بسم الله الرحمن الرحیم
نبارک الولادة السعیدة لسیدنا النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله و سلم) و الإمام الصادق (علیه الصلاة و السلام) لکل الحضور المحترمین و الإخوة و الأخوات الأعزاء، و خصوصاً الضیوف المحترمین الأعزاء الحاضرین و المشارکین فی هذه الجلسة من بلدان أخری. کما نبارک هذه الظاهرة التاریخیة العظیمة لکل الأمة الإسلامیة و لکل البشریة و خصوصاً للشعب الإیرانی العزیز المتواجد فی سوح البلاد.
لقد اقترنت و الحمد لله هاتان الحادثتان هذه السنة، أی هذه الولادة السعیدة الباعثة علی الخیر و مفتاح المسیرة الإسلامیة التاریخیة العظیمة، و حدث انتصار الثورة الإسلامیة و هی إحدی آثار و ثمار هذه المسیرة الإسلامیة العظیمة فی التاریخ. یحتفل الشعب الإیرانی الیوم بعیدین. عید الولادة، و عید ولادة الثورة الإسلامیة. و ولادة الثورة الإسلامیة هی فی الواقع ولادة جدیدة للإسلام. یوم کان العالم المادی و القوی المهیمنة المادیة تتصوّر بما بذلت من جهود و أعمال طوال عشرات الأعوام أنها استطاعت إقصاء الدین و المعنویة و خصوصاً الإسلام عن ساحة الحیاة الإنسانیة، فی مثل تلک الظروف تصاعد هذا الصوت العظیم و هذا النداء التاریخی الخالد الکبیر فی هذا البلد، فأدهش الأعداء، أعداء الإسلام و أعداء استقلال الشعوب، و أعداء البشریة، و بعث الأمل فی نفوس الأصدقاء الیقظین و الناس الواعین و ذوی البصائر فی کل العالم. یوم ظهرت الثورة الإسلامیة فی إیران لم یکن هناک فی هذا العالم الکبیر من یتصور أن رایة الإسلام بوسعها أن ترفرف هکذا فی مثل هذه المنطقة و فی مثل هذا البلد الذی کان ملکاً خالصاً للمهیمنین، و أن تبقی هذه الحرکة الإسلامیة و تنمو و تقاوم أمام الأعداء و عداواتهم. ما من أحد فی أطراف العالم کان یتصوّر هذا.
أعداء نظام الجمهوریة الإسلامیة کانوا یمنّون أنفسهم أنهم سوف یسقطون هذا النظام فی غضون شهر أو شهرین أو سنة علی أکبر الاحتمالات، و قد استخدموا کل ما بوسعهم من أجل تحقیق مثل هذا الهدف. الحق أن کل یوم من أیام تاریخ ثورتنا عبرة. کل یوم من أیام هذه الأعوام الزاخرة بالحرکة و الجهود منذ بدایة الثورة الإسلامیة فی إیران یمکن أن یتحول إلی علامة و نبراس مقابل أعین الشعوب یزوّدهم بالعبر.. کل تلک المؤامرات و کل تلک الضغوط بأشکال متنوعة، و صمود الشعب الإیرانی بقیادة ذلک الرجل العظیم الذی جعل الله تعالی فی وجوده بلا شک قبساً و لمحة من أنوار النبوات الطیبة. إمامنا الخمینی الجلیل، هذا الرجل الکبیر، واصل نفس ذلک الدرب و نفس تلک الأحوال و نفس تلک المسیرة و الحرکة، و أمحضه الشعب الإیرانی وفاءه و صدقه، و رابط فی الساحة، و استمر و صبر علی الضغوط، و غلّب عزیمته و إرادته علی مؤامرات الأعداء. لذلک بقیت هذه الشجرة الطیبة و تجذّرت و نمت، و سوف یزداد إن شاء الله نمو و متانة و قوة و قدرة هذا الصرح الرصین یوماً بعد یوم. هذا کله ببرکة الإسلام، و کله من خیرات ولادة هذا الیوم.
من أجل أن نجد نحن المسلمین طریق الهدایة یکفینا أن نعرف شخصیة الرسول الأکرم (ص). و عقیدتنا طبعاً هی أن تنتفع البشریة کلها من وجود الرسول الأکرم (ص) و هی تستفید و تنتفع، لکن الأولی بالاستفادة منه هی الأمة الإسلامیة. هذا الوجود العظیم ذو الخلق العظیم و هذه الشخصیة التی ربّاها الله تعالی لأکبر رسالة فی تاریخ البشریة، حیث یقول الإمام الصادق (علیه السلام): «إن الله عزّ و جلّ أدّب نبیّه فأحسن أدبه فلمّا أکمل له الأدب قال إنک لعلی خلق عظیم ثمّ فوّض إلیه أمر الدین و العباد لیسوس عباده». الله تعالی ربّی هذه الشخصیة العظیمة و رشّدها و وفر فی هذا الوجود المطهر المقدس کل لوازم أمر تاریخی عظیم، ثمّ ألقی علی عاتقه هذا الحمل الثقیل المتمثل بالرسالة التاریخیة. لذا ربما أمکن القول عن هذا الیوم و هو السابع عشر من ربیع الأول یوم ولادة النبی الأکرم (ص)، ربما أمکن القول إنه أکبر أعیاد البشریة علی امتداد التاریخ الإنسانی، حیث أهدی الله تعالی مثل هذا الإنسان العظیم للبشریة و لتاریخ الإنسانیة، و قد نهض هذا الإنسان العظیم بمستلزمات هذه المهمة.
نحن المسلمین إذا أردنا لایوم الترکیز علی شخصیة الرسول الأکرم (ص) و التدقیق فیها و استلهام الدروس منها لکفتنا لدیننا و دنیانا. النظر إلی هذا الوجود و التعلم منه و استلهام الدروس منه یکفینا لاستعادة عزتنا. کان مظهراً للعلم و مظهراً للأمانة و مظهراً للأخلاق و مظهراً للعدالة. ما الأشیاء التی یحتاج إلیها الإنسان؟ هذه هی الأشیاء التی تحتاج لها البشریة. هذه هی الاحتیاجات التی لم تتغیّر علی امتداد تاریخ الإنسانیة. کل هذه التحولات و التطورات التی حصلت فی حیاة الناس منذ بدایة ظهور البشر و إلی الیوم - و التی غیّرت أوضاع الحیاة و أحوالها و نظم الحیاة و هیکلیاتها - لم تغیّر المطالیب الأصلیة للإنسانیة. منذ البدایة و إلی الیوم کانت البشریة تنشد الأمن و الاستقرار و الهدوء و العدالة و الأخلاق الحسنة و الاتصال الوثیق بمبدأ الخلقة. هذه هی المطالیب الرئیسة للبشریة و النابعة من فطرة الإنسان. و مظهرها جمیعاً هو الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله و سلم). نحن الأمة الإسلامیة الیوم بحاجة إلی کل هذه الخصوصیات.
الأمة الإسلامیة الیوم بحاجة إلی التقدم العلمی، و تحتاج للثقة و الاطمئنان بالله تعالی، و إلی علاقات سلیمة و أخلاق حسنة بیننا، یجب أن نتعامل تعاملاً أخویاً فی ما بیننا. یجب أن نتعامل فی ما بیننا بالتسامح و التجاوز و الحلم و غض الطرف و التغاضی. و مظهر کل هذه الخصوصیات هو الرسول الأکرم (ص). علمه و حلمه و تغاضیه و رحمته و تودّده مع الضعفاء و عدالته تجاه کل أبناء المجتمع، کلها کانت فی القمة. لنستلهم الدروس من الرسول فنحن بحاجة لهذه الخصال. نحن الیوم بحاجة للثقة بالله تعالی و الاطمئنان للوعود الإلهیة. لقد وعدنا الله تعالی و قال إذا جاهدتم و سعیتم فإن الله تعالی سوف یأخذ بأیدیکم إلی المراد و الأهداف، و سوف تصلون إلی أهدافکم فی ظل صمودکم. یجب أن لا نشعر بالضعف و الخور أمام شهوات الدنیا.. أمام المال و المناصب و مختلف الوساوس النفسیة یجب أن لا نشعر بالضعف بل نصبر و نصمد. هذه هی الأمور التی تأخذ البشریة إلی ذروة الکمال، و تسبغ العزة علی الشعب، و تصل بالمجتمع إلی السعادة الحقیقیة. نحن بحاجة لهذه الأمور، و مظهرها جمیعاً هو الرسول الأعظم (ص).
هذه حیاة النبی المکرم (ص) من فترة طفولته إلی حین شبابه قبل البعثة حیث کان أمیناً إلی درجة أن کل قریش و کل العرب الذین عرفوه لقبوه بالأمین. إنصافه تجاه الأفراد و نظرته العادلة للناس کانت بحیث عندما أرادوا أن یضعوا الحجر الأسود فی مکانه و اختلفت قبائل العرب فی ذلک و تنازعت جعلوه حکماً بینهم و الحال أنه کان شاباً. هذا دلیل علی نظرته المنصفة للجمیع و التی یعلمها الجمیع. و کانوا یعتبرونه صادقاً و أمیناً. هذا عن عهد شبابه. ثم جاءت فترة البعثة و کل تلک التضحیات و الجهاد و الصمود. کل البشریة التی کانت مقابله و أمامه کانت تسیر فی الخط المعاکس و المضاد له. کل تلک الضغوط و الصعاب طوال ثلاثة عشر عاماً فی مکة و کم کانت عصیبة صعبة، لکن الرسول وقف و صمد، و خلق صموده مسلمین مقاومین أقویاء لا تؤثر فیهم أیة ضغوط. هذه دروس لنا. ثمّ کوّن المجتمع فی المدینة و لم یستمر حکمه هناک أکثر من عشرة أعوام، لکنه أرسی دعائم صرح کان طوال قرون مدیدة قمة البشریة فی العلم و الحضارة و التقدم العلمی و الأخلاقی و الثروة. هذا هو المجتمع الذی صمّمه الرسول الأکرم (ص) و أسّس له.
طیّب، المسلمون من بعده أبدوا بعض الخور و الضعف و تسبّبوا ببعض الأضرار و الضربات. نحن المسلمین تسبّبنا فی تخلفنا بأنفسنا. و علینا الیوم أن نتحرک بأنفسنا تبعاً للرسول الأکرم (ص) لکی نتقدم. الأمة الإسلامیة الیوم بحاجة للاتحاد و التراحم و التعارف. هذه الثورات المتتابعة فی العالم الإسلامی و العربی و صحوة الشعوب هذه و تواجد الجماهیر و الشعوب فی الساحة، و التراجعات المتعاقبة لأمریکا و الأجهزة الاستکباریة و هذا الضعف المتفاقم للکیان الصهیونی، هذه کلها فرص لنا نحن المسلمین، إنها فرص للأمة الإسلامیة. لنصحو علی أنفسنا و لنستلهم الدروس، و لا مراء فی أن هذه المسیرة ستتواصل بهمّة الأمة الإسلامیة و شخصیاتها الکبیرة و مثقفیها و النخب العلمیة و السیاسیة و الدینیة فیها، و سیری العالم الإسلامی مرة أخری إن شاء الله أیام عزته.
نسأل الله تعالی أن یقرّب هذا الحدث ما أمکن، و یوفقنا جمیعاً للإسهام و الاشتراک فی هذه المسیرة.

و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته.