بسم الله الرحمن الرحیم
أرحب بجمیع الإخوة و الأخوات الأعزاء، و قد تجشّمتم عناء السفر و قطعتم هذا الطریق الطویل فی هذا الجوّ البارد من تبریز و بعض المدن الأخری من إقلیم آذربایجان، و جعلتم أجواء حسینیتنا بحضورکم الیوم أجواء معنویة ملکوتیة عاطفیة، و أشکرکم شکراً جزیلاً. التاسع و العشرون من بهمن یذکّرنی کل سنة بذکری طیبة و محبّبة هی أننی ألتقی فی هذا المکان المحدود بجماعة من أعزائی و الشباب الأعزاء و الرجال الأبطال الغیاری من إقلیم آذربایجان، فهذا اللقاء طیّب و محبّذ عندی کثیراً. أسأل الله تعالی أن یضاعف یوماً بعد یوم من فضله و هدایته و معوناته علیکم أیها الأهالی الأعزاء، و سترون إن شاء الله مستقبلاً أکثر إشراقاً و حلاوة و جودة فی أرض إیران العزیزة.
الشیء الذی تعلمنا أیاه الدروس و العبر المتنوعة للثورة و نظام الجمهوریة الإسلامیة هو أفکار و قضایا باقیة لا تنسی تهدی شعبنا و مسؤولینا و تهدیکم أنتم أیها الأعزاء و خصوصاً الشباب خطوة خطوة نحو القمم السامقة. هذا ما تقوله العبر التی مررنا بها، و تجاربنا و مشاهداتنا، و لیس معلوماتنا فقط، بل ما نشاهده بأعیننا یدلنا علی هذه الحقیقة. من نماذج ذلک و هو نموذج أری من الضروری أن أذکره هو المظاهرات الهائلة للشعب الإیرانی فی الثانی و العشرین من بهمن هذه السنة. الکل قالوا إن الحشود کانت هذا العام أکثر من الأعوام الماضیة و أشد حماساً و أکثر حیویة و فرحاً. لماذا؟ هذه لیست أخبار شخص و شخصین، فقد کان الأمر کذلک فی طهران و فی المدن و فی تبریز و فی إصفهان و فی مشهد و باقی المدن الکبیرة التی وصلتنا الأخبار منها. و السؤال هو لماذا؟ ما الذی حصل هذه السنة حتی شارک الشعب بحرارة أکبر و انجذاب أشد و شوق أوفر و حماس أعظم من السنوات الماضیة فی هذه الساحة الشعبیة العظیمة؟ الإجابة عن هذا السؤال فیه عبرة و درس لنا. الإجابة هی أن الشعب الإیرانی شعر هذا العام أن بلاده و نظامه و إسلامه العزیز بحاجة لهذه المشارکة.
هناک جبهة العدو العنود الشریر الذی یمتلک کل أجهزة الاتصالات فی العالم و یقبض علی وسائل الإعلام فی الدنیا، و الکثیر من الساسة فی العالم الغربی هم ممن نصّبتهم هذه الجبهة الشریرة، أی جبهة الرأسمالیین و أصحاب الکارتلات و الشرکات الکبری، و الرأسمالیین مصّاصی الدماء و الصهاینة، و الشبکة الصهیونیة العالمیة التی تمتلک معظم وسائل الإعلام فی العالم و الوسائل الإعلامیة فوق المتطوّرة العصریة مثل قنوات التلفزة و فوق کل ذلک شبکات الانترنت. هذه الجبهة و منذ فترة طویلة و منذ شهور رکزت إعلامها علی أن الشعب الإیرانی قد ضعف ارتباطه بالنظام و بالإسلام و الأهداف المعلنة. بثوا هذه الأقاویل فی إعلامهم باستمرار و شدّدوا الهجمات من أبواقهم الإعلامیة حتی یقنعوا شعبنا العزیز بهذه الکذبة الکبیرة. فما هو الهدف من کل ذلک؟ الهدف هو إضعاف عزیمة الشعب الإیرانی الشجاع المؤمن الذی خرج مرفوع الرأس من الامتحانات الصعبة الکبری. و إذا ضعف الشعب و تراخی أضحت البلاد هشّة بلا دفاع. و حینما لا یکون الشعب فی الساحة سیبقی المسؤولون لوحدهم. ما من مجموعة سیاسیة فی العالم تستطیع أن تعمل و تتقدم من دون رصید شعوبها. هذا هو غرضهم. و قد شدّدوا خصوصاً علی الثانی و العشرین من بهمن، و استخدموا مختلف الحیل الإعلامیة عسی أن یستطیعوا إخلاء هذه الساحة و إطفاءها و تقلیل رونقها، لکن الشعب أدرک هذا. ما یدعو الإنسان إلی الإعجاب و الانبهار، و ما یجعل المرء صغیراً مقابل عظمة هذا الشعب فیدرک کم هو کبیر و عظیم هذا الشعب، هو بصیرة الشعب الإیرانی و معرفته بالظروف. (1)
هذه البصیرة المنقطعة النظیر، و هذه المعرفة بالظروف تثیر إعجاب الإنسان. و هذا هو ما یصون الشعب و یحفظه. لقد أدرک الشعب الإیرانی أن العدو یحمل الیوم هذا الهدف، فصفع العدو علی فمه من خلال ما قام به عملیاً، أی أحبط إعلام العدو بمشارکته و حضوره. الناشئة و الشباب و الشیوخ و المقعدون و النساء و الرجال حضروا فی الساحة فی کل أنحاء البلاد. حسب التقریر الذی زوّدونی به - و هو تقریر موثق - فقد خرجت المظاهرات بهذا الشکل الواسع فی ما لا یقل عن ثمانمائة و خمسین مدینة فی البلاد، و التلفزة غیر قادرة علی عرض کل هذا. هذا هو الشعب الإیرانی و هذه هی بصیرته، و هذه هی معرفته للظروف و مشارکته فی الساحة. هذا الشعب سوف لن یُهزم. الذین یجب أن یستلموا الرسالة استلموها. الذین ینسجون فی أدمغتهم المخمورة المعیوبة أخیلة للشعب الإیرانی أدرکوا ما الذی یجری فی إیران. طبعاً حاولوا فی الإعلام أن یمنعوا انعکاس هذه الحقیقة، لکن الذی یجب أن یفهم الأمر فهمه. الأجهزة المخابراتیة لأعدائنا و مخططو السیاسات الأصلیة فی البلدان المعارضة للجمهوریة الإسلامیة فهمت أن الشعب الإیرانی البطل متواجد فی الساحة هکذا. طبعاً حاولوا أن یمنعوا الرأی العام العالمی من الاطلاع علی هذه الحقیقة. و هذا بحد ذاته مما یفضحهم. هؤلاء هم أنفسهم المتشدّقون بحریة الاتصالات و الأخبار و المعلومات، و یزعمون أننا لا نعتم علی الخبر و لا نتکتم علیه و لا نحذف منه. و لو کانوا لا یحذفون منه لما قالوا عن هذه الحشود التی بلغت عشرات الملایین فی المظاهرات فی کل أنحاء البلاد بأنها فی طهران آلاف الأشخاص! هل هؤلاء آلاف الأشخاص؟! الحشود الملیونیة المتواجدة فی الساحة فی الثانی و العشرین من بهمن فی طهران هل کانوا آلاف الأشخاص؟! قالوا إن المتظاهرین فی کل أنحاء إیران هم مئات الألوف! هل کان هؤلاء مئات الألوف؟! فی کل واحدة من المدن الکبری فی البلاد اجتمع مئات الألوف، و حضر عشرات الملایین من الناس فی الساحة. هکذا هو الإعلام. و لم تکن قلیلة حالات الکذب و الغشّ و الخداع و التزویر الحقیرة التی شهدناها من الأعداء. کان الوضع هکذا منذ بدایة الثورة و إلی الیوم. و سیبقی هکذا، لکن أهدافهم لن تتحقق.
حینما تخرج الرسالة الصادقة لشعب من أعماق قلبه فسوف تفعل فعلها. قلنا مراراً إن الشعور بالتواجد و المشارکة و الشعور الثوری و الشعور بالحرکة بعزیمة راسخة أشبه بنسیم ربیعی طیب سوف یسری فی کل مکان، و سوف ینتفع منه الجمیع رویداً رویداً. و نشاهد نموذج ذلک فی شمال أفریقیا و فی کل البلدان العربیة و فی کل العالم الإسلامی، و فی قلب کل مسلم صاحب فکر و وعی فی الأقلیات - فی البلدان التی یشکل فیها المسلمون الأقلیة - و فی البلدان الإسلامیة، حیث تشعر کل القلوب طوال هذه الأعوام المتمادیة تدریجیاً بالهویة و الشخصیة. لقد وصل الإسلام فی مسیرته العظیمة إلی نقطة حساسة. و الأجیال القادمة سوف تشهد الکثیر من الأشیاء الکبری و المهمة، و سوف یتغیر العالم تغیراً جذریاً. سوف تضمحل تدریجیاً هذه السیاسات المادیة الاستکباریة المهیمنة التی قیّدت الشعوب و کبّلتها، و سوف تذوب و تنتهی. هذا هو مستقبل العالم. أعزائی، أیها الشباب، أیها الرجال و النساء الغیاری من تبریز و آذربایجان، النقطة الرئیسیة تکمن فی هذا الصمود. لماذا نحیی التاسع و العشرین من بهمن کل عام؟ لیست المسألة أننا نرید التوقف فی الماضی. الکثیر من الحشد الموجود هنا و الکثیر من شباب آذربایجان و مدینة تبریز لم یشهدوا ذلک الیوم، و لم یکونوا قد ولدوا حینذاک، لکنهم یحیوونه. هذا لیس مراوحة فی الماضی، إنما هو تأشیر علی المسار الصحیح للحرکة نحو المستقبل.
و أما تبریز و آذربایجان. قلنا کراراً إن أهالی آذربایجان و خصوصاً أهالی تبریز و الکثیر من المدن الأخری فی آذربایجان کانوا منذ أکثر من مائة عام فی الخطوط الأمامیة لأهم الأحداث و التطورات الإیجابیة فی البلاد، و قد مارسوا دورهم فیها. من تحریم التنباک حیث نزل إلی الساحة المرحوم الحاج میرزا جواد مجتهد التبریزی، و إلی نهضة الدستور - سواء نهضة الدستور الأولی، أو الذی حدث بعد الاستبداد الصغیر - کانت آذربایجان و مدینة تبریز مرکزاً لتفجر النضال. الأبطال المشاهیر من تبریز کانوا یحملون فی جیوبهم رسائل و أحکام کبار العلماء، و یستشهدون بها و یستندون علیها، و یصرحون بها، و هم من أمثال ستار خان و باقر خان. هذا ما عدا العلماء الکبار الذین شارکوا فی هذه النهضة. حتی أمثال هؤلاء الأبطال و الجنود البسلاء من آذربایجان کانوا یصرّحون أنهم تابعون لعلماء الدین و لأحکام مراجع التقلید. هذا ما تقوله لنا الوثائق و المستندات الأکیدة المتبقیة عن ذلک العهد. لم تکن تلک الحرکة تلقائیة من دون اتجاه، بل کانت حرکة دینیة منبعثة من مشاعر الغیرة و الحمیّة الدینیة. الجمیع کانوا متدینین فی کل أرجاء البلاد، لکن فی بعض المناطق و بسبب الخصال المحلیة - من غیرة و حمیّة و شجاعة و رجولة - برزت هذه الحرکة الدینیة أکثر و أوضح. و هکذا کانت تبریز و آذربایجان.
و هکذا کان الوضع بعد أن انطلقت النهضة الإسلامیة فی الخامس عشر من خرداد سنة 42 . فقد سجن هناک علماء الدین و نفوا و نقلوا إلی سجون طهران. کان الوضع علی هذه الشاکلة طوال تلک الأعوام. و فی بدایة الثورة کان یوم التاسع و العشرون من بهمن یوماً مشهوداً و علامة فی هذا الطریق العظیم لمسیرة الشعب الإیرانی. لقد قلت دوماً و لا أرید التکرار بأنه لو لا التاسع و العشرون من بهمن لما کانت هناک ضمانة علی أن یستطیع التاسع عشر من دی فی قم أن یؤثر کل هذا التأثیر. إنما انتفاضة التاسع و العشرین من بهمن لأهالی تبریز هی التی جعلت دماء الشهداء المظلومین فی التاسع عشر من دی فی قم تغلی، و هی التی أحیت تلک الدماء و أوصلت رسالتها إلی العالم کله و لجمیع أنحاء البلاد. هکذا کان تأثیر انتفاضة الشعب فی تبریز. ثم فی قضایا الثورة و قضایا الحرب.
و أول إمام جمعة شهید أو شهید محراب کان من تبریز. من بین خمسة شهداء محراب هناک اثنان من تبریز. و من بین الألویة و من بین القادة العسکریین کان لواء عاشوراء و الجنود الآذربایجانیون و التبریزیون و القادة من ذلک الإقلیم ضمن البارزین. اللواء مجموعة من الشباب و لیس فیه کل الناس، و لکن لو لم یکن کل الناس علی هذا الطریق و قلوبهم جمیعاً فی هذا الاتجاه لما تکوّن لواء بطل شجاع مثل ذلک اللواء. یأتون بجثامین الشهداء و یشیعونها باستمرار فیزداد الناس شوقاً، و یبعث الآباء و الأمهات أبناءهم للجبهات أکثر. هذا کله له معنی. هذا هو سرّ نجاح الشعب الإیرانی.
أعزائی. لقد أهنّا و أذللنا نحن الشعب الإیرانی فی عهد النظام الشاهی. کانوا یهینوننا و یغتصبون حقنا و ینهبون نفطنا و یخنقون مواهب شبابنا، فبقینا متخلفین فی العلم و فی التقنیة و فی السیاسة الدولیة و فی التأثیر علی شعوب العالم. لقد قیّدوا الشعب الإیرانی و کبّلوه. فتحرک الشعب و غیّر الطریق. و ما ینادی به الشعب الإیرانی الیوم هو مقارعة الظلم و الاستکبار العالمی، و هذا بالطبع له خیراته و برکاته للشعب. حینما یقف الشعب و لا یخاف شبکة الأعداء ذات الهیمنة و الضجیج الکبیر، فإن علومه سوف تتقدم و اقتصاده سوف یتقدم، و شؤونه الاجتماعیة سوف تتقدم، و شبابه سیزدادون وعیاً، و سوف یؤثر فی الشعوب الأخری، و سوف تعمّ أفکاره و دینه و شعاراته العالم. الشعارات التی کنا نطلقها ذات یوم هاهنا و نحن مظلومین حیث کان الشعب الإیرانی وحیداً، تحوّلت إلی شعارات کل مکان من العالم الإسلامی تقریباً. الشعب یمکن أن یکون مؤثراً و یستطیع أن یکون متماسکاً قویاً. و سوف یستمر هذا التماسک و القوة. سوف نتقدم فی العلم إن شاء الله، و سوف نتقدم فی الاقتصاد، و نتقدم أیضاً فی البناء و العمران. هذا الشعب و هؤلاء الشباب و هذه الهمم و هذا الصمود سوف تبنی البلاد و تجعلها کباقة ورد، و ستکون إن شاء الله نموذجاً للعالم الإسلامی. ما یجب علینا أن نتابعه هو الخط الصواب و الصراط المستقیم صراط الله و سبیل الله و درب الإسلام و جادة الدین و طریق الشریعة. یجب أن نکون واعین یقظین و نعمل بواجباتنا.
تقام الانتخابات بعد أسبوعین تقریباً. و قد بدأت دمی المسرحیات المعهودة فی وسائل الإعلام العالمیة تعمل لتقلل من أهمیة هذه الانتخابات و رونقها. و أنا أقول، قلت سابقاً و أکرر: مشارکة الشعب فی الانتخابات یمکنها أن تتقدم بالبلاد إلی الأمام، و تحفظها و تصونها من شرور الأعداء، و تبث الشکوک و التزلزل فی العدو بخصوص مؤامراته، و تفرض علیه التراجع. الانتخابات الحماسیة الملحمیة صفعة علی فم الأعداء.
الله معکم.. الله معکم. «من کان لله کان الله له». حینما یسیر الشعب فی سبیل الله فإن الله سوف یعینه و سوف تعینه السنن الإلهیة. قلوب الناس بید الله. هذه العزائم و الإرادات الراسخة صنیعة ید القدرة الإلهیة، و سوف یعین الله تعالی بإذنه هذا الشعب فی هذه الانتخابات أیضاً. ستقام انتخابات المجلس التاسع إن شاء الله بحماس و عواطف و بصیرة و مشارکة غفیرة من قبل الشعب لیتشکل بتوفیق من الله مجلس جید للشعب، و یصعد نواب جیدون إن شاء الله بانتخابکم أیها الشعب، فیدخلون ساحة العمل و الخدمة.. شکراً جزیلاً. (2)
أسأل الله تعالی لکم التوفیق. و أبقاکم الله تعالی و أبقی حیویتکم و نشاطکم و أیّدکم إن شاء الله.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.

الهوامش:
1 - شعارات الحضور باللغة الآذربایجانیة: آذربایجان یقظة، تحامی عن الثورة.
2 - شعارات الحضور باللغة الآذربایجانیة: آذربایجان الفدائیة لا تنفصل عن الخامنئی.