤولي مختلف القطاعات غير الحكوميّة و الناشطين المستقليّن، و هذا الأمر بالطبع يسفر عن زرع روح الأمل و البهجة في نفوسهم.
و علينا الانتباه جمیعاً إلى أنّ أحد الأساليب التي يتّبعها العدوّ في حربه النفسيّة ضدّ الشعب الإيرانيّ في الوقت الراهن هو خلق اليأس بين أبنائه؛ و أنا بدوري أُعير أهميّةً لهذا الأمر و أُؤكّد عليه لأنّهم قطعاً يريدون تعطيل مسيرة شبابنا و إجهاض جهود جيلنا النشيط و سائر العناصر الفعّالة من أبناء الشعب الذين يتمتّعون یقیناً بأفضليّةٍ على غيرهم فی العالم. فهذا هو أحد أساليبهم، أي زرع روح اليأس بين أبنائنا، و كأنّما يخاطبون المواطن قائلين: لا فائدة ممّا تفعل، و إنك لم تنجز أيّ شيءٍ، و لا يمكن فعل شيءٍ.
و إلى جانب ذكر النقاط الإيجابيّة، لا بدّ من ذكر النقاط السلبيّة و النواقص أيضاً، و لكن بأُسلوبٍ ناجعٍ لوضع حلولٍ لها لأنّ طرق بيان النواقص تختلف عن بعضها؛ إذ لا يجدر بيانها بعباراتٍ تجعل اليأس يدّب في نفس الإنسان و يقضي على جهوده و مساعيه. فعلى سبيل المثال لو أنّنا بلغنا نسبة أربعين بالمائة من التطوّر، نستنتج أن هناک إمکانیة لتحقیق الستين بالمائة الباقية، و بالطبع فإنّ نسبة الستين بالمائة لا زالت غير متحقّقة حاليّاً، لذلك علينا التكاتف لتحقيقها؛ هذا هو الأُسلوب الذي يجب اتّباعه لبيان النقص الموجود.
إذن، هذا الاجتماع و لحسن الحظّ قد منحنا الفرصة لبيان هذا الأمر.
أودّ أن أطرح عليكم بعض القضايا الموجزة فيما يلي: أوّلاً: أطلقنا على العام الحاليّ اسم (عام الجهاد الاقتصاديّ). و الحقيقة أنّ سياسة البلدان الاستكباريّة تهدف إلى إخضاع الشعب الإيرانيّ و حكومته الإسلاميّة بواسطة عصا الاقتصاد. فالحصار الاقتصاديّ مفروضٌ علينا بذريعةٍ كاذبةٍ هي النشاطات النوويّة، و ربّما تتذكّرون أنّ جذور هذا الحصار و جانبه الأكبر يعود إلى ما قبل وجود أيّ نشاطٍ نوويٍّ في إيران، و هو بالطبع أمرٌ لا أهميّة له؛ و قد عُرف بحصار (داماتو) - وقد طرحه شخص بهذا الاسم في الكونغرس و تمّت متابعته فيما بعد - حيث يعود إلى زمانٍ لم تكن فيه المسألة النوويّة مطروحةً بعد و لا وجود لأيّ نشاطٍ نوويٍّ في إيران؛ لأنّ الهدف منه هو شلّ اقتصاد البلد، و يحقّ للشعب الإيرانيّ أن يفتخر بتحمّل هذا الحصار مدّة اثنين و ثلاثين عاماً.
و بالتأكيد فإنّ سعة نطاق الحصار قد زادت في السنوات الأخیرة و تعدّدت أنواعه، لكنّه یبقی صغیراً تافهاً بالمقارنة إلی النشاطات البناءة في بلادنا. حینما فرضوا علینا الحصار قبل ثلاثين عاماً لربّما كان أكثر تأثيراً من الحصار المفروض علينا اليوم حيث يتوعدنا الأعداء بتكثيفه أكثر و أكثر، وهذا يعني أنّنا قد حصّـنّا أنفسنا قبال هذا الحظر بالتدريج، و يمكننا مواجهة مختلف أشكاله إمّا عن طريق الالتفاف عليه، و هذا أُسلوبٌ جيّد و دقيق يجدر بالحكومة و الشعب اتّباعه. و إمّا عبر استثمار الكفاءات و الإمکانیات الوطنيّة، و هو أُسلوبٌ لا بدّ من اتّباعه كونه أمراً أساسيّاً و جذريّاً، و بالفعل فقد تمّ اتّباعه. إذن، هدف العدوّ هو إخضاع الجمهوريّة الإسلاميّة، أي إخضاع إيران الإسلاميّة، و بالتالي إخضاع شعب ساند هذا النظام الإسلامي إلى يومنا هذا و رسّخ دعائمه و حافظ على كيانه؛ لذا علينا إعداد أنفسنا للتصدّي له. علينا معرفة عدوّنا و معرفة واقع السلاح الذي يشهره في وجوهنا لنتمكّن من تجهيز أنفسنا بسلاحٍ مقاومٍ له؛ و هذا بحاجةٍ إلى جهادٍ اقتصاديٍّ. فما معنى الجهاد؟ بالطبع لا یعدّ كلّ فعلٍ جهاداً، لأنّ الجهاد هو فعلٌ له شروطه الخاصّة. فمن شروطه أن يعرف الإنسان أنّه يقوم به لمواجهة العدوّ، أي القيام به للتصدّي لحركةٍ معاديّةٍ هادفةٍ. فهذا الفعل الذي هدفه التصدّي لحركةٍ معاديّةٍ يعتبر من شروط الجهاد الأساسيّة.
أمّا الجانب الآخر الذي يجب أن يتّصف به الجهاد فهو تواصله و شموليّته و كذلك أن يكون ناشئاً من فطنةٍ و إخلاصٍ؛ فهذا هو الجهاد الحقيقيّ. لذا فإنّ الجهاد الاقتصاديّ هو نشاطٌ متواصلٌ و شاملٌ الغاية منه تحقيق أهداف الشعب الإيرانيّ بغية إحباط جهود الأعداء و مساعيهم الدنيئة.
ثانياً: میثاق الأفق العشریني الذي یعدّ میثاقاً أساسيّاً فوقیاً و مصدراً هاماً، و الذي وضعناه بشكلٍ يضمن بلوغ البلد المرتبة الأولی في القطاعات الهامّة و الحيويّة، يجب علينا بلوغ هذه المرتبة. و بالتأكيد فإنّ الآخرين لا يتوقّفون عن سعيهم بانتظارنا كي نجتازهم و نکون الأوائل، فهم يبذلون جهودهم في هذا المضمار أيضاً، حيث نلاحظ النشاطات الاقتصاديّة الحثيثة لبعض البلدان التي هي ضمن نطاق تنافسنا علی المرتبة الأولی. و نحن طبعاً لا نتّبع بعض الأساليب التي تتّبعها هذه البلدان، و سوف لا نتّبعها أبداً؛ لأنّنا نتصرّف بأُسلوبٍ أنقى و أشرف و أنبل، لکننا نؤمن بقدرتنا على بلوغ المرتبة الأُولى عبر هذا الأُسلوب إذا ما زدنا من سرعتنا بانتظامٍ، و هذا الأمر بحاجةٍ إلى جهادٍ، إذ علينا العجلة مع التدبير لبلوغ هذه المرتبة. و سعينا لبلوغ هذه المرتبة ليس نزوةً، بل إنّ مصير الأُمَم مرتبطٌ اليوم بهذا الشيء، فإذا أخفق بلدٌ في أن یتطور و یؤمّن نفسه اقتصاديّاً و علميّاً و من حيث البُنی التحتيّة للتقدم، سوف يكون شرعةً لكلّ واردٍ. نحن لا نُريد أن نُصبح فريسةً للآخرين. طوال مائتي عامٍ و بلدنا عرضة للنهب و العدوان. عجز السلطة الملكيّة الهزيلة الفاسدة التي لم يكن هدفها سوى الأطماع الدنيويّة، و الحراك و الحیویة لدی الطرف المقابل هي العوامل التي أدت إلی هذا العدوان. فی سنة 1800 دخل البریطانیون لأول مرة إلی الأجهزة و المؤسسات السیاسیة لبلادنا و راحوا یتدخلون و یتنفذون و یستقطبون هذا الطرف و ذاك الطرف، و فعلت الشيء نفسه في نفس الفترة أو في فترة قریبة من ذلك بلدان أوربیة أخری خلال تلك المدة. ففي عام 1800 م عندما دخل بلادنا أوّل سفيرٍ بريطانيٍّ قادماً من الهند التي كانت تحت نير الاستعمار البريطانيّ، كانت مدينة بوشهر أوّل موطأ قدمٍ له بعد أن رست سفينته فيها، و من هناك بدأ بدفع الرشاوى و شراء الضمائر، و بالفعل فقد نجح في ذلك. فجميع مسؤولي البلاد آنذاك من أُمراء و شخصيّاتٍ رنّانةٍ قد انحنوا خاضعين لهدايا هذا السفير! و منذ تلك الآونة بدأ الأعداء بنهب بلدنا، لأنّه كان هشّاً و لا وجود للحسّ الوطنيّ فيه آنذاك، الأمر الذي سمح لهم بالتغلغل فيه و بسط نفوذهم عليه؛ و نحن لا نُريد استمرار هذا الأمر طبعاً. فثورتنا هي سدٌّ منيعٌ بوجه هؤلاء الأعداء، و هدفنا هو ترسيخ دعائمه أكثر فأكثر.
ونحن لا نسمح لهم بالتدخّل في قضايانا الاقتصاديّة و الثقافيّة و السياسيّة أو التحكّم في مصيرنا و مقدّراتنا مهما حصل، و هذا الأمر يتطلّب رصّ الصفوف في داخل البلاد، و أحد أهمّ دعائم هذا التراصّ هو (الاقتصاد). فهذا هو قصدنا من السعي لنيل المرتبة الأُولى، و ليس ذلك من باب النزوة؛ كلا، الأمر ليس كذلك، بل إنّ مصير أُمّتنا مرتبطٌ به. لذا فإنّ الجهد المتواصل و المؤثّر و الذي يتمّ بذكاءٍ و إخلاصٍ من خلال تسخير جميع طاقات البلد، له تأثيرٌ في هذا المجال.
إن طاقات البلد و إمکانیاته واقع عظیم و هام. طاقات البلد عظیمة جداً. فطاقاتنا البشریة تعدّ من الطاقات الممتازة علی مستوی العالم، لذا علینا استثمارها و تفعیلها و تسخیرها، و نحن نلمس هذا الأمر علی أرض الواقع. طبعاً قبل عدة عقود کنت أسمع من المطلعین و ذوي الخبرة - إما لعلمهم و إما لاطلاعهم عن طریق تجربة مشاهدة بعض المراکز العلمیة في العالم - قولهم إن قابلیات الإیرانیین و طاقاتهم الفکریة أعلی درجة من معدل سائر الأمم. هذا ما سمعناه و نحن نلمس هذا الأمر و نجربه بالفعل في تطور البلاد إبان عهد الثورة الإسلامیة. و قد أشاروا إلی مسألة بناء السدود، و ما شهدته بلادنا في مجال بناء السدود لم یکن یصدقه أحد قبل الثورة. لقد أشاروا إلی هذه المسألة کمثال، و بالطبع فإن الأمر هکذا في الکثیر من المجالات الأخری. و ما حدث من تقدم علمي في البلاد علی شتی الأصعدة لم یکن معقولاً لأحد سابقاً حتی لو أقسمت له بأغلظ الأیمان، و نحن نراه الیوم بأعیننا. لا یوجد في بلدنا أمر بناه التحتیة مهیّأة و یعجز شبابنا عن إبداعه و إنشائه. هذا ما توصلتُ إلیه عبر التجربة و من خلال إطلاعي علی مختلف القطاعات. إن هذا الإبداع ینطبق علی قطاعات البلاد بجمیع فروعها العلمیة سواء في ذلك الدقیقة منها أو العظیمة، و من أدق الأمور إلی أوسعها و أشملها، إلا إذا کانت بناه التحتیة غیر مهیّأة و غیر متوفرة. إننا نحظی بهکذا طاقات بشریة في بلدنا. و هذا أمر هام للغایة.
إنّ قدراتنا الاقتصاديّة تعدّ أمراً هامّاً للغاية، و قد قلت سابقاً إنّ النسبة المئويّة لثروتنا المعدنيّة و مصادرنا الحيويّة الهامّة بالنسبة إلى عدد سكّان بلادنا، هي أعلی من النسبة المئويّة لجميع سكّان الكرة الأرضيّة. فعدد نسمات بلادنا واحد بالمائة تقريباً من إجماليّ عدد سكّان العالم، كما أنّ مساحة بلادنا تعادل تقریباً واحد بالمائة من مساحة الكرة الأرضيّة. بناءاً على هذا، لا بدّ و أن نمتلك واحد بالمائة من المصادر الحيويّة و الأساسيّة، في حين أنّنا في بعض الموارد نمتلك ثلاثة أو أربعة أو خمسة بالمائة منها. فهذه قدراتٌ هائلةٌ، و هي ثمينةٌ جدّاً.
أُشير هنا إلى قضيّة شحّة المياه التي تعاني منها البلاد، و هي حقيقةٌ بالفعل - بلدنا شحيح المياه - و نحن قادرون على حلّها حلاً جذريّاً من خلال التخطيط لمشاريع علميّة ببراعةٍ و ذكاء، الأمر الذي أشار إليه بعض السادة الحاضرين، و أنا أيضاً تحدّثت عنه آنفاً. فلو أمعنّا النظر قليلاً و طوّرنا أنفسنا في هذا المجال، سوف نتمكّن من رأب الصدع و تعويض النقص الموجود. إذن، الحقيقة أنّ بلادنا تمتلك مصادر طبيعيّة هائلة.
و كذا هو حال بلادنا من الناحية الجغرافيّة و الإقليميّة، فهي تحتلّ موقعاً استراتيجيّاً هامّاً، حيث تجاور اثنين من البحار و لها ارتباطٌ بالمياه العالميّة، و تقع في منطقةٍ حسّاسةٍ تربط بين الشرق و الغرب، أي بين آسيا و أوروبّا، حيث تستقرّ في أهمّ جزءٍ منها، ممّا يفتح الطريق لنا شرقاً و غرباً. هذه الأُمور في الحقيقة هي مؤهّلاتٌ لوطننا، فهي تمثّل جانباً من قدرته؛ لذا يجب علينا تفعيلها، و هذا الأمر بالطبع بحاجةٍ إلى جهود و مساع حثيثة.
طیب، لقد أنهينا تقريباً ربع المدّة الزمنيّة المخصّصة من میثاق الأفق العشریني الذي أمده عشرون عاماً، حيث أُشير إلى ذلك آنفاً. و بالتالي، فقد تمّت الخطة الخمسیة الرابعة، و هذا العام هو العام الأوّل من الخطة خمسیة الخامسة. و من الجدير بالذكر أنّ الخطة الرابعة قد شهدت الكثير من الإنجازات، فحسب التقارير التي ذُكرت و التي طرقت أسماعكم، و هي صحيحةٌ دون شكٍّ، قد تمّ إنجاز أعمالٍ هامّةٍ للغاية؛ و لكن في نفس الوقت، هناك بعض الأعمال لم تُنجز بعدُ و يجب إنجازها. إنّ الخطط و البرامج صحيحةٌ، فالبرامج التي تمّ وضعها و الإعلان عنها في مجال ترشيد الاستهلاك، و البرامج العامّة للنظام الإداريّ، و البرامج العامّة لتوفير فرص العمل، و البرامج المخطّط لها في إطار المادّة 44 من الدستور؛ تعدّ منسجمةً مع بعضها البعض. فلو استطعنا تنظيم الخطة الخامسة من برنامج التنمية و السير فيها قُدماً و تطبيقها على أرض الواقع وفق البرامج المذكورة، سوف يتسنّى لنا استثمار القدرات التي أشرنا إليها. فهذه البرامج من شأنّها أن تخلق انسجاماً، حيث يمكن من خلالها التنسيق بين مختلف مجالات النشاط الاقتصاديّ.
و بالتأكيد فإنّ بعض الأهداف التي خُطّط لها في الخطة الرابعة من برنامج التنمية لم تتحقّق في أرض الواقع، و ذلك لأسباب عديدة محليّة و دوليّة. إذ لم يتمّ تحقيق النموّ بنسبة 8 بالمائة، و لم تتقلّص نسبة البطالة، و لم يتمّ تحقيق نسبة الاستثمار التي كانت متوقّعة، و كذلك فإنّ التضخّم لم يتقلّص؛ إنّ هذه الأمور قد أشرت إليها في ذلك اليوم. فهذا الخلل يفرض علينا بذل جهودٍ مضاعفةٍ و شحذ الهِمَم لتعويض ما فات في مدّة خمس سنواتٍ (أي في الخطة الخامسة من برنامج التنمية).
و نحن بالطبع عندما طرحنا سیاسات المادّة 44 من الدستور، كنا نروم تحقيق هدفٍ عظيمٍ، و لا زال هذا الهدف منشوداً حتّى الآن حيث سنسعى إلى بلوغه بإذن الله تعالى. حسب نصّ هذه المادّة، كان من الواجب علينا إعادة النظر في مجال ملكيّة الدولة و نشاطها الاقتصاديّ، و بالفعل فقد تمّت إعادة النظر؛ و لكن ما هو الهدف من ذلك؟ الهدف في الحقيقة هو إقرار اقتصادٍ تنافسيٍّ بفضل مشاركة القطاع الخاصّ و رؤوس الأموال الخاصّة في المجال الاقتصاديّ. و طبق الحسابات التي تمّ إجراؤها، فإنّ المبلغ المطلوب للاستثمار في هذه السنوات الخمس، يعادل 160 مليار دولارٍ سنويّاً، و الحكومة ليست قادرةً على توفير هكذا مبلغٍ، لذلك يجب إشراك القطاع الخاص و التعاون معه لكي يتسنّى ذلك؛ فهذا الأمر لا بدّ منه.
و أمّا في مجال تطبيق سیاسات المادّة 44 من الدستور، فقد تمّ إنجاز أعمالٍ جيّدةٍ، لكنّها ليست كافيةً؛ و يجب السير قُدماً بنحوٍ أفضل. و الأمر ليس محدوداً بخصخصة المؤسّسات الاقتصاديّة و إزالة مسؤوليّتها عن كاهلنا فحسب، حيث هناك أعمال أُخرى لا بدّ من القيام بها، فيجب تقوية القطاع الخاص، و يجب تعيين إدارةٍ صحيحةٍ له، و يجب الإشراف على نشاطاته لاجتناب استغلاله في أغراض و منافع شخصيّة من قبل البعض.
دائماً هناك نشاطاتٌ مشبوهةٌ يقوم بها البعض إلى جانب النشاطات النزيهة، و أنا بدَوري أُؤكّد على ضرورة متابعة المفاسد الاقتصاديّة، كما أكّدت على ذلك عدّة سنواتٍ. فعندما كنت أطرح هذه القضيّة في ذلك الحين، كان البعض يرَون أنّ هذا التأكيد من شأنه أن يزرع في نفوس الناشطين الاقتصاديّين الخشية من الخوض في المجال الاقتصاديّ، و يخبرونني أن سبب ذلك يعود إلى كثرة حديثي عن المفاسد الاقتصاديّة. لكنّني أخبرتهم أنّ القضيّة على العكس من ذلك، فتأكيدي هذا يعدّ حافزاً لهم. لأنّ الناشط الاقتصاديّ الذي يروم نيل رزقٍ حلالٍ و يقوم بأعمال تنسجم مع الضمير النزيه و أحكام الشرع، عليه أن يعرف أنّ السلطة - القضائيّة - تتصدّى لكلّ مَن يخالف القانون؛ و هذا الأمر بحدّ ذاته يعدّ حافزاً كبيراً له. نحن نُعارض كلّ مُفسدٍ، و نُعارض كلّ مَن يتسبّب في الإفساد، كما نُعارض كلّ مَن يستغلّ الأُمور و يسخّرها لمصالحه الشخصيّة. فالناشط الاقتصاديّ في الحقيقة يساعد بلاده عبر تسخير نفسه و فكره و ماله و ثروته، و من خلال إبداعه؛ لذا يجب ترغیبه و تشجیعه و تقديره، و بالفعل فإنّه يُرغّب إزاء ما يقوم به. إذن، مكافحة المفاسد الاقتصاديّة لا بدّ و أن يكون ركناً أساسيّاً في مجال العمل، فهو أمرٌ لا مناصّ منه.
و الحمد لله فإنّ جميع أو معظم الوزراء و المسؤولین الاقتصادیین فی الحکومة حاضرون في هذا الاجتماع. طیب، لقد استمعوا إلى كلام مَن تحدّث، حيث اطّلعوا على النقاط الإيجابيّة، و كذلك فإنّ المقترحات التي طُرحت تنمّ عن وجود نواقصٍ في هذا المضمار. و أنا بدَوري أرجوهم أن يُعيروا أهميّةً لما استمعوه و أن يتمعّنوا فيه بدقّةٍ؛ فلا يجدر بنا أن نستمع إلى شيءٍ في هذا الاجتماع و نمرّ عليه مرور الكرام. على أيّ حالٍ، السيّد توكّلي شكا من عدم ذكر الأمور السلبيّة؛ لکنها ذکرت، إذ عندما یطرحون اقتراحات بإنجاز کذا و کذا فمعنی ذلك أن هذه الأعمال لم تنجز مما یدل علی وجود بعض النواقص و المشاكل. و إذا جری الاهتمام بنفس هذه المقترحات و التدقيق فيها، فاعتقد أنها مقترحاتٌ جيّدةٌ و جديرةٌ بالبحث و التحليل.
الكلام في هذا المجال طويلٌ، لكنّني أكتفي هنا بذكر بعض التوصیات؛ حيث يتعلّق بعضها بالجهات الحکوميّة المسؤولة عن إدارة البلاد، و بعضها الآخر عامٌّ. أوّل أمرّ أُودّ الإشارة إليه يتعلّق بسياسات دعم القطاع الإنتاجيّ؛ إذ إنّ الإنتاج هو أساس الاقتصاد، فهو العمود الاقتصاديّ للبلد. و يجب التأكيد على مسألة دعم هذا القطاع في تطبيق برنامج ترشيد الدعم الحكوميّ و النشاطات العظيمة التي تبذلها الحكومة في هذا المضمار؛ و كما هو مصرّحٌ به في القانون، فإنّ النسبة المعيّنة هي 30 بالمائة. طبعاً في حديثٍ لي مع بعض مسؤولي الدولة، أعربوا لي عن اعتقادهم بأنّ نسبة 30 بالمائة لا حاجة لها، و كذلك فإنّ بعض الناشطين في المجال الإنتاجيّ أخبروني بعدم حاجتهم أيضاً، و طلبوا أن توكَل الأمور إليهم لكي يديروا شؤونهم بأنفسهم. طبعاً قد يكون هذا الأمر ممكناً في بعض المجالات، و لكنّ الإنتاج بطبيعة الحال يحتاج إلى دعمٍ و إسنادٍ من قِبل الجهات المختصّة. إنّ القطاع الإنتاجيّ يجب أن ينال حصّته، و لا سيّما بعض المؤسّسات التي تتضرّر من الحصار، إذ لدينا مؤسّساتٌ يتسبّب الحصار بتعرّضها للضرر بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ، لذا يجب العمل بما ذُكر.
لا شكّ في أنّ القطاع الخاصّ يتحمّل بعض الواجبات، مثل الاقتصاد في استهلاك الطاقة، و رفع مستوى الفائدة، و تحديث الآلات و المعدّات المستهلكة. فبعض مسؤولي الدولة قد شكَوا إليَّ من بعض أصحاب الصناعات و قالوا لي إنّهم لا يرغبون بتحديث آلاتهم و معدّاتهم القديمة ذات الاستهلاك العالي للطاقة و الكفاءة المتدنيّة؛ و حتّى عند تقديم حوافز ماليةٍ لهم، فإنّهم لا يستثمرونها في هذا المجال. إذن، يجب أن نعير أهميّةً لهذا الأمر، و من المؤكّد أنّ إشراف الحكومة في هذا المضمار ضروريٌّ جدّاً؛ أي يجب على الدولة أن تتولّى الإشراف على ذلك إلى جانب دعمها الذي تقدّمه. يجب أن تُمنح حوافز ماليّة بمستوى حصّة الإنتاج، و لكن يجب الحذر ممّن أشرت إليهم - أي ذوي المنافع الشخصيّة و الانتهازيّين - كي لا يستغلّوا هذه الحوافز الماليّة لأعمال أُخرى؛ الأمر الذي حصل و نحن على علمٍ به، حيث قُدّمت تقارير حول عدّة حالات من هذا القبيل. و لا بدّ من التصدّي بحزمٍ لهذه الأفعال لكي يتسنّى للمنتج النزيه الصادق الفعّال و الراغب بالإنتاج، أداء عمله.
و المسألة الأُخرى هي الاستيراد، حيث أُشيرَ إليها هنا قبل قليلٍ؛ و أنا أيضاً قد تحدّثت مع المسؤولين عن هذا الأمر مراراً. و بالطبع ليس هناك مَن يُخالف هذه المسألة، لکن من الضروريّ تنظيم الاستيراد و السيطرة عليه. مثلاً، مجرّد حاجة السوق المحليّة إلى بضاعةٍ ما و في موسمٍ ما، مثل ليلة العيد، لا يعدّ سبباً وجيهاً لرفع مستوى الاستيراد؛ فلا بدّ من الالتفات إلى قضيّة الإنتاج المحلّي في مجال الاستيراد. طبعاً يُقال إنّ مسألة الاستيراد ترفع من مستوى المنافسة في مجال الإنتاج المحلّي، إذ عند عدم وجود بضائع مستوردة فإنّ المنتج المحلّي لا يعير أهميّةً لجودة البضاعة و لا يكترث لسعرها، لذا فإنّ البضائع المستوردة تجبره على مراعاة ذلك. و لكن حسب اعتقادي، فإنّ هذا الأمر ليس تبريراً مناسباً، حيث ناقشنا ذلك مع بعض المسؤولين.
و أودّ الحديث عن القطاع الزراعيّ بالتحديد فيما يتعلّق بمسألة الاستيراد. فإنّي اعتقد أنّ استيراد المحاصيل الزراعيّة بحاجةٍ إلى مبرّراتٍ مقنعةٍ أكثر ممّا نلاحظه اليوم، لأنّنا نمتلك محاصيل زراعيّة ذات جودةٍ عاليةٍ. أحد السادة الحاضرين قدّم تقريراً في هذا الاجتماع حول محاصيل الفاكهة. فبلادنا في هذا المضمار تعتبر من البلدان التي لها الريادة عالميّاً من حيث جودة محاصيلها، و يجب علينا رفع مستوى إنتاجنا و تصدير محاصيلنا الزراعيّة من فاكهةٍ و غيرها كي يعرف العالم واقع هذه النعمة في إيران؛ فلا يجدر بنا أن نستورد من أمريكا الجنوبيّة أو من هنا و هناك بعض المحاصيل الموجودة في بلدنا، و التي هي في حقيقتها أدنى جودةً من محاصلينا بكثيرٍ. علی کل حال هذا ما أروم التأکید علیه بخصوص قضیة الاستیراد.
أمّا المسألة الأُخرى فهي التصدير، و بالطبع فإنّ الحكومة مكلّفةٌ بدعم التصدير و المصدِّر. و لحسن الحظّ، و حسب التقرير الذي قدّمه أحد السادة الحاضرين، فإنّ تصدير الموادّ غير النفطيّة قد شهِد نموّاً ملحوظاً؛ و سيشهد لاحقاً نموّاً تصاعديّاً، حيث نأمل أن يبلغ درجة النموّ التي تليق به مستقبلاً لكي تتوازن معادلة الاستيراد والتصدير بنحوٍ إيجابيٍّ. فيجب علينا أن نصل إلى هذه الدرجة حتّى نستغني عن عائدات تصدير النفط. فإحدى المشاكل العصيبة التي يعاني منها اقتصادنا، و الحقيقة ليس اقتصادنا فحسب بل إنّ بلدنا برمّته يعاني منها؛ هي اتّكاؤنا على عائدات تصدير النفط.
قبل عدّة سنواتٍ قلتُ إنّه يجب علينا أن نبلغ مستوىً نستطيع معه أن نوقف تصدير النفط مدّة خمسة عشر يوماً أو شهرٍ على سبيل المثال إذا ما اقتضت ذلك الظروف السياسيّة أو الاقتصاديّة العالميّة یوماً من الأیام، إلا أنّ مسؤولي الحكومة آنذاك لم يرحبوا بهذا الموضوع. لاحظوا ذلك بأنفسكم، فما أعظم القدرة التي يمكن أن يتمتّع بها بلدٌ منتجٌ للنفط عندما يبلغ هذا المستوى بحیث متى ما أراد يكون بإمكانه إيقاف تصدير النفط عشرين يوماً مثلاً؛ تصوّروا ما الذي سيطرأ على المستوى العالميّ حينها ؟! لكنّنا اليوم غير قادرين على ذلك، لأنّنا بحاجةٍ إلى عائدات النفط. فإذا أصبح اقتصادنا يوماً في غنىً عن عائدات النفط و لم يكن متّكئاً على مدخول تصديره، فسوف يكون تأثير شعبنا و حكومتنا الإسلاميّة على الساحة العالميّة عظيماً جدّاً؛ لذلك يجب علينا بلوغ هذا المستوى. طبعاً هذا الأمر بحاجةٍ إلى دعمٍ، أي يجب دعم قطّاع التصدير.
و من ناحيةٍ أُخرى، هناك واجباتٌ تقع على كاهل المتصدّين لأمر التصدير و المسؤولين عنه. البلدان التي أُشيرَ إلی إننا نصدّر إلیها تعکس علینا هنا سوء أداء بعض المصدرین. فلا يجدر تصدير بضائع رديئة و غير مرغوبةٍ أو تعلیبها بشكلٍ رديءٍ أو تأخير تسليمها. فالشركات الناجحة عالميّاً هي التي استمرّت في إنتاج بضاعةٍ ما مدّة قرنٍ أو قرنٍ و نصف و تمكّنت من الحفاظ على رضا زبائنها. أُفرضوا أنّ شركةً ألمانيّة أو سويسريّةً تقوم بإنتاج بضاعةٍ ما و تصدّرها إلى الخارج منذ مائةٍ و خمسين أو مئةٍ و ستّين عاماً، و لا زالت تحظى بزبائن في بلدنا و في بلدان أُخرى، فيا تُرى ما سبب ذلك؟ السبب يعود إلى رضا الزبائن عن هذه البضاعة، فهي تصلهم في الوقت المحدّد، كما أنّها جيّدةٌ بما فيه الكفاية و ذات ديمومةٍ، فضلاً عن جذّابيّتها، و هي في نفس الحين متنوّعة و متطوّرة طبق مقتضيات الزمان. إنّ المصدّر مكلّفٌ بمراعاة هذه الشروط، و ذلك بحاجةٍ إلى تثقيفٍ؛ تثقيفٌ في مجال إتقان العمل في المنتَج المخصّص للتصدير إلى خارج حدود البلاد.
أمّا مسألة مكافحة الفساد الاقتصاديّ، فهي الأُخرى ذات أهميّةٍ بالغةٍ. للأسف الشديد فإنّ المفسد الاقتصاديّ قادرٌ على تثبيت نفسه في مركزٍ حكوميٍّ، أي أنّه يجد مَن يُساعده على ذلك و يستجيب له، و بالتالي يتمكّن من النهب. إذ لو لم يكن هناك مَن يساعده من الداخل فهو غير قادرٍ على ارتكاب مفاسد اقتصاديّةٍ. لذا فإنّ المسؤولين الحکومیین يجب أن يكونوا حذرين جدّاً لاجتناب حصول أيّ فسادٍ اقتصاديٍّ و عليهم الحيلولة دون تغلغله في مؤسّسات الدولة. على سبيل المثال، في مجال تربية المواشي و الحيوانات الداجنة ببلادنا، لو شاهدتم حالةً تدلّ على مرضٍ معيّنٍ ساد في حقل دواجنٍ، فسوف لن تتوانوا في التصدّي له؛ لأنکم تعلمون أنکم إذا تماهلتم فإنّ الخسائر لن تنحصر في هذا الحقل الذي يضمّ بضعة آلافٍ من الدجاج، بل إن نطاقها سيتسع؛ لذا سوف تقضون علی الداء و تبیدونه دون أی تردد أو ملاحظات. هكذا هو الفساد، فإذا شعرتم و شاهدتم وجود فسادٍ في مؤسّسات الدولة، يُفترض بكم أن لا تتماهلوا في التصدّي له، و كلامي هذا موجّهٌ إلى مسؤولي الدولة. و إذا تماهلتم فإن الداء يسري بسرعةٍ فائقةٍ، كونه وباءٌ سريع الانتشار و العدون. إنّ داء الفساد الاقتصاديّ هو أحد الأمراض المعدية التي تسري بسرعةٍ، ممّا يُحتّم علينا عدم الغفلة عنه.
و من القضايا الضروريّة للغاية قضيّة طرح برنامجٍ شاملٍ لتنمية القطاع التعاونيّ، و نحن اعتمدنا على المادّة 44 من الدستور في قضيّة التعاونيّات، الأمر الذي لا بدّ من إجرائه، لأنّنا بحاجةٍ إلى برنامجٍ شاملٍ في هذا المجال. و قبل وهلةٍ فإنّ أحد السادة الحاضرين تحدث عن حصول النقابات و الاتحادات نفسها علی مساعدات مصرفيّة، و ما إلى ذلك، هذا ممکن تماماً في ظلّ التعاون؛ أي إنّ أفضل سبيلٍ لنيل ذلك هو تأسيس تعاونيّات.. تعاونیات مناسبةً و معقولةً و قانونيّةً و نزيهةً و قويّةً. ففي هذه الحالة سيتسنّى لها الحصول على مساعدات ماليّة و استثمارها، و هذا الأمر ممكنٌ.
و هناك مسألةٌ أساسيّةٌ أُخرى، ألا و هي ضرورة اهتمامنا الجادّ بإتاحة فرص الاستثمار للقطاع الخاصّ في بلادنا. فجميع الناشطين في القطاع الخاصّ لا بدّ و أن يكونوا على علمٍ بفُرص الاستثمار، أين هي و ما هي، إذ لا يجدر احتكارها. إنّ اقتصار المعلومات - الخاصّة بالاستثمار - بفئةٍ معينّةٍ دون غيرها یؤدي إلى احتكارها بشكلٍ مثيرٍ للدهشة، الأمر الذي يؤدّي أحياناً إلى اكتساب بعض الانتهازيّين ثروةً طائلةً في فترةٍ وجیزة جداً، و ذلك لعلمهم بنوع البضاعة التي ستعرض و البضاعة التي ستنتج و تلك التي سيتمّ منعها، و التي سیرتفع ثمنها أو ینخفض، فضلاً عن اطّلاعهم على القوانين التي ستتمّ المصادقة علیها. فالذين هم على علمٍ بهذه الأُمور ينتهزون الفُرص المتاحة، لذلك يجب أن يكون الإعلان عنها عامّاً و واضحاً. و من الجدير بالذكر أنّ هذه المسألة قد طُرحت في الدورات الرئاسيّة السابقة، و كذلك فقد تمّ في الدورتين الرئاسيّتين التاسعة و العاشرة اتّخاذ بعض الإجراءات في هذا المضمار، لكنّها ليست كافيةً؛ و يجب بذل جهودٍ أكثر.
طيّب، لقد دوَّنتُ ملاحظاتٍ أُخرى هنا لكنّني لا أتطرّق لها لاقتراب وقت الأذان. أرجو إن شاء الله تعالى أن يكون هذا الاجتماع دافعاً لمحبّي الوطن و الشعب و الجمهوريّة الإسلاميّة و مستقبل الشعب، لأن يزاولوا نشاطاتهم في المجال الاقتصاديّ بجديّةٍ أكثر؛ و أرجو أن يُضاعفوا نشاطهم الواعي الهادف بإذنه تعالى. و شعار (الهمّة المضاعفة و العمل المضاعف) الذي رفعناه في العام الماضي، يجب أن يجري الاهتمام به هذا العام أیضاً إلی جانب مسألة (الجهاد الاقتصاديّ). إن شاء الله تعالى سيبذل الجميع جهوداً و سينجزون أعمالاً، و مستقبل البلاد مشرق. فالقدرات و الإمکانیات التي تتمتّع بها بلادنا عظيمةٌ و لا نظير لها؛ و الحمد لله وطننا مليءٌ بالقلوب الطيّبة و المؤمنين الأوفياء و الهِمم العالية و الأيادي الماهرة و العيون البصيرة. شأن هذا البلد أعلی بكثيرٍ من تصنيفه في عِداد بلدان الدرجة الثانية عالميّاً، و لا بدّ أن يكون في مصافّ البلدان و الأُمَم المتطوّرة، ذلك ما تملیه علینا سابقتنا التاريخيّة و تراثنا الثقافيّ و طاقاتنا الشعبيّة و إمکانیاتنا الطبيعيّة. يجب علينا أن نسير بهذه الصورة و بإذن الله تعالى نصل إلى هذه الدرجة، و سنصل علی أمل الله.
و السلام عليكم و رحمة الله.