بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین، و الصلاة و السلام على سید المرسلین و سید الخلق أجمعین سیدنا و نبینا أبي القاسم المصطفي محمد، و على آله الطیبین، و صحبه المنتجبین، و من تبعهم بإحسان إلى یوم الدین.
أرحب بکم جمیعاً أیها الضیوف الأعزاء و الشباب الأعزاء حملة البشائر الکبرى لمستقبل الأمة الإسلامیة. کل واحد منکم یحمل بشارة کبیرة. حینما یستیقظ الشباب في بلد من البلدان یتضاعف الأمل بالصحوة العامة في ذلك البلد. و الیوم فإن شبابنا في کل أرجاء العالم الإسلامي قد استیقظوا. کل هذه الشراك منصوبة أمام شبابنا، لکن الشباب المسلم الغیور ذي الهمّة العالیة خلّص نفسه من هذه القیود. لاحظوا ما الذي حدث في تونس، و في مصر، في لیبیا، و في الیمن، و في البحرین، و أیة حرکة انطلقت في بقیة البلدان الإسلامیة. کل هذه بشائر.
ما أقوله لکم أیها الشباب الأعزاء و یا أبنائي هو أن تعلموا أن تاریخ العالم و تاریخ البشریة الیوم یسیر في منعطف تاریخي کبیر. عصر جدید راح یبدأ في العالم کله. و العلامة الکبرى و الواضحة لهذا العصر عبارة عن التوجّه إلى الله تعالى، و الاستمداد من القدرة الإلهیة التي لا تزول، و الاعتماد على الوحي. لقد تجاوزت البشریة المدارس و الإیدیولوجیات المادیة. لا المارکسیة لها الیوم جاذبیة تذکر، و لا اللیبرالیة الدیمقراطیة في الغرب لها مثل هذه الجاذبیة – و تلاحظون ما الذي یحدث في مهد اللیبرالیة الدیمقراطیة الغربیة، في أمریکا و أوربا، حیث یعترفون بالهزیمة – و لا القومیة العلمانیة لها جاذبیة. الجاذبیة الأشدّ بین الأمة الإسلامیة في الوقت الراهن هي للإسلام و للقرآن و لمدرسة الوحی، و قد وعد الله تعالى أن بوسع المدرسة الإلهیة و الوحي الإلهي و الإسلام العزیز أن یُسعد البشر. هذه ظاهرة جد مبارکة و على جانب کبیر من الأهمیة و ذات معنى و مغزى عمیق.
لقد قامت الیوم ثورات في البلدان الإسلامیة ضد الدکتاتوریات العمیلة، و هذه مقدمة للثورة على الدکتاتوریة العالمیة و الدکتاتوریة الدولیة، و هي دکتاتوریة الشبکة الفاسدة الخبیثة للصهیونیة و القوى الاستکباریة. الاستبداد الدولي و الدکتاتوریة الدولیة في الوقت الحاضر متجسدة في دکتاتوریة أمریکا و أتباع أمریکا و الشبکة الصهیونیة الشیطانیة الخطیرة. هؤلاء الیوم یمارسون الدکتاتوریة بأسالیب مختلفة و بأدوات متنوعة في کل أنحاء العالم. ما قمتم به في مصر، و في تونس، و في لیبیا، و تقومون به في الیمن، و تقومون به في البحرین، و ظهرت محفزاته بدرجات شدیدة في بلدان أخری، هو جزء من الکفاح ضد هذه الدکتاتوریة الخطیرة المضرّة التي تمارس ضغطها على البشریة منذ قرنین من الزمان. هذا المنعطف التاریخي الذي ذکرتُه عبارة عن التحوّل من سیطرة عدة دکتاتوریات إلى حریة الشعوب و سیادة القیم المعنویة و الإلهیة. هذا ما سوف یحدث و لا تستبعدوا ذلك.
الوعد الإلهی: «و لینصرنّ الله من ینصره» (1) یؤکد فیه الله تعالى على أنکم إذا نصرتموه فسوف ینصرکم. قد یبدو الأمر بعیداً في النظرة العادیة القائمة على الحسابات المادیة، لکن کثیراً من الأشیاء کانت تبدو بعیدة و حدثت. قبل سنة و شهرین أو ثلاثة أشهر هل کنتم تتصورون أن یصیر طاغوت مصر إلى مثل هذه الذلة و یُقضى علیه؟ لو قیل یومذاك للبعض إن نظام مبارك العمیل الفاسد سوف یسقط لاستبعد ذلك الکثیرون، لکن ذلك حدث. لو ادعى أحد قبل سنتین أن هذه الأحداث العجیبة سوف تقع في شمال أفریقیا لما صدّق الناس ذلك في الغالب. لو قال قائل إن في بلد مثل لبنان ستستطیع جماعة شابة مؤمنة هزیمة الکیان الصهیوني و الجیش الصهیوني المدجّج بالسلاح، لما صدّق ذلك أحد. لکن هذه الأحداث وقعت. لو قال قائل إن نظام الجمهوریة الإسلامیة بکل هذا العداء الذي ینصب له من الشرق و الغرب، سیستطیع المقاومة 32 عاماً و یتقوّى یوماً بعد یوم، و یتقدم إلى الأمام، لما صدّق ذلك أحد. لکنه حدث. «وعدکم الله مغانم کثیرة تأخذونها فعجّل لکم هذه و کفّ أیدي الناس عنکم و لتکون آیة للمؤمنین و یهدیکم صراطاً مستقیماً». (2) هذه الانتصارات آیة إلهیة. إنها علامات قدرة الله الفائقة التي یظهرها الله تعالى لنا. عندما تنزل الجماهیر إلى الساحة، و حینما نأخذ ما نملکه إلى الساحة فستکون النصرة الإلهیة قطعیة أکیدة. و قد دلنا الله تعالى على الطریق.. «و الذین جاهدوا فینا لنهدینهم سبلنا». (3) الله یهدي و یعین و یأخذ بالأیدي إلى الأهداف العلیا، شریطة أن نکون متواجدین في الساحة.
ما حدث حتى الیوم کان کبیراً جداً. حکم الغربیون الأمة الإسلامیة مائتي عام بفضل تقدمهم العلمي و احتلوا البلدان الإسلامیة. احتلوا بعضها مباشرة و احتلوا بعضها الآخر بشکل غیر مباشر و بمعونة دکتاتوریین محلیین. بریطانیا و فرنسا و بالتالي أمریکا – و هي الشیطان الأکبر – هیمنت على الأمة الإسلامیة. و أذلوا الأمة الإسلامیة ما استطاعوا، و زرعوا الغدة السرطانیة الصهیونیة في قلب الشرق الأوسط في هذه المنطقة الحساسة، و عملوا على تقویتها في کل المجالات، و کانوا واثقین من أن مقاصدهم و سیاساتهم في هذه المنطقة المهمة جداً من العالم قد تأمّنت. لکن الهمّة الإیمانیة و الهمّة الإسلامیة و التواجد و المشارکة الشعبیة بدّدت کل هذه الأحلام الباطلة، و أوقفت کل هذه الأهداف.
الکفاح کفاح الهمم و العزائم و الإرادات. أي جانب تکون إرادته أقوى یکون هو الغالب. الشخص الذي یعتمد قلبه على الله تعالى هو الغالب. «إن ینصرکم الله فلا غالب لکم». (4) إذا ظفرتم بالنصرة الإلهیة فلن یتغلب علیکم أحد، و سوف تتقدمون و تظفرون. إننا نرید أن تکون الشعوب المسلمة التي تشکل الأمة الإسلامیة الکبرى حرّة مستقلة عزیزة غیر ذلیلة تدیر حیاتها بالأحکام الإسلامیة التقدمیة السامیة، و الإسلام قادر على ذلك. لقد أبقونا طوال سنین متمادیة متخلفین من الناحیة العلمیة، و قد سحقوا ثقافتنا، و قضوا على استقلالنا. لقد استیقظنا الیوم و سوف نقتحم میادین العلم الواحد تلو الآخر.
حینما تأسست الجمهوریة الإسلامیة قبل ثلاثین عاماً کان الأعداء یقولون إن الثورة الإسلامیة قد انتصرت لکنها لا تستطیع إدارة میادین الحیاة الواحد تلو الآخر، و سوف تتراجع إلى الوراء. و الیوم فإن شبابنا استطاعوا ببرکة الإسلام إنجاز مهمات کبیرة في المضمار العلمي، مهمّات لم تکن في الماضي لتخطر حتى ببالهم هم أنفسهم. و الیوم بفضل التوکل على الله تعالى ینجز الشباب الإیرانیون أعمالاً علمیة کبیرة، فهم یخصّبون الیورانیوم، و ینتجون الخلایا الجذعیة و ینمّونها، و قد قطعوا خطوات واسعة في تقنیات الأحیاء، و اقتحموا الفضاء، و هذا کله بفضل التوکل على الله تعالى و بشعار «الله أکبر». (5)
یجب أن لا نستهین بقدراتنا. من أکبر الآفات التي أدخلتها الثقافة الغربیة إلى بلداننا الإسلامیة تصوران خاطئان و منحرفان أحدهما بث فکرة عجز الشعوب المسلمة، حیث یقولون إنکم لا تستطیعون فعل شيء، لا في میدان السیاسة، و لا في مضمار الاقتصاد، و لا على مستوى العلم.. قالوا: إنکم ضعفاء. و لقد بقینا نحن البلدان الإسلامیة على هذه القناعة الخاطئة عشرات الأعوام و بقینا متخلفین. الفکرة الثانیة التي بثوها فینا هي لانهائیة قوة أعدائنا و عدم قابلیتها للهزیمة. أفهمونا أن أمریکا لا یمکن أن تهزم، و لا یمکن فرض التراجع على الغرب، و لا سبیل لنا سوى أن نتحمّلهم.
و قد بان للشعوب المسلمة الیوم عیاناً أن هاتین الفکرتین خطأ في خطأ. الشعوب المسلمة بمستطاعها أن تتقدم و بمقدورها تجدید المجد و العظمة الإسلامیة التي کانت ذات یوم في ذروة الفخر و على قمة التألق العلمي و السیاسي و الاجتماعی، و العدو مضطر للتراجع في میادین عدیدة.
هذا القرن هو قرن الإسلام. هذا القرن قرن المعنویة. الإسلام یُهدي العقلانیة و المعنویة و العدالة مع بعضها للشعوب. إسلام العقلانیة و إسلام العقلانیة، إسلام التدبّر و التفکر، إسلام المعنویة، إسلام التوجّه إلى الله تعالى و التوکل علیه، إسلام الجهاد، إسلام العمل، إسلام الإقدام و المبادرة.. هذه هي تعالیم الله تعالى و الإسلام لنا.
المهم الیوم هو أن العدو یعمل على التخطیط و التآمر مقابل الضربة التي تلقاها بدرجات مختلفة في مصر و تونس و لیبیا و بقیة بلدان المنطقة. یجب التنبّه لمؤامرات الأعداء. یجب الحذر من أن یختطفوا ثورات الشعوب منهم أو أن یحرفوا الدروب. استفیدوا من تجارب الآخرین. یمارس العدو الکثیر من الأعمال لأجل حرف الثورات و لأجل أن یحبط التحرکات، و لکي یجهض الجهاد و الدماء المسفوکة.. یجب المراقبة و الیقظة و الحذر. أنتم الشباب الداینمو المحرّك لهذه الحرکات فکونوا یقظین واعین.
لدینا الکثیر من التجارب على مدى 32 عاماً. واجهنا ألوان العداء طوال 32 عاماً، و قد صمدنا و تغلبنا على العدوان. (6) ما من مؤامرة کان بوسع الغرب و أمریکا أن یقوموا بها ضد الجمهوریة الإسلامیة و لم یفعلوها. أي عمل لم یقوموا به لم یکن بوسعهم القیام به. و کل ما استطاعوا أن یفعلوه فعلوه، و قد تلقوا الضربات و الصفعات و هزموا في کل المراحل و الأطوار. (7) و کذلك سیکون الحال بعد الآن أیضاً. سوف یهزمون بعد الآن أیضاً في کل مؤامراتهم ضد الجمهوریة الإسلامیة. هذا هو الوعد الوعد الإلهي لنا و لا نرتاب فیه.
إننا لا نتردد في صدق الوعود الإلهیة. إننا لا نسیئ الظن بالله تعالی. الله سبحانه یلوم الذین یسیئون الظن به «و یعذّب المنافقین و المنافقات و المشرکین و المشرکات الظانین بالله ظن السوء علیهم دائرة السوء و غضب الله علیهم و لعنهم و أعدّ لهم جهنم و ساءت مصیراً». (8) وعد الله تعالى وعد صادق. لأننا في داخل الساحة و في میدان الکفاح – و الشعب الإیراني أخذ کل إمکانیاته و قدراته و طاقاته للساحة – فالنصرة الإلهیة أکیدة قاطعة. و کذا الحال في کل البلدان الأخری. و لکن یجب أن نکون یقظین. کلنا یجب أن نکون یقظین. کلنا یجب أن نتنبّه لمکائد الأعداء. یحاول العدو إحباط الحرکات و الأنشطة و إجهاضها و زرع الخلافات.  
النهضة الإسلامیة في العالم الإسلامي الیوم لا تعرف شیعة و سنة، و لا تعرف شافعیاً و حنفیاً و جعفریاً و مالکیاً و حنبلیاً، و لا تعرف عرباً و فرساً و قومیات أخری. فالکل في هذه الساحة العظیمة. لنحاول أن لا یبث العدو التفرقة بیننا. لنشعر کلنا بالأخوة و لنعیّن الهدف. الهدف هو الإسلام.. الهدف هو الحکومة القرآنیة و الإسلامیة. طبعاً ثمة بین البلدان الإسلامیة مشترکات و ثمة بینها فوارق. ما من نموذج واحد لکل البلدان الإسلامیة . الظروف الجغرافیة و التاریخیة و الاجتماعیة مختلفة في البلدان المختلفة. و لکن ثمة أیضاً أصولاً مشترکة فکلنا أعداء للاستکبار، و کلنا نعارض الهیمنة و السیطرة الغربیة الخبیثة، و کلنا نعارض وجود الغدة السرطانیة الإسرائیلیة. (9)
أین ما یکون ثمة شعور بأن عملاً ما یقام به لصالح إسرائیل و لصالح أمریکا هناك ینبغي أن نکون یقظین و نعلم أن هذا التحرك تحرك أجنبي و غریب، و لیس تحرکاً ذاتیاً أصیلاً. و حینما یکون التحرك تحرکاً إسلامیاً و مناهضاً للصهیونیة و الاستکبار و الاستبداد و الفساد فهو تحرك صحیح.. هناك سیکون الجمیع مع بعضهم و من بعضهم و لا فرق في أن نکون شیعة أو سنة أو من هذا البلد أو ذاك. علینا جمیعاً أن نفکر بطریقة واحدة.
لاحظوا أن جمیع الأجهزة الإعلامیة في العالم الیوم – و هذا مثال بسیط و قائم أمام الأنظار – تحاول عزل الشعب البحریني و الحرکة في البحرین. فما سبب هذا الذي یقومون به؟ لأنه القضیة قضیة شیعة و سنة. یریدون زرع الخلافات و رسم الخطوط و الفواصل و الفوارق. لا فرق بین المسلمین و المؤمنین من هذا المذهب الإسلامي و ذاك المذهب الإسلامی، فالوجه المشترك بینهم جمیعاً هو الإسلام. الوجه المشترك بین الجمیع هو الأمة الإسلامیة. وحدة الأمة الإسلامیة. (10) رمز الانتصار و استمرار الحرکة هو التوکل على الله، و حسن الظن بالله، و الاعتماد علیه تعالى، و حفظ الوحدة و التلاحم.
یا أعزائي و یا أبنائي، إحذروا من أن یوقف العدو حرکتکم. الله تعالى یخاطب رسوله في موضعین من القرآن الكريم فیقول: «فاستقم کما أمرت». (11) «و استقم کما أمرت». (12) و الاستقامة هي الصمود و المواصلة و متابعة الطریق و عدم التوقف.. هذا هو سرّ العمل.
یجب أن نسیر إلى الأمام. هذه الحرکة حرکة ناجحة لأن لها آفاقاً مشرقة. الآفاق مشرقة وضّاءة. المستقبل مستقبل مشرق جداً. سیأتي الیوم الذي تصل فیه الأمة الإسلامیة بحول الله و قوته إلى ذروة الاقتدار و الاستقلال. (13) و تنضوي الشعوب المسلمة إلى جانب حفظ خصوصیاتها و تمایزاتها تحت مظلة واحدة هي مظلة الدعوة إلى الله و إلى الإسلام، و یکون الجمیع مع بعضهم. و عندئذ سوف تکتسب الأمة الإسلامیة عزتها.
لدینا في بلداننا مصادر جوفیة و مناطق استراتیجیة و ثروات و خیرات طبیعیة جمّة و لدینا شخصیات ممتازة و طاقات بشریة متقدمة و موهوبة. یجب أن نعقد الهمم، و سوف یبارك الله تعالى في هذه الهمم. أقول لکم أیها الشباب إن المستقبل لکم، و إنکم أیها الشباب سترون بحول الله و قوته و بإذنه ذلك الیوم، و سوف تسلمون إن شاء الله مفاخرکم و أمجادکم للأجیال التي تلیکم.
و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته.‌

الهوامش:
1 – سورة الحج، الآیة 40 .
2 – سورة الفتح، الآیة 20 .
3 – سورة العنکبوت، الآیة 69 .
4 – سورة آل عمران، الآیة 160 .
5 – ارتفاع نداءات التکبیر من قبل حشود الحاضرین.
6 – ارتفاع نداءات التکبیر و شعارات «لبیك یا خامنئي» من الحضور.
7 – شعارات «الموت لأمریکا».
8 – سورة الفتح، الآیة 6 .
9 – شعارات الحضور: «الموت لإسرائیل».
10 – ارتفاعات نداءات التکبیر و شعارات «وحدة وحدة إسلامیة».
11 – سورة هود، الآیة 112 .
12 – سورة الشوری، الآیة 15 .
16 – شعارات الحضور: «هیهات منّا الذلة».

+الملف الصوتي للکلمات التي ألقاها ضیوف المؤتمر العالمي للشباب والصحوة الإسلامیة بحضور الإمام الخامنئي